رجع كيوم ولدته أمه .. رحلة المغفرة
تاريخ النشر: 30th, May 2024 GMT
أن يختارك الله ويصطفيك لزيارته، في بيته الحرام وكعبته المشرفة زادها الله تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا، فهذه نعمة امتن الله بها عليك وخصك من بين خلقه العظيم، فكم من المسلمين ممن أملوا أنفسهم من خوض غمار هذه الرحلة المقدسة لحج بيت الله ولكن موانع الزمن وظروفه منعتهم من نيل هذه العبادة العظيمة التي تعتبر أحد أركان هذا الدين العظيم، من استطاع إليه سبيلا.
فلا بد لهذه الرحلة العظيمة من استعداد مالي وبدني وذهني وروحي، لكي يحقق شرط الاستطاعة، لتلبية أذان أبينا إبراهيم عليه السلام حينما أمره الله عز وجل بقوله: «وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ»، فعلى الإنسان أن يستصحب نيته من هذه الرحلة فهي هجرة إلى الله واستجابة لأمره، وطمع في نيل رضاه، ولو تأملنا مناسك الحج لوجدنا أنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحنيفية السمحاء، وهي ذات علاقة وطيدة بخليل الرحمن وما حصل له في تلك الأماكن الطاهرة والعرصات المقدسة، فعلى الحاج أن يعي كل عمل يقوم به، وكل منسك يقوم بتأديته، لكي يؤدي هذه العبادة على علم ومعرفة ودراية ويحقق مقصد الشريعة الإسلامية من هذه الشعيرة.
وأول ما ينبغي على من ينوي الحج أن يتوب إلى الله عز وجل ويقلع عن الذنوب والمعاصي، ويعاهد الله على ألا يعود إليها، ويظهر ندمه وحسرته على ما فرط في جنب الله في حياته السابقة، ليبدأ عهدا جديدا يسير فيه على الصراط السوي، لينال مغفرة الله ورضوانه وعتقه، وهذا مقصد أساسي في تجديد العبد لعلاقته مع خالقه.
ومن الشروط التي ينبغي على الحاج أن يراعيها شرط الاستطاعة والقدرة البدنية والمالية، فعليه أن يتعود المشي قبل الحج وأن يلتزم بالغذاء الصحي، ويأخذ احتياطاته الطبية والصحية، وأن يكون لائقا بدنيا لما يحتاجه الحج من جهد بدني لتأديته على أكمل وجه، فهي عبادة روحية بدنية. وكذلك ينبغي عليه أن يترك نفقة لعياله في غيابه، وأن يحمل معه نفقته التي تعينه على أداء هذه المناسك بسلاسة ويسر.
وبما أن الإنسان يسعى إلى تأدية حقوق الله عز وجل فإنه يجب عليه أيضا أن يؤدي حقوق العباد، فهي حقوق لا يجزيها الاستغفار والتوبة فقط، فهي مرتبطة بإرجاع الحقوق إلى أصحابها، لكي تبرأ الذمة، فعلى الذي يريد الحج أن يفرغ وسعه ويجتهد إلى أن يجعل علاقته مع الله لا تشوبها شائبة ولا تنغصها حقوق لعباد الله ولا قطيعة رحم، فعليه أيضا أن يجعل صفحته مع عباد الله ناصعة البياض، ويصفي جميع حساباته مع البشر ليقبل نحو الله بقلب صاف، فلا يعلم بعد هذه الرحلة هل يعود إلى أهله، أو يختاره الله في ذلك المكان العظيم، وقد كان السابقون في العصور الماضية يسلمون على أهلهم عند ذهابهم لحج سلام مودع، لما في هذه الرحلة في السابق من مشقة وعناء عظيم، من مخاطر الطريق، والأمراض والأوبئة، وشدة الحرارة وطول السفر.
كما ينبغي عليه أن يقوم بتهيئة نفسية لما سيواجهه في هذا السفر، فهي ليست رحلة استجمام وسياحة، وإنما هي رحلة إلى الله وهجرة إليه، وسوف يجد من الصعوبات والتحديات التي ينبغي عليه أن يدرك أنها جزء من هذه الرحلة ولا بد له من المرور بها، فسيجد الزحام الشديد، واشتداد درجات الحرارة، وغيرها من الظروف التي يشترك فيها عباد الله وهم في ذلك المكان الطاهر بسبب وجود الملايين من البشر في مكان واحد وتأدية مناسك وطقوس في زمن مخصوص ومكان محدود.
وعليه أيضا أن يثقف نفسه بكل الوسائل المتاحة والممكنة بحيث يتعرف على مناسك الحج وأركانه وشعائره، والأعمال التي يؤديها في الحج ومواقيتها ويطلع على تلك المناسك بما أتاحته الوسائل الحدية بحيث يعرف كل منسك والطريقة الصحيحة لتأديته، وعليه التفكر في معاني مناسك الحج وأبعادها الروحية. كل ركن له معنى روحاني عميق، كما أن عليه أن يتعمق في معرفة أسماء الأماكن ولماذا سميت بهذا الاسم؟ وما دلالة الأعمال التعبدية التي نقوم بها؟ فمثلا لماذا نسعى بين الصفا والمروة؟ وما هما الصفا والمروة، والأشواط السبعة؟ وما هي قصة السيدة هاجر عليها السلام زوجة سيدنا إبراهيم وأم سيدنا إسماعيل؟ وكيف أنها كانت تركض بين جبلي الصفا والمروة للبحث عن أناس ليغيثوها بالماء، فكرامة من الله لها ولزوجها وابنها انفجرت بئر زمزم من تحت أقدام سيدنا إسماعيل عليه السلام.
وكذلك رمي الجمرات ومعرفة دلالتها في كونها تمثل دلالة رمزية، لعدم الاستجابة للشيطان وغوايته ونبذه ورميه بالحجارة واستجابة لأمر الرحمن، وكيف أن إبراهيم عليه السلام عصى الشيطان عندما حاول أن يثنيه عن أمر الرحمن له بأن يذبح ابنه إسماعيل عليه السلام.
وكذلك مشعر منى وسبب تسميته بهذا الاسم وذلك لكثرة الدماء التي تسيل فيه، وعلاقة الهدي الذي يقدمه الحاج بقصة إبراهيم عليه السلام عندما أمره الله أن يذبح ابنه فامتثل لأمر الله ولكن بعد نجاح إبراهيم عليه السلام بهذا الابتلاء العظيم أراد الله أن يكافئه على هذا الصبر، فأنزل له كبش عظيم يذبحه بدلا من ابنه، فداء له.
وكذلك وقوف عرفة وعلاقته بيوم المحشر ووقوف الناس أمام الله في صعيد واحد، وهم متساوون في ذلك اليوم العظيم يطلبون من الله رضوانه وعتقه من النار، وكيف أن هذا الركن من أعظم أركان الحج، وأن الناس يعترفون لله في هذا اليوم بذنوبهم ويسألونه مغفرتها، ويستشعر رحمة الله وهي تتنزل على الحجاج ويتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: «ما رؤي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه يوم عرفة وما ذاك إلا لما يرى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما رؤي يوم بدر» قيل: وما رأى يوم بدر قال: «رأى جبريل عليه السلام وهو يزع الملائكة».
وعلى الحاج أن يستثمر وقته وجهده في ذلك المكان بالذكر والعبادة وتلاوة القرآن، وأن يكون بعيدا كل البعد عن الغيبة والنميمة وغيرها من الذنوب والمعاصي، وذلك ليحقق المقصد الأسمى من شعيرة الحج وهي غفران الذنوب لكي ينال هذا الأمر عليه أن يبتعد كل البعد عن الرفث والفسوق، حتى ينال هذا الاستحقاق، مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه». فهي ولادة روحية ثانية، تتمثل في غفران الذنوب كلها، وكأن الإنسان لم يعص الله ساعة، فعليه أن يحافظ على هذه المزية بعد أن يعود من الحج فيحذر من مواطن الفتن، وتكون هذه الرحلة نقطة تحول في الحياة يسلك بعدها المسلم طريق الهداية ويبتعد عن طري الضلال والغواية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إبراهیم علیه السلام هذه الرحلة علیه أن فی ذلک
إقرأ أيضاً:
حكم النقاب.. أمين الفتوى: لو كان فرضا لما منعه النبي فى الحج والعمرة
أكّد الشيخ محمد كمال، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن هناك خلطًا كبيرًا بين مفهومي الحجاب والنقاب، مشددًا على أن الحجاب فرض شرعي مؤكد، بينما النقاب ليس فرضًا ولا واجبًا، بل هو من العادات أو المباحات التي يمكن للمرأة أن تختارها، دون أن يكون ذلك إلزامًا دينيًا.
وأوضح أمين الفتوى، في فتوى له: "الحجاب الذي يشمل تغطية الجسد كله ما عدا الوجه والكفين هو الفرض، كما هو حال ما ترتديه أغلب النساء المسلمات اليوم، أما النقاب، وهو تغطية الوجه بالكامل، فليس فرضًا شرعيًا، والدليل على ذلك من حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين".
وأضاف: "سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنتقب المرأة المحرمة"، والحديث رواه الإمام البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وهذا دليل صريح على أن تغطية الوجه ليست فرضًا، لأن لو كان النقاب فريضة شرعية، لكان أَولى أن يُفرض في الحج، وهو أعظم عبادة، لكنه منهي عنه للمحرمة".
واستدل كذلك بحديث آخر، جاء فيه أن سيدنا الفضل بن عباس كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءت امرأة تسأل النبي، وكانت مكشوفة الوجه، وكان الفضل ينظر إليها، فصرف النبي وجه الفضل عنها ولم يأمر المرأة بتغطية وجهها، ما يؤكد أن كشف الوجه لم يكن مخالفة شرعية.
وأشار إلى أن جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية – في غير قول – والحنابلة في رواية، قالوا إن النقاب ليس بفرض، وأن الوجه والكفين ليسا بعورة، وبالتالي لا يجب تغطيتهما.
وتابع: "الحجاب فرضٌ بإجماع العلماء، أما النقاب فهو اختيار شخصي، ومن اختارته من باب الاحتياط أو الورع فلهن أجرهن، ومن لم تلبسه فلا إثم عليها، بشرط الالتزام بالحجاب الشرعي الكامل".
ما الوقت المناسب لارتداء البنت الحجاب؟.. الأزهر للفتوى يجيب
متى يطالب الأب والأم بناتهم بارتداء الحجاب؟.. عضو العالمي للفتوى يجيب
عباس شومان يرد بالأدلة على فتوى سعد الدين الهلالي: الحجاب فرض على المرأة
هشام ربيع: الحجاب فريضة ربانية وليس عادة اجتماعية ولا يخضع للمزاج
حدد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، 7 نقاط للإجابة عن حكم حجاب المرأة المسلمة، وهي:
1:- حِجاب المرأة فريضة عظيمة، وهو من هدي أمَّهاتنا أمَّهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهنَّ زوجات سيِّدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
2:- فرضية الحجاب ثابتة بنصِّ القرآن الكريم، والسُّنة النَّبوية الصَّحيحة، وإجماع الأمة الإسلامية من لدن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-إلى يومنا هذا.
3- احتشام المرأة فضيلة دعت إليها جميع الشَّرائع السَّماوية، ووافقت فطرة المرأة وإنسانيتها وحياءها.
4-حجاب المرأة لا يُمثِّل عائقًا بينها وبين تحقيق ذاتها، ونجاحها، وتميُّزها، والدعوة إليه دعوة إلى الخير.
5-لا فرق في الأهمية بين أوامر الإسلام المُتعلقة بظاهر المُسلم وباطنه؛ فكلاهما شرع من عند الله، عليه مثوبة وجزاء.
6- حِجاب المرأة خُطوة في طريقها إلى الله سُبحانه، تنال بها أجرًا، وتزداد بها قُربى، والثَّبات على الطَّاعة طاعة.
7- لا يعلم منازل العِباد عند الله إلَّا الله سُبحانه، ولا تفاضل عنده عزّ وجلّ إلا بالتقوى والعمل الصَّالح، ومَن أحسَنَ الظَّنَّ فيه سُبحانه؛ أحسَنَ العمل.
الحجاب فرض ثبت وجوبُه بنصوص قرآنيةقال مركز الأزهر العالمي الفتوي الإلكترونية: إن الحجاب فرضٌ ثبت وجوبُه بنصوص قرآنيةٍ قطعيةِ الثبوتِ والدلالة لا تقبل الاجتهاد، وليس لأحدٍ أن يخالف الأحكام الثابتة، كما أنه لا يُقبل من العامة أو غير المتخصصين - مهما كانت ثقافتهم- الخوض فيها.
واستشهد ببعض من الآيات القرآنية قطعية الثبوت والدلالة التي نصت علىٰ أن الحجاب فرضٌ علىٰ كل النساء المسلمات، قول الله تعالى: «وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ…» [المؤمنون: 31]، وقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا» [الأحزاب: 59].
وأوضح أن المتأمل بإنصافٍ لقضيةِ فرضِ الحجابِ يجدُ أنه فُرض لصالح المرأة؛ فالزِّيُّ الإسلامي الذي ينبغي للمرأة أن ترتديه، هو دعوة تتماشىٰ مع الفطرة البشرية قبل أن يكون أمرًا من أوامر الدين؛ فالإسلام حين أباح للمرأة كشفَ الوجه والكفين، وأمرها بستر ما عداهما، فقد أراد أن يحفظ عليها فطرتها، ويُبقي علىٰ أنوثتها، ومكانِها في قلب الرجل.
وواصل: كذلك التزامُ المرأة بالحجاب يساعدها علىٰ أن يُعاملها المجتمع باعتبارها عقلًا ناجحًا، وفكرًا مثمرًا، وعاملَ بناءٍ في تحقيق التقدم والرقي، وليس باعتبارها جسدًا وشهوةً، خاصةً أن الله ﷻ قد أودع في المرأة جاذبيةً دافعةً وكافيةً لِلَفت نظر الرجال إليها؛ لذلك فالأليق بتكوينها الجذاب هذا أن تستر مفاتنها؛ كي لا تُعاملَ علىٰ اعتبار أنها جسدٌ أو شهوةٌ.
ولفت إلى أن الطبيعة تدعو الأنثىٰ أن تتمنع علىٰ الذكر، وأن تقيم بينه وبينها أكثرَ من حجاب ساتر، حتىٰ تظل دائمًا مطلوبةً عنده، ويظل هو يبحث عنها، ويسلك السبل المشروعة للوصول إليها؛ فإذا وصل إليها بعد شوق ومعاناة عن طريق الزواج، كانت عزيزة عليه، كريمة عنده.
وأفاد: من خلال ما سبق أن الذي فرضه الإسلام علىٰ المرأة، من ارتداء هذا الزي الذى تستر به مفاتنها عن الرجال، لم يكن إلا ليحافظ به علىٰ فطرتها.
وأهاب مركز الأزهر العالمي للفتوي الإلكترونية، بمن يروِّجون مثلَ هذه الأحكام والفتاوىٰ أن يكفُّوا ألسنتهم عن إطلاق الأحكام الشرعية دون سند أو دليل، وأن يتركوا أمر الفتوىٰ للمتخصصين من العلماء، وألا يزجّوا بأنفسهم في أمور ليسوا لها بأهل، وأن ينتبهوا لقول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَا تَصِفُ أَلۡسِنَتُكُمُ ٱلۡكَذِبَ هَـٰذَا حَلَـٰل وَهَـٰذَا حَرَام لِّتَفۡتَرُوا۟ عَلَى اللهِ ٱلۡكَذِبَۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَفۡتَرُونَ عَلَى اللهِ ٱلۡكَذِبَ لَا یُفۡلِحُونَ» [النحل: 116]، ولقول بعضِ السلف: «أجرؤكم علىٰ الفُتيا أجرؤكم علىٰ النار» أخرجه الدارميُّ في سننه.