كهرباء العراق.. والسوداني.. و(جمهورية المولدات)..التي بإمكانها أن تسقط حكومات!!
تاريخ النشر: 31st, May 2024 GMT
مايو 31, 2024آخر تحديث: مايو 31, 2024
حامد شهاب
كانت التبريرات السابقة قبل أكثر من خمسة عاما عن تدهور أحوال الكهرباء في العراق أن الامريكان لم يكن يسمحوا بتطوير قطاع الكهرباء، وهم يريدون إبقاء العراق مشتت القوى وشعبه يعاني الأمرين من ويلات تدخلهم في كل صغيرة وكبيرة ومنها الكهرباء، حيث أن الأمريكان ودول الجوار مجتمعة، لا يريدون للعراق خيرا في يوم من الأيام.
لكن هناك أسبابا أخرى برزت منذ عشر سنوات أو أكثر ، وتداخلت مع الرغبة الامريكية هذه ، وهي بروز سطوة ” جمهورية المولدات” التي كانت وستبقى (دولة داخل الدولة) ، وقد أثبتت الأحداث أن أصحاب تلك الجمهورية التي تحمي كثير منها جماعات مسلحة وعصابات خارجة عن القانون،أن تلك الجمهورية كانت هي السبب في تدهور أحوال الكهرباء، ولم يكن بمقدور أي رئيس وزراء أن يناهض هذه الجمهورية أو يفرض سيطرته عليها. وكثير منها ببغداد تعد خارج سلطة الدولة، ولم يتدخل أحد حتى الان لوقف تصاعد أسعار أمبيراتها التي بلغت أرقاما قياسية.
وهناك من أصحاب المولدات من يهدد زملاءه إن خفضوا أسعار أمبيراتهم ، تحت ضغط السخط الشعبي ، لأن البعض من هؤلاء مدعوم من جماعات مسلحة ، ويتحدى أية جهة أن تزور منطقته لتفرض أسعار الأمبيرات عليهم، ولهذا بقي هؤلاء في مأمن من فرض القانون، وأصحاب المولدات تحت رحمته.
كارتل هذه الجمهورية من داخل أطر جمهورية العراق وهم يقبضون منها مليارات الدولارات (خاوات شهرية) تدر عليهم أموالا بالمليارات، وهم غير مستعدين للتضحية بتلك المبالغ التي نزلت عليهم من السماء.
أصحاب المولدات يستعرضون الجهات التي يدفعون لها ، عدا دوائر الضريبة ومبالغها الباهضة ، يدفعون لجهات أخرى مهيمنة ما يصل الى 500 الف دينار شهريا من كل صاحب مولدة ، وهي بعشرات الألوف في بغداد لوحدها فكيف بالمحافظات ، وهي تبدأ عادة من مجالس المحافظات منذ انبثاقها ودوائر البلدية ودوائر توزيع الكهرباء التي لها القدح المعلى في الهيمنة والتسلط ، وبعض ضباط أمن المناطق وربما المختار ولجماعات مسلحة ضمن مناطقها ، كل تلك الشبكة كانت وراء تدهور أحوال الكهرباء التي غنموا من ورائها أموالا فاحشة كل تلك السنوات واشتروا بيوتا راقية وسيارات فارهة في العراق وخارجه ، وهم من من لديهم السطوة على تدهور أحوال الكهرباء، وكلما تحسنت الكهرباء يبرز من بين تلك الجهات من يضع العراقيل بوجه أي رئيس وزراء يريد استقرارا في إيصال الكهرباء الى شعبه بساعات تجهيز معقولة حتى تضخمت هيمنة أصحاب المولدات وجمهوريتهم المهيمنة على كل طابع الحياة في هذا البلد.
بل أن هؤلاء من يسقطون حكومات، ويقيمون أخرى، بعد أن يتم تصعيد النقمة ضد أي رئيس للحكومة، ومن ثم يستقبلون الآخر القادم على نفس الشاكلة، وهم بيدهم الربط والحل كما يقال.
وقد شخص رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني قبل يومين سببا آخر يضاف وهو وجود شخصيات مريضة الأهواء وتحمل من العقد والأحقاد ما يمكنها أن تريد أن تبقى هي المهيمنة وهي وراء كل تخريب متعمد لأحوال الكهرباء، وتعمل داخل أروقة الوزارة، وهي المتحكمة، وربما يعرفها رئيس الوزراء، لكنه لا يريد الإفصاح عنها صراحة، وهي من تناصبه العداء وتقف له بالمرصاد ضد أية محاولة لتحسين الكهرباء.
كان هناك سبب آخر لتدهور أحوال الكهرباء وهو الغاز الإيراني، الذي تجرع منه العراقيون سنوات من العذاب وعقود من الويلات، حيث لم تف الجارة إيران بوعودها للحكومات التي تدين لها بالولاء، وبقيت مشكلة الغاز الإيراني ونقص تجهيزه السبب الذي يعلقه المسؤولون عن تجهيز المحطات الكهربائية الضخمة في العراق، وما زلنا نتذوق مرارات طعمها القاسية منذ عقود من السنوات.
لا ندري.. هل يكون بمقدور رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني أن (يعلن الحرب على جمهورية المولدات)، وهي (الدولة داخل الدولة) ومن يقف وراءها من كل تلك المسميات والأموال الباهضة التي يحصلون عليها شهريا، وقد أوصلت الكثيرين منهم حتى بضمنهم أصحاب المولدات الى كارتلات كبرى تدير البلد من خلف حجاب.
هذه التحديات الكبرى هي من واجهت أغلب أو لنقل جميع رؤساء الوزارات السابقين، وإن أراد السيد السوداني أن يعلن عليهم الحرب فسيحتاج الى جيوش من العساكر تفرض هيمنة الدولة وسطوتها عليهم، وإلا سيبقى الحال لسنوات طوال، وتبقى (جمهورية المولدات) هي (الدولة المنتظرة) التي قد تطلب من المجتمع الدولي اعتراف العالم بها كجمهورية مستقلة ذات سيادة.
مرتبطالمصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: أصحاب المولدات
إقرأ أيضاً:
المنارات التي شيدها أول مايو: النقابة وإنسانيتنا الإسلاموعروبية
عبد الله علي إبراهيم
(جريدة الخرطوم 11 ديسمبر 1988)
(لا يرى الحاملون على دولة 1956 سوى مفردة الحكومة فيها. وهي مفردة قصوى لا جدال. ولكن غفلتهم عن مفردات غراء لهذه الدولة لم يرمهم في غيظ ضرير على هذه الدولة فحسب، بل اعتزلوا أيضاً هذه المفردات الغراء التي تركوها لتستوحش تحت شرور نفس الحكومة. وهذه مقالة من أخريات حاولت فيه لفت نظر كتائب استئصال دولة 56 أن لهم، كما يقول المثل، حبان في بيت العدا. وبلغ من فساد هذا الغيظ المحض الضرير انتداب حميدتي دعمه السريع للقضاء المبرم على هذه الدولة. وقعد "فراجة" الليبرويساريون الذين جعلوا من القضاء المبرم على هذه الدولة ثقافة شاعت حتى انتهزها البطلق أماتكم كما في مثل ورد في كتاب لبابكر بدري).
لولا ملابسات الحجز بقطار كريمة يوم الجمعة الماضية لكنت قد شاركت في احتفال نقابة السكة حديد باليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي نظمته اللجنة السودانية لحقوق الإنسان.
وجدت في حضور احتفال عطبرة لحقوق الإنسان مزايا عديدة علاوة على أنه فرصة سانحة لزيارة أخرى لمدينتي الأولى. فقد أثلج صدري أن ترمي نقابة السكة الحديد بثقلها في حركة حقوق الإنسان بعد أن ظلت قاصرة على صفوة خيرة من المتعلمين منذ تأسيس حركتها في 1985. وقد شاب أداء هذه الصفوة خلل في التركيز حين رجحوا الضغط العالمي الجاهز لنصرة قضيتهم دون حفز الضغط الشعبي المحلي وإلهامه في سياقاته السياسية والاجتماعية الصعبة. ولذا بدا مفهوم حقوق الإنسان كطارئ وقع لنا من اهتمام العالم بنا لا كأصل قديم في مشروعنا الاجتماعي والنقابي والسياسي.
ساءني دائماً الاتهام المعمم الذي يطلقه بعض المتحدثين من المتعلمين بأن بيئتنا العربية المسلمة مسكونة بالاضطهاد العنصري وغير مواتية لحقوق الإنسان. وغالباً ما استدلوا على ذلك بأبيات من المتنبي عن كافور، أو ممارسات للزبير باشا، أو مبدأ الكفاءة في الزواج في عقد زواج شهير من الثمانينات. وهذا انتقاء عشوائي للاستدلال على عدم سماحتنا استدلالاً لن تسلم معه أي جماعة من الاتهام بالاضطهاد العنصري مهما بلغت من آيات السماحة والإنسانية.
لقد جادلت هؤلاء الإخوة طويلاً الفت انتباههم إلى أن إنسانيتنا العربية الإسلامية لم تتجمد في التاريخ لأنها فعل في التاريخ تتجدد به وتجدده.
وكنت أشير عليهم بدراسة مفهوم "النقابة" الذي هو من أفضال مدينة عطبرة السياسة على وطننا. فتعريف النقابة أنها تنظيم يضم عمال أو موظفي المؤسسة بغير اعتبار للعرق أو الدين أو القبيلة أو النوع. ومن فوق صفاء هذه المفهوم ونبله ازدهرت الحركة النقابية السودانية التي ظلت تحرس مجتمعنا وإنسانيتنا بعين ساهرة.
في وقت باكر أهدتنا عطبرة "النقابة": هذه الأداة التي اشتد عودها من تخطيها للحزازات العرقية والقبلية والدينية التي تمنع الممارسة الحرة للحقوق الإنسانية. وأتمنى أن يكون احتفال نقابة عمال السكة الحديد باليوم العالمي لتلك الحقوق مناسبة لتتصل النقابة بالإطار التنظيمي للحركة العالمية لحقوق الإنسان.
أما عن التزامنا بمبدأ حقوق الإنسان فالنقابة ذاتها شاهد كبير على بعد المدى الذي قطعناه في هذا السبيل.
ibrahima@missouri.edu