تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

يحتفل المسيحيون في مصر بعيد دخول السيد المسيح أرض مصر، حيث يُعدّ هذا العيد من أهم الأعياد السيدية في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ويُخلّد ذكرى رحلة العائلة المقدسة إلى مصر هروبًا من اضطهاد الملك هيرودس. وتغوص في اغماق رحلة إيمانية عميقة ذات أبعاد رمزية ودلالات تاريخية هامة وتكمن في طياته الاسرار.

بارك وجود السيد المسيح أرض مصر، ممّا جعلها أرضًا مقدسة وحضنًا للحضارة المسيحية، وتحققت نبوءة أشعياء النبي (إصحاح 19: 1) بقوله: "في ذلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر وعمود للرب عند تخومها"، وأيضا لنبوءة النبي هوشع: “من مصر دعوت ابني” (هوشع 11:1).وربطت هذه الرحلة بين تاريخ مصر القديم وتاريخ المسيحية، ممّا يدلّ على وحدة الخطة الإلهية عبر العصور، وتُجسّد رحلة العائلة المقدسة هروب الإنسان من الظلم والاضطهاد، باحثًا عن الأمان والخلاص، وتُظهر أصعب الظروف.

  وتُجسّد رحلة العائلة المقدسة مدي تواضع السيد المسيح الذي اختار أن يولد في مذود ويعيش حياة بسيطة، ليمثل أول لاجيء إلى مصرنا كما قال قداسه البابا تواضروس الثاني في أحد تعبيراته الجميله، وتبشّر رحلة السيد المسيح إلى مصر برسالة حب وسلام للجميع، مُؤكّدةً على وحدة البشرية تحت مظلة الله، فالنفس البشريه التي تباركت مثل مصر ليحل فيها اخلاق السيد المسيح، وكي يُظهر الحدث أن الدين لا يقتصر على شعب واحد أو ثقافة واحدة، بل يمتد لجميع البشر وليس مقتصرًا على شعب إسرائيل فقط.

تركت رحلة العائلة المقدسة بصمة إيمانية عميقة على مصر، حيث انتشرت المسيحية في ربوعها وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من هويتها، وأُقيمت العديد من الكنائس والأديرة في الأماكن التي زارتها العائلة المقدسة، ممّا جعلها مزارات مقدسة تجذب المؤمنين من جميع أنحاء العالم، فلا عجب أن يتواجد علي ارضها بعض من منغلق العقول الذين يريدون اليوم حرمان اقباطها من حق العبادة المكفول للجميع والذي كان بإرادة الاهيه، وتوصيه عميقه، كما ساهمت المسيحية في إثراء الثقافة المصرية وتنوعها، من خلال الفنون والآداب والعلوم، ولعبت الكنيسة دورًا هامًا في حفظ التراث المصري وتاريخه، ومساعدة المحتاجين، ونشر مبادئ المحبة والتسامح.

 ويُعدّ عيد دخول السيد المسيح أرض مصر المباركة مناسبةً للتأمل في عظمة الله وحبه للبشرية، كما يُذكّرنا هذا العيد بأهمية الإيمان والتمسك بالقيم المسيحية، ويساعدنا على تجديد إيماننا وترسيخ قيم المحبة والتسامح والسلام في قلوبنا، وربما نشعر هذة الايام بالاحتياج لقدومه إلى مصر مرة أخرى في ظل ظروف التوترات الحدوديه عند معبر رفح، ليعكس الحب الإلهي والرحمة التي تمتد لجميع الشعوب، وكأن الحدث يتكرر استغاثه من جحيم حرب غزة ومحرقه الخيام وقتل الاطفال بين القتل والتشريد. ليظهر الإيمان والصمود معا، وكأن نتنياهو يبعث من جديد من أحفاد الملك هيرودس، ونرى دور الأم في كلتا الحالتين، ففي هروب السيد المسيح، نرى دور السيدة العذراء مريم في حماية ابنها، بينما في حرب غزة، نرى دور الأمهات الفلسطينيات في حماية أطفالهن من مخاطر الحرب. وفي كلتا الحالتين رمزًا للأمل في النجاة من الظلم والوصول إلى حياة أفضل، ففي هروب السيد المسيح، نرى وعدًا بالخلاص من الخطيئة والموت، بينما في حرب غزة، نرى أملًا في نيل الحرية والعدالة، بلا قيم للديمقراطية والعدالة أو حقوق الإنسان، فلم يختلف كثيرا عن الماضي، لكن في نفس الوقت، تُذكّرنا بقوة الإيمان والأمل في النجاة من الظلم والوصول إلى حياة أفضل.

ويعيد التاريخ نفسه، ويرسخ أوجه التشابه بين نتنياهو والملك هيرودس، حيث تميز كل منهما بالسعي الشديد للسلطة والتمسك بها بكل الوسائل، حتى لو تطلب ذلك استخدام القوة المفرطة والقمع، فقد سعى هيرودس للوصول إلى عرش مملكة اليهود من خلال تحالفات مع الرومان وقتل العديد من خصومه، بينما سعى نتنياهو للبقاء في منصب رئيس الوزراء الإسرائيلي لأطول فترة ممكنة من خلال استغلال الانقسامات في المجتمع الإسرائيلي وتصعيد التوتر مع الفلسطينيين، والقسوة على معارضيه.

فقد أمر هيرودس بقتل العديد من الأشخاص الذين اعتبرهم تهديدًا لسلطته، بما في ذلك الأطفال الرضع، بينما اتّهم نتنياهو باستخدام نفس القوة المفرطة ضد الفلسطينيين، الذين اغلبيتهم من الاطفال، واستخدم كل منهما الخطاب الشعبوي لتجييش الجماهير ولعب هيرودس على مشاعر اليهود القومية الدينية من أجل تعزيز سلطته، بينما يلعب نتنياهو على مشاعر الخوف من الإرهاب من أجل حشد الدعم لسياساته، واتهم كل منهما بالفساد، فقد واجه هيرودس تهمة سوء استغلال السلطة، بينما يواجه نتنياهو حاليًا اتهامات بالفساد تتعلق بتلقي رشاوى واختلاس أموال عامة. وعلي الرغم من الاختلاف الكبير في التوقيت إلا انه تُظهر لنا هاتان الشخصيتان وجهًا من وجوه الطموح السياسي المُفرط والرغبة في السلطة بالدماء. وعلى الرغم من الاختلاف الكبير في السياق التاريخي والثقافي، تُظهر لنا هاتان الحالتان وجهًا من وجوه القسوة الإنسانية ومعاناة الأبرياء.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: دخول السيد المسيح مصر رحلة العائلة المقدسة هيرودس نتنياهو رحلة العائلة المقدسة السید المسیح إلى مصر أرض مصر هروب ا

إقرأ أيضاً:

الناصرة .. هوية مدينة بشارة المسيح وأجمل مدن فلسطين

تحتل مكانة خاصة في قلوب المسيحيين لا تقل عن مكانة مدينة القدس في "العهد الجديد". وتعد واحدة من أجمل المدن الفلسطينية، حيث تشرف على سهل مرج ابن عامر في الجنوب.

تقع مدينة الناصرة شمالي فلسطين المحتلة وجنوبي منطقة الجليل ضمن لواء الشمال حسب التقسيمات الإدارية التي أوجدها الاحتلال الإسرائيلي. وتقوم الناصرة على جبل مرتفع ويرى منها جبل الشيخ والكرمل والطابور ومرج ابن عامر.

تحد عكا شمالا، وحيفا غربا، وطبرية وبيسان شرقا، وجنين جنوبا.



وتبعد نحو 34 كيلومترا شرق البحر المتوسط و105 كيلومترات شمال القدس. وتقدر مساحة أراضيها بنحو 14 ألف دونما، في حين تقدر مساحة قضاء المدينة بنحو نصف مليون دونما، وتقام على أراضيها أكثر من 30 مستوطنة إسرائيلية.

ولموقع الناصرة أهمية كبيرة منذ قديم الزمان، فهي نقطة التقاء الجبل بالسهل، وترتبط بالطرق الرئيسية الواصلة بين مصر وسوريا، من جهة والأردن وفلسطين من جهة ثانية.

أما سكانيا تزايد عدد سكان الناصرة من حوالي 22.5 ألف نسمة عام 1922 إلى نحو 75 ألف نسمة عام 2015، ويصل حاليا إلى نحو 80 ألف نسمة، وتشير معطيات إسرائيلية إلى أن نسبة المسلمين 70% والمسيحيين 30%.

أما عن أصل السكان فغالبيتهم من الشعوب التي كانت تقطن المنطقة عند الفتح الإسلامي، كالآراميين والسامريين والسوريين واليهود المتنصرين وأبناء شعوب أخرى، وفي العصر الحديث قدم إليها مسيحيون من جميع أرجاء المعمورة.

ومن الطوائف المسيحية في الناصرة: الروم الأرثوذكس وهي كبرى الطوائف المسيحية فيها، ثم الروم الكاثوليك، واللاتين والبروتستانت، وطائفة الموارنة وهم أقدم سكان الناصرة المسيحيين، إضافة إلى الأرمن والأقباط والمعمدانيين، وجاؤوا إلى المدينة في القرن العشرين.

وجاء في بعض المراجع التاريخية أن اسم مدينة الناصرة الكنعاني القديم هو "آبل"، وأن من معاني أسماء الناصرة: مركز أو برج الحراسة، الجبل المرتفع، منحدر الماء.

و"آبل" في قاموس الكتاب المقدس تعني "مياه" أو "مرج"، وفيه اسم مكان يدعى "آبل الماء"، أي مرج الماء، و"آبل الكروم" أي مرج الكروم. وإذا عدنا إلى اسم الناصرة بصيغته هذه نجد تفسيرا واضحا له في لسان العرب، حيث يرد أن الناصرة واحدة النواصر وهي مسايل المياه. والناصرة معروفة بغزارة المياه والعيون.

يوجد في مدينة الناصرة عدد من المساجد والكنائس التاريخية، وفيها معالم دينية وأضرحة للشهداء، وضريحا الشاعرين الراحلين عبد الرحيم محمود وتوفيق زياد الذي شغل منصب رئيس بلدية مدينة الناصرة لثلاث دورات متتالية (1975 - 1994).


                                                   مشهد عام لمدينة الناصرة

وكشفت الحفريات عن آثار السكان في مدينة الناصرة منذ العصرين البرونزي والحديدي، ويبدو أن المدينة لم تكن ذات شأن في العصور القديمة السابقة للميلاد. فلم يرد لها ذكر في "العهد القديم" أو في أي مصدر من المصادر الأدبية السابقة للإنجيل الذي ورد فيه اسم المدينة 28 مرة.

وحسب بعض المصادر فإن السيدة مريم العذراء ولدت فيها، وفيها بشرت بالسيد المسيح عليه السلام الذي نشأ فيها وقضى معظم حياته، ونسب إليها فدعي الناصري، كما نسب إليها النصارى.

فتح المسلمون المدينة عام 634 ميلادية على يد القائد المسلم شرحبيل بن حسنة فاتح شمالي فلسطين، ثم ظلت محل نزاع بين الفرنجة والمسلمين خلال فترة الحروب الصليبية، وخضعت لسيطرة المماليك إلى أن دخلت تحت حكم العثمانيين عام 1517 .

شاركت الناصرة في الانتفاضات والمظاهرات والإضرابات والمؤتمرات الفلسطينية منذ عشرينيات القرن العشرين ضد الاستعمار البريطاني والصهيوني، فقد احتل الإنجليز الناصرة في عام 1918، ثم دخلتها العصابات الصهيونية عام 1948.

وبقيت بلدية الناصرة تدير شؤون المدينة بعد عام 1948 إلا أن الاحتلال أقام مدينة الناصرة العليا (نتسرات عليت) لتشكل كماشة من الأبنية الحديثة، تقع على الجبال والهضاب وتطل على المدينة من الشرق والشمال.

وأدت الأحداث السياسية وهدم القرى والتهجير إلى تغييرات ديمغرافية كبيرة غيرت الطابع السكاني للمدينة التي استقبلت اللاجئين من القرى المجاورة، واستوطنت فيها مع مرور السنين عائلات أخرى لأسباب اقتصادية واجتماعية مختلفة.

واعتمد سكان قضاء الناصرة قديما وحديثا على مدينة الناصرة في تلبية احتياجاتهم حيث عملوا بزراعة الأشجار المثمرة والخضراوات، ومن أهم محاصيل المدينة الزراعية الحبوب والفواكه والزيتون والخضراوات.

كما راجت فيها التجارة والصناعات الخفيفة، لكن الحكومات الإسرائيلية ضيقت على الزراعة العربية، فاتجه السكان إلى التجارة والخدمات وبعض الصناعات التحويلية البسيطة المتعلقة بالسياحة مثل حفر الخشب والخزف، واضطر بعضهم إلى التوجه للعمل في المصانع والورش اليهودية.


                                          منظر من الجو لمدينة الناصرة ( 1900-1926).

وتعتبر الناصرة إحدى أقدس المدن في الديانة المسيحية، ويؤمها الحجاج المسحيون من أنحاء العالم، وفيها العديد من الأديرة والكنائس وأهمها كنيسة البشارة و يحجون إليها كما يحجون إلى كنيسة القيامة في القدس وكنيسة المهد في بيت لحم، ومن أهم كنائس المدينة كنيسة العذراء وكنيسة مار يوسف وكنيسة البلاطة.

وكثيرا ما حذر القادة المسيحيون في الأراضي المقدسة من أن مجتمعاتهم مهددة بالطرد من المنطقة من قبل الجماعات الإسرائيلية المتطرفة، وسبق أن أصدر البطاركة ورؤساء الكنائس في القدس بيانا مشتركا يحذرون فيه بالمثل من الخطر الذي تشكله الجماعات المتطرفة التي قالوا إنها تهدف إلى تقليص الوجود المسيحي في فلسطين.

المصادر

ـ  صالح الأشمر، الناصرة، الميادين نت، 2/6/2021.
ـ  الناصرة، 26/11/2015، الجزيرة نت.
ـ وديع عواودة، "الناصرة الفلسطينية مدينة البشارة المسيحية في حالة سكون ورنين أجراس كنائسها حزين"، 23/12/2023، القدس العربي.
ـ الناصرة (مدينة)، الموسوعة الفلسطينية، 29/10/2015.
ـ أنيس صايغ، كتاب "بلدانية فلسطين المحتلة"، بيروت 1968.
ـ  مصطفى مراد الدباغ، كتاب "بلادنا فلسطين"، ج7، ق2، بيروت 1974.
ـ أسعد منصور، كتاب "تاريخ الناصرة"، القاهرة 1923.

مقالات مشابهة

  • بطريرك الروم الأرثوذكس في القدس يترأس صلاة قداس عيد ختان السيد المسيح
  • من أعماق الطين يُولد الفن.. الفخارات تجمع الماضي والحاضر على جانبي الطريق
  • بايدن: الولايات المتحدة تنتصر ونحن في وضع قوة بينما خصومنا في حالة ضعف
  • عند ملتقى ثلاثة أنهار مقدسة.. انطلاق مهرجان "ماها كومب" في براياجراج وهو اكبر تجمع ديني في العالم
  • رئيس كوريا الجنوبية المعزول يحصل على زيادة في راتبه بينما لا يزال يقاوم الاعتقال
  • البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو.. رحلة في مواجهة قسوة الحياة
  • تأجيل محاكمة المتهمين بقتل نجل سفير سابق بالشيخ زايد
  • الناصرة .. هوية مدينة بشارة المسيح وأجمل مدن فلسطين
  • عبد المسيح سمى نواف سلام
  • حدث ليلا: فيروس خطير يضرب إسرائيل.. ونبوءة بجحيم كاليفورنيا.. وتدريبات إيرانية قرب منشأة نووية