نقترب من الذكرى الحادية عشرة لثورة 30 يونيو، التى غيرت مجرى أحداث التاريخ المصرى الحديث والمعاصر وكتبت مسارا جديدا من مسارات العمل الوطنى المصرى الخالص، لتنطلق مسيرة التنمية والبناء الحقيقية والحديثة على كافة المستويات، ترتكز على دعائم قوية من التلاحم الشعبى والاصطفاف الوطنى لمجابهة التحديات.
يوم 30 يونيو 2013، أنهى الشعب المصرى حكم جماعة الإخوان الإرهابية، بعد عام وثلاثة أيام قضوها فى الحكم، ارتكبوا خلالها أخطاء فادحة قطعت العلاقة بينهم وبين الشعب فى خلال هذه المدة الزمنية الضائعة من عمر الوطن، التى كانت البلاد فيها أحوج ما تكون لاستثمار كل يوم للبناء والتقدم والنمو والاستقرار.
فترة حكم الإخوان رسخت حالة من الاستعطاب الحاد، وقسمت المجتمع بين مؤيد للمشروع الإسلامى الذى يمثله الرئيس الإخوانى محمد مرسى وجماعته دون أن يقدموا دليلا واحدا على هذا المشروع، وبين مناهض له يوصف فى أغلب الأحيان بـ«العلمانى»، وبدلا من أن يتفرغ الشعب للعمل والإنتاج، اتجه إلى التناحر والعراك.
فى عهد الإخوان تراجعت معدلات النمو، زاد الدين العام، تآكل الاحتياطى النقدى، تهاوت مؤشرات البورصة، تراجع تصنيف مصر الائتمانى.. كلها كانت مؤشرات تعكس انهيار الاقتصاد فى حكم الجماعة الإرهابية التى لا تعرف سوى الخراب والفشل الذى استشرى فى جسد الدولة كالسرطان.
وبدلا من محاولة النهوض بالبلاد وتشجيع الاستثمار، كان يتم محاربة المستثمرين لصالح رموز الإخوان، إلى جانب «أخونة» المناصب الاقتصادية فى الدولة دون اعتبار لمعايير الكفاءة أو القدرة على إدارة هذه المناصب الحيوية.
الوضع الكارثى لحالة الاقتصاد فى عهد الإخوان جسدته الأرقام الكارثية من خلال إحصاءات البنك المركزى التى أشارت إلى ارتفاع الدين العام خلال فترة حكم الإخوان بنحو 23٫36٪ بعدما سجل مستوى 1526٫38 مليار جنيه مقارنة بفترة فى عام 2012، والتى كانت مستويات الدين عند 1238٫11 مليار جنيه. كما زادت نسبة الدين العام المحلى إلى الناتج المحلى بنحو 10٪، بعد أن ارتفعت من 79٪ إلى نحو 89٪، إلى جانب استمرار تآكل الاحتياطى النقدى من الدولار لدى البنك المركزى فوصل إلى نحو 14٫93 مليار دولار بدلا من 15٫53 مليار دولار بنسبة انخفاض قدرها 3٫8٪.
ترتب على إهمال الاقتصاد فى عهد الإخوان تفاقم الأزمات الغذائية والارتفاع المتواصل فى أسعار السلع والخدمات باستخدام المنظومة التموينية لخدمة أغراضهم الانتخابية، ومحاولة كسب شعبية عبر التلاعب بالحصص التموينية.
وأمام تدهور الأوضاع الداخلية ثار الشعب المصرى لإنقاذ الدولة من مصير مجهول ينتظرها على يد الجماعة الإرهابية، وقام بالثورة التى شهدت تضحيات من رجال القوات المسلحة والشرطة والمدنيين فى أعمال عنف قامت بها جماعة الإخوان الإرهابية، وسطرت جماهير الأمة وخلفها جيش قوى وشرطة أبيّة على مدار أحد عشر عاما بداية من ثورة 30 يونيو 2013، وما بعدها ملحمة خالدة للحفاظ على هوية الوطن، وبرهنت بعزيمتها القوية على أن الشعوب حينما تنتفض لا يمكن أن يقف أمامها عائق، مهما كانت التضحيات، ليقف العالم تحية وإجلالا لهذا الشعب العظيم الذى غير مجرى التاريخ.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الشعب المصرى البنك المركزي حكاية وطن محمود غلاب ثورة 30 يونيو
إقرأ أيضاً:
مرآة لوجه ضائع لهبة شريقي.. قصائد تتأمل جماليات الحياة
دمشق "العُمانية": تفتح قصائد الشاعرة السورية هبة شريقي الباب على مصراعيه للتأمل بجماليات الحياة، حيث كلُّ ألمٍ نافذة يطلّ منها الأمل، وكلّ ظلمةِ ليل تفضي إلى صبحٍ مشرق، لذا تهدي الشاعرة ديوانها "مرآة لوجه ضائع" إلى "الحالمين" و"إلى كل مَن يقابل الصدمات بضحكة طويلة جداً ثم يبكي متحجّجاً بها".
يضم الديوان الصادر عن دار نينوى في 120 صفحة من القطع المتوسط، قرابة أربعين قصيدة تناولت موضوعات عدة، عن الذات التي تقترب منها الشاعرة وتلامس هواجسها، وعن الأب الذي يحمل قلب طفل ويبدو كما فجر الخريف الهادئ ورغيف الزعتر، وعن أحوال القلب العاشق، والحزن الذي يشتد كلما نظر الوجه إلى المرآة، وعن البسمة والضحكة وزقزقات الطيور.
واللافت في شعر شريقي -صاحبة التجربة في كتابة الشعر بالمحكية أيضاً- اقتناصها الصور الفارقة التي تبدو ابنة اللحظة، وتطويع كل جديد تراه ليصبح جملة شعرية عذبة منظومة بلغة رشيقة حيوية وجمل سريعة الإيقاع، كما في قصيدتها "رقصة أخيرة" التي تقول فيها: "سأقول: (كنّا)/ ثم أمشي/ مثل موسيقى على وتر الطريق/ سأقول:/ (لا أحتاج أن أبكي)/ وأبكي/ مثل طفل راعه وهج الحريق".
تكثر الحواريات الذاتية في نصوص شريقي وهي تحاول أن تقترب من هواجس الذات ومخاوفها، حيث نراها تنفصل عن ذاتها وتواجهها وتسائلها وتُطمئنها وتستمع لشؤونها وشجونها، كما في قصيدتها "اعتراف" ومنها: "أحنّ إليّ/ وأعرف أني جد بعيدة/ وأعرف أن فؤادي ضعيف/ وأني إذا رحت صوبي/ سأعشق أي خيال على الدرب يبكي/ وأن الخيال وحيد وعار/ سيلبس روحي ثيابًا جديدة/ سأعشق كل احتمال جديد لعشق أخير/ وأبقى وحيدة".
ومن اللافت أيضاً أن الشاعرة تؤنسن كل ما حولها من موجودات أو مشاعر، وهو ما منحها قدرة على ابتداع الصور الفنية والتقاط مشاهد فريدة وتسليط الضوء عليها بهدف التأمل العميق فيها، وهنا لا تقتصر الحياة على الإنسان الذي يرى الكون بعينيه، بل تمتد لتشمل الكون الذي يحيط بالإنسان ليتقاطع معه ومع مشاعره في كل تفصيلة، وهكذا تصبح الليالي وحشاً، والذكريات خيالاتٍ تتكاثر، وتصبح أحداث الماضي رفات السنين، والمعاني جداراً تستيقظ الأغاني فيمَن يتخطاه، والبكاء ألغاماً بالدرب، والحزن أثواباً للوقت: "لست أدري/ تثاقلت الذكريات على ظهر ذاكرتي؛ فحنى/ لست أدري متى بالتمام هجرت الـ(أنا)/ لست أدري/ تنازلت عن حق نفسي عليّ/ بألا أسوي ما لا تريد/ كنت أعشق نفسي/ تماما كما تعشق النار طعم الحديد".
ترصد شريقي تحولات الذات الأنثوية برهافة حسية، وتشتبك مع السياقات الجمعية، دافعةً القارئ إلى حالة من التأمل المحمَّل بطاقة شعورية كبرى، وتُبرز خلال ذلك قدرتها على التعبير عن مكنونات المشاعر الإنسانية حدَّ الاقتراب منها ولمسها، وكذلك أسطَرتها كما في قصيدتها "بكاء على أطلال الفرح"، المستوحاة من الأسطورة السومرية عشتار التي كانت تدور بين عالم البشر بحثاً عن ضحايا لحبّها حتى وصلت إلى ملوك البشر فكانت تأخذ ما يملكون وتعِدُهم بالزواج حتى إذا أخذت كل شيء تركتهم ليبكوها ليلَ نهار إلى أن وصلت إلى راعي أغنام فتنه جمالُها وراح يذبح لها كل يوم شاةً لتبقى معه أطول وقت ممكن إلى أن جاء يوم لم يبقَ لديه فيه ما يقدمه لها، فرحلت، وعندها ما كان منه إلا أن سرق شاةً وراح يبحث عن عشتار منادياً باسمها، ومنذ ذلك اليوم صار الراعي ذئباً يسرق الشياه من الرعاة ويبحث عن فاتنته عشتار علّها تعود إليه يوماً.
تقول شريقي في هذه القصيدة التي تُبرز فتنة الأنوثة وقوة الحب في آن: "يا أيها الراعي الحزين/ وضحكتي/ تشفي جراحًا في الهوى تتقرّح/ لا تذبح الشاة الأخيرة، إني بشغاف صوتك أحتمي/ أتلفّح/ خذني إلى ليل البراري ذئبة/ ندمي عجوز/ والخيال مجنّح".