كيف أسهمت عملية عورتا في تقليل سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية؟
تاريخ النشر: 31st, May 2024 GMT
نابلس- قبل انتصاف الليل بقليل، اقترب فلسطيني يقود شاحنة من حاجز عورتا الإسرائيلي العسكري قرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، وبعد وقت قصير -ووفق ما ادعاه الاحتلال- خرج السائق من مسلكه المخصص للعبور نحو الحاجز، وتجاوز المركبات أمامه ودهس جنديين إسرائيليين، قبل أن ينسحب من المكان باتجاه مدينة نابلس.
فاجأ هذا المشهد من شاهد الحدث من جنود الاحتلال، ومن زار المكان من قيادات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين لاحقا، ليعلن الجيش الإسرائيلي بعد ذلك -وفق صحيفة هآرتس- أنها "عملية مقصودة" أسفرت عن مقتل اثنين من الجنود متأثرين بإصابتهما.
وشن جيش الاحتلال بعدها اقتحامات مختلفة لمدينة نابلس وقراها ومخيماتها، لا سيما في المنطقة القريبة من مكان العملية، كما صادر المركبة التي نُفذت بها العملية، وقال إن المنفذ سلَّم نفسه للأمن الفلسطيني، الذي لم يسلمه بدوره للاحتلال.
ولا تكمن أهمية عملية عورتا في زمانها وآلية تنفيذها فحسب، بل في مكانها أيضا، فالحاجز العسكري الذي أعيد تشغيله بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي محصن عسكريا وأمنيا بالسواتر الإسمنتية والحديدية، ومزود بأدوات الكشف والكاميرات المختلفة، وغير ذلك من وسائل الحماية للجنود، فضلا عن قربه من معسكر حوارة.
كسرت "عملية عورتا" حالة الهدوء النسبي في عمليات المقاومة التي تعيشها مدن الضفة الغربية عامة، ومدينة نابلس على وجه الخصوص، والتي كان آخرها في نهاية فبراير/شباط الماضي، حين قتل فلسطيني إسرائيليين قرب مستوطنة "عيلي" جنوب نابلس، لتأتي هذه العملية ضد محاولات إسرائيل وسعيها لإحكام قبضتها على الضفة الغربية.
وبالرغم من التكتم الإسرائيلي على التفاصيل، فإن هذا لم يمنع قادة الاحتلال والمستوطنين أمثال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش من التحريض على الفلسطينيين وعلى الضفة الغربية، إذ قال "إسرائيل يجب أن تخرج لحرب دفاعية في الضفة الغربية".
ووفق ما نقله ياسر مناع الباحث الفلسطيني بالشأن الإسرائيلي عن القناة السابعة الإسرائيلية، تابع الوزير "كل من يتحدث عن إقامة دولة فلسطينية يهدر دم المستوطنين، ويعرض وجود الدولة للخطر".
ووفق القناة نفسها، هدد عضو الكنيست الإسرائيلي تسفي سكوت سكان نابلس بعد زيارته موقع العملية قائلا إن عليهم أن يعلموا أن "إسرائيل وشعبها وجيشها وسلطتها الحاكمة تغيرت وجُنت، وأن العملية ممنوع أن تمر بهدوء، ولا يمكن أن يقع حدث كهذا وتبقى نابلس هادئة".
وفي تفسيره لعملية عورتا، يقول مناع للجزيرة نت إن الضفة الغربية تشهد هبوطا وارتفاعا في منحنى عمليات المقاومة، وتتأثر بممارسات الاحتلال وجرائمه في غزة، إضافة لإجراءاته القمعية واحتجازه أموال الناس، "وكلها مؤشرات لعودة الضفة لنقطة ساخنة".
وتدرك إسرائيل -حسب مناع- أنه لا يمكنها فرض هدوء بالضفة، خاصة في ظل هذه الظروف من اقتحام واعتقال وقتل، وتعلم أن هذا كله يؤثر على مجريات الأحداث ويدفع نحو التصعيد، "بمعنى آخر، لا يمكن القول إن العمليات عادت، لأنها انخفضت ولم تنقطع".
واعتبر مناع أن إسرائيل تحاول تأخير المواجهة وجعل الضفة ساحة ثانوية، إلا أن الفصل بين ما يحدث في غزة والضفة صعب للغاية، كما أنها تسعى إلى دفع السلطة الفلسطينية إلى مزيد من التنازلات، في سبيل الحفاظ على أمن إسرائيل، وهو ما لن تستطيع السلطة تلبيته، خاصة في ظل مضايقة إسرائيل لها ماليا.
كسرت معادلة السيطرةويرى الخبير الأمني والعسكري اللواء المتقاعد واصف عريقات أن أهمية هذه العمليات العسكرية تكمن في أنها تكون بمناطق ذات بعد أمني واستخباري، إذ يعتقد الجيش الإسرائيلي أنه اختار مكانا مناسبا، بينما يختار المقاوم الفلسطيني المواقع العسكرية هدفا له بعناية، فإذا ما تحققت الإصابة "يكون التأثير ماديا ومعنويا على الجيش الإسرائيلي أكثر من أي موقع آخر".
ويضيف عريقات أن مثل هذه العمليات ربما تكون ملهمة لخلايا مقاومة أخرى، ويقول "النموذج الناجح -خاصة استهداف الجنود- يولد نماذج مشابهة، وأكثر".
ويتفق عريقات مع مناع في أن هذه العملية كسرت حالة السيطرة والقبضة التي تحاول إسرائيل فرضها على الضفة، رافضا تسميتها بحالة الهدوء التي يسعى الاحتلال لها، وقال "حيث يوجد احتلال لا يكون هدوء"، وعلل إخفاء تفاصيل العملية الكاملة حتى اللحظة بأن جيش الاحتلال يحبذ دائما عدم إعطاء معلومات تفصيلية، حتى لا يأخذ المقاومون العبرة منها.
ومن جانبه، ربط المحلل السياسي سليمان بشارات عملية عورتا بإجراءات الاحتلال العسكرية والقمعية، في نابلس خاصة وبعموم الضفة الغربية، وسعي إسرائيل وقادتها المتطرفين، أمثال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، لإحكام السيطرة الكاملة والقبضة الأمنية على الضفة الغربية.
وقال بشارات للجزيرة نت إن عملية عورتا تأتي لكسر المعادلة التي تحاول إسرائيل فرضها، وتمثل تحديا لسياساتها أيضا، والتي لجأت عبرها للضغط على الفلسطينيين بالضفة، في محاولة لإضعاف وجودهم.
وأضاف أن ما حدث يعيد طرح سؤال مدى نجاح المقاربة الأمنية في رسم أو تحديد العلاقة الإسرائيلية الفلسطينية بالضفة الغربية، أم أنه يجب أن يعاد تقييمها والعودة إلى مفهوم السياسات التي تمنح الفلسطينيين كيانا سياسيا وحرية بالحركة والحياة.
وفي رده عما إذا كانت "عملية عورتا" ستصعد عمل المقاومة الفلسطينية في الضفة، قال بشارات إن الفلسطينيين اعتادوا على حالة مشابهة ومستمرة منذ أكثر من عامين، لكنها لا تستمر.
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، نفذ الفلسطينيون بالضفة الغربية والقدس -حسب مركز معلومات فلسطين "معطى"- نحو 50 عملية فدائية، قتل فيها 27 إسرائيليا وجرح أكثر من 280 شخصا، بينما قتل في مايو/أيار الجاري 3 إسرائيليين وجرح 7 آخرون.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات على الضفة الغربیة الجیش الإسرائیلی عملیة عورتا
إقرأ أيضاً:
الاحتلال الإسرائيلي يواصل حربه على مخيمات الفلسطينيين شمال الضفة.. 40 ألف نازح
منذ 100 يوم يواصل الجيش الإسرائيلي عمليته العسكرية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين شمال الضفة الغربية المحتلة التي انطلقت من مخيم جنين في 21 كانون الثاني/ يناير.
العملية العسكرية التي أطلق عليها الجيش اسم "السور الحديدي" حولت مخيم جنين بمحافظة جنين ومخيمي طولكرم ونور شمس بمحافظة طولكرم إلى مدن أشباح، وأسفرت عن استشهاد 52 فلسطينيا منذ 21 كانون الثاني/ يناير، وفق بيانات وزارة الصحة الفلسطينية.
ودمر الجيش منذ بدء العملية مئات المنازل وأجبر نحو 40 ألف فلسطيني على النزوح من منازلهم، وفق بيانات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".
ووفق "نادي الأسير الفلسطيني" فإن الجيش شن منذ 21 كانون الثاني/ يناير حملة اعتقالات واسعة بالمحافظتين أسفرت في جنين عن اعتقال 600 شخص، وفي طولكرم عن 260، يشمل ذلك من يُعتقل ويُفرج عنه لاحقا.
ويقول خبراء إن العدوان الإسرائيلي تسبب بتغيير جغرافية المخيمات عبر هدم منازل وشق طرقات فيها.
بداية العملية
بدأ العدوان ظهر 21 كانون الثاني/ يناير في مخيم جنين بقصف نفذه الجيش الإسرائيلي بمسيرات قتل خلالها 12 فلسطينيا خلال يومين وأصاب نحو 40 آخرين.
واصل الجيش عمليته التي شملت أحياء وبلدات مجاورة تزامنا مع فرض حصار بمنع دخول المخيم.
وبحسب بيانات وزارة الصحة، أسفرت العملية بمحافظة جنين حتى اليوم الأربعاء عن استشهاد 39 فلسطينيا وإصابة عشرات.
وتشير تقديرات رسمية أن جميع منازل ومنشآت المخيم تعرضت لضرر كامل أو جزئي جراء العدوان الإسرائيلي والتدمير والتجريف المتواصلين.
وقالت بلدية جنين إن 800 وحدة سكنية بالمدينة تعرضت لضرر جزئي، بالإضافة إلى هدم الجيش 15 مبنى في المدينة، وتركزت أغلبية الأضرار في المباني والمساكن على الحي الشرقي وحي الهدف.
في السياق، قال مراقبون إن "إسرائيل" تستنسخ تجربة الإبادة الجماعية التي تمارسها بقطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حيث شهد مخيم جنين في 21 شباط/ فبراير نسف 21 منزلا، وفق شهود عيان.
عمليات النسف هذه مارسها الجيش في غزة في عملية وصفها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بسياسة "إبادة المدن" لفرض التهجير القسري والدائم على الفلسطينيين ومنع عودتهم إلى أراضيهم ومنازلهم، وفق بيان نشره في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2024.
كما شق جيش الاحتلال الإسرائيلي طرقا واسعة في المخيم قسمته إلى مربعات، في عملية قال خبراء فلسطينيون للأناضول إنها تستنسخ شق محور "نتساريم" الذي فصل شمال قطاع غزة عن وسطه وجنوبه.
وصعد الجيش من عملياته العسكرية بمدينة جنين ومخيمها حيث اقتحمهما بدباباته في 23 شباط/ فبراير وذلك لأول مرة منذ عام 2002.
فيما نصب في 23 نيسان/ أبريل الجاري بوابات حديدية على كافة مداخل المخيم المغلقة بسواتر ترابية في خطوة يقول الفلسطينيون إنها تسعى لفصل المخيم عن المدينة.
وبسبب استمرار العملية، تواصل العائلات الفلسطينية نزوحها القسري من المخيم، وتشير تقديرات البلدية أن عدد النازحين من المخيم والمدينة تجاوز 22 ألفا.
توسيع العملية
وفي 27 كانون الثاني/ يناير وسّع الجيش الإسرائيلي عدوانه إلى محافظة طولكرم حيث قُتل 5 فلسطينيين في حينه، فيما وصل في 9 شباط/ فبراير لمخيم نور شمس شرق المدينة.
وأسفر العدوان الإسرائيلي المتواصل حتى الأربعاء عن استشهاد 13 فلسطينيا بينهم طفل وسيدتان، إحداهما حامل، بالإضافة إلى إصابة واعتقال عشرات، وفق بيانات رسمية.
كما تسببت العملية بنزوح قسري لأكثر من 4200 عائلة من مخيمي طولكرم ونور شمس، تضم أكثر من 25 ألف مواطن، إلى جانب مئات المواطنين من الحي الشمالي والحي الشرقي للمدينة بعد الاستيلاء على منازلهم وتحويل عدد منها لثكنات عسكرية، بحسب محافظة طولكرم.
وخلف العدوان خلف دمارا كبيرا في البنى التحتية والمنازل والمحال التجارية والمركبات، التي تعرضت للهدم الكلي والجزئي والحرق والتخريب والسرقة من قوات الجيش.
وقال نهاد الشاويش، رئيس اللجنة الشعبية بمخيم نور شمس إن الجيش سرق مقتنيات النازحين التي بقيت في منازلهم وعجزوا عن اصطحابها معهم.
وتظهر الأرقام الرسمية أن الجيش الإسرائيلي دمر 396 منزلا بشكل كامل، و2573 بشكل جزئي في مخيمي طولكرم ونور شمس إضافة إلى إغلاق مداخلهما وأزقتهما بالسواتر الترابية.
وفي 21 شباط/ فبراير، اقتحم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أحد المنازل في مخيم طولكرم بعد ساعات من خطوة مماثلة أقدم عليها وزير الدفاع يسرائيل كاتس.
ونشرت هيئة البث العبرية الرسمية صورة لنتنياهو وعدد من ضباط الجيش الإسرائيلي وهم داخل منزل فلسطيني في مخيم مدينة طولكرم.
مخيما الفارعة وطمون
في 2 شباط/ فبراير، وسّع الجيش الإسرائيلي عدوانه ليصل بلدة طمون ومخيم الفارعة بمحافظة طوباس، لينسحب بعد 7 أيام من طمون، فيما انسحب من مخيم الفارعة بعد 10 أيام.
ولأول مرة استخدم الجيش الإسرائيلي مدرعات من نوع "إيتان" في عملياته البرية، حيث رصدت في بلدة طمون قبل أن تستخدم في عدة مواقع في شمال الضفة الغربية لاحقا.
وبالتوازي مع حرب الإبادة الجماعية في غزة صعّد الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 958 فلسطينيا، وإصابة قرابة 7 آلاف، إضافة إلى تسجيل 16 ألفا و400 حالة اعتقال، وفق معطيات فلسطينية.