المجتمع الدولي.. تعريفه ومقوماته وتاريخه
تاريخ النشر: 30th, May 2024 GMT
"المجتمع الدولي" مصطلح سياسي واسع الانتشار، ورغم كثرة تردده واستعماله إعلاميا وفي المحافل الدولية، يبقى تعريفه أمرا مختلفا فيه، ويرى البعض ألاّ وجود له، لكنه يستعمل عادة حسب معجم جامعة كامبريدج للإشارة إلى "اجتماع دول العالم للعمل بشكل جماعي في أمر ما"، وقد يستعمل للإشارة إلى الأمم المتحدة وحلفائها.
تعريف المجتمع الدولييستعمل المصطلح في المجال السياسي تحديدا، وتستعمله وسائل الإعلام لوصف دول العالم أو جزء منها أو حكوماتها عندما تتفق على أمر ما، وبدقة أكثر يقصد به "جميع الدول ذات النفوذ الدولي التي تختار المشاركة في المناقشات العالمية وصنع القرار العالمي".
ويعرفه الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان بالقول إنه "عندما تعمل الحكومات، بدفع من المجتمع المدني معا لتحقيق أهدافها الإنسانية والعمل من أجل سيادة القانون".
ويقول أستاذ اللسانيات والفيلسوف الأميركي نعوم تشومسكي إن المعنى الحرفي لمصطلح المجتمع الدولي يعني "الجمعية العامة للأمم المتحدة"، أما استخدامه فيقتصر على "الولايات المتحدة وحلفائها".
وهناك تعريف آخر قريب وهو "كافة الدول والمنظمات الإقليمية والدولية، مثل هيئة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، وغيرها من المنظمات التي أنشأت بموجب اتفاقيات ومعاهدات دولية، التي تتفاعل مع بعضها البعض في العالم".
ومن جهتها عرّفت المحامية الأميركية روث ويدجوود المصطلح بأنه "مفهوم خطر وغير واقعي"، وقالت إن "استعماله يعفي الدول التي لا تنوي تقديم المساعدة من أي التزامات فعلية، فيضطر القادة إلى سن قوانين غير واقعية، مما يجعل الدول والجهات الفاعلة غير الحكومية تتصرف بطرق غير عملية".
ووفق معهد الموسوعة الإيطالية فالمجتمع الدولي هو "عدة دول وكيانات أخرى (منظمات دولية) تدير علاقاتها فيما بينها وفقا للقانون الدولي". وفي ورقة بحثية تابعة لجامعة أم البواقي عرف المصطلح بأنه "مصطلح حديث يستعمله السياسيون للتعبير عن وجود مجتمع متضامن دون تحديد مفهوم دقيق له، وينظمه القانون الدولي العام".
ويقول تعريف آخر إنه "الدول ذات سيادة التي تستطيع أن تقيم علاقات فيما بينها ومجبرة على التعايش في الزمان والمكان مع بعضها البعض".
ويعرفه محمد سعيد الدقاق بأنه "مجموعة من الوحدات السياسية التي تمثل كل واحد منها انتماء سياسيا معينا لمجموعة من أفراد المجتمع، وتتمتع كل منها بنظام قانوني خاص بها".
وعرفه محمد كامل ياقوت بأنه "وجود وحدات في نطاق إقليمي متمايزة عن بعضها البعض في الشخصية وتشغل مراكز متفاوتة في بناء المجتمع، وتتمتع بدرجات متفاوتة من الحريات والحقوق والسلطة التي تضيفها عليها مراكزها في المجتمع، وتقوم بينها علاقات متبادلة مستمرة تنظمها قواعد عامة ملزمة أو على الأقل محترمة من معظم هذه الوحدات".
خصائص المجتمع الدولي ومقوماتهللمجتمع الدولي عدة خصائص تميزه، فهو يشمل عدة دول ومنظمات، ولديه تشكيلته الخاصة المكونة من كيانات سياسية مستقلة لها سيادة، ولكل منها هوية مختلفة، وهي غير مترابطة وتحكمها قوانين دولية، والتعاون بينها يكون في إطار المصلحة والتدافع.
أدت عدة مقومات عالمية لبروز المجتمع الدولي والنظر إلى العالم ككيان واحد بين مكوناته نطاق مشترك، ومن هذه المقومات "تحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية"، علما أن ذلك لا ينفي وجودها، إلا أن آليتها اختلفت بسبب معاهدات واتفاقات تحدد التعاملات بين الدول.
ومن المقومات الأخرى صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مما ساهم في توحيد العالم واعتبر "الناس جميعا سواء أمام القانون ويتساوون في حق التمتع بحماية القانون دون تمييز".
إضافة إلى الإحساس المشترك بضرورة التضامن الدولي لمواجهة الفقر والتخلف. وأخيرا صدور القانون الدولي الذي "وضع القواعد التي تحكم العلاقات بين الدول فيما بينها، أو تلك التي تكون المنظمات الدولية طرفا فيها"، أي اختصارا وضع أسس لتنظيم المجتمع الدولي.
وتنقسم شخوص المجتمع الدولي إلى مجموعتين، الأولى يندرج تحتها أشخاص القانون الدولي العام (أي الدول) والثانية الكيانات المتمتعة بالشخصية القانونية الدولية وهي المنظمات الدولية الحكومية العالمية والإقليمية.
السياق التاريخيلم يكن المجتمع الدولي وليد اللحظة ولا جاء فجأة، إنما هو نتاج تفاعل حضاري عبر التاريخ، وخصائصه ومقوماته ساهمت جميعها تدريجيا بإرساء قواعد لجمع دول العالم تحت مظلة دولية قانونية واحدة.
تعد "معاهدة قادس" بين فرعون مصر رمسيس الثاني وملك الحيثيين "خاتسار" عام 1278 قبل الميلاد، أول معاهدة دولية من نوعها في تاريخ البشرية، فقد أنهت الحرب بينهما، وشكّلت بداية تحالف مشترك، وتضمنت صياغات وعناصر ما تزال تستخدم حتى الآن.
وفي الشرق ظهر قانون "مانو" الهندوسي الذي نظم العلاقات بين الكيانات السياسية المختلفة في الحرب والسلم، وتضمن أيضا بنودا عن عقد الاتفاقيات والمبعوثين. وكانت للصين أيضا علاقات متبادلة ضبطتها بنظام "كونفوشيوس".
لكن عموما كانت نظرة الاستعلاء عند بعض الحضارات وإيمانها بتفوقها عرقيا وحضاريا على غيرها، عائقا أمام العلاقات الدولية، حيث غالبا ما كان يتم إخضاع شعوب العالم والسيطرة عليها من قوى كبرى بالقوى دون مراعاة أي اعتبارات إنسانية، وكانوا يرون شرعية قتلهم واسترقاقهم، كما في تاريخ العلاقات الدولية زمن اليونان والرومان.
وبعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية، ظهرت الحضارة الإسلامية التي أرست عبر شريعتها عددا من المبادئ والجوانب الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في العلاقات الدولية، أهمها وأبرزها ترسيخ مبدأ السلام في العلاقات الدولية والالتزام بالعهود واحترامها وكذا حماية حقوق الإنسان.
في المقابل كان المجتمع الأوروبي يصارع بعد سقوط الدولة الرومانية، وقد دخل في نزاعات قسمته إلى ممالك وإمارات متنازعة بقيت كذلك حتى القرن الثامن الميلادي، فخلص البابا عام 800 إلى تطبيق نظرية السيادتين التي تحكم المجتمعات بسلطتين، الأولى دينية تديرها الكنيسة والثانية الدولة ويتحكم بها الإمبراطور.
زعزعت هذه النظرية استقرار أوروبا وفاقمت الصراعات بين الكنيسة والحكومة، فقاد ذلك فيما بعد لظهور النظام الإقطاعي الذي وفر إمكانية الانفراد بالسلطة للأمراء والحكام، واستمرت أوروبا في صراعات وحروب حتى نهاية القرون الوسطى في أوروبا في القرن الخامس عشر.
ولادة المجتمع الدولي الحديثبدأت أوروبا بعدها مرحلة جديدة، وعملت على تطوير العلاقات الدولية الحديثة، خاصة مع بدء توسع مستعمراتها واكتشاف مناطق جديدة زادت من سيطرتها وقوتها عالميا.
وبالتدريج استطاعت أوروبا التخلص من هيمنة الكنيسة، وقضت على الأنظمة الإقطاعية، وظهرت إنجلترا كأول دولة حديثة، ولإنهاء الصراعات والحروب الدينية بين الكاثوليك والبروستانت المستمرة (حرب الثلاثين عاما) أبرم حكام أوروبا اتفاقية ويستفاليا عام 1648 التي عدت صك ميلاد القانون الدولي العام.
عقب معاهدة ويستفاليا احتاجت الدول المستعمِرة الأوروبية تنظيم المستعمرات فيما بينها، وأنشئ المؤتمر الأوروبي، فكانت أول أشكال المجتمع الدولي، لكنها اقتصرت على الدول الأوروبية مهمشة باقي دول العالم.
قررت الدول الأوروبية إنشاء "القانون العام الأوروبي" لتنظيم ما قد ينشأ بينها من تعاونات، وكان قوامه المساواة القانونية بين الدول، وبقي قانونا أوروبيا ميسحيا حتى عام 1856 عندما انضمت له تركيا ثم اليابان، ولم يعد يخص القارة الأوروبية فقط، وهكذا بدأ يتسع حتى انضمام دول أخرى.
مع تطور الثورة الصناعية وبداية تقارب العالم أكثر وتواصله بشكل أعمق، وبعد الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الأولى، ظهرت الحاجة إلى وجود تعاون دولي يضبط العلاقات بين الدول ويوضح آليتها لإرساء "السلام" ومنع نشوب حرب عالمية ثانية، فأنشئت "عصبة الأمم"، لكن الولايات المتحدة رفضت التصديق على ميثاقها، ففشلت.
عام 1945 وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تأسست هيئة الأمم المتحدة وبرز المجتمع الدولي بمفهومه الحالي، وبدأت عدة دول تتحرر من قبضة الاستعمار وتبرز بوصفها كيانات مستقلة لها سيادة، بالتزامن مع تأسيس منظمات إقليمية ودولية وهيئات متخصصة ومعاهدات واتفاقات دولية نظمت العلاقات فيما بينها.
نجحت الأمم المتحدة من جهة في القضاء على عدد كبير من الأمراض المعدية، إضافة إلى إرسائها عددا من الاتفاقيات والقوانين منها قانون البحار عام 1982 والإطار الأساسي للتعامل مع النزاعات البحرية، وأيضا تأسيسها لفريق حكومي دولي لتغير المناخ عام 1988.
وساهم "الرأي العام العالمي" في تعزيز نطاق القانون الدولي، مما دفع الحكومات لتوقيع معاهدة حظر الألغام عام 1997، وإنشاء المحكمة الجنائية الدولية عام 1998.
من جهة أخرى فشلت الأمم المتحدة في عدة جوانب، فلم تستطع تفادي الحرب الباردة وحرب فيتنام وحرب يوغوسلافيا، وأيضا الحرب في الجزائر، ولا وقف الإبادة الجماعية في كمبوديا ورواندا وفلسطين، ولا حل الأزمات بعد الربيع العربي وما لحقه من اعتقالات وتهجير.
القانون الدوليالقانون الدولي هو جملة من القواعد الدولية التي تهدف لتنظيم العلاقات بين مختلف مكونات المجتمع الدولي، والتي بدورها شهدت تطورا هاما، الأمر الذي ساهم في إثراء ماهية القانون الدولي من جهة والمجتمع الدولي من جهة أخرى.
ولا يقتصر دور القانون الدولي على الوظيفة التنظيمية وإنما له وظيفة تأطيرية، تكمن في تدعيم نطاقه ومجال تدخله من خلال تأطير جل المجالات التي تعد هاجسا للمجتمعات الإنسانية لغاية إرساء أرضية ملائمة تهدف لتجسيد قيم التعاون والتشارك بين مختلف الدول.
وأهميته التأطيرية تكمن في الحضور المكثف للمنظمات الدولية، ذات الطابع الاقتصادي والصحي والثقافي والحقوقي والرياضي وغيرها، التي سعت لمأسسة القانون الدولي وتوفير مناخ مناسب للتوافق، الغاية منه توطيد العلاقات الدولية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات العلاقات الدولیة المجتمع الدولی القانون الدولی الأمم المتحدة العلاقات بین فیما بینها دول العالم بین الدول من جهة
إقرأ أيضاً:
أكاديمي إسرائيلي يهاجم أردوغان بعد دعوته لقطع العلاقات الدولية التجارية مع الاحتلال
ما زالت دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بقطع العلاقات التجارية مع دولة الاحتلال تثير العديد من التفسيرات داخلها، في ضوء العلاقات المتينة بين أنقرة و"تل أبيب" في الجانب الاقتصادي، والتبعات المتوقعة لمثل هذه الخطوة على الصعيدين السياسي والتجاري.
د. شاي إيتان كوهين يانروجاك الباحث في "مركز استراتيجية إسرائيل الكبرى" (ICGS)، زعم أن "أردوغان باعتباره رجل دولة متمرس يهيمن على صنع القرار في أنقرة لأكثر من عقدين من الزمن، فقد فهم قواعد اللعبة السياسية، ومفادها أنه عندما تتفاقم مشكلة تركية داخلية، فإنه يسحب ورقة العلاقات الخارجية ويغطيها، وهذه المرة المشكلة التي يتقن استخدامها أردوغان هي إسرائيل، التي أعلن عن قطع العلاقات معها خلال حديثه مع الصحفيين في طائرته العائدة من قمة المناخ في أذربيجان".
وأضاف في مقال نشره موقع "ويللا" العبري، وترجمته "عربي21"، أن "تصريحات أردوغان العدوانية تجاه دولة الاحتلال تأكيد على ظاهرة تنفرد بها تركيا التي لا تزال تعيش على أبخرة مجد الإمبراطورية العثمانية، لأنه رغم كل المشاكل الاقتصادية، فلا يزال مواطنوها يعلقون أهمية كبيرة على صورة تركيا على الساحة الدولية، ويريدون رؤيتها باعتبارها لاعبا خارقا مثل تركيا أيام السلطان عبد الحميد، إن لم يكن بالأفعال، فعلى الأقل بالكلام، وهكذا يرضي الرئيس أردوغان رغبة قلوبهم".
وأوضح أن "أردوغان باعتباره من استوعب هذا الأسلوب جيدا، فإنه يحرص على التعبير عن نفسه في كل قضية دولية، وكأنها قضية لها التأثير الأكبر على الحياة اليومية للمواطن التركي، وليس أهم من القضية الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي من الحديث عنهما، ولذلك فقد جاءت دعوته لقطع العلاقات التجارية معها في نفس الإطار وذات الاستراتيجية".
وأشار إلى أن "أردوغان لم يكتف بإعلان وقف العلاقات التجارية مع إسرائيل، بل كرر نفس التصريحات العدوانية المعروفة ضدها، وهدّدها بمعركة قانونية في محكمة العدل الدولية في لاهاي، مع العلم أنه في بداية أغسطس شاركت تركيا في معركة جنوب إفريقيا دعوى قضائية ضد الاحتلال الإسرائيلي في لاهاي بتهمة الإبادة الجماعية التي ارتكبتها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة".
وأكد أن "العلاقات التجارية بين أنقرة وتل أبيب تم قطعها بقرار أحادي اتخذته الأولى في أبريل الماضي، وبدأ بفرض قيود تجارية على 54 منتجا تصدرها إلى الأخيرة، بما في ذلك الإسمنت والصلب، وبلغت علاقاتهما التجارية آنذاك 9.5 مليار دولار، رغم ما قيل حينها عن العثور على طرق التفافية للاحتيال على هذه المقاطعة بتوسيط دولة ثالثة، ما دفع بالمعارضة التركية لفضح هذه الخديعة، لكن وزير الاقتصاد التركي عمر بولات رفض كل الادعاءات بالاستمرار في إقامة علاقات تجارية مع الاحتلال الإسرائيلي".
واستدرك بالقول أنه "رغم الإعلان الرسمي لأردوغان بقطع العلاقات التجارية مع دولة الاحتلال، ودعوته للدول الصديقة بأن تحذو حذوه، لكن تركيا لديها الكثير لتخسره من قطع هذه العلاقات، لأنه ابتداء سيحد من وصول بضائعها إلى الأراضي الفلسطينية، فضلا عن التبعات المتوقعة لمثل هذه الخطوة على علاقات أنقرة بواشنطن، خاصة مع مجيء الرئيس المنتخب دونالد ترامب الذي يحتفظ بعلاقة جيدة مع أردوغان".