القدس المحتلة- بمرور 8 أشهر على المواجهة العسكرية الدائرة مع حزب الله، تعجز الحكومة الإسرائيلية عن توفير الأمن لسكان الجليل الأعلى والغربي والمنطقة الشمالية، وسط تصاعد الانتقادات لحكومة بنيامين نتنياهو، وتوجيه الاتهامات لجيشه بالفشل في حسم المعركة وعجزه عن وقف إطلاق النار.

كما تتواصل موجة النزوح للإسرائيليين عن البلدات والمستوطنات الحدودية مع لبنان، وتستمر معها الخسائر الفادحة بسبب تضرر الممتلكات والبني التحتية والمشاريع التجارية والاقتصادية والزراعية.

ومنذ اندلاع الحرب، أطلق حزب الله أكثر من 3 آلاف صاروخ باتجاه إسرائيل، وتعرضت العشرات من المستوطنات التي تم إخلاء سكانها لأضرار جسيمة.

تقديرات بأن سكان المستوطنات المتضررة لن يتمكنوا من العودة لمنازلهم إلا بعد مرور عام على انتهاء القتال (رويترز) خروج بلا عودة

سجلت مديرية "الأفق الشمالي" التابعة لوزارة الأمن الإسرائيلية، تدمير 930 منزلا ومبنى تضررت بالكامل جراء نيران حزب الله. ومن 86 مستوطنة بالمناطق الشمالية، نزح 70 ألف إسرائيلي يشكلون معظم سكانها، في حين قُتل 25 من الجنود والمدنيين، وأصيب المئات بجروح متفاوتة منذ بداية المواجهة على الجبهة الشمالية.

كما لحقت أضرار وخسائر كبيرة بالمنازل، بالإضافة للحقول والمزارع ومشاريع تربية الدواجن والأبقار، جراء صواريخ حزب الله، في حين تسببت حركة مدرعات الجيش الإسرائيلي بنحو ربع الأضرار، وخصوصا بالطرقات ومشاريع البنى التحتية.

ويقدّر المسؤولون الأمنيون أن سكان المستوطنات التي تعرضت لأضرار جسيمة لن يتمكنوا من العودة إلى منازلهم، إلا بعد مرور عام على انتهاء القتال، نظرا للحاجة إلى ترميم الدمار الناجم عن المواجهة مع حزب الله، بحسب ما أفادت القناة 12 الإسرائيلية.

وقال موشيه دافيدوفيتش، رئيس المجلس الإقليمي بمنطقة "متيا آشير" ورئيس منتدى "خط المواجهة"، إن "المستوطنات الإسرائيلية في الشمال مهملة، والبنية التحتية مدمرة، والمنازل تهدمت، والمستوطنات على السياج الحدودي مع لبنان في وضع كارثي".

ونقلت القناة 12 الإسرائيلية عن دافيدوفيتش قوله أيضا إن هناك مجتمعات بأكملها لن تتمكن من العودة إلى بلداتها في نهاية الحرب، وقال "نحن في المجلس نقدر أن العدد قد يصل إلى 4 مستوطنات لا يمكن لسكانها العودة إليها".

وأوضح أن هناك محاولات لتقديم الحلول داخل أراضي المجلس، "لكن الواقع هنا لا يطاق، أجهزة إنذار، وصواريخ، وأسلحة مضادة للدبابات واعتراضات ونيران، باختصار المنطقة غير قابلة للعيش والحياة"، حسب وصفه.

وانتقد رئيس المجلس الإقليمي مختلف المؤسسات الإسرائيلية، واتهم الحكومة بالتخلي عن توفير الحماية منذ سنوات عديدة، مؤكدا أن تحصين المستوطنات على طول خط المواجهة مرة أخرى سيستغرق وقتا طويلا جدا، "وهذا شيء آخر سيجعل من الصعب على السكان العودة إلى منازلهم بسبب انعدام الملاجئ".

واستنتج دافيدوفيتش بناء على ذلك أن هناك بالفعل عددا لا بأس به من العائلات على طول خط المواجهة لن تعود إلى منازلها حتى لو تم ترميم المستوطنات، وقال "رفع الناس أيديهم وقرروا الانتقال من هذا المكان"، وبعد ما يقرب من 8 أشهر من الحرب، لا تمنحهم الحكومة الإسرائيلية أي أفق أو أمل في إمكانية العودة إلى منازلهم.

دعاوى وتعويضات

ومع استمرار الحرب واشتداد القصف، فُتحت دعاوى تعويضات جزئية عن الأضرار التي لحقت بمستوطنات الشمال والجليل الأعلى، بلغت حوالي 2400 قضية ضد سلطة الضرائب الإسرائيلية التي تعمل بالتنسيق مع وزارة الأمن.

ودفعت سلطة الضرائب 44 مليون شيكل (12 مليون دولار) حتى الآن للسكان الذين تضررت منازلهم، في حين لا تزال مئات دعاوى التعويضات الخاصة قيد المعالجة، ويتوقع المئات من القضايا المشابهة، حسب ما أفادت صحيفة "غلوبس" الاقتصادية.

كما نقلت الصحيفة عن مدير صندوق التعويضات في سلطة الضرائب الإسرائيلية أمير دهان قوله إن صندوق التعويضات التابع لها دفع منذ اندلاع الحرب نحو 13.9 مليار شيكل (3.8 مليارات دولار) تعويضا عن الأضرار العامة بمختلف المجالات المدنية والزراعية والتجارية والاقتصادية.

ويضيف دهان أنه عندما يتم النظر إلى الخسائر وحجم الضرر على الساحة الشمالية والجليل الأعلى والغربي، يمكن إدراك أن الدفع سيتواصل، ولا يمكن جرد قيمة التعويضات النهائية عن الأملاك الخاصة والمنازل، التي قد تصل إلى 5 مليارات شيكل (1.4 مليار دولار).

وأضاف المسؤول الإسرائيلي أن الحدث لم ينتهِ، وأن تقدير حجم الأضرار المباشرة بالممتلكات الخاصة والمنازل حتى الآن يصل إلى 2.5 مليار شيكل في جميع أنحاء البلاد، بينما تقدر الأضرار غير المباشرة بـ20 مليار شيكل. وقال "نحن أيضا علينا استعادة الشمال، حيث توجد بنية تحتية تم تدميرها بالكامل، وهذا حدث سيستمر معنا لفترة طويلة".

ومنذ بداية المواجهة على الجبهة الشمالية حتى مايو/أيار 2024، تم تقديم 535 طلبا من قبل المجالس الإقليمية الشمالية إلى وزارة الأمن الإسرائيلية، للحصول على تعويضات عن الأضرار التي لحقت بالمساكن وبالبنية التحتية للعديد من المستوطنات في الشمال بسبب أنشطة الجيش الإسرائيلي.

وأفادت صحيفة "كلكليست" الاقتصادية أنه تم تعويض السلطات المحلية والسكان، بمبلغ إجمالي قدره حوالي مليوني شيكل (555 ألف دولار)، بينما قدر حجم الأضرار الذي تتناولها هذه الطلبات بحوالي مليار شيكل (28 مليون دولار).

يقول مراسل الصحيفة يوفال أزولاي إنه في بداية الحرب تم إخلاء معظم المواطنين الذين يعيشون في 86 مستوطنة إلى ملاجئ بعيدة، بسبب تخوف الأجهزة الأمنية من اجتياح محتمل من قبل قوة الرضوان التابعة لحزب الله لمحاولة السيطرة عليها، على غرار الهجوم الذي قامت به حركة حماس يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وأضاف الصحفي الإسرائيلي أن وزارة الأمن قامت بإخلاء أكثر من 70 ألف إسرائيلي من منازلهم في الشمال والجليل، ولا يلوح في الأفق موعد لعودتهم، طالما أن الحرب في غزة مستمرة، وليس لإسرائيل مصلحة في فتح جبهة قتال أكثر شدة ضد حزب الله في الوقت نفسه.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات العودة إلى ملیار شیکل حزب الله

إقرأ أيضاً:

مركز بحثي يصدر ورقة حقائق حول التوسع الاستيطاني في الضفة خلال الحرب على غزة

غزة - صفا

شهدت الضفة الغربية المحتلة خلال الحرب الإسرائيلية على غزة موجة غير مسبوقة من التوسع الاستيطاني الذي يكشف عن استراتيجية إسرائيلية تستغل الانشغال العالمي بالحرب، لتعزيز سيطرتها على الأرض الفلسطينية.

فبينما تصدرت المعاناة الإنسانية في غزة المشهد الإعلامي والدولي، كانت حكومة الاحتلال الإسرائيلي تدير بهدوء سياسات وإجراءات تهدف إلى تكريس السيطرة على الضفة الغربية، من خلال إنشاء بؤر استيطانية جديدة، وتسريع المصادقة على مخططات البناء، ومصادرة الأراضي، وفرض وقائع جديدة على الأرض.

وتهدف هذه الورقة التي أعدها مركز الدراسات السياسية والتنموية إلى تسليط الضوء على هذا التوسع الاستيطاني الصامت، الذي يتم بدوافع أيديولوجية واستراتيجية، مع الكشف عن الأطراف الفاعلة فيه، وعلى رأسها الحكومة الإسرائيلية ووزارة المالية بقيادة بتسلئيل سموتريتش. وتناقش الورقة الدور المتزايد لإدارة المستوطنات في تسهيل هذه العمليات، والآثار المترتبة على هذه السياسات في ظل استمرار انتهاك القانون الدولي .

كما تسعى الورقة إلى كشف الأبعاد القانونية والسياسية لهذه التحركات، وتسليط الضوء على كيفية استغلال الاحتلال للوضع الراهن لإعادة تشكيل معادلة السيطرة في الضفة الغربية.

خلفية تاريخية

بدأ الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة مع الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، حيث أُجريت تغييرات جوهرية على الأنظمة القانونية من خلال إصدار سلسلة من الأوامر العسكرية التي اعتُبرت غير قانونية بموجب القانون الدولي. هدفت هذه الأوامر إلى تسهيل مصادرة الأراضي الفلسطينية العامة والخاصة والاستيلاء عليها، لاستخدامها في بناء المستوطنات وتوفير الخدمات والبنية التحتية الداعمة لها.

واعتمدت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسات ممنهجة لدعم الاستيطان، شملت التوسع في بناء المستوطنات وتقديم الحوافز والتسهيلات لتشجيع الإسرائيليين على الانتقال إلى الضفة الغربية. بينما كانت الضفة الغربية خالية تمامًا من المستوطنات عند احتلالها عام 1967، ارتفع عدد المستوطنات مع بداية عام 2023 إلى 176 مستوطنة و186 بؤرة استيطانية، يقطنها نحو 726,427 مستوطنًا.

وتشغل المستوطنات الإسرائيلية نحو 42% من مساحة الضفة الغربية، مع السيطرة على 68% من مساحة المنطقة "ج"، التي تُعد ذات أهمية استراتيجية لاحتوائها على 87% من الموارد الطبيعية للضفة، و90% من غاباتها، و49% من شبكة طرقها.

نشأة إدارة المستوطنات

إدارة المستوطنات هي هيئة حكومية جديدة داخل وزارة الحرب الصهيونية، وتسيطر على معظم مجالات الحياة المدنية في الضفة الغربية، ومكلّفة بتصميم السياسات الحكومية في الضفة الغربية بشأن المسائل التي لا تتعلّق بالأمن بشكل محض، وتسيير عمل الإدارة المدنية، إدارة التخطيط وإنفاذ القانون (بما في ذلك عمليات الهدم) على البناء غير المرخّص؛ وتولّي مسؤولية سياسات إدارة الأراضي، بما في ذلك تخصيص الأراضي، واستكمال تطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنين من خلال الأوامر العسكرية، وتحسين الخدمات الحكومية للمستوطنين.

تم تعيين يهودا إلياهو رئيساً لإدارة المستوطنات، وهو شريك وزير المالية في الحكومة الإسرائيلية بتسلئيل سموتريش في تأسيس منظمة ريغافيم (منظمة استيطانية تعمل على الاستيلاء على الأراضي وتهجير الفلسطينيين في الضفة الغربية).

موقف القانون الدولي

تنص الفقرة السادسة من المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة، التي صادقت عليها (إسرائيل) في عام 1951، على أنه: " لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحّل أو تنقل جزءًا من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها".

وفي الفتوى التي أصدرتها في يوم 9 تموز/يوليو 2004، قضت محكمة العدل الدولية بأن الجدار، إلى جانب المستوطنات، يشكّل انتهاكًا للقانون الدولي.

ودعت المحكمة (إسرائيل) إلى وقف العمل في تشييد هذا الجدار، وتفكيك الأجزاء التي شيدّتها منه، وتعويض الفلسطينيين عن الأضرار التي سببها لهم.

وتعرّف المادة (8/ب/8) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الصادر في عام 1988، "قيام دولة الاحتلال على نحو مباشر أو غير مباشر، بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأرض التي تحتلها" على أنه جريمة حربٍ تجرِّمها المحكمة الجنائية الدولية.

كما ينصّ القرار (465) الصادر عن مجلس الأمن الدولي في سنة 1980 على أن: "سياسة (إسرائيل) وأعمالها لتوطين قسم من سكانها ومن المهاجرين الجدد في الأراضي الفلسطينية وغيرها من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967, بما فيها القدس تشكّل خرقًا فاضحًا لاتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب، كما تشكّل عقبةً جديةً أمام تحقيق سلامٍ شاملٍ وعادلٍ ودائمٍ في الشرق الأوسط". كما دعا هذا القرار (إسرائيل) إلى "تفكيك المستوطنات القائمة".

موقف الأمم المتحدة

وتعتبر الأمم المتحدة الاستيطان الإسرائيلي غير قانوني، وتدعو دون جدوى إلى وقفه، محذرة من أنه يقوض فرص معالجة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفقا لمبدأ حل الدولتين (فلسطينية بجانب إسرائيلية).

المبادئ التي تقوم عليها الأجندة اليمينية الاستيطانية

يمرّ المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية بتحولات متسارعة منذ تشكيل الائتلاف الإسرائيلي الحاكم في 29 كانون الأول 2022. وهي تحولات تستند الى أجندة يمينية استيطانية تقوم على ثلاثة مبادئ[3]:

1) التوجّه نحو ضم الأراضي "ج" وفرض تدريجي للسيادة الإسرائيلية الشاملة عليها.

2) رفع عدد المستوطنين إلى مليون نسمة خلال العقدين القادمين.

3) الجيش الإسرائيلي الذي يدير الأرض المحتلة، ومستشاروه القانونيون الذين "يغازلون" القانون الدولي، أطراف لم تعُد صالحة، وتمثّل بنية بالية وغير قادرة على تحقيق متطلبات المرحلة الجديدة من النمو الاستيطاني.

التوسع الاستيطاني وتحسين الظروف المعيشية للمستوطنين[4].

في حزيران 2023، مررت الحكومة الإسرائيلية قراراً، والذي يعتبر تعديلاً على قرار الحكومة رقم 150 للعام 1996، والذي يتيح تخطّي الموافقة المطلوبة من مستويات حكومية على مراحل مختلفة تتعلّق بإجراءات التخطيط والموافقة على توسيع المستوطنات (بما في ذلك ترخيص البؤر الاستيطانية كأحياء للمستوطنات القائمة)، باستثناء المرحلة الأولى، حيث يتم تقديم الخطط إلى سلطات التخطيط للمراجعة.

ووفقاً للقرار الجديد، بمجرد موافقة مسؤول حكومي على الترويج لخطة بناء في منطقة معينة، لا يلزم الحصول على موافقة أخرى من المستوى السياسي.

وقد تحول بتسلئيل سموتريتش بصفته الوزير الإضافي في وزارة الدفاع الى صاحب السلطة الوحيدة للموافقة على المضي قدماً في إجراءات التخطيط. وقد حول القرار مشاركة الحكومة في إجراءات التخطيط في الضفة الغربية لتتماشى بما هو معمول به داخل (إسرائيل).

والواقع أن العملية أسهل في الأراضي المحتلة، حيث يتولى الآن وزير واحد السلطة. وسيجعل هذا التغيير العمليات أكثر سلاسة، ويتيح الموافقة بأثر رجعي على العديد من البؤر الاستيطانية غير المرخصة في الضفة الغربية - وهي خطوة هامة نحو التوسع الشامل للمستوطنات.

وقد شهد التوسع الاستيطاني تقدّماً كبيراً منذ تشكيل الحكومة، بما في ذلك:

تم تحديد 70 بؤرة استيطانية والتي ستخضع إلى عملية موافقة بأثر رجعي. لقد تم تصنيف معظم البؤر تحت مسمى جديد- "قيد الموافقة". إن الحصول على هذا التصنيف وحده يمنع أي إجراء تنفيذي لهدم البناء غير القانوني ويسمح لهذه البؤر الاستيطانية بتلقّي تمويل حكومي مباشر والربط بالبنية التحتية.

وفقاً لحركة السلام الآن، منذ تشكيل الحكومة [في 29 كانون الأول 2022، تمت إقامة 44 بؤرة استيطانية جديدة. على الأقل، نصف هذه البؤر هي مستوطنات زراعية/ رعوية تشارك في الاستيلاء على الأراضي والطرد المنهجي للفلسطينيين من المنطقة.

الموافقة على و/أو تطوير حوالي 18,000 وحدة سكنية استيطانية جديدة.

الإعلان عن أكثر من 22,000 دونم كأراضي دولة، مقارنةً بـ 13,000 دونم تم الإعلان عنها بين عامي 2014-2015 ويقع 2,600 دونم من أصل 22,000 بين مستوطنتي معاليه أدوميم وكيدار في المنطقة E1. سيؤدي البناء في هذه المنطقة إلى تقسيم الضفة الغربية إلى قسمين، وهو ما يشكل عقبة استراتيجية أمام حل الدولتين.

حقائق أساسية

تشكّل المناطق المأهولة في جميع المستوطنات الإسرائيلية ما لا يتجاوز 1.2% من مساحة الضفة الغربية، تقع ما نسبته 40% من مجمل أراضي الضفة الغربية تحت سيطرة تلك المستوطنات ومشاريع البنية التحتية المرتبطة بها، من قبيل الطرق الالتفافية الاستيطانية، والجدار العنصري العازل، والحواجز والقواعد العسكرية.

وفي نفس السنة التي أخلت سلطات الاحتلال فيها 8,200 مستوطن من قطاع غزة، وهي سنة 2005، ارتفع عدد المستوطنين في المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية.

نجحت الحوافز التي تقدّمها الحكومة الإسرائيلية في استقطاب الآلاف من المستوطنين اليهود وتشجيعهم على السكن في المستوطنات المقامة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وبحسب أحد استطلاعات الرأي التي نشرتها منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية، يقطن 77% من المستوطنين المستطلعة آراؤهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة لأسبابٍ تعود إلى "جودة الحياة" فيها، وليس لأسبابٍ دينيةٍ أو أسبابٍ تتعلق بالأمن القومي الإسرائيلي.

الاستيطان الصامت خلال حرب غزة:

في حين استحوذت حرب غزة الدامية على انتباه العالم، كانت الحكومة الإسرائيلية تدير بهدوء تحولاً سياسياً كبيراً للضم الفعلي للضفة الغربية، وتحت ستار "الأمن"، وفي خضم فوضى حرب الإبادة ضد غزة، نفذ رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش سلسلة من التغييرات الإدارية، وأعادا تشكيل السيطرة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة، ودفعا بضم الضفة الغربية خلال الأشهر القليلة الماضية.

وتمثل هذه الخطوة، التي غفل عنها أو تجاهلها المجتمع الدولي إلى حد كبير، خطوة جريئة ومثيرة للجدل نحو ترسيخ السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية.

صلاحيات قانونية كبيرة

بدأت "إدارة الاستيطان" العمل على وضع قائمة بـ63 بؤرة استيطانية بهدف منحها الشرعية القانوني، وأصدر وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش سلسلة إجراءات إدارية أدت إلى الضم الفعلي للضفة الغربية لـ(إسرائيل)، وتتمحور تلك الإجراءات حول سحب صلاحيات إدارة الضفة الغربية من الحاكم العسكري الإسرائيلي والإدارة المدنية التابعة لوزير الدفاع الإسرائيلي، ومنحها إلى مسؤولين مدنيين تابعين لسموتريتش، وتطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنين ومنع إقامة دولة فلسطينية، وإجراء "تغييرات هيكلية ستغير تركيبة النظام لأعوام عدة".

وفي 29 مايو/أيار، نقل جيش الاحتلال الإسرائيلي صلاحيات قانونية كبيرة في الضفة الغربية المحتلة، إلى موظفين مدنيين مؤيدين للمستوطنين تحت قيادة سموتريتش، زعيم حزب الصهيونية الدينية اليميني.

نقلت هذه الخطوة المسؤولية عن العديد من القوانين الفرعية داخل الإدارة المدنية ــ الهيئة الإسرائيلية التي تحكم الضفة الغربية ــ من الجيش إلى مسؤولين بقيادة سموتريتش في وزارة الدفاع، وقد أسس هذا التحول دوراً مدنياً جديداً “نائب رئيس الشؤون المدنية” داخل الإدارة المدنية، ومن خلال تحويل إدارة الضفة الغربية من السيطرة العسكرية إلى السيطرة المدنية، غيرت الحكومة الإسرائيلية الوضع الراهن جذرياً، ممهدة الطريق للحكم الإسرائيلي الدائم على المنطقة، وهو ما يعادل الضم بحكم الأمر الواقع.

مصادرة الأراضي خلال الحرب على غزة

في تسجيل مسرب من قبل منظمة “السلام الآن”، أعلن سموتريتش بفخر أن مصادرة الأراضي في عام 2024 تجاوزت المتوسطات السنوية السابقة بعشرة أضعاف، معرباً عن التزامه بمنع إقامة دولة فلسطينية، وتضمنت سياساته، التي تهدف إلى تعزيز التوسع الاستيطاني، توجيهات للوزارات الإسرائيلية للاستعداد لتدفق 500 ألف مستوطن إلى الضفة الغربية.

حركة السلام اليسارية الإسرائيلية كشفت النقاب عن طفرة غير مسبوقة بالنشاط الاستيطاني في الضفة الغربية منذ بداية الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد عام وشهر من الحرب على قطاع غزة نشهد طفرة غير مسبوقة في الأنشطة الاستيطانية، بما في ذلك بناء البؤر الاستيطانية والطرق والأسوار وحواجز الطرق".

هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، رصدت استيلاء الاحتلال ومستوطنيه على 52 ألف دونم، وإنشاء 29 بؤرة استيطانية رعوية، وتنفيذهم 19440 اعتداء، طالت أراضي وممتلكات الفلسطينيين، وذلك منذ بدء الحرب المتواصلة على غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

تقرير الهيئة أكد أن سلوك الاحتلال العدواني لم يعد يستهدف المناطق المصنفة (ج) فقط، بل يمتد المناطق المصنفة (ب)، بإعلانات تلغي ما بقي من اتفاقيات سياسية، وتتحدى قرارات الشرعية الدولية، ومجلس الأمن، “الذي يدين الاستيطان، ويدين سلوك الدولة القائمة بالاحتلال في الأرض الفلسطينية، وأن كل ذلك يجري بستار الحرب وبستار قوانين الطوارئ التي تمكن المستوطنين من حمل السلاح، وتشريعات تحرم الفلسطيني حتى من إمكانية الدفاع عن نفسه.

تقرير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان كشف أن سلطات الاحتلال استولت خلال عام من الحرب على 52 ألف دونم من أراضي الفلسطينيين، منها 25 ألف دونم تحت مسمى تعديل حدود محميات طبيعية، و24 ألف عبر 7 أوامر إعلان ما يسمى “أراضي دولة” في محافظات القدس ونابلس ورام الله وبيت لحم، و1233 دونما من خلال 52 أمرا وضع اليد لأغراض عسكرية هدفت لإقامة أبراج عسكرية وطرق أمنية ومناطق عازلة حول المستوطنات.

وبحسب تقرير الهيئة أنشأت سلطات الاحتلال مناطق عازلة حول المستوطنات من خلال جملة من الأوامر العسكرية، بلغ عددها 12 منطقة عازلة تركزت معظمها في شمال الضفة الغربية وتحديدا مدينتي سلفيت ونابلس، وفرضت منطقتين في مدينتي رام الله والبيرة وبيت لحم، وأن سلطات الاحتلال درست منذ السابع من أكتوبر ما مجموعه 182 مخططا هيكليا لغرض بناء ما مجموعه 23267 وحدة استيطانية على مساحة 14 ألف دونما جرت عملية المصادقة على 6300 وحدة منها، في حين تم إيداع 17 ألف وحدة استيطانية جديدة، وهذه المخططات تركزت في محافظة القدس بواقع 65 مخططا هيكليا، منها 25 مخططا خارج حدود بلدية الاحتلال، و65 مخططا داخل حدودها، تليها محافظتي سلفيت وبيت لحم بـ22 مخططا هيكليا لكل منها

وذكر التقرير أن المستوطنين وبحماية من جيش الاحتلال قاموا بإنشاء 29 بؤرة استيطانية رعوية/ زراعية تركزت في محافظة الخليل بواقع 8 بؤر، ورام الله 6 بؤر، وبيت لحم بـ 4 بؤر، و3 أخرى في نابلس، وشق 7 طرق لتسهيل تحرك المستوطنين وربط بؤر بمستوطنات قائمة، سلطات الاحتلال قررت “تسوية أوضاع” 11 بؤرة استيطانية وتحويلها إلى مستوطنات أو أحياء استيطانية تتبع لمستوطنات قائمة.

وبحسب أمير داوود، مدير عام التوثيق والنشر في هيئة الجدار والاستيطان[6] تم التسريع بتنفيذ هذه الخطط منذ الحرب على غزة وتأتي شرعنة البؤر الاستيطانية كونها تقع في أماكن استراتيجية، "تهدف هذه البؤر إلى تواصل المستوطنات بعضها ببعض خاصة التي يتم التخطيط لتحويلها إلى مدن ومنع توسع وتواصل التجمعات الفلسطينية."

وستسمح هذه البؤر بإقامة الشوارع الاستراتيجية، مثل توسيع شارع 505 الواصل بين مفترق مستوطنة أرئيل المقامة على أراضي سلفيت شمال نابلس وحتى مفترق مستوطنة تبوح زعترة جنوب نابلس وتسهيل وصول هذه المستوطنات حتى الأغوار.

الخلاصة:

كشفت الورقة ظاهرة "الاستيطان الصامت" في الضفة الغربية المحتلة، وتفاقمها بشكل ملحوظ خلال الحرب الإسرائيلية على غزة، والتوسع الاستيطاني المتسارع الذي اتخذ أشكالاً متعددة، منها إنشاء بؤر استيطانية جديدة، والمصادقة على آلاف الوحدات السكنية، ومصادرة مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية. وتهدف هذه الإجراءات إلى تغيير الواقع الجغرافي والسياسي في الضفة الغربية، مما يمهد الطريق لضمها فعلياً تحت السيادة الإسرائيلية.

واستغلت الأطراف الفاعلة في هذه السياسات، وأبرزها حكومة الاحتلال بقيادة بنيامين نتنياهو وبتسلئيل سموتريتش، الانشغال الدولي بالحرب على غزة لتمرير قرارات إدارية وهيكلية تمنح المستوطنات وضعاً قانونياً جديداً وتعزز السيطرة الإسرائيلية على الأرض، متجاهلة ما تمثله هذه الإجراءات من خرق واضح للقانون الدولي، كما تعكس أجندة يمينية تهدف إلى ضم المنطقة "ج"، ورفع عدد المستوطنين، ومنع إقامة دولة فلسطينية.

توصيات المركز:

على السلطة الفلسطينية تحمل مسئولياتها السياسية والقانونية تجاه جرائم الاحتلال ومستوطنيه.

مطالبة السلطة الفلسطينية بملاحقة قادة الاحتلال في المحافل الدولية، وإحالة ملف الاستيطان لمحكمة الجنايات الدولية.

مطالبة المجتمع الدولي بوضع حد للانتهاكات الإسرائيلية والمستوطنين في الضفة المحتلة.

تطوير الأداء الإعلامي الرسمي الفلسطيني من خلال اعتماد سياسة إعلامية تسلط الضوء عمليات الاستيطان ومصادرة الأراضي لفضح الممارسات الاحتلالية العنصرية، ومخاطر الاستيطان على المشروع الوطني، وتداعياته وتأثيراته السلبية على الجوانب الحياتية.

مقالات مشابهة

  • بالأرقام .. خسائر مستوطنات الشمال القريبة من الحدود اللبنانية
  • مركز بحثي يصدر ورقة حقائق حول التوسع الاستيطاني في الضفة خلال الحرب على غزة
  • فاتورة خسائر “جولاني” ترتفع.. قتيل جديد
  • إعلام إسرائيلي: نزيف متواصل وإنجاز محدود بغزة والصفقة هي الحل
  • سمير فرج: لست متفائلا بانتهاء الحرب الإسرائيلية على لبنان قريبا
  • قتلى باشتباكات بولاية الجزيرة ونزوح الآلاف من الفاشر
  • بالفيديو.. مستشار وزير الثقافة اللبناني: مبانٍ أثرية تعرضت لهدم كامل في الجنوب بسبب الغارات الإسرائيلية
  • تطورات ميدانية وتصعيد من حزب الله تجاه المستوطنات الإسرائيلية
  • «القاهرة الإخبارية»: تطورات ميدانية وتصعيد من حزب الله تجاه المستوطنات الإسرائيلية
  • عاجل. القناة 12 الإسرائيلية: سقوط شظايا صاروخية وسط إسرائيل