لبنان ٢٤:
2024-12-25@03:22:44 GMT

الخطيب: الحلّ لن يكون الا لبنانيا

تاريخ النشر: 31st, May 2024 GMT

الخطيب: الحلّ لن يكون الا لبنانيا

أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مسجد لبايا، بعد أن ألقى خطبة الجمعة التي جاء فيها: "قال أمير المؤمنين: "فالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ. مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ، ومَلْبَسُهُمُ الِاقْتِصَادُ، ومَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ، غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ، ووَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ، نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلَاءِ، كَالَّتِي نُزِّلَتْ فِي الرَّخَاءِ، ولَوْلَا الأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللَّه عَلَيْهِمْ، لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ، شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ، وخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ.

عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَصَغُرَ مَا دُونَه فِي أَعْيُنِهِمْ، فَهُمْ والْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ، وهُمْ والنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ"

أضاف: "هذه إحدى التوجيهات التربوية التي اهتم بها أمير المؤمنين وحرص أهل البيت ع على تربية المسلمين عليها لبناء المجتمع الصالح المنسجم مع أهداف الإسلام الذي جعل من الإنسان مدارا لاحكامه وتعاليمه وارشاداته بعد تكريمه وتسخير  كل ما في هذا الكون - على ما فيه من دقة الصنع وعظمة الخلق - من أجله.  وإذا كان وجود الإنسان قد استدعى كل هذا الوجود مع ما فيه من دقة الصنع وعظمة الخلق فلا بد أن تكون الغاية من وجوده كبيرة وعظيمة ولغاية سامية إظهارا لصفاته اللامحدودة والمطلقة من العلم والقدرة والكرم الخ..، من الصفات إذ لا بد أن تظهر آثار هذه الصفات وتتجلى".

وتابع: "وليس هذا الخلق وعظيم هذا الصنع الا تجلياً لهذه الصفات الإلهية فالكريم لا يظهر كرمه الإ بما يظهره من أفعال الجود والعطاء والقدرة  وعبر ما يظهره من أعمال تنبئ عن الاقتدار والفرق بين صفات العباد هذه وبين صفات الله تعالى أن صفاته سبحانه هي غير مكتسبة وهي ليست شيئا غير ذاته، أما غيره فهو بذاته مفتقر في وجوده إلى غيره وهو الله تعالى فضلا عن أن صفاته ليست عين ذاته فهي صفات مكتسبة لامكان سلخها عنه فيكون ضعيفا بل مفتقرا إلى كل شيء بما فيها وجوده ، وما اوجد الله فيه من الاستعدادات [ تخرجون من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئا ]، ثم يمتلك القدرة بشكل متدرج ثم يبدأ بافتقادها شيئا فشيئا حتى يعود كالعرجون القديم كما في التعبير القرآني، اما الله سبحانه وتعالى فهو الغني الذي لم يفتقر ولا يفتقر فالوجود كما ذكرنا هو مظهر من مظاهر غناه الذاتي بكل ما يعني الغنى من معنى مطلق غير محدود".

وقال: "وحينما نتحدث عن الهدف من الخلق لا نعني انه حاجة لله نعوذ بالله، وإنما هي حاجة للانسان لبلوغ الكمال، فمن كرمه وقدرته وغناه أن جعله خليفة له وخلافة الإنسان لله تستدعي أن يكون له قدرة الاختيار لان الخلافة تستدعي المسؤولية، والمسؤولية تستدعي المحاسبة ولا معنى للمحاسبة من دون القدرة على الاختيار، والاختيار يستدعي أن يكون الخير والشر والمعرفة والقدرة على التمييز بينهما، وهي مهمة العقل [ وهديناه النجدين إما شاكرا وإما كفورا ] وان تكون لديه النوازع لكل منهما  فنوازع الشر - الذي يقبحه العقل - من الهوى والغرائز ، ونوازع الخير الذي يحسنه العقل، ولكن هل تكفي المعرفة ليلتزم الانسان طريق الخير ؟".

واردف: "في الواقع ان الصراع الناشئ بين هذه النوازع داخل الإنسان لا يجعل الانتصار على نوازع الشر سهلا لأن النفس تستعجل النتائج [ وتحبون العاجلة ] ولا تحتاج الى المزيد من بذل الجهد، بينما نتائج الخير ليست سريعة الظهور، كما انها بحاجة إلى مقاومة هوى النفس. وهذه المقاومة بحاجة الى بذل الجهد والى تربية وتزكية وتذكير، ومن هنا حث القرآن الكريم على التذكر والتزكية وتهذيب النفس التي تستثقلها، لان فيها مواجهة مع المغريات التي تستسهلها وتغريها السرعة في الحصول على ما تريد، فبين ما يحتاج إلى بذل الجهد وبين ما لا يحتاج اليه تختار النفس الأيسر عليها وتتكاسل عن القيام بتهذيبها، ولهذا احتاج الامر إلى التذكير الدائم بخطورة إهمال التزكية والرياضة النفسية وهذا ما دأب القرآن الكريم وتعاليم أئمة أهل البيت على الحث عليه والتذكير بالآخرة وبأهمية التزام الفضائل التي هي من صفات المتقين ،قال تعالى [ قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها ]، والتزكية هي من تمنيتها بالفضائل، و " دساها " أصله : دسسها من التدسيس ، وهو إخفاء الشيء، والمعنى هاهنا : أخملها وأخفى محلها بالكفر والمعصية اي أهمل تزكيتها بالفضائل فأودى به ذلك إلى الكفر والمعصية وهو أعظم الشر لان نتيجته الهلاك في الدنيا والآخرة [ وقد خاب من دساها ] اي حصد الخيبة، والخيبة هي الحالة النفسية التي تصيب الإنسان عند الخسران بعد توقع النجاح وحصول ما كان يرغب به، وقد ضرب الله تعالى مثلا لذلك قوم ثمود الذين استجابوا لغرائزهم فدعتهم قوتهم إلى تكذيب نبيهم صالح ع والى الطغيان وعصيان امر الله تعالى فاقدموا على قتل الناقة علوا في الأرض وفساداً تحدياً لله ورسوله ولوعده لهم بالعقاب  إن هم تعدوا حدوده وتجرؤا عليها،  يقول تعالى:[ فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها ]".

وتابع: "لقد كذَّبت ثمود نبيها ببلوغها الغاية في العصيان، إذ نهض أكثر القبيلة شقاوة لعقر الناقة، فقال لهم رسول الله صالح ع: احذروا أن تمسوا الناقة بسوء؛ فإنها آية أرسلها الله إليكم، تدل على صدق نبيكم، واحذروا أن تعتدوا على سقيها، فإن لها شِرْب يوم ولكم شِرْب يوم معلوم. فشق عليهم ذلك، فكذبوه فيما توعَّدهم به فنحروها، فأطبق عليهم ربهم العقوبة بجرمهم، فجعلها عليهم على السواء فلم يُفْلِت منهم أحد. ولا يخاف- جلت قدرته- تبعة ما أنزله بهم من شديد العقاب. وهذه قصة من القصص القرآنية الكثيرة التي ذكرها القرآن الكريم عن أحوال الاقوام السابقين للاعتبار حتى لا نحذو حذوهم، فنكون من الذين لم يتعظوا ولم يعملوا على تزكية أنفسهم،  وكانت نهايتهم التكبر والتجبر والتحدي لله تعالى مصداقاً:[ ... فاتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ]. ولذلك أخذنا هذا المقطع من خطبة المتقين لامير المؤمنين في نهج البلاغة لنتعرف على صفاتهم ولنقتدي بهم ونتقي النتائج الدنيوية والاخروية التي اودت بهلاك الامم السابقة التي تخلت عنها ، فما هي الفضائل التي اتصف بها المتقون في كلامه ع قال: فالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ. مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ، ومَلْبَسُهُمُ الِاقْتِصَادُ، ومَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ، غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ، ووَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ، نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلَاءِ، كَالَّتِي نُزِّلَتْ فِي الرَّخَاءِ، ولَوْلَا الأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللَّه عَلَيْهِمْ، لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ، شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ، وخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ. عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَصَغُرَ مَا دُونَه فِي أَعْيُنِهِمْ، فَهُمْ والْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ، وهُمْ والنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ".

وقال: "اذا الفضائل هي :أولا ً، التزام منطق الصدق مع أنفسهم ومع غيرهم وهو مبدأ سلوكي في الحياة لا يتغير بتغير المصالح.

ثانياً:الاقتصاد في الملبس وهو نهج في التواضع وعدم الخضوع  للمظاهر الخادعة كما هو حال المترفين.

ثالثا :عدم التكبر الذي يعبّر عنه المشي على هيئة  معروفة تعبّر عن العجرفة والترفع على الآخرين من الفقراء وأصحاب الدخل المتواضع، وهو يعبّر عن النقص في الشخص الذي يحاول ان يسده عبر هذا السلوك الذي يفتقد الشخصية المتوازنة ويرى ان الكمال الانساني بما يمتلكه من معرفة وقيم واخلاق فيزداد تواضعا كلما استزاد منها.

رابعاً: غض البصر عما حرم الله النظر اليه، لان ارتكاب الحرام يبدأ بالاغراء الذي اول ما يكون بالاعجاب به عن طريق البصر، فالاغضاء عن الحرام صد للشيطان.

خامساً : السيطرة على السمع لانه الباب الذي يدخل منه الشيطان فلا يسمح له بالاشتغال في غير ما فيه خيره ، وهو العلم النافع الذي يرفع من معرفته ويجعل منه عنصرا يفيد المجتمع اما الاستماع إلى الدعوات الباطلة أو يجعل منه عنصرا يضيع وقته ويتلفه فيما لا ينفع .

يقول تعالى : [ ان السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ]، فالسمع والبصر طريق الفؤاد ، و طريق  لنقل الحق والباطل من عقيدة حقة او باطلة، فلا تجعله طريقا للباطل وأدّه حقه وان من حقه ان تستخدمه فيما يؤدي الى الله تعالى.

سادساً: ان لا يؤثر عليه تقلب الأحوال ان لا تبطره نعمة ولا تيأسه نقمة، لا يشغلهم شيء عن رضا الله سبحانه فهم في شوق إلى الحياة الحقيقية كما هم على وجل وخوف من عقابه، لأنهم على يقين به وبوعده لذلك فهم بين الخوف والرجاء".

وأكد انه "بهذه المواصفات أراد أهل البيت وعلى رأسهم أمير المؤمنين صناعة الانسان المؤمن والمتوازن والمستقر نفسياً، فلا يعيش الانحطاط النفسي والقلق من تقلبات الدهر لان همه الفوز الاخروي الذي يكون عبر استغلال الحياة بما يوصله الى الفلاح في الدنيا والاخرة ، الامر الذي يفتقده أولئك الذين لايمتلكون هذه الرؤية أو يمتلكونها ولكنهم لا يعيشونها سلوكاً وعملا ً، وهو ما ابتلى به الإنسان في المجتمعات المعاصرة حيث افتقد هذه العناصر من الفضائل واقتصر همه على إشباع غرائزه وتحقيق اطماعه،  فافتقد الأمان والاستقرار واستبد به القلق والخوف وتملكه اليأس".

وقال: "هذا هو نتاج ما يسمى بالحضارة المادية المعاصرة التي استبعدت القيم المعنوية من اجندتها وتعاملت مع البشر على أنها مجرد أرقام يسهل عليها حذفها بشحطة قلم دون أن يرف لها جفن، وتبيّن ان كل ما وضعته من مواثيق وقوانين ليست الا حبراً على ورق حين اقتضت مصالحها ذلك وعلى رأسها الولايات المتحدة والأنظمة الغربية التي تتعاطى اليوم مع شعوبنا بالقهر والغلبة  وبالاخص مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة الذي يتعرض للابادة الجماعية بحماية ودعم كاملين منها، وعلى الرغم من اقرار المنظمات الدولية وادانتها للكيان الصهيوني الغاصب ولكن منطق الحق على الرغم من كل ذلك سينتصر، وان اصرار الشعب الفلسطيني على انتزاع حقه بصبره وتضحياته وشجاعة المقاومة رغم اختلال موازين القوى وطبيعة الظروف القاسية والحصار المفروض عليه سيجبر العالم على الانصياع لارادته الصلبة في التحرر وبناء دولته على ارضه، ولن تنكسر". 

ورأى "ان رهن بعض القوى الداخلية الحل للمشكلة اللبنانية بما ستؤول اليه المعركة في غزة رهان خاسر، فلن يفلح  المشروع الغربي بإلابقاء على دولة الفصل العنصري في فلسطين ليتحقق حلم الساعين إلى دويلات مذهبية وطائفية في لبنان والمنطقة، فالحل لن يكون الا لبنانيا وبالاستجابة العاقلة للدعوة الى الحوار وإنتاج الحل وفقا لمصلحة لبنان ومقتضيات حمايته من العدوان الاسرائيلي العاجز عن حماية نفسه أمام المقاومة التي ستجبره على القبول بشروطها طال الزمن أو قصر".

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: الله تعالى لله تعالى ف یه ا م ما فیه

إقرأ أيضاً:

موقف الشريعة من السحر وحكم تعلمه وجزاء الساحر

قالت دار الإفتاء المصرية إن المسلم ذا العقيدة السليمة يعلم تمام العلم أن النافع الضار هو الله، وأنه هو المسخر للكون ببديع حكمته وعظيم قدرته، وأن المسلم المتفقه في دينه والباحث الدارس لا ينفي وجود السحر السابق للأدلة التي وردت في صدر البحث، وأن على المسلم أن يكون قوي الإيمان مستعينًا بالله في الملمات والشدائد، وأن الساحر قد يستطيع إيصال الضر والبلاء والأذى بالناس، وقد يصل بذلك إلى التفريق بين المرء وزوجه، ولكنه لا يستطيع أن يفعل شيئًا إلا بإذن الله تعالى.

قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ۞ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ۞ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 101-103].


هل للسحر حقيقة وتأثير في الواقع؟
وأوضحت الإفتاء أن جمهور العلماء من أهل السنة والجماعة ذهبوا إلى أن السحر له حقيقة وتأثير، وذهب المعتزلة وبعض أهل السنة إلى أن السحر ليس له حقيقة في الواقع، وإنما هو خداع وتمويه وتضليل، وأنه باب من أبواب الشعوذة، وهو عندهم على أنواع:
- التخييل والخداع.
- الكهانة والعرافة.
- النميمة والوشاية والإفساد.
- الاحتيال.

واستدل الجمهور من العلماء على أن السحر له حقيقة وله تأثير بعدة أدلة منها:

-  قوله تعالى: ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ [الأعراف: 116].

-  قوله تعالى: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِه﴾ [البقرة: 102].

-  قوله تعالى: ﴿وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ﴾ [البقرة: 102].

-  وقوله تعالى: ﴿وَمِن شَرِّ النَّفَّٰاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ [الفلق: 4].

ومن استعراض الأدلة نرى أن ما ذهب إليه الجمهور أقوى دليلًا، فإن السحر له حقيقة وله تأثير على النفس، فإن إلقاء البغضاء بين الزوجين والتفريق بين المرء وأهله الذي أثبته القرآن الكريم ليس إلا أثرًا من آثار السحر، ولو لم يكن للسحر تأثير لما أمر القرآن بالتعوذ من شر النفاثات في العقد، ولكن كثيرًا ما يكون هذا السحر بالاستعانة بأرواح شيطانية، فنحن نقر بأن له أثرًا وضررًا ولكن أثره وضرره لا يصل إلى الشخص إلا بإذن الله، فهو سبب من الأسباب الظاهرة التي تتوقف على مشيئة مسبب الأسباب رب العالمين جل وعلا.

حكم تعلم السحر وتعليمه
ذهب بعض العلماء إلى أن تعلم السحر مباح بدليل تعليم الملائكة السحر للناس كما حكاه القرآن الكريم عنهم، وإلى هذا الرأي ذهب الإمام الفخر الرازي من علماء أهل السنة، وذهب الجمهور إلى حرمة تعلم السحر أو تعليمه؛ لأن القرآن الكريم قد ذكره في معرض الذم وبين أنه كفر، فكيف يكون حلالًا؟ كما أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عده من السبع الموبقات في حديثه الشريف.

جزاء الساحر
قال الإمام أبو بكر الجصاص: اتفق السلف على وجوب قتل الساحر، ونص بعضهم على كفره؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ مَشَى إِلَى سَاحِرٍ أَوْ كَاهِنٍ أَوْ عَرَّافٍ فَصَدَّقَهُ فِيمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ» رواه ابن أبي شيبه في "مصنفه".

واختلف فقهاء الأمصار في حكمه: فروي عن الإمام أبي حنيفة أنه قال: الساحر يقتل إذا علم أنه ساحر ولا يستتاب ولا يقبل قوله: إني أترك السحر وأتوب منه، فإذا أقر أنه ساحر فقد حل دمه، وكذلك العبد المسلم والحر والذمي من أقر منهم أنه ساحر فقد حل دمه، وهذا كله قول الإمام أبي حنيفة.

وروي عن الإمام مالك: في المسلم إذا تولى عمل السحر قتل ولا يستتاب؛ لأن المسلم إذا ارتد باطنًا لم تعرف توبته بإظهاره الإسلام، فأما ساحر أهل الكتاب فإنه لا يقتل عند الإمام مالك إلا أن يضر المسلمين فيقتل.

وقال الإمام الشافعي: لا يكفر بسحره، فإن قتل بسحره وقال: سحري يقتل مثله وتعمدت ذلك قتل قودًا، وإن قال: قد يقتل وقد يخطئ لم يقتل وفيه الدية.

وقال الإمام أحمد: يكفر بسحره قتل به أو لم يقتل، وهل تقبل توبته؟ على روايتين، فأما ساحر أهل الكتاب فإنه لا يقتل إلا أن يضر المسلمين.

مقالات مشابهة

  • البُوصلة الإيمانية فيها طريقان لا ثالث لهما
  • "بسيوني": الشائعات تهدف إلى التأثير على الصورة التي تقدمها مصر في مجال حقوق الإنسان
  • موقف الشريعة من السحر وحكم تعلمه وجزاء الساحر
  • حكم تهنئة المسيحيين في عيدهم.. الإفتاء توضح
  • مظاهر تحريف الأديان
  • هل الذنوب تنقص الرزق وتسبب الفقر؟.. 10 أمور تنغص حياتك فاجتنبها
  • ماذا يفعل القرين عندما تحزن؟.. 7 حقائق ينبغي معرفتها تقيك شروره
  • مراتب الحزن في القرآن الكريم
  • التواضع زينة الأخلاق.. تأملات في قول الله تعالى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ}
  • من هو النبي الذي قتل جالوت؟.. تعرف على القصة كاملة