فلسفة الحوار النقدى ظاهرة فى مدارات الأستاذ ماجد الغرباوي، المفكر العراقى ورئيس تحرير صحيفة المثقف، سدنى أستراليا، والباحث المتخصص فى الدراسات الإسلامية، تدور أغلبها حول تنقية العقائد ممّا لحقها من جوانب الأسطرة واللامعقول الديني. يصدق على الغرباوى ما عساه يصدق على كل مفكر مجدد مصلح يؤمن بقيمة الإنسان من حيث هو إنسان.
وليس بالإمكان أن تستقيم تجربة الفكر والحياة بغير النقد، والنقد مؤسس للتفكير العقلاني، بغيره لا يستقيم فكر ولا فلسفة ولا يتميز إنتاج معرفى عن إنتاج آخر، وهو الابن الشرعى للعقل المُفكر، ونتيجته المباشرة هى الإصلاح، معرفيّا وحياتيا، ومقاومة التخلف الفكرى والتلوث المعرفى الذى يلحق العقائد كما يسلب الضمائر حيوتها واستقامتها.
وممّا قرأته من كتابات الغرباوى فى مجالات الدين والعقيدة والإصلاح والأخلاق والتفكير النقدى والتوجّه العقلاني، يجعلنى أشهد بتأسيس فكره على الإخلاص، حتى إذا تأسس التفكير على الإخلاص أسفر عن روابط حيوية تعكس العلاقة الوثيقة بين الفكر والحياة : باحث مختص بالدراسات الإسلامية، عميق النظرة الفاحصة المتأنية فى أغوارها الدفينة، معنيٌ بالتراث الدينى والعقدى والفقهي، يرصد تداعيات العقائد، نشأةً وتطورا، وما تتركه من آثار سلبية على سلوك الإنسان ومشاعر الفرد والمجتمع، وهو مع ذلك يؤمن بأن الناس أحرار فيما يعتقدون، وهو يحترم عقائدهم، وحين يكون الإيمان بالعقل أمراً من أوامر الخالق يمتنع على المخلوق أن يقلد مخلوقاً مثله أو يسلِّم له تفكيره بغير تمحيص، كائناً من كان هذا المخلوق، فليس من حق أحد أن يفرض عقيدته على أحد إذا كان من حق الباحث عن الحقيقة، الشاعر بالمسئولية تجاه دينه وشعبه ووطنه أن يكون ميزان الاعتدال عقلا مفكرا قائما على الوعى والتفكير من جهة ثم على حجية النصوص الدينية من جهة ثانية، قطعية الثبوت قطعية الدلالة. تلك كانت مرجعية الغرباوى الذى جعل مسئوليته كمثقف هى انتشال الوعى من الرثاثة والخمول والعودة به إلى أفق العقلانية والتعامل مع الأشياء بواقعية ومنطق سليم.
وبما أن طرح السؤال الفلسفى أبلغ من محاولة الإجابة عنه، وجدنا الغرباوي، كما يقول هو عن نفسه، كائناً مسكوناً بالأسئلة منذ أن وعى مسؤوليته ودوره فى الحياة.
يبلغ الحوار الفلسفى الذى اصطنعه أفلاطون فى محاوراته قمته بمنهج الجدل، إذ كانت فلسفة الحوار هى لب لباب علم الجدل، وهو نقل اللفظ من معنى المناقشة المموهة كما جاءت على يد السوفسطائيين إلى معنى المناقشة المخلصة التى تولد العلم. فالجدل على هذا علم. والحوار الفلسفى وسيلة لبلوغه. ولم تكن المناقشة التى أستنها الحوار الفلسفى الذى ابتدعه أفلاطون سوى مناقشة بين اثنين أو أكثر أو مناقشة النفس لنفسها. وقد عرّف الجدل (الحوار الفلسفي) بأنه المنهج الذى به يرتفع العقل من المحسوس إلى المعقول دون أن يستخدم شيئاً حسيّاً، بل بالانتقال من معانٍ إلى معانٍ بواسطة معان، وحدَّ الجدل بأنه العلم الكلى بالمبادئ والأمور الدائمة يصل إليه العقل بعد العلوم الجزئية ثم ينزل منه إلى هذه العلوم يربطها بمبادئها، وإلى المحسوسات يفسّرها، فالجدل منهج وعلم فى نفس الوقت، يجتاز جميع مراتب الوجود من أسفل إلى أعلى وبالعكس. ومن حيث هو علم فهو يقابل ما نسميه الآن نظرية المعرفة بمعنى أوسع يشمل المنطق والميتافيزيقا جميعاً.
وإنما ذكرنا الجدل لأنه منهج وعلم لدى أفلاطون. وهو على نوعين: جدل صاعد يصعد بالمعرفة من المحسوس إلى المعقول. وجدل نازل ينزل بالمعرفة من المعقول إلى المحسوس؛ وهما منهج أفلاطون فى نظرية المعرفة. غير أن هناك علاقة وطيدة بين الجدل الصاعد والأخلاق. فقد سلك أفلاطون طريق الجدل لإقامة الأخلاق ولمحاربة جهل السوفسطائيين؛ فإنّ للإرادة وهى قوام الأخلاق جدلها كما أن للعقل جدله. طريقان متوازيان يقطعان نفس المراحل؛ ويتقابلان عند نفس الغاية فى اللانهاية. غاية تتلاشى دونها الغايات وتسقط الاعتراضات، وتستقر عندها النفس فى غبطة ليس بعدها غبطة.
وليس بعجيب أن يختار الغرباوى فى مداراته العقائديّة فلسفة الحوار النقدي، ويحذر بهذا المنهج من تزييف الوعي، ومكائد سلطة رجال الدين وتوظيف الدين لمكاسب سياسية وأخرى شخصية أو أيديولوجية؛ غير أنه يدعو إلى إعادة فهم الدين وفقاً لضرورات الزمان والمكان ومتطلبات العصر والمجتمع والإنسان. (وللحديث بقيّة)
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الدراسات الإسلامية
إقرأ أيضاً:
فى ظل قمة عربية استثنائية.. مبعوث ترامب يجهز لزيارة الشرق الأوسط لتمديد اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال ممثل وزارة الخارجية الأمريكية، إن مبعوث الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف يخطط للعودة إلى المنطقة فى الأيام المقبلة للتوصل إلى طريقة لتمديد المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة أو التقدم إلى المرحلة الثانية.
وقال الممثل إن "المبعوث الخاص ويتكوف يخطط للعودة إلى المنطقة فى الأيام المقبلة للتوصل إلى طريقة لتمديد المرحلة الأولى أو التقدم إلى المرحلة الثانية"، مضيفًا "لقد أوضح الرئيس، كما قال وزير الخارجية روبيو مراراً وتكراراً، أنه يجب إطلاق سراح جميع الرهائن على الفور، وهذا يشمل الرهائن الأمريكيين".
يأتى ذلك فى الوقت الذى شهدت فيه القاهرة اجتماعًا استثنائيًا لزعماء عرب لمناقشة بديل للخطة التى أثارت إدانة واسعة النطاق والتى طرحها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للسيطرة على قطاع غزة المدمر بسبب الحرب وتشريد سكانه الفلسطينيين.
وتأتى القمة العربية بشأن إعادة إعمار الأراضى بعد يوم من دعم رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو لخطة ترامب، واصفا إياها بأنها "رؤية ومبتكرة".
وقد أدان الفلسطينيون، إلى جانب العالم العربى والعديد من شركاء إسرائيل والولايات المتحدة، اقتراح ترامب، ورفضوا أى جهود لطرد سكان غزة.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن تكلفة إعادة إعمار غزة تجاوزت ٥٣ مليار دولار، بعد الحرب المدمرة التى سببها الهجوم غير المسبوق الذى شنته حماس فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ على جنوب إسرائيل.
قال مصدر فى جامعة الدول العربية، إن وزراء الخارجية العرب عقدوا فى العاصمة المصرية جلسة تحضيرية مغلقة تركزت على خطة لإعادة إعمار القطاع دون تهجير سكانه.
كما يأتى ذلك فى ظل إعلان فيه وزير المالية الإسرائيلى بتسئيل سموتريتش أنه سيتوجه إلى الولايات المتحدة تحت إطار تعزيز العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والولايات المتحدة، لكن الزيارة استهدفت بالأساس مطالبة ترامب بالضغط على نيتنياهو لاستمرار الحرب على قطاع غزة.
وكتب سموتريتش على منصة التواصل الاجتماعى X: "هدف هذه الزيارة هو تعزيز التعاون الاقتصادى بين إسرائيل والولايات المتحدة ... وتعميق التحالف الاستراتيجى بين بلدينا".
وتأتى زيارته فى الوقت الذى من المتوقع أن يعلن فيه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ما إذا كان سيؤيد ضم كل أو جزء من الضفة الغربية المحتلة، وهى أرض فلسطينية احتلتها إسرائيل منذ عام ١٩٦٧.
وقال سموتريتش، المستوطن القومى المتطرف الذى يعد دعمه أساسيا للأغلبية البرلمانية لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، إنه سيلتقى وزير الخزانة الأميركى سكوت بيسنت، فضلا عن مسؤولين آخرين فى الحكومة الأميركية.
وقال فى عدة مناسبات منذ أن تسبب هجوم حماس فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ فى اندلاع الحرب، إن إسرائيل يجب أن تدفع الفلسطينيين إلى مغادرة غزة والضفة الغربية، ويجب أن تسيطر عليهما.
وفى العام الماضي، أصدرت محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قانونية فى الأمم المتحدة، رأيا استشاريا يقول إن الوجود الإسرائيلى المطول فى الضفة الغربية غير قانوني.
وكان وزير الخارجية الإسرائيلى جدعون ساعر، قد أكد أن إسرائيل مستعدة لمواصلة المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة، لكنها تحتاج إلى اتفاق بشأن إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس لتمديد الإطار.
واتهم ساعر حركة المقاومة الفلسطينية حماس باستخدام المساعدات لمواصلة القتال ضد إسرائيل، قائلاً إن هذا لا يمكن أن يستمر.
وأضاف أن "المساعدات الإنسانية أصبحت المصدر الأول للدخل بالنسبة لحماس فى غزة، وتستخدم هذه الأموال فى تمويل الإرهاب واستعادة قدراتها وتجنيد المزيد من الشباب الإرهابيين فى صفوف منظمتها".