فضيلي جماع

 أشهد أنّ موجة فرح عارمة غمرتني وفقرات إفتتاح مؤتمر القوى الديموقراطية المدنية (تقدم) تتوالى الواحدة تلو الأخرى ، دون كلل أو ملل. ألتفت إلى الخلف لأرى حشداً من الحضور إكتظت بهم القاعة الضخمة بفندق (سكاي لايت) بأديس أبابا – عاصمة الشقيقة إثيوبيا. ألتفت تارة أخرى لأجيل بصرى في قوس القزح السوداني الذي ضم في ثناياه رجالاً ونساءاً ، بمختلف السحنات والأعمار.

تقول إحصائية المؤتم أن عدد من الحضور للجلسة الإفتتاحية قد بلغ قرابة الستمائة سوداني وسودانية ، تداعوا للمؤتمر من 30 بلداً في العالم. إنّ باعث موجة الفرح التي طوقتني هو هذا التنوع الضخم من السودانيين والسودانيات وهم يهتفون بشعار ثورة ديسمبر : (حرية ، سلام وعدالة – مدنية خيار الشعب!) ثم يطغى الحماس كلما جاءت عبارة الوطن والحرية والسلام ورفض الحرب على لسان أحد المتحدثين الذين مثلوا قطاعات واسعة من المهن والحرف والأحزاب السياسية وشباب المقاومة والمبدعين والطوائف الدينية والطرق الصوفية والإدارة الأهلية. يشبه هذا التنوع وطننا الذي لن يقوى له ساعد إلا بامتزاج هذه الألوان طوعاً. ولن تقوم له قائمة في عالم اليوم إلا إذا عرفنا أن الشعوب التي سبقتنا على ظهر هذا الكوكب إنما أنجزت تقدمها بنجاح أبنائها وبناتها في نبذ خطاب الكراهية القائم على تفرقة الصف على أساس اللون والعنصر والمعتقد.

* بدأ برنامج الجلسة الإفتتاحية بتلاوة من آي الذكر الحكيم من سورة (الرحمن) ، تلتها قراءة من الإنجيل. وقد عم القاعة صمت رهيب. لاحظنا أنّ مضمون التلاوة في الحالتين كان دعوة الإنسان إلى القسط في الميزان وإلى التسامح والمحبة بين الناس.

* تلا ذلك السلام الجمهوري السوداني الذي ردده من امتلأت بهم القاعة الضخمة وقوفاً

تناوب علي تقديم فقرات البرنامج إثنتان من فتياتنا: سلافة أبوضفيرة وكفاية احمد . وقد أجدن فن التقديم بلغة سليمة وأنيقة. نثني على ضبطهما للتوقيت وعدم ترك فجوات بين فقرة وأخرى، فمضىي البرنامج الذي استغرق زهاء الثلاث ساعات مشوقاً دون ملل أو كدر.

* كان أول المتحدثين المهندس الصديق الصادق المهدي ، الذي ألقى كلمة لجنة تنسيقية تقدم – كيف بدأت دعوة السودانيين لوقف الحرب ثاني أيامها من جماعة مدنية بالحاج يوسف، ثم توالت أصوات المجتمع المدني الرافضة للحرب إلا الفئة التي أشعلت الحرب لأنه ليس من مصلحتها وطن حر ، يسوده التسامح والمساواة بين أبنائه وبناته! أشهد للمهندس صديق الصادق المهدي بأنه كان موفقاً في إلقاء كلمة سردت الأطوار التي مرت بها (تقدم) من ضربة البداية حتى لحظة قيام هذا المؤتمر الجامع..وأن تكوين هذه الجبهة المدنية العريضة لم يأت ضربة لازب ، بل كان توافقاً شهد الحوارات الجادة بين الفرقاء الذين ظل الوطن دائماً نصب أعينهم. قوطع الخطاب بالتصفيق الحار والهتافات الداوية.

* طبعاً لن يكون بمقدوري أن أسرد لقارئ هذا المقال ملخصاً لما قاله كل متكلم. فطبيعة المقال إنطباعية ولإلقاء الضوء بصورة موجزة على المؤتمر.

* ممن شدت الحضور كلماتهم الأستاذة هادية حسب الله. فقد حفلت كلمتها بالسرد الموضوعي والإنتقال بعفوية ووضوح من نقطة إلى أخرى وبصوت جهور وحماس قاطعته الصالة بالتصفيق والهتاف.

* من بين المتحدثين الذين نال وقوفهم على المنصة إعجاباً كبيراً ممثل الإدارة الأهلية: الناظر مالك أب روف حيث وضح من كلمته أننا أمام جيل جديد من الإدارة الأهلية مزود بالوعي. جيل يحترم عقول من يخاطبهم. سرد الناظر اب روف تاريخ الإدارة الأهلية ولأي قام الأغراض أنشئت. وكيف أن الإدارة الأهلية مثل قطاعات كبيرة لم تنج من الإختراق والتدجين إبان النظم الدكتاتورية، وكيف أن نظام الإسلامويين قام بتقسيم مهامها وفرض أشخاصاً يخدمون أغراضه ومصالحه.

* أحدثت تقدم اختراقاً في هذا المؤتمر ونحن نتابع فقرات جلسة الإفتتاح: إعتلاء الشابة الدكتورة إ ممثلة للطرق الصوفية التي تمثل الإسلام المعتدل ، غير المتخلف عن إيقاع العصر. كما جاء أختراق آخر لسيدة تعتبر أول أمرأة يختارها أهلها لوظيفة عمدة. سيدة عركتها تجارب الحروب المريررة والمعسكرات في دارفور – السيدة نعمة مختار محمدين.

* وتعتبر مشاركة الحركة الشعبية شمال بصفة مراقب في هذا المؤتمر اختراقاً آخر. حيث مثل كان حضوراً القائد عمار آمون وزميلين أخرين..وقف المؤتمرون تحية لهم وسط الهتافات والتصفيق الحار.

* من الجديد الذي قدمه هذا المؤتمر صوت الأدباء والمفكرين والفنانين – ومنهم السينمائيون والمسرحيون وغيرهم. وقد ضجت القاعة بالتصفيق والهتاف للوطن وللحرية حين اعتلى المنصة شاعر الثورة أزهري محمد علي وأطرب وجدان الحضور بالقائه المميز .

* كلمة الشاعر الكبير عالم عباس إنابة عن المبدعين كانت أيضاً قصيدة من النثر الرفيع. وكأني بالشاعر عالم وهو يصعد المنبر قد أراد للحضور الكثيف أن يعلم أن كلمة الكتاب والشعراء والفنانين ينبغي أن تخرج عن الخطاب التقريري المباشر. حفلت الكلمة بالمفردة الرصينة والعبارة وسيمة الصياغة. دافع فيها عالم عباس عن الكتاب والأدباء والفنانين منذ قبل فجر الإستقلال. وكيف اكتظت السجون والمعتقلات والمنافي والتشريد والتعذيب بهم قديما وحديثاً. وأن هذه الفئة كانت وما تزال رأس الرمح في معارك شعبنا ضد الأنظمة الدكتاتورية والإستبداد.

* أختتمت فعالية الجلسة الإفتتاحية بدعوة مقدمة البرنامج للدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السابق بإلقاء كلمة تنسيقية (تقدم). كنت وما زلت على قناعة بأن الدكتور حمدوك يحظى بشعبية كبيرة وسط الشعب السوداني. لكن تأكد في تلك الجلسة أن للرجل كاريزما جعلت من شخصه نقطة الإجماع ليس بين زملائه في تنسيقية تقدم بتعدد ألوانها ومذاهبها السياسية فحسب بل بين قطاعات لا حصر لها من أبناء وبنات الشعب السوداني التواق لقيادة ترقى إلى سلوك شعبنا الخلوق والمتسامح. لاحظت ذلك أيضا في كلمة المهندس صديق الصادق المهدي حين أثنى في معرض حديثه على الدكتور عبد الله حمدوك كرمز وطني أصيل. حينها وقف المئات في الصالة يصفقون ويهتفون بشعارات الحرية والوطنية. سمعت أحدهم يصرخ بصوت عال في نهاية التصفيق : إسمو رئيس الوزراء الشرعي!! وفي المرة الثانية حين نودي عليه ليقدم كلمة الجبهة الديموقراطية المدنية (تقدم) وقف المئات يصفقون ويهتفون بالشعارات الوطنية لمدة لا تقل عن دقيقتين إن لم تزد. تأكد لي لحظتها لماذا يكره الإسلامويون والبلابسة هذا الرجل. فقيادة الوطنيين من أمثاله لشعبنا تعني نهاية حلمهم بالعودة القسرية للسلطة حتى يمارسوا هوايتهم اللعينة في سرقة ثروات بلادنا وإطالة أمد الحرب.

 جاءت كلمة الدكتور حمدوك متزنة. حملت رؤية تقدم للتبشير بوطن المساواة والتسامح. سودان لكل السودانيين. وأشار بأن تقدم ليست مع طرف من الأطراف المتحاربة. وأنهم لم يدعو قط أنهم الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوداني لكنهم يظلون فاتحين الباب لكل من يؤمن بأهدافهم المتمثلة في وقف الحرب وبناء الدولة المدنية.كما أشاد بوقوف دول الجوار والدول الصديقة مع شعبنا وهو يواجه هذه المحنة. واثنى بصورة خاصة على الدول المجاورة لبلادنا شاكراً لها استقبالها لمئات الآلاف من النازحين من جحيم الحرب: إثيوبيا ومصر تشاد وجنوب السودان وكينيا ويوغندا.

نعم.. كنا حضوراً في عرس قوس القزح السوداني بأديس أبابا !! وأشهد أنّ هذا المؤتمر الناجح كان اختراقاً أوجع أعداء الحرية.. أعداء عودة العافية لجسد وطننا الجريح!

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الإدارة الأهلیة هذا المؤتمر

إقرأ أيضاً:

غارة جوية تشعل منطقة القرن الأفريقي.. قذائف طائرة مسيرة تثير الجدل بين جيبوتى وإثيوبيا.. وأديس أبابا تلتزم الصمت

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أثارت غارة جوية بطائرة مسيرة بدون طيار، جدلا كبيرا خلال الأيام القليلة الماضية، بين جيبوتى وإثيوبيا الدولتين الجارتين فى منطقة القرن الأفريقي. وأكدت وزارة الدفاع الجيبوتية تنفيذ ضربة بطائرة بدون طيار فى ٣٠ يناير الماضى فى منطقة أدورتا، وهى منطقة داخل أراضى جيبوتي، على بعد حوالى ستة كيلومترات من الحدود الإثيوبية، مشيرة إلى أن الهجوم أسفر عن مقتل "ثمانية إرهابيين" وسقوط ضحايا من المدنيين. وجاء فى البيان الصادر عن الدفاع الجيبوتية فى الأول من فبراير الجارى أن الموقع كان "تحت المراقبة لمدة أسبوع" وتم تحديده على أنه "قاعدة لوجستية وعملياتية" تستخدمها المجموعة. وزعم البيان أن ثمانية أفراد "تم تحييدهم" فى الضربة. ومع ذلك، أقرت الوزارة بوقوع "أضرار جانبية" لحقت بالمدنيين الجيبوتيين، موضحة أن التحقيق جار لتحديد ظروف وجودهم وأضافت أنه تم إرسال مساعدات إنسانية إلى المتضررين. وذكرت الوزارة الجيبوتية أن المجموعة المستهدفة كانت "تقوم بأعمال عدائية، بما فى ذلك التسلل عبر ثلاثة طرق مختلفة"، وهو ما قالت إنه "يشكل تهديدًا محتملًا لمواقعنا الأمامية والبنية التحتية الاستراتيجية لبحيرة العسل". كما زعمت أن المجموعة "كانت متورطة فى عمليات اختطاف مستهدفة لمعلمى المدارس الريفية" و"هددت أمن ممر بحيرة العسل - تاجورة". وعلى النقيض من ذلك، كشفت صحيفة أديس ستاندرد الإثيوبية أن تقارير تحدثت عن وقوع هجوم فى منطقة عفار الإثيوبية، حيث قال السكان للصحيفة إن أكثر من ثمانية أشخاص قتلوا فى غارات بطائرات بدون طيار فى نفس الليلة فى قرية سيارو كيبيلي، بمنطقة إيليدار، بالقرب من الحدود الإثيوبية الجيبوتية. وقال أحد السكان، الذى طلب عدم الكشف عن هويته للصحيفة الإثيوبية، إن المنطقة "تعرضت لقصف عدة مرات خلال الليل"، مما أسفر عن مقتل أكثر من ثمانية أشخاص، بما فى ذلك امرأة حامل وشقيقان. كما وردت أنباء عن إصابة أربعة أشخاص آخرين على الأقل، حيث تلقى اثنان منهم العلاج فى مستشفى دوبتى العام. وزعم أحد السكان أن الضربة كانت "المرة الثانية خلال شهرين" التى تستهدف فيها طائرات بدون طيار المنطقة، وزعم أنها أجريت "بذريعة مهاجمة جبهة استعادة الوحدة والديمقراطية"، وهى جماعة مسلحة معارضة للحكومة الجيبوتية. وزعمت الرابطة الجيبوتية لحقوق الإنسان أن الهجوم كان أكثر دموية، حيث ذكرت أن "١٤ شخصًا لقوا حتفهم، بينهم أربع نساء" وأن الطائرات بدون طيار "استمرت فى قصف مخيمات البدو طوال الليل". ووصفت المنظمة الهجوم بأنه "جريمة حرب تستهدف المدنيين من عفار عمدًا". ولم تعلق الحكومة الإثيوبية على الحادثة حتى الآن. وتقاتل جماعة مسلحة من عفار تسمى جبهة استعادة الوحدة والديمقراطية (FRUD) قوات الأمن الجيبوتية منذ أكثر من عقدين من الزمان. ويستخدم مقاتلو عفار الأراضى الإثيوبية أيضًا. وتعمل جبهة استعادة الوحدة والديمقراطية فى المناطق الحدودية بين جيبوتى وإثيوبيا وإريتريا. وتتهم جبهة استعادة الوحدة والديمقراطية حكومة الرئيس الجيبوتى إسماعيل عمر بارتكاب فظائع ضد سكان عفار فى جيبوتي. وينتمى إسماعيل عمر إلى عشيرة عيسى الصومالية. وتتهم جبهة استعادة الوحدة والديمقراطية قبيلة عيسى الصومالية بإنكار الحقوق المتساوية لشعب عفار فى جيبوتي. فى عام ١٩٩١، أطلقت الجبهة المتحدة للديمقراطية والتنمية، التى نشأت فى مجتمع عفار فى شمال جيبوتي، تمرداً مناهضاً للحكومة، مدعية أنها تمثل مصالح عفار ضد عيسى، المجموعة العرقية الكبرى الأخرى فى الدولة الصغيرة الواقعة فى القرن الأفريقي. وفى وقت لاحق، انقسمت المجموعة، وانضمت إلى ائتلاف مكون من أربعة أحزاب يدعم الرئيس جيلي، لكن جناحها المسلح، المسمى FRUDA، واصل تنفيذ الهجمات ضد القوات الحكومية.

مقالات مشابهة

  • اللجنة الإشرافية لمؤتمر الجامعات اليمنية تقدم العزاء في استشهاد القائد الضيف ورفاقه
  • وزير الطاقة السوداني: شركة CNPC الصينية وافقت على إعادة إعمار مصفاة الخرطوم للنفط
  • راشد عبد الرحيم: جرد الحساب
  • غارة جوية تشعل منطقة القرن الأفريقي.. قذائف طائرة مسيرة تثير الجدل بين جيبوتى وإثيوبيا.. وأديس أبابا تلتزم الصمت
  • الجيش السوداني يعلن عن تقدم كبير في مناطق وسط الخرطوم
  • الجيش السوداني: قواتنا تحرز تقدما كبيرا بالخرطوم وسيطرنا على منطقة الرميلة
  • دبلوماسي روسي سابق: بوتين يريد مناقشة الحرب الأوكرانية مع ترامب وإيجاد حل دائم
  • باحث سياسي: الجيش السوداني اقترب من الجسر الرابط بين شرق وغرب الخرطوم
  • وزير الخارجية السوداني: نقترب من إنهاء الحرب واستعادة السيادة الكاملة
  • دبلوماسي روسي: بوتين يريد مناقشة الحرب الأوكرانية مع ترامب لإيجاد حل دائم