الجزيرة:
2025-04-30@16:56:54 GMT

التاريخ الجديد.. رحلة البحث عن هوية علمية مشتركة

تاريخ النشر: 31st, May 2024 GMT

التاريخ الجديد.. رحلة البحث عن هوية علمية مشتركة

شهد مجال الكتابة التاريخية تحولا كبيرا إبان القرن الـ20، لأن الدور الذي لعبته مدرسة الحوليات (الأنال) بدا بارزا على مستوى اختيار الموضوعات الجديدة بعدما انفتحت الكتابة التاريخية على قضايا لم يكن مُفكَّر فيها داخل البحث التاريخي.

وبيّن أن هذا التحول سبقته اجتهادات ظلت في عمومها تقليدية مع المدرسة المنهجية أو الوضعية مع كل من لانغوا وسينيوبوس، وهو تحول كان ضروريا في وقت وجد فيه التأليف التاريخي نفسه يعيد اجترار الموضوعات والقضايا والإشكالات، وبالتالي كان ضروريا من هذا التجديد الذي لم يبق حبيس الجوانب المنهجية، بل طال حتى أسلوب الكتابة التاريخية في شكلها المعاصر.

بهذه الطريقة تم التخلي عن التاريخ السياسي للأحداث وفترات حكم السلاطين وبلاطاتهم صوب الاهتمام بالتاريخ المنسي الذي يرصد سير المهمشين في علاقتهم بالمجتمع.

وقد أتاحت هذه الطريقة في النظر إلى مفهوم التاريخ بطريقة مختلفة خروج المؤرخ من قلاعه القديمة والاهتمام بمجالات ذات صلة بعلم التاريخ مثل السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا.

هكذا تم الانفتاح على مجالات العلوم الاجتماعية بعدما ظل التاريخ مقتصرا على المعارف الإنسانية، ويعد الانفتاح ثمرة تفكير عميق وجدل أصيل اختمر في رحاب مختبر كتابات مدرس الحوليات.

ثورة مدرسة "الحوليات"

لقد ثارت الحوليات مع كل من لوسيان فيبر ومارك بلوك في إطار مع سمي "التاريخ الجديد" الذي سيبلور ملامحه لاحقا المؤرخ الفرنسي فرناند بروديل، فقد استطاع هذا الأخير عبر أطروحته الشهيرة "البحر الأبيض المتوسط والعالم المتوسطي في عهد فيليب الثاني" بلورة تصور جديد للتاريخ يخضع الأحداث إلى ما سماها "المدة الطويلة"، أي أن الحدث التاريخي لا يمكن النظر إليه في آنيته، بل من خلال تدرجه وتجذره في مفهوم الزمن، وهي طريقة مختلفة في تأمل براديغم التاريخ، بحيث قادته إلى فهم السحر الكبير الذي ظل يميز البحر الأبيض المتوسط عبر تاريخه الطويل.

لكن المثير للدهشة هو أنه على الرغم من إيمان المؤرخين العرب بقدرة هذه المدرسة الفكرية في القبض على مفهوم التاريخ فإنهم ظلوا يتعاملون معه بشكل انتقائي يجعلهم متقوقعين حول التاريخ السياسي ونظيره الاجتماعي.

كل هذا في وقت أهملوا فيه أشكالا أخرى من التاريخ مثل الجسد والصورة واللوحة والسينما والفوتوغرافيا، إذ رغم الإمكانات التأريخية التي تحبل بها هذه الوسائط البصرية فإنه لم يتم استغلالها بالقدر الكافي لهذا الغرض، وذلك أن الفنون العربية قادرة على أن تغدو وثيقة تاريخية تسعف المؤرخ على كتابة التاريخ جديد.

يرى المؤرخ الفرنسي مارك فيرو أن السينما تمتلك من القدرة ما يجعلها تلعب دورا تأريخيا، إذ تمتلك إمكانات تجعلها بمثابة وثيقة بصرية.

ويقول فيرو في كتابه "السينما والتاريخ" إنه "يجب ألا ينظر إلى الفيلم بوصفه عملا إبداعيا، ولكن بوصفه منتوجا وصورة موضوعية ليست لها معان سينماتوغرافية وحسب"، وهذا الأمر يجعل السينما تنتقل من كونها ممارسة فنية على اعتبارها إنتاجا علميا قادرا على إنتاج أنماط مختلفة من المعرفة.

كتاب "السينما والتاريخ" من ترجمة سحر يوسف (الجزيرة) توسيع مفهوم الوثيقة

لم تعد الوثيقة (الشاهدة) مجرد وثيقة مادية بقدر ما غدت وثيقة مشرعة في وجه وثائق أخرى من المسكوكات (علم النقود) والكتابات المنقوشة والحلي واللوحة والفيلم والأدب التاريخي، مما جعل الكتابة التاريخية تتطور من تلقاء نفسها وتصبح سيدة نفسها، لا من ناحية استقلالها ولكن في اشتباكها الكلي مع العلوم الاجتماعية الأخرى.

إن توسيع الوثيقة التاريخية قاد العديد من الباحثين إلى التخلي تدريجيا عن الأحداث السياسية والعسكرية بعدما تم الانفتاح على قضايا ذات صلة بالمجتمعات، مثل الذهنيات والتغذية والمهمشين والصنائع، وهي جملة قضايا ظلت مهمشة لدى المدرسة الوضعية، بحيث إن الاقتصار على الوثيقة بمفهومها المادي جعل المؤرخ طوال قرون يهمش نواحي أخرى تتصل بالتاريخ الاقتصادي وغيره.

يقول المؤرخ المغربي محمد حبيدة "تم إخراج التاريخ من انغلاقه التخصصي وفتحه على تساؤلات وقضايا جديدة، وذلك من جهة عن طريق توسيع دائرة المصادر، بالاعتماد ليس فقط على الوثائق المكتوبة، بل أيضا على المخلفات المادية والرواية الشفهية، ومن جهة أخرى بواسطة الاحتكام بالعلوم الاجتماعية واستيعاب مناهجها وتتبع نتائجها من اقتصاد وسوسيولوجيا وجغرفيا وسيكولوجيا ولسانيات".

كتاب "المدارس التاريخية" لمحمد حبيدة (الجزيرة)

تمثل مجلة الحويات -التي بزغ نجمها سنة 1929 تحت عنوان "حوليات التاريخ الاقتصادي والاجتماعي" بإشراف هيئة مكونة من مارك بلوك ولوسيان فيبر رئيسا للتحرير، فضلا عن ثلة من الكتاب والباحثين الذين ينتمون إلى تخصصات متعددة كالجغرافيا وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا وعلم النفس وغيرها من العلوم- أفقا طلائعيا في تقدم وتطور الكتابة التاريخية وتوسيع حقل التاريخ نحو مقاربات مختلفة كدراسة المشاهد الجغرافية وحركات السكان داخل القبائل والعادات والتقاليد، فقد ساهمت إلى حد كبير في تقلص وشح الدراسات التاريخية للمجال السياسي بأحداثه ومعاركه والاستطراد في ذكر الملوك والأمراء الذين خاضوا هذه المعارك.

وبالتالي، تكون مدرسة الحوليات تؤسس لنفسها وجهة جديدة داخل البحث التاريخي، وجهة ستبوئها مكانة محترمة في العالم محاولة وضع قطيعة إبستمولوجية مع المدرسة المنهجية أو الوضعية التي تقدس مفهوم الوثيقة فأصيبت بحمة التاريخ السياسي وتمجيد الأبطال، عكس مدرسة الحوليات التي اعتبرت أن التاريخ مجرد إعادة التفكير في الماضي بغية تفكيكه وبنائه وليس إحياء ماضويا له، أي بناء مختلف التصورات والسلوكات البشرية لهدف يتيم وهو فهم الحاضر.

مثلت مدرسة الحوليات ثورة معرفية ومنهجية حقيقية وتحولا عميقا في تطور الكتابة التاريخية وعبورها إلى الأنثروبولوجيا، وهو ما أدى إلى بروز إشكالات جديدة ككتابة تاريخ الشعوب وظهور مقاربات ومواضيع جديدة ظلت في حكم اللامفكر فيه داخل الثقافة العربية كاللاشعور والجسد والصورة والمتخيل والألم، وغيرها من الموضوعات التي أصبحت اليوم تشكل لبنة أساسية في فهم ذواتنا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الکتابة التاریخیة

إقرأ أيضاً:

سلوت يعلق على الإنجاز التاريخي ويكشف ما دار في الحافلة

 أبدى الهولندي رني سلوت، المدير الفني لفريق ليفربول، سعادته البالغة بتتويج فريقه بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز للمرة الـ20 في تاريخه، عقب فوزه الكاسح 5 / 1 على ضيفه توتنهام هوتسبير، اليوم الأحد، في المرحلة الـ34 للمسابقة.

وقال سلوت، الذي حقق إنجازا تاريخيا، بعدما أصبح أول هولندي يتوج باللقب المرموق، وخامس مدرب يحقق ذلك في موسمه الأول في البطولة بعد جوزيه مورينيو، وكارلو أنشيلوتي، ومانويل بيليجريني، وأنطونيو كونتي "إنه احساس عظيم. لدي الكثير لأقوله ولكن أريد أن أعبر عن شكري لكل جماهير ليفربول".

وأضاف سلوت، في مقابلة جرت معه بملعب ( نفيلد) أمام حشد كبير من الجماهير في المدرجات، عقب اللقاء "قبل اللقاء قلت للاعبين أنه لا يجب أن نخسر اليوم. حينما كنا قادمين في الحافلة في طريقنا للملعب، شددت عليهم أنه لا مجال لخسارة اللقاء، وبطبيعة الحال قلت إن توتتهام بالامكان ان يصعب المأمورية وتقدموا في النتيجة علينا بالفعل، لكنني مرة أخرى أقدم شكري لمشجعينا".

وردا على سؤال حول كيف كان بإمكانه إحداث الفارق والفوز باللقب، رد سلوت، الذي تولى المسؤولية خلفا للألماني يورجن كلوب، مطلع الموسم الحالي "المسار كان استثنائيا والشكر موصول ليس فقط للاعبين وإنما لكل الجماهير وكل الأشخاص وكل الناس وكل عاشقي كرة القدم المحبين لليفربول والطاقم الذي صاحبني في عملي".

وشدد سلوت "طبعا أي لاعب يحب أن يحتفل باللقب والجميع حاضر بالتأكيد دعنا نتذكر أن هذه هي المرة الثانية في غضون 35 التي يحدث أن يتوج ليفربول باللقب على ميدانه. هذا إنجاز".

وارتفع رصيد ليفربول، الذي كان بحاجة للحصول على نقطة التعادل فقط للتتويج باللقب رسميا قبل نهاية المسابقة بأربع مراحل، إلى 82 نقطة، ليواصل التحليق في الصدارة، بفارق 15 نقطة أمام أقرب ملاحقيه أرسنال.

مقالات مشابهة

  • إطلاق لائحة عندقت هوية.. هذا برنامجها
  • عاجل| العدالة انتصرت لياسين.. أول تعليق من مرتضى منصور بعد الحكم التاريخي بالمؤبد في جريمة مدرسة دمنهور
  • لميس الحديدي: مسلسل ظلم المصطبة يعيد تأكيد مفهوم علاقة الدراما بالمجتمع
  • من مفهوم التجديد الإسلامي إلى نقد تجاربه ومؤسساته.. قراءة في كتاب
  • مرة تغلبني الكتابة
  • ورشة حول الكتابة الصحفية بالجامعة القاسمية
  • سلطان يوجه بالبدء في الطبعة الثانية من المنجز التاريخي «البرتغاليون في بحر عُمان»
  • وكيل تعليم الوادى الجديد يشدد على المتابعة الدورية لمهارات القراءة والكتابة
  • مدرب ليفربول يعلق على الإنجاز التاريخي
  • سلوت يعلق على الإنجاز التاريخي ويكشف ما دار في الحافلة