مفتي الجمهورية: هناك توءمة بين العلم والدين والنصوص الشرعية تحثُّنا على إعمال العقل والتدبر.. ولم نجد لم نجد أمّة من الأمم سادت إلا بفضل العلم والبحث العلمي
تاريخ النشر: 31st, May 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إنَّ العلم هو السبيل الصحيح لرقيِّ الأمم وتقدمها، ولم نجد أمَّةً من الأمم سادت إلا بفضل العلم والبحث العلمي، فمن أراد أن يبني حضارة وعراقة فعليه بالعلم، ولم تكن كل الحضارات من وليد المصادفة أو عشوائية، بل كانت نتاج منهجية علمية رصينة.
جاء ذلك خلال لقائه الأسبوعي في برنامج "مع المفتي" مع الإعلامي شريف فؤاد على فضائية قناة الناس، مضيفًا فضيلته أنَّ العلم يحتلُّ مكانةً عظيمةً وقيمةً كبيرة في منظومةِ القيمِ الإسلامية، فالطريق إلى فهم الدين لا يكون إلَّا بالعلم، والعلمُ أساسٌ للدين والدنيا، ولذلك اهتمَّ المسلمون عبر تاريخهم بالعلم والعلماء والكِتَاب والمؤسسات التعليمية، وكان لهم السَّبْقُ في ميادينَ علميةٍ كثيرةٍ أنتجتها الحضارةُ الإسلاميةُ، أفادت بها البشريةَ جمعاء.
وأوضح فضيلته أن القرآنَ حافل بالآيات التي تحضُّ على النظر، وتدعو إلى التفكر بأساليب شتَّى وصور متنوعة، والمراد بالنظر: النظر العقلي، وهو الذي يستخدم الإنسانُ فيه فكرَه بالتأمل والاعتبار.
وأكَّد فضيلة المفتي على أنَّ الآيات والأخبار والدلائل الصريحة تواترت وتوافقت على فضيلة العلم والحثِّ على تحصيله والاجتهاد في اقتباسه وتعليمه؛ منها -على سبيل المثال لا الحصر- قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: 1-5].
وأشار فضيلته إلى أن الإسلام يسعى إلى بناء إنسان متعلِّم؛ فالعلم هو الضامن الحقيقي لإعادة صياغة الشخصية وتطويرها بالقدر الذي تستطيع به مواكبة متطلبات العصر وتحدياته؛ ومن ثم لا توجد ازدواجية بين العلوم الدينية والدنيوية، كما أنه من دون العلم لا يكون الإنسان مؤهلًا لمهمة الاستخلاف في الأرض، وبغيره لا تتحقق مصالحه.
وقال فضيلة مفتي الجمهورية: "إنَّ العلم في نظر الإسلام لا يقتصرُ على تحصيل العلوم الدينيَّة؛ أي تلك العلوم التي تدور حول فهم الكتاب المسطور فقط، بل إنَّ العلم في الإسلام شامل لكُلٍّ من الكتاب المسطور والكتاب المنظُور، فعلم الكتاب المسطور هو ذلك العلم الدائر حول القرآن الكريم والوحي الشريف، وعلم الكتاب المنظور هو ذلك العلم الناظر في الكون وآياته، وقد أبدع المسلمون في تلك العلوم أيَّما إبداع، ولهم في ذلك علامات براقة يشهد لها تاريخ العلوم، وأعلامٌ كان لهم أعظم الأثر في تطور العلوم بل في نشأتها، كالخوارزمي في علم الجبر، وابن الهيثم في علم البصريَّات، وابنِ سينا وابن رشد وأبي بكر الرَّازي وغيرهم الكثير".
وشدد فضيلته على أن هناك توءَمة بين العلم والدين، فالنصوص الشرعية من الكتاب والسنة تحدثنا وتحثنا على إعمال العقل والتدبر والتفكر والبحث، فطلب العلم بكافة تخصصاته من ضمن التكليفات الشرعية بل يُعد من فروض الكفاية في الشرع الشريف.
وأوضح فضيلة المفتي أن العلماء والفقهاء قسموا الأمور الواجبة إلى أمور واجبةٍ على الأفراد بحيث يتحمل مسئوليتها الفرد بعينه، ولا يغني عنه فيها غيره، ويحاسب عليها وحده ثوابًا وعقابًا والتي تنبع أهميتها في تقوية الجانب الإيماني الفردي، كأداء العبادات من صلاة وصيام وغيرها والتي تندرج تحت فروض العين، والأمور الأخرى هي الواجبة على مجموع الأفراد بحيث يتحمل مسئوليتها المجتمع بأسره، وهذا ما يُسمَّى بالواجب الكفائي، وهو يتضمن معنى المسئولية الجماعية، أي: أنه إذا فرط جميع المكلفين من أفراد المجتمع في هذه المسئولية كانوا جميعًا آثمين، وإذا نهضوا وحدَّدوا من يقوم بأعبائها بحيث يسدون الحاجة ويقومون بالفعل المطلوب، أو وجد من يقوم بذلك تبرعًا وهو كفء له سقط الإثم عن الجميع.
وأضاف فضيلته: ومن أمثلة هذه المسئولية الجماعية التي تنشأ عن فروض الكفاية والتي تحتاج إلى عقل باحث ومفكر ومبدع ضرورة أن يكون في المجتمع الأطباء والمهندسون وأرباب الصناعات والحرف والمهن والتجارات والقائمون على الولايات العامة والخاصة، وغير ذلك من الأمور الدنيوية التي يتوقف عليها صلاح المعاش، فإن هذه الأمور كلها فروض كفايات يجب أن ينهض في المجتمع من يقوم بها سدًّا لحاجات أفراد المجتمع، كما أن تعلم العلوم المختلفة العقلية والنقلية والتجريبية وإتقان الصناعات فرض كفاية لا يسلم المجتمع من الإثم إلا بوجود من يتصدر لها.
واختتم فضيلته حواره بالتأكيد على ضرورة طلب العلم قائلًا: أنصحكم وإياي بالسعي الجاد والمثابرة في طلب العلم، فإن العلم لا يُنال بالرغبات ولا الأمنيات والأحلام، بل بالجهد والتعب والإصرار، واجعلوا من العلم رفيقًا دائمًا، واسلكوا دروبه بإصرار وعزيمة، فالنجاح لا يأتي إلا لمن عمل واجتهد وصبر وثابر.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية أخلاقيات البحث العلمي الدين والعلم
إقرأ أيضاً:
لماذا غاب العقل عن القوى السياسية؟
زين العابدين صالح عبد الرحمن
يقول الحكماء عن العقل ( أعمق خطايا العقل الإنساني أن يعتقد شيئا دون أدلة) و يقولون أيضا ( العوائق تقوي العقل كما يقوي العمل الجسم) و ( العقل الواعي هو القادر على احترام الفكرة حتى ولو لم يؤمن بها)
أن أفضل النعم التي منَ الله بها على الإنسان هي نعمة العقل.. و كما قال الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت أن (العقل أعدل قسمة بين الناس) و لكن هل كل الناس قادرين على استخدام العقل؟ أن ثورة ديسمبر 2018م لم تسقط فقط نظام الإنقاذ، و لكنها أيضا كشفت عوار القوى السياسية في عقولها التي عطلتها بإرادتها مجتمعة، جعلها تفشل في إدارة الأزمات بحكمة يكون العقل رائدها.. رفعت شعار عملية التحول الديمقراطي؛ و سعت على تحقيقه بذات الثقافة الشمولية المناهضة لها، و التي كانت قد خلتفتها النظم الشمولية منذ انقلاب عبود في نوفمبر 1958م مرورا بنظام مايو حتى نظام الإنقاذ، دون أن تحكم العقل لكي تتبين ماهية الفروقات بين الثقافة الشمولية و الديمقراطية، و عدم تبيانها يخلق عقبة كبيرة في مسار الديمقراطية، و معلوم أن معرفة الفروقات تجعلها أكثر وعيا في تأسيس أدوات لكي تنتج لها الثقافة السياسية الديمقراطية، لكنها لم تفعل ذلك بل غيبت العقل تماما و جعلت البديل لكل ذلك أن تبحث عن السلطة وفق شعارات لا تكلفها جهدا كبيرا ترهق به عقلها...
الغريب في الأمر: أن القوى السياسية ذهبت تصيغ مع المكون العسكري "وثية دستورية" رغم أن دستور 2005 كان أمامها، و هو دستور شاركت في صياغته كل القوى السياسية، و كان يحتاج لبعض التعديلات، و حتى يصبح مسودة للدستور الدائم لا يطيل أمد الحوار في مؤتمر دستوري، لكنها لم تفكر بمتطلبات العقل لسببين.. الأول القيادات السياسية التي كانت الأعلى صوتا من قبائل اليسار بمختلف مكوناته " بعثيين و ناصريين و شيوعيين و مرافيدهم" هؤلاء ليس في مرجعياتهم الفكرية أية ثقافة للديمقراطية يمكن أن تساعدهم على تنزيل الشعار على الأرض.. الثاني حالة العداء بينهم و الإسلاميين جعلوا من الثورة أداة لتنفيذ عقوبات يحملونها منذ عام 1965م " قضية معهد المعلمين" و حل الحل حزب الشيوعي.. حالة الغضب تضيع العقل.. الغريب في الأمر بعد المفاصلة التي حدثت في النظام 1999م و خروج الترابي ثم معاهدة " نيفاشا 2005" سمح للمؤتمر الشعبي أن يكون عضوا في قوى الاجماع الوطني التي كان يقودها الحزب الشيوعي.. و عاد الترابي إلي منابر يتحدث فيها الترابي و نقد من أجل الوصول لهدف واحد اسقاط النظام.. لكن الترابي غادر قوى الاجماع بعد خطاب الوثبة 2014م. السبب الثاني حدثت الجفوة مرة أخرى.. الفرق بين تفكير الترابي و قيادة الحزب الشيوعي.. الفارق بين الترابي و الآخرين.. أن الترابي لا يقف عند خيار واحد، بل تتعدد عنده الخيارات، و كان مقتنعا أن القيادات و الشباب الذين معه قادرين أن يحققوا مكاسب في أي خيار يدخله حزبهم.. القوى السياسية الأخرى كانت قياداتها تتخوف من تعدد الخيارات، لأنه سوف يجعل القيادة غير قادرة على التحكم في عضويتها، ربما تتسبب الخيارات المتعددة في انقسامات داخل التنظيم.. الصادق المهدي أيضا كان يرغب الدخول في عدة خيارات لكنه غير واثق من القيادات التي معه، و التي بالفعل ذهبت في طرق مختلفة.. المؤتمر السوداني كانت لدى بعض القيادات ذات الخاصية تعدد الخيارات، عندما أعلنوا دخول انتخابات 2020م بهدف خوض انتخابات يعلمون لن يكسبوها لكن سوف تدفع بحزب إلي المقدمة، و خاصة سوف يجدون تأييد وسط الشارع بهدف منازلة النظام، لكن بعد الثورة أغرتهم السلطة في اعتقاد أن السلطة سوف تجلب لهم التأييد، و السلطة هي صراع مستمر لا تأمن عواقبه..
خرج حزب الأمة و الحزب الشيوعي من التحالف، ثم أحدث الحزب الشيوعي انقساما في تجمع المهنيين، أضعفا التحالف الذي فشلت قيادته الاحتفاظ بعلاقته مع الشارع، رحل الأمام الصادق الأمر الذي خلق حالة من الهوة بين رؤى الصادق و العناصر التي جاءت للقيادة التي ركزت على السلطة دون أية خيارات أخرى، و تركيزها على السلطة جعلها تتماهى مع القوى السياسية الأخرى كحليف تغلق بعده أبواب المشاركة، و نسيت هذه القوى السياسية أن الرهان على المصالح ذات البعد الواحد " لا خيار غير السلطة" سوف يجعلها أمام تحدى مع كل المكونات الأخرى إذا كانوا عساكر أو مدنيين.. أولا لم يفكروا أن هذا الصراع سوف يضعفهم في تحدي مع القوى السياسية الأخرى، و أيضا العسكر.. و ثانيا ليس عندهم أية تأييد شعبي يخلق لهم توازن القوى مع الآخرين.. و عندما بدأ يظهر للعيان ضعفهم، كان تغيير 25 أكتوبر 2021م الذي أطاح بحكومة حمدوك و الذين معه.. و لم يجدوا من يدافع عنهم.. بل عندما خرج الشارع كان ضدهم " بيكم بيكم قحاته باعوا الدم" لذلك لم يترددوا مطلقا عندما طلبت منهم مساعدة وزير الخارجية الأمريكية " مولي في" أن يجلسوا مع العسكر في بيت السفير.. دخلوا الاجتماع و لم تكن لديهم أية رؤية غير أنهم يريدون الرجوع للسلطة فقط، و كان العسكر يصرون على توسيع قاعدة المشاركة، رجعوا للعسكر برغبتهم و عندما فشل انقلاب الميليشيا بدأوا يعيبون على الذين وقفوا مع الجيش موقفهم..
أن القوى السياسية حقيقة لم تستفيد من تجارب الماضي، و لم تتعامل مع القضية وفقا لمتطلبات الواقع.. و كان الرغائب الخاصة عند القيادات في تحالف " قحت" لا تجعلها تفكر ابعد من موطئ قدمها، لذلك تبريرها في الفشل اسقطته كله على " الفلول و الكيزان" و هنا يكون السؤال إذا القوى السياسية كانت تعرف أن " الفلول و الكيزان" أفضل منها في إدارة الصراع و قادرة على التحدي لماذا هي لم تفكر كيف تخوض التحدي الذي يضمن أولا عملية التحول الديمقراطي للشعار الذي رفعته و عجزت أن تخطو فيه خطوة واحدة.. و الثاني أن القوى السياسية على إطلاقها تحتاج إلي إعادة قراءة للواقع السياسي السوداني، و كيف تستطيع أن ترسم ملامح السودان بعد الحرب.. أي؛ كيفية عودة العقل لمسار التفكير.. لآن التغيير لا يتم إلا بضخ الأفكار.. نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com