صحيفة أمريكية تستعرض ما يحدث في أوروبا اليوم وتستذكر ارهاصات الحرب العالمية الأولى
تاريخ النشر: 1st, June 2024 GMT
نشرت صحيفة "بوليتيكو" مقالا خاضت في تفاصيله ما تعيشه أوروبا من حدة سياسية وعنف شديد، وصفهما الكاتب بالمثيرين للقلق.
وقال الكاتب الصحفي جيمي ديتمر في مقاله: "قبل عقود من إطلاق رصاصتين من مسدس في سراييفو انجرت القارة إلى الحرب العالمية الأولى، تنبأ أوتو فون بسمارك بأن ذلك سيكون "أمرا أحمق في البلقان" والذي من المرجح أن يشعل شرارة الحرب الكبرى التالية في أوروبا".
وأضاف "أن هذا الصراع خلف ما يقدر بنحو 20 مليون قتيل ووضع أوروبا على المسار الصحيح نحو حريق هائل آخر بعد ربع قرن من الزمان".
وذكر أن محاولة اغتيال رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيتسو لن تؤدي إلى حرب عالمية، لكنها ينبغي أن تكون بمثابة جرس إنذار للاستيقاظ لكل المهتمين بالديمقراطية ويخشون أن تنجر أوروبا إلى الماضي المعتاد حيث كان العنف السياسي أمرا شائعا.
وأردف قائلا: "مع ذلك فإن المؤرخين في السنوات المقبلة ربما يقيمون هذه المحاولة لاغتيال رئيس حكومة أوروبية الأولى منذ عام 2003، باعتبارها محطة أخرى على طول انحدار أوروبا المزعج إلى الحدة السياسية والعنف الشديدين".
وفي السياق استشهد الكاتب بوقائع حقيقة عاشتها أوروبا، حيث أفاد بأن بريطانيا شهدت بالفعل مقتل اثنين من المشرعين جو كوكس وديفيد أميس منذ عام 2016، كما أكدت الشرطة الفيدرالية الألمانية الأسبوع الماضي أنها وثقت رقما قياسيا بلغ 60 ألف جريمة جنائية ذات دوافع سياسية في عام 2023.
إقرأ المزيدويوضح جيمي ديتمر: "غالبا ما يتم إحياء ذكرى ما يسمى "العصر الجميل" الذي بدأ بعد نهاية الحرب الفرنسية البروسية (الحرب الفرنسية الألـمانية 1870 - 1871) واستمر باعتباره فترة تميزت ببهجة الحياة، والثراء، والتنوير، والسلام الإقليمي، والازدهار الاقتصادي، والابتكار التكنولوجي والعلمي الملحوظ.. كل الأشياء التي احتفلنا بها بعد سقوط جدار برلين وحتى الأزمة المالية عام 2008 و"كوفيد - 19" أحداث جعلتنا نفهم أن التاريخ في الحقيقة لم ينته".
ويشير في مقاله التحليلي "لكن كما هو الحال دائما مع الذاكرة التاريخية، يعتمد الأمر كله على من يقوم بالتأريخ المستفيدون أم الخاسرون المجتمع الراقي المتوسطون أو الفقراء".
وعلى سبيل المثال، كان للعصر الذهبي أيضا جانب مظلم، حيث تغلغل العنف السياسي في أوروبا قبل وقت طويل من اندلاع الحرب، حيث أن عدد الزعماء الذين تم اغتيالهم في تلك الحقبة مذهل للغاية بما في ذلك رؤساء وزراء اليونان وبلغاريا وصربيا وإسبانيا (اثنان) ووزير العدل الفنلندي وملوك اليونان وإيطاليا والبرتغال بالإضافة إلى إمبراطورة نمساوية.
ومع تكشف هذه الاغتيالات، يقول الكاتب: "طمأن البعض أنفسهم بالقول إنها كانت من صنع المجانين والمغفلين.. واليوم من الصعب بالمثل عدم تصنيف يوراي سينتولا المتهم بمحاولة قتل رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيتسو في 15 مايو، سينتولا البالغ من العمر 71 عاما المائع سياسيا، والشاعر أحيانا، وعامل منجم الفحم، وعامل البناء، ومن المفارقات المؤسس المشارك لحزب الحركة ضد العنف الذي لم يدم طويلا، على أنه أي شيء غير مضطرب".
إقرأ المزيدوكما هو الحال في السنوات الأخيرة في أوروبا، شهد العصر الجميل نمو الميليشيات السياسية والحركات التي تميل نحو العنف والتفكير القومي العدواني أيضاـ ولأنه كان عصرا من التفاوت المفرط والفاحش في الدخل فقد كان مشابها لما هو عليه اليوم، حيث كان يخفي اختلالا اجتماعيا واقتصاديا خطيرا ما أدى بدوره إلى إثارة استياء واسع النطاق".
و"بالنسبة للباحثين مثل كاتب المقالات الهندي بانكاج ميشرا، فإن أوجه التشابه بين ما يسمى بـ"العصر الذهبي" وعصرنا واضحة للعيان، حيث أن الكثير في تجربتنا يتردد صداه مع تجربة الناس في القرن التاسع عشر"، وفق ما نشره الكاتب.
ومع ذلك حذر ميشرا في كتابه "عصر الغضب" من أننا نشهد في الوقت الحاضر صدمات اقتصادية أعظم حجما مع مخاطر أكثر انتشارا وأقل قابلية للتنبؤ بها.
ويؤكد الكاتب في تحليله أن الهزات التي تحدث تحت أقدامنا اليوم هي بمثابة تحذيرات مسبقة من الزلازل السياسية المقبلة بما في ذلك نتيجة انتخابات البرلمان الأوروبي المقبلة والتي من المتوقع أن تشهد ارتفاعا في الدعم للأحزاب الشعبوية على اليمين.
إقرأ المزيدويشدد جيمي ديتمر على أنه "ومع تصاعد المخاوف بشأن التهميش والهجرة الجماعية، والظلم الاجتماعي، والتخلف عن الركب، ومع تبدد التوقعات بشأن فوائد الرفاهية المادية، يغلي الغضب ويستفيد الشعبويون ويؤججون النيران بلهفة من خلال مبدأ "الفائز يأخذ كل شيء".
ويبين أن تصورهم بأننا كنا منيعين بعد انتصار الغرب على الشيوعية، فإن ما يراه الناخبون حولهم الآن هو صناعة حرب عقيمة، وعجز مؤسسي، وحقيقة مفادها أن أطفالهم سيعيشون حياة أكثر فقرا مما يعيشونه الآن كما أنهم يشعرون بالحرمان من حقوقهم، حيث يبدو على نحو متزايد أن القرارات يتم اتخاذها من قبل هيئات عالمية وفوق وطنية لا تخضع للمساءلة بشكل مباشر أمام الناخبين.
ويفيد الكاتب في الأسطر الأخيرة من مقاله بأن ساسة المؤسسة الوسطية في أوروبا لا يساعدون في حلحلة الأمور أيضا وفي كثير من الأحيان يكونون منفصلين عن الناخبين اليائسين المنهكين بسبب أزمات تبدو دائمة، مشيرا إلى أنهم يسارعون إلى إلقاء اللوم على المعلومات المضللة والتلاعب الديماغوجي في صعود الشعبوية بدلا من أخذ التحديات غير المريحة التي تثير قلق الأسر العادية على محمل الجد.
المصدر: "بوليتيكو"
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: أوروبا الاتحاد الأوروبي المفوضية الأوروبية انتخابات بروكسل الحرب العالمية الأولى إقرأ المزید فی أوروبا
إقرأ أيضاً:
تزايد المخاطر التي تهدد الاقتصاد الإسرائيلي.. احتمالات حدوث أزمة مالية ورادة
بحسب معهد بحوث الأمن القومي الإسرائيلي، فإن ثلاثة أحداث وقعت في وقت واحد: انتهاء وقف إطلاق النار في غزة والعودة إلى القتال، والموافقة على الميزانية الإشكالية للعام 2025، وعدم الاستقرار السياسي، تشير إلى تزايد المخاطر التي تهدد الاقتصاد الإسرائيلي، وتزيد من احتمالات حدوث أزمة مالية.
وبشأن الحدث الأول فقد أدى نشاط الجيش في قطاع غزة ولبنان إلى تجدد التهديد الصاروخي على "إسرائيل" وهجمات الحوثيين من اليمن. وإلى جانب عنصر عدم اليقين الذي يصاحب هذه المرحلة من الحرب وأهدافها، فإنه يجعل من الصعب أيضاً على الاقتصاد أن يعمل، بعد أن بدأ يعود إلى طبيعته في الأسابيع التي سبقت ذلك.
على سبيل المثال، يؤثر العودة إلى القتال سلباً على النمو في "إسرائيل" بعد تجنيد جنود الاحتياط؛ سيتعين على الشركات مرة أخرى العثور على بديل للموظفين الذين سيتم تجنيدهم مرة أخرى، بالإضافة إلى ذلك، تزداد التكلفة المرتبطة بتجنيد جنود الاحتياط.
وأظهرت دراسة أجرتها وزارة المالية الإسرائيلية في عام 2024 أن التكلفة الاقتصادية لجندي الاحتياط تبلغ نحو 48 ألف شيكل شهريا (الشيكل يساوي 0.26 دولار).
لقد تطلب تمويل الحرب حتى الآن جمع ديون بمبالغ ضخمة، والتي تجاوزت حتى جمع الديون خلال أزمة كورونا في عام 2020. وبالتالي، فقد بلغ مجموع الديون 278 مليار شيكل في عام 2024 مقارنة بـ 265 مليار شيكل في عام 2020. وأدت هذه الزيادات، إلى جانب نمو الناتج المحلي الإجمالي شبه الصفري، إلى زيادة كبيرة في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، من 60% في عام 2022 إلى 69% في عام 2024.
الحدث الثاني الذي يقوض استقرار الاقتصاد الإسرائيلي هو إقرار الكنيست لأكبر ميزانية للدولة على الإطلاق، والتي بلغت قيمتها نحو 620 مليار شيكل.
في ظاهر الأمر، ينبغي أن يكون إقرار ميزانية الدولة علامة إيجابية على الاستقرار السياسي والاقتصادي. ولكن الميزانية التي تمت الموافقة عليها تشكل إنجازا سياسيا لحكومة بنيامين نتنياهو، ولكنها تشكل فشلا اقتصاديا للبلاد، بحسب التقرير.
لقد أكد بنك "إسرائيل" ووزارة المالية مراراً وتكراراً أن أولويات الحكومة الحالية لا تتوافق مع التحديات الاقتصادية التي تواجه دولة "إسرائيل". ولذلك، فليس من المستغرب أن تكون هناك فجوة كبيرة بين توصيات الهيئات المهنية بشأن ميزانية عام 2025 والميزانية التي تمت الموافقة عليها فعليا. وتتضمن الميزانية الكثير من القرارات المتعلقة بالقوى العاملة، بما في ذلك رفع اشتراكات التأمين الوطني، وتجميد شرائح ضريبة الدخل، وتقليص أيام النقاهة، ورفع ضريبة القيمة المضافة، وهو ما قد يضر بمستوى الطلب في الاقتصاد. كما يتضمن تخفيضات واسعة النطاق في ميزانيات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية.
وعلى النقيض من ذلك، تفتقر الميزانية إلى محركات النمو الرئيسية، ولا تتضمن تخفيضات كبيرة في أموال الائتلاف غير الضرورية، كما أن الأموال التي وعدت بها "قانون النهضة" لإعادة إعمار غلاف غزة والشمال لم يتم تضمينها أيضاً. وبدلاً من تلك البنود التي قد تشجع النمو والاندماج في سوق العمل، تتضمن الميزانية مخصصات كجزء من اتفاقيات الائتلاف، والتي تحفز عدم التجنيد في الجيش الإسرائيلي وعدم المشاركة في سوق العمل. علاوة على ذلك، فإن توزيع الأموال على المؤسسات المعفاة من الضرائب في التعليم الحريدي والتي لا تدرس المواد الأساسية يؤدي إلى إدامة المشكلة وتفاقمها، لأن التعليم الذي تقدمه لا يزيد من قدرة طلابها على الكسب في المستقبل.
الحدث الثالث هو عدم الاستقرار السياسي الذي يرافق عودة الثورة القضائية ومحاولات إقالة المستشار القانوني للحكومة ورئيس الشاباك.
منذ بداية الحرب، قامت ثلاث وكالات تصنيف ائتماني بخفض التصنيف الائتماني لـ"إسرائيل". وفي كل التقارير التي أصدروها منذ انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، أشاروا إلى الخوف من عدم الاستقرار السياسي وتفاقم الاستقطاب في المجتمع الإسرائيلي.
وفي العام الماضي، هاجم وزير المالية سموتريتش قرارات شركات التصنيف الائتماني في عدة مناسبات، مدعيا أن الشركات تتعامل مع قضايا غير اقتصادية، وأنه يتوقع نموا مرتفعا للاقتصاد الإسرائيلي بعد نهاية الحرب.
ولكن هناك مشكلة أساسية في هذه الحجة؛ إذ تشير دراسات واسعة النطاق في علم الاقتصاد إلى أن المؤسسات الاقتصادية والسياسية تؤثر على نمو وازدهار البلدان. على سبيل المثال، أظهر الفائزون بجائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2024 (درون أسيموجلو، وسيمون جونسون وجيمس روبيسون) أن البلدان التي تتمتع بمؤسسات ديمقراطية وسيادة قانون مستقرة تميل إلى الازدهار اقتصاديا، في حين تكافح البلدان ذات المؤسسات الضعيفة لتحقيق نمو كبير في الأمد البعيد.
وهذا يعني أنه حتى من منظور اقتصادي بحت، فإن إضعاف السلطة القضائية يؤثر على التصنيف الائتماني للبلاد. ولذلك، يتعين على وكالات التصنيف الائتماني أن تعالج القضايا السياسية في كل دولة تدرسها لتقييم المخاطر المستقبلية التي تهدد الاقتصاد. والخلاصة هي أن عدم الاستقرار السياسي يساهم في ارتفاع تكاليف تمويل الديون، كما يتضح من ارتفاع علاوة المخاطر في "إسرائيل" في عام 2023، حتى قبل بدء الحرب.
ولكي نفهم بشكل أفضل تأثير العمليات الثلاث التي تحدث معا على القوة المالية لـ"إسرائيل"، كما يراها المستثمرون الدوليون، فمن المفيد أن ننظر إلى التقلبات في عقود مقايضة الائتمان الافتراضي (CDS)، وهو عقد مالي يستخدم كأداة للحماية من إفلاس الجهة المصدرة للدين. وبعبارة بسيطة، فهو تأمين ضد خطر عدم سداد الديون. كلما ارتفع مؤشر مقايضة مخاطر الائتمان في بلد ما، زاد قلق المستثمرين بشأن الاستقرار الاقتصادي في البلاد. ويتغير هذا المؤشر يوميا، مما يتيح لنا الحصول على رؤية فورية حول مخاطر الائتمان في البلدان.
ويظهر مؤشر مقايضة مخاطر الائتمان الإسرائيلي (بالدولار) لمدة 10 سنوات منذ 1 كانون الثاني/ يناير 2023، أن مخاطر الائتمان الإسرائيلي بدأ في الارتفاع بشكل معتدل في بداية عام 2023 وقفز بشكل كبير مع اندلاع الحرب. وواصل مؤشر أسعار المستهلك (CDS) اتجاهه الصعودي ولكن بدرجة معتدلة في العام الأول من الحرب.
وفي ضوء الإنجازات التي تحققت ضد إيران بعد الهجوم الإسرائيلي في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، انخفض مؤشر القوة النسبية (CDS) بشكل حاد. واستمر تراجعه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، مع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان. ومع استئناف القتال في قطاع غزة في أوائل آذار/ مارس 2025، ارتفع مستوى الدفاع الصاروخي الإسرائيلي مجددا. والمعنى العملي لهذه العلاوة هو أن الأسواق تضع في الحسبان مخاطر أكبر للإفلاس في "إسرائيل".
يميل هذا المؤشر إلى أن يسبق قرارات شركات التصنيف الائتماني. على سبيل المثال، خفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني لـ"إسرائيل" في شباط/ فبراير وأيلول/ سبتمبر 2024، بعد فترة طويلة من ارتفاع أسعار مقايضة مخاطر الائتمان. وبشكل عام، انخفض التصنيف الائتماني لـ"إسرائيل" بحسب وكالة موديز من مستوى ما قبل الحرب A1 إلى المستوى الحالي Baa1 مع نظرة مستقبلية سلبية. ويعتبر هذا المستوى قريباً جداً من مستوى Ba1، وهو المستوى الذي تعتبر فيه السندات سندات غير مرغوب فيها.
إن الانخفاض إلى هذا المستوى قد يدفع "إسرائيل" إلى أزمة مالية حيث ستجد صعوبة في جمع الديون في الأسواق المالية لتمويل نفقاتها (بما في ذلك نفقات الحرب).
وهناك احتمال لقيام شركات التصنيف الائتماني بخفض تصنيف "إسرائيل" مرة أخرى.
وينصح التقرير القادة الإسرائيليين بأن يأخذوا في الاعتبار أن الأمن القومي الإسرائيلي مرتبط بالطريقة التي تنظر بها الأسواق المالية إليه.
ويضيف: بالنسبة للأسواق المالية، فإن "إسرائيل" تعيش حالة من الاضطراب الأمني والسياسي والاجتماعي، وكل هذا لا يحدث في فراغ؛ هذه العمليات الثلاث تجري على خلفية الحروب التجارية وعدم اليقين في الاقتصاد العالمي في ضوء السياسات الاقتصادية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.