بوابة الوفد:
2025-04-10@02:26:34 GMT

مدارات الغرباوى العقائديّة

تاريخ النشر: 30th, May 2024 GMT

فلسفة الحوار النقدى ظاهرة فى مدارات الأستاذ ماجد الغرباوي، المفكر العراقى ورئيس تحرير صحيفة المثقف، سدنى أستراليا، والباحث المتخصص فى الدراسات الإسلامية، تدور أغلبها حول تنقية العقائد ممّا لحقها من جوانب الأسطرة واللامعقول الديني. يصدق على الغرباوى ما عساه يصدق على كل مفكر مجدد مصلح يؤمن بقيمة الإنسان من حيث هو إنسان.

وقيمته هى الإيمان بالعقل كونه مرجعية تقوم عليها حياة التفكير. والتفكير فريضة إسلامية كما كان العقاد طيّب الله ثراه يقول. وتجربة المفكر عموماً على طريق الحياة هى تجربته على طريق الفكر كما يقول الفيلسوف الألمانى هيدجر. فليس من فصلٍ بين الفكر والحياة. وليس المفكر بمعزول عن شئون الحياة : إصلاحها وترقيها ونقد كل ما من شأنه أن يسلبها عن الإنسان أو يسلب الإنسانيّة عنها بوجه من الوجوه. يلزم عن فريضة التفكير نقد كل السلبيات التى تعوق الإنسان فى طريق تقدّمه الحضارى بما فيها عقائده الملوثة بالخرافة والتعطيل، أو المنحرفة عن جادة الاستقامة. 
وليس بالإمكان أن تستقيم تجربة الفكر والحياة بغير النقد، والنقد مؤسس للتفكير العقلاني، بغيره لا يستقيم فكر ولا فلسفة ولا يتميز إنتاج معرفى عن إنتاج آخر، وهو الابن الشرعى للعقل المُفكر، ونتيجته المباشرة هى الإصلاح، معرفيّا وحياتيا، ومقاومة التخلف الفكرى والتلوث المعرفى الذى يلحق العقائد كما يسلب الضمائر حيوتها واستقامتها. 
وممّا قرأته من كتابات الغرباوى فى مجالات الدين والعقيدة والإصلاح والأخلاق والتفكير النقدى والتوجّه العقلاني، يجعلنى أشهد بتأسيس فكره على الإخلاص، حتى إذا تأسس التفكير على الإخلاص أسفر عن روابط حيوية تعكس العلاقة الوثيقة بين الفكر والحياة : باحث مختص بالدراسات الإسلامية، عميق النظرة الفاحصة المتأنية فى أغوارها الدفينة، معنيٌ بالتراث الدينى والعقدى والفقهي، يرصد تداعيات العقائد، نشأةً وتطورا، وما تتركه من آثار  سلبية على سلوك الإنسان ومشاعر الفرد والمجتمع، وهو مع ذلك يؤمن بأن الناس أحرار فيما يعتقدون، وهو يحترم عقائدهم، وحين يكون الإيمان بالعقل أمراً من أوامر الخالق يمتنع على المخلوق أن يقلد مخلوقاً مثله أو يسلِّم له تفكيره بغير تمحيص، كائناً من كان هذا المخلوق، فليس من حق أحد أن يفرض عقيدته على أحد إذا كان من حق الباحث عن الحقيقة، الشاعر بالمسئولية تجاه دينه وشعبه ووطنه أن يكون ميزان الاعتدال عقلا مفكرا قائما على الوعى والتفكير من جهة ثم على حجية النصوص الدينية من جهة ثانية، قطعية الثبوت قطعية الدلالة. تلك كانت مرجعية الغرباوى الذى جعل مسئوليته كمثقف هى انتشال الوعى من الرثاثة والخمول والعودة به إلى أفق العقلانية والتعامل مع الأشياء بواقعية ومنطق سليم. 
وبما أن طرح السؤال الفلسفى أبلغ من محاولة الإجابة عنه، وجدنا الغرباوي، كما يقول هو عن نفسه، كائناً مسكوناً بالأسئلة منذ أن وعى مسؤوليته ودوره فى الحياة.                
يبلغ الحوار الفلسفى الذى اصطنعه أفلاطون فى محاوراته قمته بمنهج الجدل، إذ كانت فلسفة الحوار هى لب لباب علم الجدل، وهو نقل اللفظ من معنى المناقشة المموهة كما جاءت على يد السوفسطائيين إلى معنى المناقشة المخلصة التى تولد العلم. فالجدل على هذا علم. والحوار الفلسفى وسيلة لبلوغه. ولم تكن المناقشة التى أستنها الحوار الفلسفى الذى ابتدعه أفلاطون سوى مناقشة بين اثنين أو أكثر أو مناقشة النفس لنفسها. وقد عرّف الجدل (الحوار الفلسفي) بأنه المنهج الذى به يرتفع العقل من المحسوس إلى المعقول دون أن يستخدم شيئاً حسيّاً، بل بالانتقال من معانٍ إلى معانٍ بواسطة معان، وحدَّ الجدل بأنه العلم الكلى بالمبادئ والأمور الدائمة يصل إليه العقل بعد العلوم الجزئية ثم ينزل منه إلى هذه العلوم يربطها بمبادئها، وإلى المحسوسات يفسّرها، فالجدل منهج وعلم فى نفس الوقت، يجتاز جميع مراتب الوجود من أسفل إلى أعلى وبالعكس. ومن حيث هو علم فهو يقابل ما نسميه الآن نظرية المعرفة بمعنى أوسع يشمل المنطق والميتافيزيقا جميعاً. 
وإنما ذكرنا الجدل لأنه منهج وعلم لدى أفلاطون. وهو على نوعين: جدل صاعد يصعد بالمعرفة من المحسوس إلى المعقول. وجدل نازل ينزل بالمعرفة من المعقول إلى المحسوس؛ وهما منهج أفلاطون فى نظرية المعرفة. غير أن هناك علاقة وطيدة بين الجدل الصاعد والأخلاق. فقد سلك أفلاطون طريق الجدل لإقامة الأخلاق ولمحاربة جهل السوفسطائيين؛ فإنّ للإرادة وهى قوام الأخلاق جدلها كما أن للعقل جدله. طريقان متوازيان يقطعان نفس المراحل؛ ويتقابلان عند نفس الغاية فى اللانهاية. غاية تتلاشى دونها الغايات وتسقط الاعتراضات، وتستقر عندها النفس فى غبطة ليس بعدها غبطة.       
وليس بعجيب أن يختار الغرباوى فى مداراته العقائديّة فلسفة الحوار النقدي، ويحذر بهذا المنهج من تزييف الوعي، ومكائد سلطة رجال الدين وتوظيف الدين لمكاسب سياسية وأخرى شخصية أو أيديولوجية؛ غير أنه يدعو إلى إعادة فهم الدين وفقاً لضرورات الزمان والمكان ومتطلبات العصر والمجتمع والإنسان. (وللحديث بقيّة)  

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الدراسات الإسلامية

إقرأ أيضاً:

دعوة لنشر الجمال برعاية وزارتيْ السياحة والآثار والثقافة

ما الذى يمكن أن يتغير إذا تحولت مبادرة محدودة أو عمل فردى إلى مشروع قومى؟ وكيف يمكن للفن أن يغير مشاهد القبح فتتحول أكشاك الكهرباء والأسوار الباردة إلى لوحات فنية على غرار ما حدث منذ سنوات قليلة فى إحدى قرى الصعيد بمبادرة من فنان أسهم فيها أهل قريته، واكتشف بمبادرته تلك مواهب مجهولة، وحقق لقريته تفردا وجمالا؟ ماذا لو وجدنا حلا أقل ضررا بعد فرض سياسة الأمر الواقع، والصمت التام من المسؤولين عن الرد على كل ما أثير حول بناء وزارة الكهرباء لكشك كهرباء بوكالة قايتباى داخل باب النصر، وهو ما شوه المنطقة الأثرية وتعدى على حرم الآثار بشارع المعز بقلب القاهرة الفاطمية بعد أن بذلت جهود في ترميم المنطقة ليدمر قبح هذا الكشك كل ما بذل من جهد تماما كما حدث عند وضع كشك كهرباء بجوار الباب الأساسي لمبني مجمع دور الإفتاء بالدراسة فأضاع جمال المدخل والمبني، ومع التأكيد على أن البناء فى حرم منطقة أثرية بهذا الشكل يخالف قوانين اليونسكو وينبغى إزالته على الفور وأن التجميل فى هذه الحالة ليس حلا، لكنه مجرد محاولة لتخطى الواقع الأليم الذى لا يقبله أى متخصص أو عاشق للآثار والجمال، وهو ما فعله من قبل اللواء جمال نور الدين، محافظ كفر الشيخ السابق، الذى استجاب منذ ما يزيد على عام وقام بنقل كشك الكهرباء الخاص بمنطقة أبو غنام بمدينة بيلا من أمام مسجد أبو غنام الأثري، للحفاظ على مظهر الجامع الأثري العريق..

تجميل بالفن:

فى أحد "الكمبوندات" بالتجمع الخامس، بدت أكشاك الكهرباء مختلفة، لم تكن الرسومات التى عليها الا نسخا من لوحات مشهورة لمستشرقين صوروا لقطات بديعة من الحياة فى الأحياء الشعبية وجمال النيل والريف المصرى. ما تم إنجازه من المشروع كان كفيلا بالبحث عن صانعه، الفنان الشاب الحسين محمد الشهير بحسين شاهين الذى فاجأنا بما قدمه من أعمال فنية خلال مشواره رغم أنه ليس فنانا من خريجى الكليات الفنية، وتحدثت أعماله الفنية الجميلة عن موهبته الكبيرة سواء ما نفذه من فنون الزجاج المعشق أو الموزاييك أو رسم اللوحات أو العمل على الحوائط الذى لا يمكن اعتباره امتدادا لفن الجرافيتى، لأنه ببساطة أطول عمرا وأكثر احترافا ويبعد عن الأفكار العشوائية وتسجيل الأحداث الجارية، وهو أقرب لفكرة "الجداريات".

ويقول الفنان: إن المشروع فى هذا "الكمبوند" توقف بعد الرسم على عدد من "الأكشاك" لارتفاع تكلفة الخامات بشكل كبير أثناء تنفيذ العمل، حيث يرسم الفنان بألوان الزيت ويضع عليها طبقة من الورنيش لتصبح هذه الرسومات مقاومة للعوامل الجوية لأطول فترة ممكنة، وهى فترة قد تصل لعشر سنوات.

ويؤكد الفنان أن كل ما يتطلبه هذا الفن حوائط ملساء يتم ضبط أسطحها فى البداية وملء الثقوب والفراغات بالطرق العادية ثم يتم الرسم عليها، وهى فكرة لو تم تنفيذها يمكن أن تكون جاذبة للسياح بشكل مدهش، فقد كان السياح يذهبون الى منطقة خان الخليلى لمشاهدة لوحات المستشرقين التى تعبر عن الحياة فى مصر فى فترة ما، فماذا لو لو وجدوا هذه الحياة على طول الطريق، أو تجملت بها أنفاق مرور السيارات أو وجدوا معارض مفتوحة فى أنفاق عبور المشاة؟

مظلة الدولة:

الفكرة ليست جديدة، فمنذ سنوات قليلة وخلال أزمة كورونا قام الفنان أحمد الأسد فى صعيد مصر بتحويل قريته إلى متحف مفتوح بكل ما تعنيه الكلمة، وبرؤية الفنان الأكثر شمولية قام بإشراك الموهوبين من أبناء قريته ليتحول العمل الفنى الى عمل جماعى أسهم فى اكتشاف المواهب التى ربما لم يكن الأهل يعلمون بأنها لدى أبنائهم، وتحولت بمرور الوقت جداريات " الأسد" المرسومة بخامة "البلاستيك" من مجرد تجميل لشوارع وأسوار وواجهات بيوت قريته إلى توثيق لبعض المعالم التى غيبت بالهدم كرسم قصر أندراوس باشا على مقربة من مكانه الأصلى، إضافة إلى رسم المعالم الكبيرة للمدن كفنار دمياط وصخرتيْ شاطئ الغرام بمطروح وقلعة قايتباى بالأسكندرية، وتحول مدخل جزيرة دندرة الى بناء فرعونى من الطراز الأول، ومن أعماله لوحة مزلقان سيدى عبد الرحيم القنائى التي رسمها على حائط بقرية جزيرة دندرة، وتظهر وكأنها صورة واقعية للمزلقان الشهير.

لمست فرشاة أحمد الأسد مدرس التربية الفنية خريج جامعة حلوان قريته "المخادمة" بقنا فنثرت على جدرانها الجمال وفعلت فرشاته الشىء نفسه بفرشوط ودندرة وغيرهما من الأماكن، وهو يعمل من خلال مبادرته " الفن يحارب" ويستعين بشباب تلك القرى لتقديم الفن بالجهود الذاتية، وكان لمبادرة حياة كريمة حظ من جمال ألوانه وبديع رسوماته، التى امتدت الى الحضانات ومزرعة للخيول والبيوت والجدران والمداخل.

المبادرة التى شهدتها شوارع الصعيد لا تختلف كثيرا عن فكرة تحويل أكشاك الكهرباء إلى لوحات فنية بخامة الزيت وهى خامة أعلى من البلاستيك وأطول عمرا، وتؤكد أن الأفكار المبدعة والأيدى التى تنفذها موجودة بطول البلاد وعرضها لكنها بحاجة إلى من يتبناها ويحولها من مجرد فكرة محدودة الى عمل كبير يصل إلى درجة المشروع القومى، وألا تعوقه بيروقراطية، كما حدث مع الفنان حسين شاهين الذى بذل جهودا للتواصل مع قصور ثقافة لتنفيذ ورش فنية مع الأطفال باءت بالفشل، على الرغم من أن جواز مروره كان معارضه الفنية المتعددة وحصده لعدد كبير من الجوائز وتبنيه للمواهب من ذوى الهمم ومشاركته فى تنفيذ أعمال كبيرة بالكنائس المصرية.

الفكرة تستحق رؤية أكثر اتساعا، تدخل فيها وزارتا السياحة والآثار والثقافة، وتسهم فى تدريب طواقمها قصور الثقافة، التى عليها القبول بأن تنفتح أبوابها لفنانين من خارجها، وأن تكون شهادة قبولهم للعمل تحت مظلتها هى أعمالهم الفنية، وأن تنفتح الوزارتان مع الكليات الفنية بما لديها من كوادر وطلاب مع المسؤولين على هذه الأفكار التى سيتطوع لها الفنانون ولن تحتاج إلا إلى ثمن الخامات وهو أمر يمكن أن يسهم به رجال أعمال مع ضمان مظلة الدولة واختيار الأماكن الصحيحة لتنفيذها ضمانا لسلامة المنتج النهائى بإبعاد الأيدى العابثة عنه، وضمان عدم العشوائية والتخطيط السليم باختيار الرسومات طبقا لما يتطلبه كل موقع.

اقرأ أيضاًوزير السياحة والآثار يبحث التعاون المشترك مع رئيس هيئة التعاون الدولي اليابانية (JICA)

وزير السياحة والآثار وعمدة طوكيو يفتتحان معرض رمسيس وذهب الفراعنة

مقالات مشابهة

  • ريم مصطفى تمارس التنس على طريقة ماريا شاربوفا
  • رئيس الأوبرا ينعى حفيد فنان الشعب سيد درويش
  • عن الدين والدولة ملاحظات أوَّلية
  • دعوة لنشر الجمال برعاية وزارتيْ السياحة والآثار والثقافة
  • على خشبة المسرح.. اليُتم بين القسوة المجتمعية والتحولات الإنسانية
  • شاهد وقائع المؤتمر الصحفي للسيسي وماكرون بالاتحادية
  • السيسي: تعزيز فرص التعاون مع فرنسا في مجالات توطين صناعة السكك الحديدية
  • نص كلمة السيسي.. تفاصيل المباحثات المصرية الفرنسية اليوم
  • ياسين السقا في مرمى الهجوم بسبب سيد الناس.. أسرته تدافع عنه
  • مسلسل معاوية !