سواليف:
2025-01-18@23:04:08 GMT

تأملات قرآنية

تاريخ النشر: 30th, May 2024 GMT

#تأملات_قرآنية د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في الآية 30 من سورة فصلت : “إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ”.
هذه من آيات بشارة المؤمنين، التي تُسرّي عنهم ما يلاقونه من عنت في الدنيا جراء تمسكهم بمنهج الله، ومن أذى من أعدائه، فتطمئنهم الى أن لهم حسن الجزاء عند الله.


لقد اهتم المفسرون القدامى بتبيان الشرطين اللازمين لنيله، الأول وهو التوحيد، تحققه تلقائي للمؤمن، فمن عرف الله لا يمكن أن يشرك به شيئا، ويبقى الشرط الثاني وهو الاستقامة، وفسرها أغلبهم أنها تعني الثبات على التوحيد وعدم العودة الى الشرك، كما قالوا ان تنزل الملائكة عليهم يكون يوم البعث.
من التأمل المقارن، أي استنادا الى تفسير آيات أخرى تتناول الموضوع، نجد أن خطابه تعالى لرسوله الكريم ومن خلاله لكل من اتبعه: “فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” [هود:112]، لا يمكن إن يعني عدم العودة الى الشرك، بل الثبات على المنهج، والمداومة على اتباعه.
كما يؤيد ذلك قوله تعالى في سورة الفاتحة: “اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ” أي المنهج الصحيح، وقوله تعالى لموسى وأخيه: “قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ” [يونس:89].
كما يعززه الاقتران بين التقوى والاستقامة، في مجيئهما بالمعنى ذاته، كما في قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ” [آل عمران:102]، وقوله تعالى: “اتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ” [التغابن:16].
قد يكون سبب ميل قدامى المفسرين الى ان الاستقامة هي الثبات على التوحيد، هو قرب عهد المؤمنين بعبادة الأوثان، والخوف من العودة إليها، إذ لم يكونوا قد ثبت لهم آنذاك أن من اهتدى الى معرفة الخالق فذلك هو من نال علما، والمتعلم لا يعود الى الجهل من جديد.
كما أن تنزل الملائكة على المؤمنين لبشارتهم بما ينتظرهم من الأجر العظيم، فالأصح أنه ليس يوم النشور، بل يكون عند طي الصحف التي تسجل فيها أعمال الإنسان، وذلك يكون عند موت الإنسان، فهنالك لا عودة الى الدنيا لأجل استدراك ما فات المرء أداؤه من عمل صالح أو إيفاء حقوق، بدليل قوله تعالى في وصف حال المقصرين: “حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ” فيجيبه قول رب العزة: “كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ” [المؤمنون:99-100].
إذا فهذه الآية تقطع بأن المؤمن أو الكافر يعلم مقعده من العذاب أو الثواب اعتمادا على مراجعته لنفسه أولا، فكل انسان أعلم بما قدم وما أخر: “بَلِ ٱلۡإِنسَـٰنُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ بَصِیرَةࣱ . وَلَوۡ أَلۡقَىٰ مَعَاذِیرَهُ” [القبامة:14-15]، لكن المؤمنين الذين استقاموا على أمر الله وحرصوا الالتزام به، ينزل الله عليهم ملائكة تبشرهم بالبشرى التي ظلوا يحلمون بها في حياتهم، ويعملون على الفوز بها، لطمأنتهم وراحة نفوسهم خلال الفترة ما بين الموت ويوم الحساب، أن لا يقلقوا على مصيرهم في حياتهم الأخرى القادمة، ولا يحزنوا على ما أصابهم من لأواء في حياتهم الدنيا، فمصيرهم الجنة.
ودليل حدوث هذه البشرى لحظة مفارقة الدنيا ” فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ” قوله تعالى “فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ . فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ” [الواقعة:88-89]، وبالمقابلة مع ذلك وصفه حال الكافرين لحظة موتهم: “وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ۙ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ” [الأنفال:50].
هكذا يتبين لنا أن الإنسان المؤمن مكرم عند ربه، ومقدر له تقواه، فتبشره الملائكة ومنذ لحظة مغادرته الدنيا، بأن له مقعدا كريما الله، وقبل الحساب ونواله.
وهذا يفسر لنا كيف أننا نرى من استشهدوا في سبيل الله من المجاهدين الغزيين، أو قتلوا ظلما وعدوانا من أهل القطاع المدنيين، والضياء يعمر وجوههم، فهؤلاء لا شك قد تلقوا البشرى، وهذا ما عزز صمود أهلهم الذين لم يلحقوا بهم، فلا يجزعوا، ولا يقولون إلا إنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله في المنافقين، فقريبا ستضربهم الملائكة على وجوههم وأدبارهم، وبئس المصير.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: تأملات قرآنية قوله تعالى

إقرأ أيضاً:

5 طرق لعلاج قسوة القلب.. طريقك للجنة

القلب هو مركز الإيمان، وكلما كان القلب حيًا لينًا، كان العبد قريبًا من الله سبحانه وتعالى،  إلا أن القلوب قد تمر بحالات من القسوة والجفاء التي تُبعدها عن ذكر الله والتفكر في عظمته، وقال سيدنا محمد: حُرم على النار كل هين لين سهل قريب من الناس، فكيف الطريق إلى علاج قسوة القلب للفوز بالجنة؟ 

كثرة الكلام بغير ذكر الله

عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تُكْثِرُوا الكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللهِ؛ فَإنَّ كَثْرَةَ الكَلاَمِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى قَسْوَةٌ لِلقَلْبِ! وإنَّ أبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللهِ القَلْبُ القَاسِي" [رواه الترمذي].

هذا الحديث الشريف يوجه المؤمنين إلى تجنب الإفراط في الحديث الذي يخلو من ذكر الله، لأن ذلك يُثقل القلب بالذنوب ويُبعده عن روحانية الإيمان.

أسباب أخرى لقسوة القلب

ترك الذكر والقرآن
عدم المواظبة على ذكر الله وتلاوة القرآن يؤدي إلى ضعف الإيمان وقسوة القلب. قال تعالى:
"فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ" [الزمر: 22].

الغفلة عن الآخرة والانشغال بالدنيا
الانغماس في شهوات الدنيا ونسيان الآخرة يجعل الإنسان يغفل عن مهمته الأساسية في العبادة وطاعة الله.

مخالطة أصحاب الغفلة
الصحبة تؤثر في الإنسان، ومجالسة من لا يذكرون الله تضعف الروحانية وتزيد من قسوة القلب.

الإصرار على الذنوب والمعاصي
الذنوب، إذا تكررت دون توبة، تتراكم على القلب حتى تغطيه بالران. قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"إن العبد إذا أذنب ذنبًا نُكتت في قلبه نكتة سوداء" [رواه الترمذي].

قلة الإحسان إلى الآخرين
الأنانية وغياب الرحمة في التعامل مع الناس تسهم في قسوة القلب.

كيفية علاج قسوة القلب

المداومة على ذكر الله
ذكر الله هو غذاء القلب وروحه. قال تعالى:
"أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" [الرعد: 28].

تلاوة القرآن والتدبر فيه
القرآن ينير القلب ويزيد من لين الروح. قال تعالى:
"لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ" [الحشر: 21].

الإكثار من الدعاء
طلب الله بتذلل أن يلين قلوبنا ويهدينا للصراط المستقيم. كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو:
"اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" [رواه الترمذي].

ملازمة الصالحين
صحبة الأخيار تعين على تقوية الإيمان وتليين القلب.

التفكر في عظمة الله وآياته
النظر في مخلوقات الله والتأمل في عظمته يجلب خشية الله إلى القلب.

خاتمة

القلب القاسي أبعد القلوب عن الله وأقربها للضلال، ولذلك يجب على المؤمن أن يحرص على تهذيبه وتطهيره. 

بتجنب أسباب القسوة، والإكثار من ذكر الله، وقراءة القرآن، والتوبة المستمرة، يمكننا أن نعيد إلى قلوبنا الحياة والنور، ونسلك طريق القرب من الله ورضوانه.

مقالات مشابهة

  • 5 طرق لعلاج قسوة القلب.. طريقك للجنة
  • الإفتاء : الإسلام حث على تعليم البنات والإحسان إليهن
  • علي جمعة: الزهد هو سفر القلب من الدنيا إلى الآخرة
  • روايات مصرية للجيب تطرح «تأملات في أسماء الله الحسنى» لوجيه يعقوب بمعرض الكتاب
  • "تأملات في أسماء الله الحسنى" لوجيه يعقوب بمعرض القاهرة للكتاب
  • هل الملائكة وصالحي الجن يصلون مع البشر؟.. الشيخ خالد الجندي يُجيب
  • هل الملائكة وصالحو الجن يصلون مع البشر؟ خالد الجندي يجيب
  • خالد الجندي: الملائكة تحيط بالمؤمنين وتمنحهم الطمأنينة (فيديو)
  • هل الملائكة تلعن الزوجة إذا امتنعت عن زوجها؟.. انتبهن