«الإخوان.. تاريخ الخيانة».. خالد حنفي يستعرض تاريخ الجماعة الفاشية (الحلقة الأولى)
تاريخ النشر: 31st, May 2024 GMT
تخيلت الجماعة الفاشية عندما وصلت لكرسى الحكم أنها قادرة على إرهاب الجميع.. قادرة على سحلهم والتنكيل بهم.. قادرة على قطع ألسنتهم وقطع أرزاقهم، ولِمَ لا وهى الآن تجلس على كرسى الحكم.. تحكم وتتحكم فى كل شىء.. تخيلت أن الجميع مثلها سوف يلجأ إلى أساليبها وخداعها حتى لمن يحكم.. تخيلت أن الجميع سوف يبايعها ويمنحها شيكاً على بياض.
تمكنت الجماعة من كرسى الرئاسة لكنها أبداً لم تقترب من تنظيمها.. لم تفكر فى تسوية وضعها ولا منحه صبغة قانونية.. هى تعرف أن وضعها منذ أن تم حلها فى الخمسينات هو الأمثل.. هو الوضع الذى يمكِّنها من فعل أى شىء دون مساءلة.. يمكِّنها من التواصل مع دول أجنبية وأوروبية دون أن تتهمها بالتجسس أو العمالة.. يمكِّنها من تلقى أموال من أشخاص ودول دون أن تتهمها بالخيانة.. أيضاً وضعها بهذا الشكل يجعلها تحاسب الغير إذا ما اقترب منها أو حاول كشفها وكشف مخططاتها.
طلبتُ من النيابة العامة استدعاء محمد بديع والتحقيق معه لأنه انتحل صفة مرشد لجماعة «منحلة» تمارس أنشطة غير قانونية فى المجتمععندما وصلت الجماعة إلى الحكم كنتُ تعرضتُ للجماعة بنشر وثائق عن تحركاتها ومخططاتها.. تعرضتُ للخطابات المتبادلة بينها وبين دول أوربية وأجنبية ومنها أمريكا.. كانت الجماعة تضيق بكل من يكتب شيئاً عنها.. تهدده وفى الوقت نفسه تتخذ الإجراءات القانونية ضده.. فى وقت حاولت فيه أن تضع رجالها وأبناء التنظيم وأبناء الخارجين من رحمها فى القضاء ليكونوا أداة مهمة لها لترسيخ أقدامها فى الحكم.. لم تسعَ الجماعة للرد هى أو حتى مرشدها.. لكن محمد بديع مرشد الجماعة تقدم ببلاغ ضدى للنائب العام.. ذهبتُ إلى النيابة ومَثُلتُ أمام باسل الشافعى مدير نيابة الدقى ليحقق معى فى البلاغ الذى قدمه محمد بديع ضد ما كتبته عن الرسائل المتبادلة بين الإخوان والدول الأجنبية ومنها أمريكا، وهو ما رآه «بديع» سباً وقذفاً فى حقه.. فى بلاغه نفى بديع أن يكون قد سعى لأن يحصل على الأمان من الأمريكان، وهو نفى لم يدهشنى أن يصدر عن «بديع» أو أحد قيادات الإخوان.. فالجماعة المنحلة تعوَّدت أن تلحس كل تصريحاتها.. تعوَّدت أن تلحس وعودها واتفاقياتها إذا ما تضاربت مع مصالحها.. قدمت للنيابة الفاكسات المتبادلة بين قيادات مكتب الإرشاد والسفارات الأجنبية.. قدمت لها حوارات مع قيادات الإخوان لصحف عالمية جرى نشرها تؤكد ما سبق أن قلناه، وكان من بينها.
خيرت الشاطر تعهد لأمريكا باحترام اتفاقية كامب ديفيد وحفظ أمن إسرائيل إذا ما دعموا الجماعة للوصول لكرسي الحكمحوار لخيرت الشاطر أكد فيه أن أمريكا هى حليف استراتيجى للإخوان وأنهم تعهدوا لها باحترام الاتفاقيات الدولية، وأهمها طبعاً اتفاقية كامب ديفيد، كما تعهدوا لهم بحفظ أمن إسرائيل إذا ما دعموهم للوصول لكرسى الحكم.. إذاً علاقة الإخوان بأمريكا علاقة واضحة لا ريب فيها باعتراف قادة هذه الجماعة المنحلّة، ولا أعرف سر انزعاج محمد بديع من هذه العلاقة خاصة أنها جاءت لهم بالخير كله وهو كرسى الحكم، ولا أعرف أين السب والقذف فى ذلك، فأنا لم أرمِه فى شرفه أو أخلاقه أو عرضه.
أجبت عن كل أسئلة مدير النيابة حتى قال لى «هل لديك أقوال أخرى»؟!.. الرد الطبيعى هنا عادة ما يكون: لا.. ليتم إقفال المحضر.. لكننى وجدتها فرصة لكى أقول ما عزمت عليه.. قلت بأى صفة يتقدم محمد بديع ببلاغ ضدى للنائب العام؟ هل باعتباره طبيباً بيطرياً؟ أم مواطناً محظوظاً يمكنه أن يلتقى كل المسئولين فى العالم ويتفاوض معهم دون حسيب أو رقيب؟.. لكن محمد بديع تقدم ببلاغه بصفته المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين.
كان علىَّ أن أسجل أن بديع انتحل صفة المرشد العام لجماعة منحلة تمارس أنشطة غير قانونية منذ حلها سنة 1954 وحتى الآن.. جماعة منحلة فشلت أن تسترد شرعيتها طوال السنوات الماضية، ولن يمكنها أن تحصل على هذه الشرعية إلا إذا جرى تغيير المادة 191 من الدستور، وهى المادة التى حصَّنت كل القرارات الصادرة من مجلس قيادة ثورة 23 يوليو والتى لا يجوز الطعن عليها أو إلغاؤها بأى شكل من الأشكال.
تنص المادة على: «جميع القرارات الصادرة من مجلس قيادة الثورة وجميع القوانين والقرارات التى تتصل بها وصدرت مكمِّلة أو منفذة لها وكذلك جميع القرارات والأحكام والإجراءات والأعمال التى صدرت عن الهيئات التى قرر مجلس قيادة الثورة تشكيلها أو الصادرة من أى هيئة أخرى من الهيئات التى أنشئت بقصد حماية الثورة لا يجوز الطعن فى أى منها أو المطالبة بإلغائها أو التعويض عنها بأى وجه من الوجوه أمام أية هيئة أياً كانت».. وهى المادة التى جاءت فى دستور 1956 وبقيت هذه الحصانة الدستورية فى دساتير 1958 و1964 و1971، فلا أحد اقترب من هذه المادة.
وقدمتُ للنيابة حكم محكمة القضاء الإدارى فى القضية رقم 133 لسنة 32 ق والتى رفعها عمر التلمسانى المرشد الثالث للجماعة سنة 1977 حتى مات، وواصل المشوار من بعده حامد أبو النصر، المرشد الرابع، حتى جاء الحكم فى يناير 1992 بعدم قبول الدعوى وألزمت المحكمة مَن رفعها بالمصروفات، ولم يتم وضع التقرير من وقتها وحتى الآن، وهناك من يقول إنه جرى إخفاء هذا الحكم خدمة للجماعة المنحلة.. الجماعة التى كانت تدَّعى دائمًا أنه لا توجد وثيقة واحدة تؤكد أنه جرى حلها.. فى محاولة من قادتها إيهام الناس بأن النظام - أى نظام - يضطهدها ويحاصرها ولا يريد لها أن تعمل بحرية، رغم أن هذه الجماعة كانت تمارس أنشطتها بكامل الحرية.
الجماعة تعرف جيداً أنه جرى حلها مرتين؛ المرة الأولى فى نوفمبر 1948 فى عهد النقراشى باشا، فما كان منهم إلا اغتياله وبعد سنتين طعنوا على قرار الحل وحصلوا على إلغاء القرار السابق بحلها لتسترد الجماعة شرعيتها من جديد.. أما الحل الثانى فجرى سنة 1954 عقب محاولة اغتيال جمال عبد الناصر فى المنشية.. وقتها قرر مجلس قيادة الثورة حل جماعة الإخوان، على اعتبار أن الجماعة حزب سياسى ويطبق عليها أمر مجلس قيادة الثورة الخاص بحل الأحزاب السياسية.. صدر القرار فى يناير من نفس السنة، وفى شهر ديسمبر أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً آخر بتصفية الشركات التى تملكها الجماعة وحظر إعادة إنشائها بأى صورة كانت.. قلت هذا أمام النيابة وقدمت كل الأوراق اللازمة التى تؤكد هذا الكلام لتطمئن النيابة أنه ليس كلاماً مرسلاً، قدمت الأوراق والجماعة تعرف أن ما قيل عنها ليس ادّعاءً عليها وإنما الحقيقة التى لا تريد أن تسمعها.. بعدها جرت مواجهة على الهواء بينى وبين فتحى تميم، أحد قيادات الجماعة الفاشية.. حلقة كاملة عبر قناة «المحور» فى نهايتها تم عرض الصلح، وبدأ فتحى تميم كلامه بأن الجماعة ومرشدها على استعداد لإتمام التصالح لإيمانها بحرية التعبير، أما أنا فقد قلت: «أنا على يقين مما كتبته وفى انتظار كلمة القضاء».. لم يعجب كلامى فتحى تميم وانهال على الصحفيين والإعلاميين.. المهم أننى رفضت التصالح لإيمانى الشديد بفاشية الجماعة.. كانت فقط تريد تجميل صورتها أمام المصريين.
ما أحكيه ليس من باب الشجاعة، وإنما كشفٌ للطريقة التى كانت تفكر بها الجماعة وطريقة إدارتها للبلاد.. ما أحكيه هنا كشفٌ بأن الجماعة المنحلة لم تفكر فى تسوية وضعها لأنها تستفيد من هذا الوضع.
حاول قادة الجماعة عبر تاريخها استرداد شرعية الجماعة بعد حلها.. سعوا لذلك منذ سنة 1977، وهو ما جاء فى الدعوى التى رفعها عمر التلمسانى وحكى فيها ما جرى مع الجماعة.. شرح التلمسانى فى دعواه تاريخ الجماعة من وجهة نظره، قال إنها تكونت منذ زمن بعيد ولاقت دعواها قبولاً لدى أفراد الشعب المصرى وقامت بينها وبين الحكومات المختلفة نزاعات وخصومات وتعرضت لها السلطات بالأذى ولكنها صمدت صمود الإسلام فى رياح الاستعمار وزوابع العنصريات وأعاصير الحزبيات وأدوا واجبهم فى حرب الصهيونية بأرض فلسطين، وفى المقاومة الشعبية فى الحرب التى قامت بين الشعب المصرى وجنود بريطانيا المحتلة قام شباب الإخوان وكهولها بواجبهم الدينى والوطنى، وقدمت الجماعة تضحيات غالية، ولما قامت القوات المسلحة بانقلاب عسكرى فى 23 يوليو كان نجاحه بفضل ما قامت به جماعة الإخوان من تمهيد فى مجالات مختلفة، ولما أراد قادة الانقلاب العسكرى تغيير النظام الملكى إلى النظام الجمهورى وواجهوا بذلك الأحزاب السياسية وأنصار الملكية لم يعتمدوا على أسلحتهم بقدر ما اعتمدوا على القوة الشعبية للإخوان المسلمين.. وفى سنة 1953 جرى حل الأحزاب السياسية ولم يتم الاقتراب من الجماعة، لكن هناك خلاف وقع بين الجماعة وقادة الانقلاب فأصدروا قراراً بحل الجماعة ثم جرى التصالح فتم إلغاء قرار الحل.
فى سنة 1954 – ما زال التلمسانى يحكى - تم تدبير حادث إطلاق الرصاص على جمال عبد الناصر فى ميدان المنشية وتم اتهام الإخوان المسلمين بتدبير الحادث وتمت محاكمة كثيرين من أعضاء الجماعة وصدرت أحكام بعقوبات تتراوح بين الإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة.. وتكررت المذبحة فى سنة 1965 ثم ثبت بعد ذلك أن الجماعة لم يكن لها يد فى محاولة الاغتيال لذلك فقرار حلها مخالف للقانون لأنه صدر فى غيبة الدستور والمجلس النيابى.. كما أن حادث المنشية هو مجرد شروع فى قتل كان مدبراً للإطاحة بالإخوان المسلمين ولم يحدث فى أية دولة دستورية النظام أن وقوع جريمة من فرد تدين جماعة بأكملها كان أفرادها يحصون بالملايين حتى لو صح فرضاً أن المتهم كان عضواً بالإخوان المسلمين عملاً بقوله تعالى «ولا تزر وازرة وزر أخرى».
التلمسانى حكى من وجهة نظره - وهى نفس وجهة نظر الجماعة التى تروج لها طوال الوقت - أن الجماعة وطوال تاريخها تدفع الثمن وتجاهد فى سبيل الوطن وهناك من يجنى الثمار لوحده.. ما حكاه التلمسانى فى دعواه به كثير من التضليل والخداع وتزييف الوقائع.. فالجهاد ضد الإنجليز كان فرض عين على كل المصريين وليس الجماعة وحدها.. المصريون جميعاً اصطفوا لطرد الإنجليز من بلادهم.. نفس الأمر حدث عندما حارب المصريون الكيان الصهيونى ووهبوا أنفسهم للدفاع عن فلسطين؛ قضيتنا التى نؤمن بها جميعاً وليس الجماعة وحدها.. القضية التى اكتشفنا أن الجماعة تصدّرها طوال الوقت لتثبت أنها جماعة وطنية.. كانت ترهق بها كل الأنظمة التى مرت على حكم مصر لإحراجها فقط أمام الشعب.. لكنها وقبل أن تستولى على كرسى الحكم غازلت الأمريكان وأعلن قادتها احترامهم لاتفاقية كامب ديفيد وتعهدهم بعدم الاقتراب من إسرائيل.. عندما استولوا على كرسى الحكم وصف مندوبهم فى الرئاسة محمد مرسى رئيس وزراء إسرائيل بالصديق العزيز.. كان فى يد الجماعة كل شىء لكنها أبداً لم تقدم لفلسطين ما كانت تدّعيه طوال الوقت.. ادعاءات التلمسانى فى الدعوى لم تتوقف عند هذا الحد وإنما ذهب بعيداً ليتطاول على ثورة 23 يوليو وعلى ما قدمته للشعب المصرى.. انتصرت له وجعلته شريكاً معها فى بناء الدولة المصرية.. جعلته شريكاً فى حمايتها ورفع راياتها عالياً وصون كرامتها وعزتها.. الجماعة التى تدعى أنها وقفت بجوار ثورة 23 يوليو ويعرف الجميع أنها كانت على الحياد.. كانت توحى للضباط الأحرار أنها معهم ولا تعلن ذلك خوفاً من غضب الملك عليهم.. لم تبارك الثورة إلا بعد أن تأكد لها أنها نجحت وذهب الملك إلى حال سبيله.. بعدها أعلنت مباركتها للثورة لكنها أرادت أن تشارك فى الحكم بل تفرض وصايتها على من يحكمون البلاد فى هذه الفترة.. أراد مرشدها أن يفوز بعدد من الوزارات.. أراد أن يفرض الحجاب بقرار جمهورى.. أراد أن يغلق المسارح ودور العرض السينمائى ويقتل الإبداع بكافة صوره، وهو ما وجد رفضاً شديداً.. لم يكن ما تم طرحه من قبل الجماعة قابلاً للتفاوض أو المساومة، ولما وجدوا الباب مغلقاً لم يكن أمامهم سوى التربص بقادة الثورة.. لم يكن أمامهم سوى تدبير حوادث لاغتيالهم واحداً تلو الآخر وبدأوا بالزعيم جمال عبد الناصر وفشلوا وجرى تقديمهم للمحاكمة.
نعود لدعوى التلمسانى.. قدم مذكرة دفاعه معتمداً على المادة 191 من دستور 1956، وأضاف التلمسانى إلى طلباته استرداد الأملاك والأموال وتمكين الإخوان المسلمين من مباشرة نشاطهم.. أعدت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى ارتأت فيه عدم جواز سماع الدعوى مع إلزام المدعى بالمصروفات.
بعدها نظرت المحكمة الدعوى فى جلسات ديسمبر 1983 قدم فيها التلمسانى مذكرة بتعديل الطلبات وفيها طالب بإلغاء قرار حل الجماعة وإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من مصادرة أموالها وتعويض الجماعة عيناً ونقداً عن مصادرة أموالها.. وفى يناير 1984 وأكتوبر من نفس السنة حافظة مستندات ومذكرة بالدفاع وجلسة أخرى فى أبريل 1985 ثم جلسة فى يونيو 1986 وفيها طالب وكيل التلمسانى بانقطاع سير الخصومة لوفاته.
لكن حامد أبو النصر، المرشد الرابع، واصل الدعوى فى أكتوبر 1986 فقررت المحكمة إحالة الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة لإعداد تقرير بالرأى القانونى فى الطلبات المعدلة وطلب الحلول والانضمام المقدم من حامد أبو النصر، وأعدت الهيئة تقريرها رأت فيه عدم قبول الطلب الأصلى لانتفاء القرار الإدارى وعدم جواز سماع الدعوى بالنسبة للطلب الاحتياطى مع إلزام المدعى بالمصروفات.
نظرت المحكمة الدعوى مرة ثانية بجلسات يونيو ثم يوليو ونوفمبر وديسمبر من سنة 1990 وتواصلت الجلسات سنة 1991 فى يونيو وسبتمبر، وفى جلسة نوفمبر قررت المحكمة حجز الدعوى لإصدار الحكم فيها بجلسة فبراير من سنة 1992.. استندت المحكمة فى حكمها على المادة 191 وكما قلنا من دستور 56 وبقيت الحصانة الدستورية دون مساس فى دساتير 58 و64و71 لذلك حكمت بعدم قبول الدعوى بشقيها الأصلى والاحتياطى وإلزام من خسر الدعوى بالمصروفات.
لم تسعَ الجماعة منذ هذا الحكم إلى تقنين وضعها وأظن - ليس كل الظن إثماً - أنها لا تريد ذلك، فهى تمارس أنشطتها بحرية كاملة دون أن تكون هناك رقابة عليها وعلى مصادر تمويلها.. الرقابة تضيّق الخناق عليها وبالتأكيد ستجد من يسألها من أين لك هذا؟.. تقنين وضعها خسارة كبيرة لها لا تحتمل، لا تريد أن تضع نفسها تحت مظلة الأحكام والقوانين واللوائح المنظمة لعمل الجمعيات الأهلية والخيرية فى مصر.
لم تسعَ الجماعة المنحلة إلى تقنين وضعها حتى بعد قيام «25 يناير».. لقد رحل النظام الذى كانت تدّعى أنه يضطهدها ويضيّق عليها.. لو كنت سألت أحداً من قادتها وقتها «لماذا لا تقدمون على هذه الخطوة؟».. سيقولون لك: لن نقننها فى ظل قانون الجمعيات الحالى باعتباره مقيداً للحريات والحقوق أعده نظام مبارك للسيطرة على الجمعيات والمنظمات الحقوقية.. ستجد أيضاً من يكابر ويقول إن الجماعة ما زالت فى انتظار فصل المحكمة الدستورية العليا فى دعوى معروضة أمامها منذ عدة سنوات.. سيقولون إنهم فى انتظار قرار حسم محكمة القضاء الإدارى لشرعية وجود الجماعة رغم أن المحكمة أصدرت حكمها سنة 1992.
وضع الجماعة مُرضٍ تماماً لمن ينتمون إليها.. ليعترفوا بذلك بدلاً من ادعاءاتهم المستمرة بأنه لا يوجد قرار بالحل وأنه لا يوجد حكم محكمة بذلك.
لقد قدمت الحكم إلى النيابة العامة وطلبت منها استدعاء محمد بديع والتحقيق معه لأنه انتحل صفة مرشد لجماعة منحلة تمارس أنشطة غير قانونية فى المجتمع، ولا أحد يقترب منها أو يحاسبها أو يسأل عن مصادر تمويلها وكأنها فوق القانون!
غداً.. الحلقة الثانية
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الجماعة الإرهابية الإرهاب الغاشم مجلس قیادة الثورة الإخوان المسلمین أن الجماعة محمد بدیع لم یکن إذا ما
إقرأ أيضاً:
ترامب على خطى موسوليني.. هل تعيد الترامبية إنتاج الفاشية في ثوب نيوليبرالي؟
أحدثت نصريحات ترامب وتعييناته للطاقم الرئاسي وقراراته المختلفة بما فيها قواعد التعامل مع الدول الحليفة، موجة احتجاجات دولية. وزاد الطين بلة ما اتخذه من قرارات التعريفات الجمركية التي لم تستثن بلدا واحدا في العالم تقريبا. وكانت ردود أفعال الدول المختلفة عليها سببا في توجيه ضربات قاصمة للبورصات الأمريكية وخروج مظاهرت عارمة في الشارع الأمريكي. وكشفت عناوين الصحافة الأمريكية عن عمق الأزمة التي تواجهها أمريكا، وتهدد مستقبلها كقوة عظمي. والسؤال هنا: هل يتحقق ما قاله أبراهام لنكولن: "لن يتم تدمير أمريكا أبدا من الخارج. إذا تعثرنا وفقدنا حرياتنا، فسيكون ذلك لأننا دمرنا أنفسنا".
ولكي نفهم ما يجري الآن، علينا قراءة شخصية ترامب وتحليل فكره وسلوكه السياسي. وفي هذا المقال نقدم عرضا لدراسة نشرتها مجلة "النطرية الاجتماعية" في 25/3/2025، عنوانها "الترامبية والفاشية والليبرالية الجديدة " للباحثين: لويد كوكس وبريندون أكونور بجامعة سيدني، أستراليا:
الترامبية والفاشية
سلّطت الانتخابات الرئاسية عام 2024 الضوء على مسألة فاشية ترامب إلى درجة لم يسبق لها مثيل، ليس لدى معارضيه فحسب؛ بل إن من خدموا معه من قبل وصفوه بالفاشية: قال الجنرال المتقاعد مارك ميلي، الذي تولى رئاسة الأركان عام 1919، "إن ترامب فاشي حتى النخاع". وصرح جون كيلي، رئيس موظفي ترامب السابق، أن ترامب ينطبق عليه "التعريف العام للفاشية"، وقد أشاد بجنرالات هتلر لولائهم". ووافقه في ذلك مارك إسبر، وزير الدفاع السابق لترامب.
"قال الجنرال المتقاعد مارك ميلي... 'إن ترامب فاشي حتى النخاع'." تصريح صادم من أحد أعلى القيادات العسكرية السابقين، يلقي بظلال ثقيلة على طبيعة المشروع السياسي لترامب.لقد تولد الربط بين الترامبية والفاشية مع فترة رئاسته الأولى. فقد خلقت الليبرالية الجديدة ظروفًا ممكنة مواتية لنوع السياسة "الفاشية" التي يروج لها ترامب. ومع ذلك، يثور هنا سؤال: كيف يمكن التوفيق بين تفضيل ترامب الواضح لسياسات الليبرالية الجديدة، وبين الفاشية التاريخية التي تتسم بالنزعة الإقصائية وإخضاع الأفراد للجماعة؟! لكن، يمكن تفسير ذلك بأن هناك أوجه شبه بين الترامبية والفاشية الأوروبية في فترة ما بين الحربين العالميتين؛ وكذلك بين الاستقطاب السياسي الحالي، والاستقطاب الأوروبي فيما بين الحربين العالميتين.
ما بين الفاشية والليبرالية الجديدة
للوهلة الأولى، تبدو الفاشية والليبرالية الجديدة متناقضتين. فقد تبلورت الفاشية من رحم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتعددة التي حلت بأوروبا في السنوات التي تلت الحرب العالمية الأولى. ورفض الفاشيون ما اعتبروه ضعفًا سياسيًا وانحطاطًا ثقافيًا للحكومات الليبرالية والأنظمة الديمقراطية التي سعوا إلى الحصول على الشرعية منها. وزعموا أن ذلك أدى إلى خلق ظروف فوضوية أضعفت حيوية الأمة، وسرعت من التدهور الوطني. وكان العلاج هو تدمير النقابات العمالية المستقلة، وتفكيك الديمقراطية الليبرالية، واستخدام العنف شبه العسكري لتحقيق هذه الأهداف. وهذا ما عبر عنه هتلر وموسوليني، "ثورة ضد الثورة". وبمجرد تأمين وصول الفاشيين للسلطة ، تم تفكيك الحريات والامتيازات الفردية، وتدمير حرية التعبير وتكوين الجمعيات، وتقليص سيادة القانون. وحل محلها القيادة الديكتاتورية، وهي سياسة قال عنها موسوليني، "إذا كان القرن التاسع عشر هو قرن الفرد أو الليبرالية، فإن هذا القرن هو قرن الدولة".
نشأة وتعريف الليبرالية الجديدة
تبلورت الليبرالية الجديدة في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي كرد فعل على هذه الرؤية الجماعية والإقصائية. وعُرّفت على أنها نمط من أنماط التنظيم، ونموذج سياسي، ومشروع رأسمالي لاستعادة الربحية، وعقلانية سياسية معيارية. وهذه المقاربات جعلت التعريف "مصطلحًا فضفاضًا قابلًا للتكيف":
ـ ترتكز الليبرالية الجديدة على تثمين رأس المال، وتعميم عقلانية السوق، والمنافسة غير المقيدة عبر الاقتصاد الرأسمالي المكون من أفراد يعملون "بحرية" لتعظيم مصالحهم الذاتية.
ـ في الليبرالية الجديدة: يتم رفع المنافسة بين الشركات، وبين رواد الأعمال، وبين العمال الأفراد وبين الدول، حيث يُنظر إليها على أنها "مصدر جميع المنافع". وهنا يُعتبر المواطن المستهلك الفرد المعتمد على نفسه، والمستهلك الفرد مسؤولاً في نهاية المطاف عن حظه الجيد أو عدمه.
ـ تختلف هذه النظرة الليبرالية الجديدة عن النظرة الفاشية للعالم في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، والتي كانت تمجد فضائل التضحية بالنفس مع تقديس الأمة والدولة. إن مثل هذا التخطيط والقيود المفروضة على الحرية الفردية التي يُزعم أنها تنطوي على مثل هذا التخطيط، على حد تعبير هايك الشهير، هو "الطريق إلى العبودية".
إذن، وفرت "الليبرالية الجديدة" الشرعية الفكرية للمشاريع السياسية والاقتصادية التي نشرت الرأسمالية على مستوى العالم منذ الثمانينيات. وهذا يفيد في تناول علاقة الليبرالية الجديدة بالترامبية والفاشية، وذلك للأسباب التالية:
1 ـ العناصر العقائدية لليبرالية الجديدة ليس لها شكل نهائي ، مما يعني الاختلاط المعقد والمتناقض بين ممارسات ومبادئ حكم السوق مع جميع العناصر المارقة والرجعية والأنواع المختلفة من الاستبداد.
2 ـ ليست الليبرالية الجديدة مجرد إحياء للرأسمالية القائمة على مبدأ عدم التدخل، مع عقائدها الراسخة حول "طبيعية" الأسواق واستحسان وجود دولة "حارس ليلي" في حدها الأدنى. فالحكومة في الليبرالية الجديدة مكلفة بإقامة والحفاظ على المنافسة وتحقيق أقصى قدر من المصلحة الذاتية.
"فالقائد الفاشي يطلب الطاعة والامتثال من الأتباع... وتمتد هذه السلطوية إلى المجتمع بشكل عام إذا نجح في الاستيلاء على الحكم." ملامح السلطة الفردية المطلقة تعود للواجهة، لكن هذه المرة داخل دولة تدّعي الديمقراطية.3 ـ الليبرالية الجديدة لا تعني ضعف الدولة أو محدوديتها؛ بل تتطلب إدارة سياسية نشطة أو تحقيق معادلة: "الاقتصاد الحر والدولة القوية".
4 ـ هناك علاقة سببية بين الآثار الاجتماعية المدمرة لليبرالية الجديدة، ونمو الدولة السلطوية وعسكرة الشرطة. وهذا الارتباط عنصري بشكل مكثف، حيث يتحمل الملونون من الطبقة العاملة وطأة الانسحاب النيوليبرالي للدولة في الحماية الاجتماعية، بينما يقدمون حصة غير متناسبة من مليوني شخص يقبعون الآن في السجون الأمريكية، بسبب بسط الدولة يدها للتأديب والعقاب.
5 ـ لم تكن الليبرالية الجديدة ذات الطابع الفردي ظاهريًا عائقًا أمام جهاز الدولة القمعي والوحشي الضخم، أو ما يعرف ب"الليبرالية الجديدة السلطوية".
إن السؤال الأكثر إلحاحًا هو ما إذا كانت الأشكال الاستبدادية لليبرالية الجديدة يمكن أن تشمل أشكالًا فاشية على وجه التحديد؟ والإجابة تكون من خلال وجود صورة أوضح وتعريف مقبول للفاشية.
نحو تعريف "مقبول" للفاشية
لا يوجد تعريف متفق عليه للفاشية. حتى الفاشية الأوروبية فيما بين الحربين العالميتين تميزت بتنوع هائل في الأشكال السياسية والأفكار والأنظمة. لذا، يُنظر إلى كل تعدٍ غير ديمقراطي على الحريات المدنية على أنه فاشية. ويقدم بعض المفكرين "تعريفًا للفاشية" ينطوي على فهم سماتها المميزة والظروف التي ظهرت فيها أو قد تظهر في المستقبل؛ أي "تحرير المصطلح من تلك العلامات المباشرة للزمان والمكان". ويرجع ذلك لوجود قواسم مشتركة للفاشية الحالية مع الفاشية التاريخية بحيث يمكن وصفها بشكل مشروع بأنها فاشية:
1 ـ قومية متطرفة:
تقوم على فكرة التراجع القومي والانبعاث من جديد، وأن الجماعة نفسها ضحية أعداء داخليين وخارجيين ساهموا في التراجع القومي. ويشمل هؤلاء الأعداء الليبراليين والاشتراكيين ومختلف "الآخرين" المهمشين الذين لا يتوافقون مع المثل الأعلى الذي يقيس به الفاشيون الأصالة الوطنية والنقاء العرقي. وعادةً ما يُنظر إلى الصراع ضد هؤلاء الأخيرين على أنه صراع صفريّ داروينيّ اجتماعيّ من أجل الوجود. وإن شخصية العدو المكروه، المقترنة بتضخيم الحديث عن الأزمة، هي التي تطلق طاقات التعبئة الجماهيرية التي يزدهر عليها القادة الفاشيون.
2 ـ قادة مستبدون ذوي كاريزما:
يعتمد النجاح السياسي للقادة الفاشيين على قدرتهم على التعبير الفعال عن جمهورهم، وتأكيد وقوعهم ضحايا للنخب الليبرالية والاشتراكية وغيرهم من أعداء الأمة. وهذا يوفر أساسًا لادعاء القائد بأنه وحده القادر على حل الأزمة الوطنية التي تهدد أتباعه.
3 ـ مركزية القيادة الاستبدادية:
فالقائد الفاشي يطلب الطاعة والامتثال من الأتباع داخل حركته أو حزبه، ويمتد هذه السلطوية إلى المجتمع بشكل عام إذا نجح في الاستيلاء على الحكم. وينطبق عليه شعار "الدوتشي دائمًا على حق".
4 ـ عسكرة السياسة:
وذلك عن طريق نشر القوة من الأسفل في شكل عنف منظم شبه عسكري. إذ يبني الفاشيون "جيشهم الحزبي" كأداة لإرهاب الأعداء السياسيين ،ولتوسيع نفوذهم السياسي.
إذن، "الفاشية هي حركة سياسية جماهيرية تحركها أيديولوجية قومية راديكالية منشغلة بالتراجع القومي والسعي إلى النهضة من جديد، ومهووسة بالأعداء الداخليين والخارجيين الذين يُفترض أنهم مصدر الأزمة والمعاناة الوطنية". ويمنحنا هذا التعريف نقطة انطلاق للتفكير في فاشية ترامب.
هل يقود ترامب أمريكا إلى فاشية جديدة؟
بدأ الجدل حول "الترامبية والفاشية" مع خطاباته الانتخابية في خملته الأولى، ومع أفعاله حين أصبح رئيسًا: نزعة القومية البيضاء، شعار "اجعلوا أميركا عظيمة مرة أخرى"، ميوله الاستبدادية، خطابه المعادي للنخبوية والمناهض للفكر، تشويهه لمجموعة متنوعة من الأعداء الداخليين والخارجيين، لغته المجردة من الإنسانية، وتشجيعه للعنف، وغرائزه الانتقامية وقسوته العارضة، كلها أمور يمكن أن يتعرف عليها على الفور دارسو الاستبداد بشكل عام والفاشية بشكل خاص.
القواسم المشتركة بين الترامبية والفاشية الأوروبية
هناك قواسم مشتركة بين الترامبية والفاشية الأوروبية في فترة ما بين الحربين العالميتين كافية لتبرير استخدام نفس الوصف للتحذير من خطورة وفساد ظاهرة الترامبية. هذا، رغم أن ترامب جاء إلى السلطة على خلفية تعبئة جماهيرية، وفي سياق أزمة اقتصادية وسياسية حادة وهياج ثوري متزايد في أعقاب الحروب الأمريكية، كما أنه لم يحظر الأحزاب الأخرى، ولم يُطح بالدستور ووسائل الإعلام المعارضة بمجرد وصوله إلى السلطة. أضف إلى ذلك، أن غالبية مؤيديه لم تكن تتوافق مع معايير الحركات التي قادها هتلر وموسوليني وغيرهما. وسياسة ترامب الخارجية كانت ولا تزال انعزالية أكثر من كونها توسعية عدوانية، والاقتصاد السياسي الذي يناصره كان ولا يزال اقتصادًا موجهًا نحو السوق، وليس نحو الدولة. ولم تكن الترامبية ولا تزال غير متميزة بالنشر المنهجي للعنف المنظم في الشوارع الذي اتسمت به الأجنحة شبه العسكرية للحركات الفاشية الأوروبية، أو هكذا بدا الأمر.
ولكن مع ذلك هناك عدة أحداث وموقف تؤيد اتهام ترامب بالفاشية:
"لقد أحكم ترامب قبضته على الحزب الجمهوري، وطرد منتقديه، وتوعدهم بالعقاب..." ملامح هيمنة حزبية تُحاكي النماذج الفاشية الأوروبية القديمة.ـ اقترن رفض اعتراف ترامب بخسارته في الانتخابات أمام بايدن بتدخلات شخصية في العمليات الانتخابية والقضائية، والتي سعت إلى قلب النتيجة الحاسمة لانتخابات 2020. واستدعى أنصاره إلى العاصمة واشنطن، وحرضهم على الزحف نحو مبنى الكابيتول.
ـ روّج ترامب لفكرة التكافؤ الأخلاقي بين العنصريين العنيفين من البيض والمتظاهرين المناهضين في مسيرة "وحدوا اليمين" عام 2017.
ـ في ذروة إجراءات الإغلاق التي فرضتها جائحة كوفيد ـ 19، شجع ترامب الميليشيات المسلحة التي سار بعضها إلى مباني الكابيتول في الولايات. كما رفض إدانة العنف اليميني في مناظرة رئاسية في سبتمبر 2020، وقال "إن على جماعة اليمين المتطرف - الفتيان الفخورون - ألا يتراجعوا ويتأهبوا".
ـ وسع ترامب سلطاته التنفيذية إلى أقصى حدودها، وكدس الدوائر الحكومية والقضاء بالموالين له.
ـ في رئاسته الأولى: تم احتجاز أطفال المهاجرين غير الشرعيين، ووضعهم في أقفاص الاحتجاز. وكان هناك تكرار عدواني للرسالة العنصرية المعادية للمهاجرين التي رددها عام 2016، ولكن هذه المرة بلغة تزاوج بشكل روتيني بين أفكار الغزو الأجنبي والإجرام وبين فكرة التدنيس البيولوجي.
ـ حذر ترامب الأمريكيين من الأعداء الداخليين، الذين مكّنوا الحيوانات المهاجرة من التدفق إلى الولايات المتحدة بأعداد متزايدة باستمرار.
ـ في يوم المحاربين القدماء في 2023، تعهد ترامب بأننا "سنستأصل الشيوعيين والماركسيين والفاشيين وسفاحي اليسار الراديكالي الذين يعيشون كالحشرات داخل حدود بلادنا، ويكذبون ويسرقون ويغشون في الانتخابات".
ـ قال ترامب على قناة فوكس نيوز: "المشكلة الأكبر هي العدو من الداخل. لدينا بعض الأشخاص السيئين للغاية، وبعض المرضى والمجانين اليساريين المتطرفين. أولئك هم المشكلة الكبرى. وينبغي أن يتم التعامل معها بسهولة من قِبل الحرس الوطني أو الجيش إذا لزم الأمر". ولم يكن هذا تهديدًا فارغًا. فمن المعروف الآن أن ترامب كان قد ضغط على الجيش الأمريكي لاستخدام القوة المميتة ضد المتظاهرين العزل من ذوي البشرة السوداء عام 2020. واقترح على الجنرال مارك ميلي "تكسير الجماجم" و"ضربهم ضربًا مبرحًا" أو "إطلاق النار عليهم". وعندما اعترض العسكريون، وبّخهم بقوله: "أحتاج إلى نوع الجنرالات الذين كانوا لدى هتلر. فقد كانوا مخلصين له، ويتبعون الأوامر".
عبّرت هذه المواقف والتصريحات عن "القومية البيضاء" التي ميّزت حملة ترامب 2016 ورئاسته اللاحقة. وتقوم السردية الترامبية على التناقض الحنيني بين عظمة أميركا في الماضي وحاضرها المنكوب والفاسد. كما تمتلئ خطاباته وتغريداته وبياناته بلغة تعبر عن نوع من "القومية المتطرفة"، والتي هي من سمات الفاشية.
القومية الترامبية الفاشية
هذه القومية الترامبية يساعده ويحرضه عليها القوميون البيض الذين أحاط نفسه بهم في حكومته الجديدة. فكلا من وزير الدفاع والسفيرة لدى الأمم المتحدة، على سبيل المثال، يؤمنان بـ"نظرية الإحلال العظيم" التي تسعى بموجبها الأقليات العرقية والإثنية والدينية إلى استبدال المسيحيين البيض في أمريكا وأوروبا. بالنسبة لهما، كما هو الحال بالنسبة للعديد من الملايين من القوميين المسيحيين البيض الذين يدعمون ترامب، فإن التهديد وجودي لأنه سيؤدي إلى "إبادة جماعية للبيض" إذا لم تتم مقاومته، مما يبرر لهم اتخاذ تدابير قاسية ضد المهاجرين غير البيض الذين لا يحملون وثائق، على غرار ما يفعله ترامب الآن في استخدام الجيش لتجميعهم في معسكرات قبل طردهم في نهاية المطاف.
وترتبط قومية ترامب ارتباطًا وثيقًا بحديثه عن الأزمات في كل مكان، وهو ما كان يميز الفاشيين في الماضي. في الواقع، فإن حركة ترامب الخطابية المميزة تقوم على فكرة استدعاء الأزمة. ففي أثناء قبوله الترشيح كمرشح رئاسي لحزبه في تموز/يوليو 2016، حذّر ترامب الجمهور قائلًا: "يأتي مؤتمرنا في لحظة أزمة لأمتنا. فالهجمات على شرطتنا والإرهاب في مدننا يهددان أسلوب حياتنا ذاته". وطوال فترة رئاسته، تذرّع ترامب بـ"أزمة إنسانية وأمنية متزايدة على حدودنا الجنوبية مع المكسيك". وادعى، في إحدى فعاليات حملته الانتخابية، أن سياسات بايدن المتعلقة بالهجرة تشكل "مؤامرة للإطاحة بالولايات المتحدة وهدم نظامها". ويدعي ترامب أنه وحده القادر على حل هذه الأزمات المزعومة. ويعد بتخفيف معاناة الأمريكيين "الحقيقيين"، وإعادة البلاد إلى سابق مجدها. وقال في خطاب قبوله الترشح في يوليو 2016 عن الكارثة المحلية والإذلال الدولي الذي "أنا وحدي الذي أستطيع إصلاحه". واستندت حملته في 2024 على الادعاء بأن أمريكا ستنحدر أكثر إلى الهاوية، وأنه سيكون هناك "حمام دم" في حال خسارته.
ميول ترامب الديكتاتورية
كانت ميول ترامب الديكتاتورية واضحة. وكان من الممكن صياغة عبارة "الدوتشي دائمًا على حق" على ترامب الذي وصف في 2018 بأنه "عبقري مستقر للغاية"، والذي اشتهر بعدم رغبته في سماع الآراء المخالفة لآرائه. ومنذ فوزه في 2016، أحكم ترامب قبضته على الحزب الجمهوري، وطرد منتقديه، وتوعدهم بالعقاب على سوء أفعالهم؛ بينما كان يعزز باستمرار وظائف الموالين له. وقد أصبحت التبعية للزعيم العملة الأكثر قيمة للتقدم في صفوف الجمهوريين، كما كان الحال داخل الحزب الفاشي الوطني لموسوليني والحزب النازي لهتلر. وقد أعاد ترامب تشكيل الحزب على صورته الخاصة، وهدد بتطبيق نفس القالب الاستبدادي على المجتمع الأمريكي بمجرد انتخابه. وفي رده على سؤال أحد الصحفيين، قال "إنه سيكون ديكتاتورًا من اليوم الأول". وأعرب عن إعجابه المتكرر بالديكتاتوريين.
ترامب والعنف والليبرالية الجديدة
بعد تحريض ترامب على العنف الغوغائي في مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021، خلص العديد من الصحفيين والباحثين إلى أن "ترامب والترامبية" قد تخطيا العتبة النهائية للفاشية. وأشاروا إلى سجله الطويل في التشجيع على العنف، والتغاضي عنه في تجمعاته، وتاريخه في إعطاء إيماءة وغمزة للجماعات المتشددة التي تؤمن بتفوق العرق الأبيض. وهذه الجماعات يمكن أن تشكل في المستقبل حركة شبه عسكرية جماهيرية تحت سيطرة ترامب في ظل ظروف معينة: أزمة مالية أو جائحة أخرى، أو بطالة جماعية، أو مظاهرات على نطاق واسع تهدد رئاسة ترامب.. فالفاشية، في نهاية المطاف، هي نتيجة للتطرف الذي يتطور على مراحل، حيث يتم تطبيع الأفعال التي كانت تعتبر متطرفة في السابق. لكن هذه الجماعات اليمينية المتطرفة هي في الوقت الحاضر صغيرة ومجزأة وضعيفة سياسيًا وغير مهمة بالنسبة للعنف المنظم الذي أصبح ترامب الآن يتحكم فيه من خلال الأساليب الانتخابية: الجيش الأمريكي، وكالات الاستخبارات المختلفة، مكتب التحقيقات الفيدرالي، والقضاء الفيدرالي. والأرجح. وربما يكون من المحتم أن يستخدم ترامب القوة القسرية والمؤسسية لتعزيز سلطته وتدمير خصومه وخنق المعارضة. وهذا احتمال مخيف.
أما علاقة ترامب بالليبرالية الجديدة، فهي علاقة غير مستقرة ومتناقضة، فجزء كبير من جاذبية ترامب السياسية قد بُني على برنامج من الشعبوية الاقتصادية التي يفترض أنها تتحدى المبادئ البديهية لليبرالية الجديدة. لقد بدأ في عام 2016 بالوعد بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة وقام بتطبيقها لاحقًا، ثم وسّع نطاقها لتشمل مجموعة من الدول الأخرى التي تعاني الولايات المتحدة من عجز تجاري معها، بما في ذلك حلفاء مقربين. وكان من أوائل أعماله كرئيس جديد عام 2017 اتوقيع أمر تنفيذي بسحب الولايات المتحدة من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ التي تهدف إلى تحرير التجارة، ثم أتبع ذلك بإعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية "نافتا" مع كندا والمكسيك، بشروط أكثر ملاءمة للتصنيع الأمريكي. وفي الانتخابات الأخيرة، ضاعف من هذا النهج ، ووصف "التعريفة الجمركية" بأنها "أجمل كلمة في القاموس"، وهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 2000% على السيارات المنتجة في المكسيك. وبغض النظر عن المبالغة، فقد نفذ في الأسابيع الأولى من رئاسته الجديدة تهديداته بشأن التعريفات الجمركية. وفي حين أن كل هذا يتعارض بالتأكيد مع الحكمة النيوليبرالية التقليدية.
وعلى الرغم من تجاوزات ترامب لمعايير الليبرالية الجديدة على صعيد التجارة الدولية؛ إلا أن برنامجه الاقتصادي المحلي كان في معظم جوانبه أكثر انسجامًا مع معايير الليبرالية الجديدة. فقدم في ولايته الأولى أكبر تخفيضات ضريبية منذ عام 1986، والتي ذهبت فوائدها بشكل كبير إلى الأثرياء وقطاع الشركات. ويبدو أنه سيقدم تخفيضات ضريبية ضخمة أخرى للشركات الأمريكية في ولايته الثانية. وقد تم دفع التخفيضات الضريبية لعام 2017 جزئيًا من خلال التخفيضات الوحشية في الإنفاق الفيدرالي على الرعاية الاجتماعية، والتي يبدو أنها ستزداد عمقًا نظرًا لإنشاء ترامب "إدارة الكفاءة الحكومية" برئاسة إيلون ماسك، الذي يهدف إلى خفض الإنفاق الحكومي بمقدار 2 تريليون دولار.
وبصورة أعم، يجسد ترامب نوعًا من الروح الرأسمالية التنافسية. وسواء أكان ترامب قطبًا عقاريًا، أو سياسيا، فإنه هو الوعاء المثالي للافتراضات الداروينية الاجتماعية الليبرالية الجديدة حول "اللياقة" والمنطق التطهيري للمنافسة. إن "القضاء على الضعفاء" الذي ينطوي عليه ذلك هو فكرة مشتركة مع الفاشية.
وقد أفصح ترامب بوضوح عن نواياه الاستبدادية والديكتاتورية في حملته الانتخابية الرئاسية، وفي فترة رئاسته الأولى. مثل هذه السلطوية هي نتيجة واستجابة للرأسمالية النيوليبرالية المأزومة، بتقشفها وتفاوتاتها المذهلة وما أنتجته من هشاشة وانعدام الأمن لملايين الأميركيين الذين يشعرون بأن السياسة لم تعد تستجيب لاحتياجاتهم أو مطالبهم. وفي ظل هذه الظروف، كان ترامب بارعًا في التلاعب بمشاعر أولئك الذين يسعى إلى إقناعهم. وقد فعل ذلك في الوقت الذي يكرس فيه سياسات الليبرالية الجديدة التي كانت محورية في خلق الأعباء الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي تثور ضدها قاعدته الجماهيرية في الولايات المتحدة، بينما يلقي باللوم في هذه المحن على: اليسار الراديكالي، المهاجرين غير الشرعيين، المسلمين، وغيرهم من يعتبرهم الأعداء الداخليين العنصريين. وهو في ذلك يردد نفس حيل الزعماء الفاشيين السابقين.
التعليق
بهذه الفاشية والعنصرية والسياسات الليبرالية التي تخدم الأقوياء على حساب الضعفاء، وأصحاب الثروات على حساب الفقراء، والبيض على حساب الملونين، والتفرقة على أساس الدين والعرق والتوجه الفكري والسياسي، سنشهد بلا شك أمريكا جديدة، يتسارع تفككها وانهيارها على يد موسوليني أمريكا "الفوهرر ترامب".