أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مسجد لبايا، بعد أن ألقى خطبة الجمعة التي جاء فيها: "قال أمير المؤمنين: "فالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ. مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ، ومَلْبَسُهُمُ الِاقْتِصَادُ، ومَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ، غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ، ووَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ، نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلَاءِ، كَالَّتِي نُزِّلَتْ فِي الرَّخَاءِ، ولَوْلَا الأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللَّه عَلَيْهِمْ، لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ، شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ، وخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ.
أضاف: "هذه إحدى التوجيهات التربوية التي اهتم بها أمير المؤمنين وحرص أهل البيت ع على تربية المسلمين عليها لبناء المجتمع الصالح المنسجم مع أهداف الإسلام الذي جعل من الإنسان مدارا لاحكامه وتعاليمه وارشاداته بعد تكريمه وتسخير كل ما في هذا الكون - على ما فيه من دقة الصنع وعظمة الخلق - من أجله. وإذا كان وجود الإنسان قد استدعى كل هذا الوجود مع ما فيه من دقة الصنع وعظمة الخلق فلا بد أن تكون الغاية من وجوده كبيرة وعظيمة ولغاية سامية إظهارا لصفاته اللامحدودة والمطلقة من العلم والقدرة والكرم الخ..، من الصفات إذ لا بد أن تظهر آثار هذه الصفات وتتجلى".
وتابع: "وليس هذا الخلق وعظيم هذا الصنع الا تجلياً لهذه الصفات الإلهية فالكريم لا يظهر كرمه الإ بما يظهره من أفعال الجود والعطاء والقدرة وعبر ما يظهره من أعمال تنبئ عن الاقتدار والفرق بين صفات العباد هذه وبين صفات الله تعالى أن صفاته سبحانه هي غير مكتسبة وهي ليست شيئا غير ذاته، أما غيره فهو بذاته مفتقر في وجوده إلى غيره وهو الله تعالى فضلا عن أن صفاته ليست عين ذاته فهي صفات مكتسبة لامكان سلخها عنه فيكون ضعيفا بل مفتقرا إلى كل شيء بما فيها وجوده ، وما اوجد الله فيه من الاستعدادات [ تخرجون من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئا ]، ثم يمتلك القدرة بشكل متدرج ثم يبدأ بافتقادها شيئا فشيئا حتى يعود كالعرجون القديم كما في التعبير القرآني، اما الله سبحانه وتعالى فهو الغني الذي لم يفتقر ولا يفتقر فالوجود كما ذكرنا هو مظهر من مظاهر غناه الذاتي بكل ما يعني الغنى من معنى مطلق غير محدود".
وقال: "وحينما نتحدث عن الهدف من الخلق لا نعني انه حاجة لله نعوذ بالله، وإنما هي حاجة للانسان لبلوغ الكمال، فمن كرمه وقدرته وغناه أن جعله خليفة له وخلافة الإنسان لله تستدعي أن يكون له قدرة الاختيار لان الخلافة تستدعي المسؤولية، والمسؤولية تستدعي المحاسبة ولا معنى للمحاسبة من دون القدرة على الاختيار، والاختيار يستدعي أن يكون الخير والشر والمعرفة والقدرة على التمييز بينهما، وهي مهمة العقل [ وهديناه النجدين إما شاكرا وإما كفورا ] وان تكون لديه النوازع لكل منهما فنوازع الشر - الذي يقبحه العقل - من الهوى والغرائز ، ونوازع الخير الذي يحسنه العقل، ولكن هل تكفي المعرفة ليلتزم الانسان طريق الخير ؟".
واردف: "في الواقع ان الصراع الناشئ بين هذه النوازع داخل الإنسان لا يجعل الانتصار على نوازع الشر سهلا لأن النفس تستعجل النتائج [ وتحبون العاجلة ] ولا تحتاج الى المزيد من بذل الجهد، بينما نتائج الخير ليست سريعة الظهور، كما انها بحاجة إلى مقاومة هوى النفس. وهذه المقاومة بحاجة الى بذل الجهد والى تربية وتزكية وتذكير، ومن هنا حث القرآن الكريم على التذكر والتزكية وتهذيب النفس التي تستثقلها، لان فيها مواجهة مع المغريات التي تستسهلها وتغريها السرعة في الحصول على ما تريد، فبين ما يحتاج إلى بذل الجهد وبين ما لا يحتاج اليه تختار النفس الأيسر عليها وتتكاسل عن القيام بتهذيبها، ولهذا احتاج الامر إلى التذكير الدائم بخطورة إهمال التزكية والرياضة النفسية وهذا ما دأب القرآن الكريم وتعاليم أئمة أهل البيت على الحث عليه والتذكير بالآخرة وبأهمية التزام الفضائل التي هي من صفات المتقين ،قال تعالى [ قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها ]، والتزكية هي من تمنيتها بالفضائل، و " دساها " أصله : دسسها من التدسيس ، وهو إخفاء الشيء، والمعنى هاهنا : أخملها وأخفى محلها بالكفر والمعصية اي أهمل تزكيتها بالفضائل فأودى به ذلك إلى الكفر والمعصية وهو أعظم الشر لان نتيجته الهلاك في الدنيا والآخرة [ وقد خاب من دساها ] اي حصد الخيبة، والخيبة هي الحالة النفسية التي تصيب الإنسان عند الخسران بعد توقع النجاح وحصول ما كان يرغب به، وقد ضرب الله تعالى مثلا لذلك قوم ثمود الذين استجابوا لغرائزهم فدعتهم قوتهم إلى تكذيب نبيهم صالح ع والى الطغيان وعصيان امر الله تعالى فاقدموا على قتل الناقة علوا في الأرض وفساداً تحدياً لله ورسوله ولوعده لهم بالعقاب إن هم تعدوا حدوده وتجرؤا عليها، يقول تعالى:[ فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها ]".
وتابع: "لقد كذَّبت ثمود نبيها ببلوغها الغاية في العصيان، إذ نهض أكثر القبيلة شقاوة لعقر الناقة، فقال لهم رسول الله صالح ع: احذروا أن تمسوا الناقة بسوء؛ فإنها آية أرسلها الله إليكم، تدل على صدق نبيكم، واحذروا أن تعتدوا على سقيها، فإن لها شِرْب يوم ولكم شِرْب يوم معلوم. فشق عليهم ذلك، فكذبوه فيما توعَّدهم به فنحروها، فأطبق عليهم ربهم العقوبة بجرمهم، فجعلها عليهم على السواء فلم يُفْلِت منهم أحد. ولا يخاف- جلت قدرته- تبعة ما أنزله بهم من شديد العقاب. وهذه قصة من القصص القرآنية الكثيرة التي ذكرها القرآن الكريم عن أحوال الاقوام السابقين للاعتبار حتى لا نحذو حذوهم، فنكون من الذين لم يتعظوا ولم يعملوا على تزكية أنفسهم، وكانت نهايتهم التكبر والتجبر والتحدي لله تعالى مصداقاً:[ ... فاتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ]. ولذلك أخذنا هذا المقطع من خطبة المتقين لامير المؤمنين في نهج البلاغة لنتعرف على صفاتهم ولنقتدي بهم ونتقي النتائج الدنيوية والاخروية التي اودت بهلاك الامم السابقة التي تخلت عنها ، فما هي الفضائل التي اتصف بها المتقون في كلامه ع قال: فالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ. مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ، ومَلْبَسُهُمُ الِاقْتِصَادُ، ومَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ، غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ، ووَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ، نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلَاءِ، كَالَّتِي نُزِّلَتْ فِي الرَّخَاءِ، ولَوْلَا الأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللَّه عَلَيْهِمْ، لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ، شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ، وخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ. عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَصَغُرَ مَا دُونَه فِي أَعْيُنِهِمْ، فَهُمْ والْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ، وهُمْ والنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ".
وقال: "اذا الفضائل هي :أولا ً، التزام منطق الصدق مع أنفسهم ومع غيرهم وهو مبدأ سلوكي في الحياة لا يتغير بتغير المصالح.
ثانياً:الاقتصاد في الملبس وهو نهج في التواضع وعدم الخضوع للمظاهر الخادعة كما هو حال المترفين.
ثالثا :عدم التكبر الذي يعبّر عنه المشي على هيئة معروفة تعبّر عن العجرفة والترفع على الآخرين من الفقراء وأصحاب الدخل المتواضع، وهو يعبّر عن النقص في الشخص الذي يحاول ان يسده عبر هذا السلوك الذي يفتقد الشخصية المتوازنة ويرى ان الكمال الانساني بما يمتلكه من معرفة وقيم واخلاق فيزداد تواضعا كلما استزاد منها.
رابعاً: غض البصر عما حرم الله النظر اليه، لان ارتكاب الحرام يبدأ بالاغراء الذي اول ما يكون بالاعجاب به عن طريق البصر، فالاغضاء عن الحرام صد للشيطان.
خامساً : السيطرة على السمع لانه الباب الذي يدخل منه الشيطان فلا يسمح له بالاشتغال في غير ما فيه خيره ، وهو العلم النافع الذي يرفع من معرفته ويجعل منه عنصرا يفيد المجتمع اما الاستماع إلى الدعوات الباطلة أو يجعل منه عنصرا يضيع وقته ويتلفه فيما لا ينفع .
يقول تعالى : [ ان السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ]، فالسمع والبصر طريق الفؤاد ، و طريق لنقل الحق والباطل من عقيدة حقة او باطلة، فلا تجعله طريقا للباطل وأدّه حقه وان من حقه ان تستخدمه فيما يؤدي الى الله تعالى.
سادساً: ان لا يؤثر عليه تقلب الأحوال ان لا تبطره نعمة ولا تيأسه نقمة، لا يشغلهم شيء عن رضا الله سبحانه فهم في شوق إلى الحياة الحقيقية كما هم على وجل وخوف من عقابه، لأنهم على يقين به وبوعده لذلك فهم بين الخوف والرجاء".
وأكد انه "بهذه المواصفات أراد أهل البيت وعلى رأسهم أمير المؤمنين صناعة الانسان المؤمن والمتوازن والمستقر نفسياً، فلا يعيش الانحطاط النفسي والقلق من تقلبات الدهر لان همه الفوز الاخروي الذي يكون عبر استغلال الحياة بما يوصله الى الفلاح في الدنيا والاخرة ، الامر الذي يفتقده أولئك الذين لايمتلكون هذه الرؤية أو يمتلكونها ولكنهم لا يعيشونها سلوكاً وعملا ً، وهو ما ابتلى به الإنسان في المجتمعات المعاصرة حيث افتقد هذه العناصر من الفضائل واقتصر همه على إشباع غرائزه وتحقيق اطماعه، فافتقد الأمان والاستقرار واستبد به القلق والخوف وتملكه اليأس".
وقال: "هذا هو نتاج ما يسمى بالحضارة المادية المعاصرة التي استبعدت القيم المعنوية من اجندتها وتعاملت مع البشر على أنها مجرد أرقام يسهل عليها حذفها بشحطة قلم دون أن يرف لها جفن، وتبيّن ان كل ما وضعته من مواثيق وقوانين ليست الا حبراً على ورق حين اقتضت مصالحها ذلك وعلى رأسها الولايات المتحدة والأنظمة الغربية التي تتعاطى اليوم مع شعوبنا بالقهر والغلبة وبالاخص مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة الذي يتعرض للابادة الجماعية بحماية ودعم كاملين منها، وعلى الرغم من اقرار المنظمات الدولية وادانتها للكيان الصهيوني الغاصب ولكن منطق الحق على الرغم من كل ذلك سينتصر، وان اصرار الشعب الفلسطيني على انتزاع حقه بصبره وتضحياته وشجاعة المقاومة رغم اختلال موازين القوى وطبيعة الظروف القاسية والحصار المفروض عليه سيجبر العالم على الانصياع لارادته الصلبة في التحرر وبناء دولته على ارضه، ولن تنكسر".
ورأى "ان رهن بعض القوى الداخلية الحل للمشكلة اللبنانية بما ستؤول اليه المعركة في غزة رهان خاسر، فلن يفلح المشروع الغربي بإلابقاء على دولة الفصل العنصري في فلسطين ليتحقق حلم الساعين إلى دويلات مذهبية وطائفية في لبنان والمنطقة، فالحل لن يكون الا لبنانيا وبالاستجابة العاقلة للدعوة الى الحوار وإنتاج الحل وفقا لمصلحة لبنان ومقتضيات حمايته من العدوان الاسرائيلي العاجز عن حماية نفسه أمام المقاومة التي ستجبره على القبول بشروطها طال الزمن أو قصر".
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الله تعالى لله تعالى ف یه ا م ما فیه
إقرأ أيضاً:
حكم من يكذب في سرد الحلم أو الرؤية.. هل مصيره النار؟
الكذب من قبائح الذنوب، وفواحش العيوب فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» رواه البخاري (6094) ومسلم (2607) .
لا يحل الكذب إلا في ثلاث حالاتوالكذب فيما عدا الثلاث حالات الماضية حرم شرعًا، والإسلام حرَّم الكذب وجعله من الكبائر المنهي عنها شرعًا؛ لقوله تعالى: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ» [العنكبوت: 68]، ولقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الشريف: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ؛ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ؛ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا».
حكم من يكذب في سرد الحلم أو الرؤية ؟الكذب في الرؤيا ليس كالكذب في اليقظة، لأن أحدهما كذب على الله والآخر كذب على المخلوقين، قال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ {هود:18}.
هل من يكذب في سرد الحلم أو الرؤية عليه إثم؟في البخاري عن أبي هريرة: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ.
وهو عند الترمذي وأحمد عن أنس: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ قَدْ انْقَطَعَتْ، فَلَا رَسُولَ بَعْدِي وَلَا نَبِيَّ، قَالَ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: لَكِنْ الْمُبَشِّرَاتُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: رُؤْيَا الْمُسْلِمِ، وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ. وحسنه الترمذي.
وقد قال الله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ {الأنعام:93}.
وأجاب احد علماء الدين عن سؤال ورد اليه مضمونة: ما حكم الكذب في الحلم للمصلحة العامة وخاصة على الزوج الذي لا يصلي كتخويفه من النار حتى يرجع عن إهماله في الصلاة؟ فأجاب: الكذب في الحلم حرام، بل من كبائر الذنوب لأن الإنسان إذا كذب في الحلم أي قال إني رأيت في المنام كذا وهو لم يره فإنه يعذب يوم القيامة يكلف بأن يعقد بين شعيرتين وليس بعاقد، ولا يقال إنه إذا كان هناك مصلحة جاز الكذب، لأنه لا يمكن أن يدعى إلى الله بمعصية الله أبداً، ولكن يكفينا ما في القرآن والسنة من المواعظ، فإذا وعظ هذا الرجل المفرط في الصلاة، أو في غيرها من الواجبات إذا وعظ بما في القرآن والسنة كفى ذلك إن اتعظ، فهذا هو المطلوب وإن لم يتعظ فقد قامت عليه الحجة وحسابه على الله عز وجل، ولهذا قال الله تعالى لنبيه محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ـ فحساب الخلق على الله من كان عنده علم، فإنه لا يكلف إلا بإبلاغ علمه إلى من لم يعلمه وليس عليه هدى الناس: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. انتهى.
أما وقد فعلتِ ذلك: فعليكِ التوبة إلى الله توبة نصوحاً صادقة من هذا الفعل مع الندم والعزم على عدم العود، ولا تخبري أختكِ بذلك لما يترتب عليه من المفسدة، كانعدام ثقتها بصدقكِ مستقبلاً ولو بعد التوبة، لا سيما وقد تركَتْ ما كانت عليه من المنكر، فلا تكوني سبباً في عودها وتساهلها، لكن ذكريها بالله وأن تخلص توبتها من فعلها لله لا لغيره، أما توبتك: فأمر بينك وبين الله لا تعلق لأختكِ بها، إذ ليس في ذلك مظلمة لها ولا حقوق
حكم من كذب برؤية سيدنا النبي في المنام ؟وأوضح الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، حكم من كذب وأدعي بأنه راي النبي صل الله عليه وسلم في المنام ، منوها بأن الكذب على النبي يأخذ أشكالا عدة منها التشكيك الدائم في مصادر الشريعة وحديث النبي " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" هو الذي حرك الصحابة رضوان الله عليهم لحفظ السنة خوفا عليها من التحريم.
حكم من كذب وأدعي بأنه راي النبيوأضاف جمعة ، في تصريح له، أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا إذا جاء لهم أحد يقول "سمعت رسول الله يقول كذا " يقولون له " أقسم بالله " وكان سيدنا عمر بن الخطاب إذا جاءه أحد يقول سمعت رسول الله يقول فيطلب منه الإتيان بشاهد على ذلك.
وتابع: التشكيك في الشريعة يجعل الناس في حيرة من أمرهم ويتساءلون أيهما كذب وأيهما صدق فيخلق فتنة كبيرة لذا سارع الصحابة لتوثيق كل ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأكد جمعة أنه فيما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه حذر من المزاح لإضحاك الناس إذا كان بهذه الطريقة، حيث توعد فاعله بواد في جهنم.
ماذا قال النبي صل الله عليه وسلم في من أدعي بالكذب رؤيته في المنامقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».
ما الفرق بين الكذب العادي وإدعاء رؤية النبي في المنامالكذب هو الإخبار بالشيء علي خلاف ما هو عليه علي وجه التعمد والقصد والعلم، والكذب كبيرة تجر صاحبها إلي النار لقول النبي صلي الله عليه وسلم "إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا وعليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا".
وورد في سنن ابي داود، أنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ، فَيَكْذِبُ; لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ، وَيْلٌ لَهُ، ثُمَّ وَيْلٌ لَهُ»، وفي هذا الحديث التحذير من الكذب على سبيل المزاح لإضحاك الناس، قد توعد النبي من فعل ذلك بالويل، والويل قيل إنه اسم لوادٍ في جهنم، وقيل كلمة وعيد وتهديد، ولو كان على سبيل الهزل، المطلوب من المسلم أن يتحرى الصدق في جميع أحواله، وأن يبتعد عن الكذب.
كما دل هذا الحديث على أن من حدث بحديث لم يكذب فيه لأجل إضحاك الناس، فإنه لا بأس به، من حدث بحديث لا كذب فيه، أو لم يكذب فيه، لأجل إضحاك الناس أنه لا بأس به، ومن ذلك ما يسميه بعض الناس بالنكتة، وقد فعل هذا عمر رضي الله عنه في القصة المشهورة في الصحيحين.
رؤية النبي في المنامعن أبي هريرة – رضى الله عنه - قال: قَال رسول الله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَام فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَتَشَبَّه بِي»، رواه مسلم، حديث صحيح.
قال الإمام النووى فى كتابه المنهاج لشرح صحيح مسلم: إنه اختلف العلماء في معنى قوله -صلى الله عليه وسلم- :«فَقَدْ رَآنِي»، فقال ابن الباقلاني: معناه أن رؤياه صحيحة ليست بأضغاث ، ولا من تشبيهات الشيطان ، ويؤيد قوله رواية " فقد رأى الحق " أي الرؤية الصحيحة، قال: وقد يراه الرائي على خلاف صفته المعروفة، كما رآه أبيض اللحية، وقد يراه شخصان في زمن واحد أحدهما في المشرق والآخر في المغرب، ويراه كل منهما في مكانه.
وأضاف النووى، أن الإمام القاضي قال : ويحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم " فقد رآني " أو " فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي " المراد به إذا رآه على صفته المعروفة له في حياته ، فإن رأى على خلافها كانت رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة، موضحاً أن هذا الرأى الذي قاله القاضي ضعيف، بل الصحيح أنه يراه حقيقة، سواء كان على صفته المعروفة، أو غيرها، لما ذكره الإمام المازري.
وأوضح الإمام، أنه قد قال بعض العلماء: إن الله تعالى خص -النبي صلى الله عليه وسلم- بأن رؤية الناس إياه صحيحة وكلها صدق، ومنع الشيطان أن يتصور في خلقته لئلا يكذب على لسانه في النوم ، كما خرق الله تعالى العادة للأنبياء -عليهم السلام- بالمعجزة ، وكما استحال أن يتصور الشيطان في صورته في اليقظة، فحماها الله تعالى من الشيطان ونزغه ووسوسته وإلقائه وكيده .
وأكد النووى –رحمه الله-: أن العلماء اتفقوا على جواز رؤية الله تعالى في المنام وصحتها ، وإن رآه الإنسان على صفة لا تليق بحاله من صفات الأجسام ، لأن ذلك مرئي غير ذات الله تعالى ، إذ لا يجوز عليه سبحانه وتعالى التجسم ، ولا اختلاف الأحوال بخلاف رؤية النبي صلى الله عليه وسلم - فى المنام -، وقال ابن الباقلاني: رؤية الله تعالى في المنام خواطر في القلب، وهي دلالات للرائي على أمور مما كان أو يكون كسائر المرئيات.