لجريدة عمان:
2024-11-27@02:10:49 GMT

رجع كيوم ولدته أمه .. رحلة المغفرة

تاريخ النشر: 30th, May 2024 GMT

رجع كيوم ولدته أمه .. رحلة المغفرة

أن يختارك الله ويصطفيك لزيارته، في بيته الحرام وكعبته المشرفة زادها الله تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا، فهذه نعمة امتن الله بها عليك وخصك من بين خلقه العظيم، فكم من المسلمين ممن أملوا أنفسهم من خوض غمار هذه الرحلة المقدسة لحج بيت الله ولكن موانع الزمن وظروفه منعتهم من نيل هذه العبادة العظيمة التي تعتبر أحد أركان هذا الدين العظيم، من استطاع إليه سبيلا.

فلا بد لهذه الرحلة العظيمة من استعداد مالي وبدني وذهني وروحي، لكي يحقق شرط الاستطاعة، لتلبية أذان أبينا إبراهيم عليه السلام حينما أمره الله عز وجل بقوله: «وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ»، فعلى الإنسان أن يستصحب نيته من هذه الرحلة فهي هجرة إلى الله واستجابة لأمره، وطمع في نيل رضاه، ولو تأملنا مناسك الحج لوجدنا أنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحنيفية السمحاء، وهي ذات علاقة وطيدة بخليل الرحمن وما حصل له في تلك الأماكن الطاهرة والعرصات المقدسة، فعلى الحاج أن يعي كل عمل يقوم به، وكل منسك يقوم بتأديته، لكي يؤدي هذه العبادة على علم ومعرفة ودراية ويحقق مقصد الشريعة الإسلامية من هذه الشعيرة.

وأول ما ينبغي على من ينوي الحج أن يتوب إلى الله عز وجل ويقلع عن الذنوب والمعاصي، ويعاهد الله على ألا يعود إليها، ويظهر ندمه وحسرته على ما فرط في جنب الله في حياته السابقة، ليبدأ عهدا جديدا يسير فيه على الصراط السوي، لينال مغفرة الله ورضوانه وعتقه، وهذا مقصد أساسي في تجديد العبد لعلاقته مع خالقه.

ومن الشروط التي ينبغي على الحاج أن يراعيها شرط الاستطاعة والقدرة البدنية والمالية، فعليه أن يتعود المشي قبل الحج وأن يلتزم بالغذاء الصحي، ويأخذ احتياطاته الطبية والصحية، وأن يكون لائقا بدنيا لما يحتاجه الحج من جهد بدني لتأديته على أكمل وجه، فهي عبادة روحية بدنية. وكذلك ينبغي عليه أن يترك نفقة لعياله في غيابه، وأن يحمل معه نفقته التي تعينه على أداء هذه المناسك بسلاسة ويسر.

وبما أن الإنسان يسعى إلى تأدية حقوق الله عز وجل فإنه يجب عليه أيضا أن يؤدي حقوق العباد، فهي حقوق لا يجزيها الاستغفار والتوبة فقط، فهي مرتبطة بإرجاع الحقوق إلى أصحابها، لكي تبرأ الذمة، فعلى الذي يريد الحج أن يفرغ وسعه ويجتهد إلى أن يجعل علاقته مع الله لا تشوبها شائبة ولا تنغصها حقوق لعباد الله ولا قطيعة رحم، فعليه أيضا أن يجعل صفحته مع عباد الله ناصعة البياض، ويصفي جميع حساباته مع البشر ليقبل نحو الله بقلب صاف، فلا يعلم بعد هذه الرحلة هل يعود إلى أهله، أو يختاره الله في ذلك المكان العظيم، وقد كان السابقون في العصور الماضية يسلمون على أهلهم عند ذهابهم لحج سلام مودع، لما في هذه الرحلة في السابق من مشقة وعناء عظيم، من مخاطر الطريق، والأمراض والأوبئة، وشدة الحرارة وطول السفر.

كما ينبغي عليه أن يقوم بتهيئة نفسية لما سيواجهه في هذا السفر، فهي ليست رحلة استجمام وسياحة، وإنما هي رحلة إلى الله وهجرة إليه، وسوف يجد من الصعوبات والتحديات التي ينبغي عليه أن يدرك أنها جزء من هذه الرحلة ولا بد له من المرور بها، فسيجد الزحام الشديد، واشتداد درجات الحرارة، وغيرها من الظروف التي يشترك فيها عباد الله وهم في ذلك المكان الطاهر بسبب وجود الملايين من البشر في مكان واحد وتأدية مناسك وطقوس في زمن مخصوص ومكان محدود.

وعليه أيضا أن يثقف نفسه بكل الوسائل المتاحة والممكنة بحيث يتعرف على مناسك الحج وأركانه وشعائره، والأعمال التي يؤديها في الحج ومواقيتها ويطلع على تلك المناسك بما أتاحته الوسائل الحدية بحيث يعرف كل منسك والطريقة الصحيحة لتأديته، وعليه التفكر في معاني مناسك الحج وأبعادها الروحية. كل ركن له معنى روحاني عميق، كما أن عليه أن يتعمق في معرفة أسماء الأماكن ولماذا سميت بهذا الاسم؟ وما دلالة الأعمال التعبدية التي نقوم بها؟ فمثلا لماذا نسعى بين الصفا والمروة؟ وما هما الصفا والمروة، والأشواط السبعة؟ وما هي قصة السيدة هاجر عليها السلام زوجة سيدنا إبراهيم وأم سيدنا إسماعيل؟ وكيف أنها كانت تركض بين جبلي الصفا والمروة للبحث عن أناس ليغيثوها بالماء، فكرامة من الله لها ولزوجها وابنها انفجرت بئر زمزم من تحت أقدام سيدنا إسماعيل عليه السلام.

وكذلك رمي الجمرات ومعرفة دلالتها في كونها تمثل دلالة رمزية، لعدم الاستجابة للشيطان وغوايته ونبذه ورميه بالحجارة واستجابة لأمر الرحمن، وكيف أن إبراهيم عليه السلام عصى الشيطان عندما حاول أن يثنيه عن أمر الرحمن له بأن يذبح ابنه إسماعيل عليه السلام.

وكذلك مشعر منى وسبب تسميته بهذا الاسم وذلك لكثرة الدماء التي تسيل فيه، وعلاقة الهدي الذي يقدمه الحاج بقصة إبراهيم عليه السلام عندما أمره الله أن يذبح ابنه فامتثل لأمر الله ولكن بعد نجاح إبراهيم عليه السلام بهذا الابتلاء العظيم أراد الله أن يكافئه على هذا الصبر، فأنزل له كبش عظيم يذبحه بدلا من ابنه، فداء له.

وكذلك وقوف عرفة وعلاقته بيوم المحشر ووقوف الناس أمام الله في صعيد واحد، وهم متساوون في ذلك اليوم العظيم يطلبون من الله رضوانه وعتقه من النار، وكيف أن هذا الركن من أعظم أركان الحج، وأن الناس يعترفون لله في هذا اليوم بذنوبهم ويسألونه مغفرتها، ويستشعر رحمة الله وهي تتنزل على الحجاج ويتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: «ما رؤي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه يوم عرفة وما ذاك إلا لما يرى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما رؤي يوم بدر» قيل: وما رأى يوم بدر قال: «رأى جبريل عليه السلام وهو يزع الملائكة».

وعلى الحاج أن يستثمر وقته وجهده في ذلك المكان بالذكر والعبادة وتلاوة القرآن، وأن يكون بعيدا كل البعد عن الغيبة والنميمة وغيرها من الذنوب والمعاصي، وذلك ليحقق المقصد الأسمى من شعيرة الحج وهي غفران الذنوب لكي ينال هذا الأمر عليه أن يبتعد كل البعد عن الرفث والفسوق، حتى ينال هذا الاستحقاق، مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه». فهي ولادة روحية ثانية، تتمثل في غفران الذنوب كلها، وكأن الإنسان لم يعص الله ساعة، فعليه أن يحافظ على هذه المزية بعد أن يعود من الحج فيحذر من مواطن الفتن، وتكون هذه الرحلة نقطة تحول في الحياة يسلك بعدها المسلم طريق الهداية ويبتعد عن طري الضلال والغواية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إبراهیم علیه السلام هذه الرحلة علیه أن فی ذلک

إقرأ أيضاً:

لماذا أطلق نبي الله نوح على مصر " أم البلاد وغوث العباد"

قالت دار الإفتاء المصرية إن قول "أرض مصر أرض مباركةٌ وهي أم البلاد" صحيحٌ، وهو من كلام نبي الله نوح عليه السلام، وقد ورد في الأثر، وتناقله عددٌ كبيرٌ من علماء الأمة ومؤرخيها. وهذا ما أيَّده الواقع على مر العصور والأزمان.

وأوضحت الإفتاء أن نبي الله نوحٌ عليه السلام ، أطلق على مصر "أم البلاد وغوث العباد"، فقد أخرج ابن عبد الحكم في "فتوح مصر والمغرب" (ص: 27، ط. مكتبة الثقافة الدينية) بسندٍ حسن عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن نوحًا عليه السلام قال لابنه حينما أجاب دعوته: [اللهم إنه قد أجاب دعوتي؛ فبارك فيه وفي ذريته وأسكنه الأرض المباركة، التي هي أم البلاد، وغوث العباد، التي نهرها أفضل أنهار الدنيا، واجعل فيها أفضل البركات، وسخر له ولولده الأرض وذللها لهم، وقوهم عليها] اهـ.

وهذا الأثر ذكره جماعة من العلماء في كتبهم، واحتجوا به على فضائل مصر، كما ذكرها بذلك الأديب علي بن ظافر الأزدي (613) في "بدائع البدائه" (ص 180)، والمؤرخ الرحالة ابن بطوطة (779) في "تحفة النظار" (1/ 201، ط.

وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما فيما نقله مجموعة من العلماء: [لمَّا خلق الله عز وجل آدم عليه السلام مثَّل له الدنيا؛ شرقها وغربها، وسهلها وجبلها، وأنهارها وبحارها، وبناءها وخرابها، ومن يسكنها من الأمم، ومن يملكها من الملوك، فلمَّا رأى مصر رآها أرضًا سهلة، ذاتَ نهر جارٍ؛ مادَّتُه من الجنة، تنحدر فيه البركة، وتمزجه الرحمة، ورأى جبلًا من جبالها مكسوًّا نورًا، لا يخلو من نظر الرب إليه بالرحمة، في سفحه أشجار مثمرة، فروعها في الجنة، تُسقَى بماء الرحمة، فدعا آدم في النيل بالبركة، ودعا في أرض مصر بالرحمة والبر والتقوى، وبارك على نيلها وجبلها سبع مرات، وقال: يا أيها الجبل المرحوم، سفحك جنة، وتربتك مسك، يدفن فيها غراس الجنة، أرض حافظة مطيعة رحيمة، لا خلتك يا مصر بركة، ولا زال بك حفظ، ولا زال منك ملك وعز، يا أرض مصر فيك الخبايا والكنوز، ولك البر والثروة، سال نهرك عسلًا، كثَّر الله زرعك، ودر ضرعك، وزكى نباتك، وعظمت بركتك وخصبت، ولا زال فيك خير ما لم تتجبري وتتكبري أو تخوني، فإذا فعلت ذلك عراك شرٌّ، ثم يعود خيرك. فكان آدم عليه السلام أول من دعا لها بالرحمة والخصب والبركة والرأفة] اهـ.
قال أبو الحسن أحمد بن محمد بن المدبر المصري الكاتب [ت270هـ]: [مصر اختيار نوح عليه السلام لولده، واختيار الحكماء لأنفسهم، واختيار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لأنفس الصحابة.. واختيار عمرو بن العاص رضي الله عنه لنفسه.. واختيار الخلفاء لمن يقوم منهم، وكذلك الملوك والسلاطين إلى وقتنا هذا، وقد صارت دار الملك وبيضة الإسلام] اهـ. نقلًا عن القاضي ابن ظهيرة في "الفضائل الباهرة في مصر والقاهرة" (ص: 82).

مقالات مشابهة

  • الجنجويد أشَرْبُوا البَحَر جُوووتْ!!
  • الإفتاء: حماية المال والمحافظة عليه أحد مقاصد الشرع الشريف
  • خبير علاقات دولية: لبنان أدى ما عليه للتهدئة.. والكرة في ملعب إسرائيل
  • لماذا أطلق نبي الله نوح على مصر " أم البلاد وغوث العباد"
  • المشاركين في رحلة الهجن ضمن جائزة زايد الكبرى 53 متسابق من 28 جنسية والصدارة إماراتية
  • ترقب لاتفاق وشيك بلبنان و"أسباب سرية" تدفع إسرائيل للموافقة عليه
  • أدعية سيدنا موسى عليه السلام.. احرص عليها
  • مصير سعد الصغير بعد الحكم عليه بالحبس 3 سنوات.. فيديو
  • في رحلة لعالم الروحانيات.. وزان المغربية تستضيف الملتقى الدولي للذكر والسماع
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم