في الوقت الذي تزور فيه بعثة صندوق النقد الدولي القاهرة منذ 21 أيار/ مايو الجاري، لإتمام المراجعة الثالثة للاقتصاد المصري تمهيدا للحصول على شريحة جديدة بقيمة 820 مليون دولار، من تمويل الصندوق البالغ 8 مليارات دولار  وفق اتفاق مع القاهرة جرى في آذار/ مارس الماضي، توالت التصريحات الحكومية عن رفع أسعار بعض الخدمات والسلع الاستراتيجية.



وفي حديث تكرر على مدار الأيام الماضية أمام وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية في القاهرة، أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، عن تحريك أسعار الخبز المدعم 4 أضعاف، ورفع الدعم عن الكهرباء، والمنتجات البترولية، فيما جرى الإعلان عن رفع كبير بأسعار أكثر من 200 صنف دوائي.

وهو الحديث الذي جاء عقب إعلان رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، عن هذا التوجه الحكومي لرفع أسعار تلك السلع والخدمات المدعوم بعضها بقدر من الموازنة العامة المصرية، قبل أيام.

ما دفع مراقبون للقول إن هذا التكرار والتأكيد قد يكون فيه رسالة للصندوق لتمرير المراجعة الهامة والحصول على الجزء المقرر من القرض، وطلب تمويل جديد بنحو 1.2 مليار دولار من صندوق الاستدامة التابع للصندوق، وفق تصريح سابق، لمدبولي.

وذلك لحل أزمة شح الدولار لدى الحكومة المصرية، ولدفع مستحقات بعض الشركات الأجنبية وخاصة شركات التنقيب عن النفط والغاز، وأيضا دفع خدمة دين فاقت 168 مليار دولار مع نهاية العام الماضي.

ولكن على الجانب الآخر، يرى البعض أن ذلك الحديث يعد مؤشرا على تفاقم جديد لأوضاع أكثر من 106 ملايين مصري مع القرارات الجديدة واشتراطات وتعليمات الصندوق.

"تغيير لم يحدث منذ 30 عاما"
والأربعاء، أعلن مدبولي، رفع سعر رغيف الخبز المدعوم إلى 20 قرشا من 5 قروش، وتنفيذ القرار بعد 3 أيام اعتبارا من مطلع حزيران/ يونيو المقبل، في مخاطرة جريئة وقد تكون غير محسوبة خاصة وأنه لم يتم تحريك سعر الخبز المدعم منذ 30 عاما، وفق تأكيد، مدبولي.

الذي أضاف أن الدعم سيظل موجودا للفئات ذوي الدخل المنخفض، لكنه أثار الجدل مجددا بقوله إنه سيتم مناقشة التحول من الدعم العيني إلى النقدي.


ويصف خبراء ومراقبون ملف الخبز المدعم بأنه أشد الملفات خطورة، كونه يمس بشكل مباشر ملايين المصريين من الطبقات الفقيرة والمعدمة من شعب يتغلغل الفقر، والفقر المدقع في مساكنه وشوارعه وحواريه وقراه ونجوعه وعزبه وكفوره.

وذلك إلى جانب ارتباط هذا الملف بانتفاضات شعبية مثل "انتفاضة الخبز" أيام 18 و19 كانون الثاني/ يناير 1977، في عهد الرئيس أنور السادات، كما كانت كلمة "عيش" وتعني الخبز ، أهم مطالب المصريين إلى جانب "الحرية والعدالة" في ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، ضد حكم حسني مبارك.

"الوقود والكهرباء"
والثلاثاء، تحدث مدبولي، أيضا عن أسعار الخبز والوقود والكهرباء، وقال: يجب تحريك سعر رغيف الخبز المدعم بصورة تتناسب مع الزيادة الرهيبة في الأسعار، مشيرا إلى إمكانية زيادة أسعار المواد البترولية، وذلك برغم أن حكومته رفعت في آذار/ مارس الماضي، سعر البنزين من 8 إلى 10 بالمئة، والسولار بنسبة 21.2 بالمئة.

وواصل مدبولي، بحديث هادئ مليء بالأرقام والاحصائيات عن تكلفة دعم الخبز والوقود والكهرباء للموازنة المصرية، صدماته للشارع المصري معلنا عن أنه طالب وزارة الكهرباء بوضع خطة لرفع الدعم عن الكهرباء بالكامل على مدى 4 سنوات.

وذلك برغم أنه ملف يؤلم كثيرا من المصريين خاصة مع انقطاع الكهرباء بشكل يومي، وفق خطة لتخفيف الأحمال، وتوفير الكهرباء لتصديرها للخارج والحصول على عائد دولاري مجزي.



وواصل المسؤولين في حكومة مدبولي توجيه الصدمات للمصريين بهذه الملفات، والتي جاءت إحداها على لسان المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء محمد الحمصاني بقوله لفضائية "صدى البلد" المحلية، إنه "سيجري رفع الدعم عن بعض السلع بصورة كاملة".

أما وزير المالية محمد معيط، وفي اتصال بفضائية "الحدث اليوم" المحلية، فقد وجهة رسالة مقلقة بقوله إن ملف الدعم "أصبح يمثل خطورة على الأمان المالي والاقتصادي للدولة".

والأربعاء، أكد رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية الدكتور علي عوف، أن هناك زيادة مرتقبة في أسعار 200 صنف دوائي، الأسبوع المقبل، متوقعا زيادة أسعار 700 صنف خلال 3 شهور قادمة، ملمحا لاحتمال رفع أسعار أدوية الأمراض المزمنة، 20 بالمئة، والأمراض الحادة 30 بالمئة.

"طروحات واستحواذات بالتزامن"
وبالتزامن مع حضور صندوق النقد للقاهرة، وإعلان الحكومة عن رفع أسعار تلك السلع، عاد الحديث عن ملف الطروحات بقوة، حيث أُعلن قبل أيام عن عروض لشراء شرطة "وطنية" التابعة للجيش المصري، والتي يمثل طرحها للبيع إحدى مطالب صندوق النقد الدولي، بدعوى تقليل حصة الجيش في الاقتصاد المحلي.

وبعد يوم واحد من وصول بعثة صندوق النقد إلى القاهرة، وفي 22 أيار/ مايو الجاري، قالت وزيرة التخطيط المصرية هالة السعيد لـ"اقتصاد الشرق مع بلومبرغ، إن "مصر تلقت 7 عروض عالمية ومحلية للاستحواذ على أسهم "الشركة الوطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية" (وطنية).


وإلى جانب ما تشير إليه الأنباء من قرب تنفيذ صفقة "وطنية"، فقد جرت في الأيام الماضية وبالتزامن مع وجود بعثة صندوق النقد في مصر، استحواذات واسعة في القطاع الزراعي، والصحي والطبي.

ومنها استحواذ شركة "تريكويرا" الهولندية على حصة جديدة قدرها 22 بالمئة في "مينا فارم" للأدوية لتصل حصتها 50 بالمئة، واستحواذ شركة "بريميوم دياجنوستيكس" الإماراتية على حصة أقلية في سيتي للتحاليل الطبية، ورفع شركة "جولدمان ساكس إنترناشيونال" الإماراتية حصتها في شركة "مستشفى كليوباترا".

وفي القطاع الزراعي والتعليمي يسعى صندوق الاستثمارات العامة السعودي لاقتناص حصة في "دالتكس" للتطوير الزراعي أهم مصدر للبطاطس المصرية، بجانب عرض من الصندوق للاستحواذ على 100 بالمئة من شركة "سيرا" للتعليم، وغيرها من الطروحات وصفقات الاستحواذ والدمج.

"خطوات مجهولة المعالم"
وفي رؤيته لتتابع إعلان الحكومة عن رفع أسعار سلع استراتيجية، وتسارع عمليات بيع الأصول العامة، بالتزامن مع حضور صندوق النقد الدولي، أعرب الخبير الاقتصادي المصري عبدالحافظ الصاوي، عن أسفه الشديد لتلك الحالة.

الباحث والكاتب الاقتصادي، المعني بقضايا الاقتصاد الكلي، قال في حديثه لـ"عربي21"، إن "كل ما يتعلق بالاتفاقيات الدولية بجانبيها الاقتصادي والسياسي لا تعلن الحكومة عن حقيقة هذه البرامج أو بنود تلك الاتفاقيات".

وأكد أن "الاتفاق الأخير بين صندوق النقد الدولي ومصر، لا يُعلم ما هي الإجراءات التي يتوجب على الحكومة المصرية الالتزام بها، حتى يتحسب الناس لتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي نحن أمام خطوات مجهولة المعالم".

وفي قراءته لـ"الإجراءات التي أُعلن عنها مؤخرا؛ مثل رفع سعر رغيف الخبز إلى 20 قرشا بدلا من 5 قروش، وعزم الحكومة على رفع أسعار المواد البترولية باستثناء السولار الفترة القادمة، وأيضا الشروع في تنفيذ بعض عمليات بيع الأصول، كلها أمور يمكن قراءتها في ضوء توقيع التمويل الأخير مع صندوق النقد الدولي".

وتابع: "وكذلك، الحصول على التسهيلات الائتمانية الممنوحة منه، وكذلك اعتبار ذلك بوابة للحصول على دعم الجهات المانحة والمقدمة للقروض الفترة القادمة؛ حتى يستطيع النظام الحصول على مزيد من القروض".

وأعرب الخبير المصري، عن أسفه الشديد مجددا لما اعتبره "التداعيات الاجتماعية والسياسية لمثل هذه الإجراءات على الشارع المصري وعلى الطبقتين المتوسطة والفقيرة؛ فهو أثر كبير لا تُعلم عواقبه، والشارع سوف يزداد غليان خلال الفترة القادمة".

وقال إنه "على الحكومة أن تعود إلى رشدها في مثل هذه القرارات، وأن تلتزم طريق الخروج من دائرة الفساد والتبذير والتبديد للموارد المالية المحدودة، وأن تحافظ على ما بقي من مشاعر لدى المواطن، حتى يستطيع العيش في الحد الأدنى من الحياة الكريمة، التي من المفترض أن يتمتع بها".

وختم مؤكدا أنه "وفي نفس الوقت على الحكومة أن تلجم قراراتها وتصرفاتها المتعلقة بالبذخ وعدم ترشيد الإنفاق في بناء القصور والاستراحات والطائرات الخاصة، وكل الأمور التي تنم عن غياب ترشيد الإنفاق بالموازنة العامة للدولة والمال العام بشكل عام".

"تصدر السياسة المالية والنتاج الخاطئ"
وفي تقديره، قال الباحث المصري في الملف الاقتصادي والعمالي حسن بربري، لـ"عربي21"، إن "السياسة الاقتصادية غير موجودة في مصر، وهناك فقط سياسة مالية، وهذا يظهر عبر تصدر البنك المركزي المصري للمشهد الاقتصادي".

وأكد أن "كثيرا من الدراسات والأبحاث تقول إن تصدر أي بنك مركزي في تحريك الاقتصاد له ناتج خاطئ، ولكن هناك دول مازالت تستعمله لأنها غارقة بالديون مع صندوق النقد، والصندوق باختصار لعبته كلها في السياسات المالية والنقدية ولا يقترب من الاقتصاد ويعتبره شأن داخلي".

عضو "حزب العيش والحرية" تحت التأسيس، أضاف أن إعلان الحكومة عن رفع أسعار سلع استراتيجية، وتسارع عمليات بيع الأصول العامة، بالتزامن مع حضور صندوق النقد الدولي، "يؤدي لآثار سلبية في توزيع الدخل وزيادة التفاوت الاقتصادي بين الطبقات".

وأشار إلى أن "التجارب تقول إن الخصخة منذ بدأت في مصر عام 1990، لم تحدث أي تغيير سوى أن الآثار التوزيعية لعملية الخصخصة راحت في يد قلة قليلة من الأغنياء، ولم يستفيد منها الشعب ولم تغير في حياته، بل بالعكس أساءت بشكل سلبي على رفاهية واقتصاد الشعب".

النقابي المصري والناشط العمالي، لفت إلى أن "عملية البيع بما يشوبها من فكرة عدم الشفافية وغياب المنافسة وعدم طرح المعلومات بشكل معين، بجانب فكرة أن البيع بالأمر المباشر؛ جعل العملية تشوبها التساؤلات حول احتمالات الفساد، كما أن حصيلة البيع لا نعرف ماذا حدث بها".

وأضاف: "وفي المقابل لدينا مشكلة كبيرة جدا، وحصيلتنا الدولارية قليلة جدا، وهناك فجوة مالية من العملة الصعبة يتم سدادها بالبيع، وذلك لأنه ليس لدي اقتصاد تصديري قائم على فكرة التصدير للخارج لتوفير العملة".

بربري، خلص للتأكيد على أن "هناك تأثير كبير على الأسعار، والعمالة، وعلى المنافسة في السوق"، مبينا أنه "بالنسبة للتأثير على الأسعار فالوجه الحقيقي للموضوع أن كل عمليات الخصخصة يحدث فيها زيادة بالأسعار، وهذا يؤكده الأكاديميين وأبحاث أساتذة بالجامعات المصرية والمراكز البحثية المستقلة".

ويرى أن "زيادة الأسعار تلك تزيد من حالة عدم اللامساواة في المجتمع، وتؤثر على فكرة توزيع الثروة والدخل، الذي ينقسم إلى أجور ومرتبات للعمال والموظفين، وأرباحا تعد هي الدخل لأصحاب الشركات والأعمال".

وأوضح أنه "كان يصاحب عمليات الخصخصة زيادة بسعر السلع من قبل المستحوذين على الأصول العامة، كما أنه من شروط صندوق النقد الدولي تصحيح مسار السياسة النقدية والمالية ورفع الدعم عن السلع والخدمات، وبالتأكيد هذا يرفع أسعار السلع".

وتابع: "ومع وجود دخول ثابتة لغالبية السكان والعمال والموظفين يزيد العجز عن توفير المنتجات بشكل أساسي أو السلع الأساسية الضرورية، وبدلا من أن المواطن أو العامل يحاول تحسين مكانته الاجتماعية بعملية ادخار أو ترفيه أو أن يكون لديه أمان من السلع الضرورية أصبحت الآن المسألة صعبة، ويحاول سد الفجوة بين الدخل وسعر السلع الأساسية، وذلك لأن عمليات الخصخصة أو البيع تؤدي لعملية احتكار لهذه السلع، لأنه صار المتحكم".

وقال بربري: "لدى النظام الحالي في ملف الخصخصة اختلاف عن الخصخصة التي تحدث بالدول النامية الأخرى"، ملمحا لوجود "صراع بين فكرة أن لديه مشروعات قومية وأنه يجب أن يكون لديه دور في الاقتصاد، وما بين فكرة شروط الصندوق التي تسحب منه هذه السيطرة، وهو طوال الوقت متحير، وفي النهاية يرضخ لفكرة أنه محتاج لقروض الصندوق وإلى المؤسسات الدولية الأخرى للحصول على قروض أكبر، ويضطر للاستجابة للشروط".


وأكد أنه "أيضا، ليس لديه ثقة بالقطاع الخاص المصري، وبالتالي كل الاستحواذات -وهي ليست عمليات بيع بالمنطق- استحواذات خليجية وأجنبية أكثر منها استحواذات أو بيع للقطاع الخاص المصري".

وأشار إلى أنه "لأول مرة تحدث عمليات الخصخصة على مستوى البنك الدولي وفي تاريخه أن يكون معدل بيع أو شراء الشركات أو طرح أملاك الدولة نسبة الاستثمار الأجنبي والخليجي بها أعلى بكثير من نسبة القطاع الخاص الوطني".

"آثار كارثية"
وأضاف: "أصبح القطاع الخاص والمستهلكين تحت رحمة هذه الشركات، وهذا يؤدي إلى أنه سيكون هناك تسريح للعمالة بشكل كبير، لأنه يرى أن هناك عمالة كبيرة بشركات القطاع العام وقطاع الأعمال، وبالتالي هناك عملية تسريح للعمالة، وبالتالي خفض للدخل الخاص بهم وهو ما يواكبه ارتفاع لأسعار السلع الضرورية".

وبين أنه "من هنا تحدث الفجوة، والآثار الاجتماعية والاقتصادية السلبية على المدى القصير والبعيد، ففي الأولى تزداد المعاناة وخاصة مع زيادة أسعار الكهرباء والغاز والمياه والصرف الصحي والاتصالات، ولو أجرينا مسحا للدخل والإنفاق الأسري بهذه الفترة سنجد أن إمكانية حصول الفقراء على هذه الخدمة وإمكانية الوصول لها ضعيف جدا".

وختم بربري، بالقول إن "هناك آثار اجتماعية واقتصادية تنعكس على فكرة توزيع الثروة العامة، وأن هذه الآثار يدفع فاتورتها الطبقات الفقيرة والمتوسطة في المدى القصير بشكل كبير، وعلى المدى البعيد تدفعها الأجيال القادمة التي ستكون مرهونة لسياسات الشركات الأجنبية التي استحوذت على أصول وأملاك الدولة".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية صندوق النقد المصري أسعار الخبز السيسي مصر السيسي صندوق النقد أسعار الخبز المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صندوق النقد الدولی الخبز المدعم رفع الدعم عن عن رفع أسعار الحکومة عن عملیات بیع إلى أن

إقرأ أيضاً:

أسعار النفط تهبط لأدنى مستوى منذ 4 سنوات بعد صدمة أوبك ورسوم ترمب


هوت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها في أربع سنوات، بعد زيادة مفاجئة في إنتاج تحالف "أوبك+" وتصاعد مخاوف الحرب التجارية العالمية والتي هوت أيضاً أسواق السلع الأساسية من المعادن إلى الغاز.

بدأت أسعار النفط التراجع يوم الخميس تحت وطأة الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والتي تهدد الاقتصاد العالمي واستهلاك الطاقة. وبعد ساعات، رفع تحالف "أوبك+" حجم زيادة الإنتاج المخططة في مايو ثلاث مرات، فيما وصفه المندوبون بأنه جهد مقصود لخفض الأسعار لمعاقبة الأعضاء الذين يضخون أكثر من حصصهم.

تراجعت أسعار عقود خام غرب تكساس الوسيط الآجلة حوالي 14% في يومين فقط -لتتم تسويتها بالقرب من مستوى 61 دولاراً للبرميل في ما يشبه الخسائر الحادة التي تكبدتها أثناء الوباء- بينما أنهى سعر خام برنت التعاملات عند أدنى مستوى له منذ 2021. وتفاقم الهبوط يوم الجمعة بسبب الرد الانتقامي من جانب الصين على الرسوم الجمركية الأميركية، بما في ذلك فرض تعريفات بنسبة 34% على جميع الواردات من الولايات المتحدة بعد أسبوع.

ذعر يضرب أسواق السلع

تراجعت أسعار السلع الأساسية الأخرى أيضاً مع هبوط الأسواق المالية الأوسع وتزايد المخاوف بشأن ضعف الطلب على المواد الخام. انخفض سعر النحاس 67.7% ليصل إلى أدنى مستوى له منذ يناير، بينما تراجعت العقود الآجلة للغاز الطبيعي المرجعية في أوروبا في وقت ما بأكثر من 10%. وتراجعت أسهم "غلينكور" بنحو 9%، كما هبطت أسهم شركتي التعدين الرئيسيتين الأخريين، "بي إتش بي" و"ريو تينتو".

هبوط أسعار النفط أدى إلى كسر النطاق السعري البالغ 15 دولاراً، والذي تحركت بداخله الأسعار وحفز الرهانات على التقلبات المنخفضة خلال معظم الأشهر الستة الماضية. خلال تلك الفترة، وفرت تخفيضات "أوبك+" دعماً للسوق، بينما شكّلت الطاقة الفائضة الوفيرة للمجموعة سقفاً للأسعار. وهذا الأسبوع، تثير الزيادة غير المتوقعة في الإنتاج تساؤلات حول ما إذا كان التحالف سيواصل الدفاع عن الأسعار.


إعادة تقييم توقعات أسعار النفط

الضربة المزدوجة التي تلقتها أسعار النفط من "أوبك+" والرسوم الجمركية دفعت المتداولين وبنوك وول ستريت إلى إعادة تقييم توقعاتهم للسوق. ومن بين المصارف التي خفضت توقعاتها للأسعار، مجموعة "غولدمان ساكس" ومجموعة "آي إن جي"، مشيرين إلى المخاطر على الطلب وزيادة الإمدادات من التحالف.

وكتب محللو "غولدمان"، بمن فيهم دان سترويفن، في مذكرة: "إن المخاطر السلبية الرئيسية التي أشرنا إليها بدأت تتحقق: وهي تصعيد التعريفات الجمركية وزيادة إمدادات (أوبك+) إلى حد ما. ومن المرجح أن تظل تقلبات الأسعار مرتفعة في ظل تصاعد مخاطر الركود".

وفي أدنى مستوى له يوم الجمعة، انخفض سعر خام برنت بأكثر من 10 دولارات على مدار اليومين الماضيين، وهو ما كان سيعتبر بين أكبر 10 نسب هبوط على الإطلاق، ويتساوى مع بعض الانخفاضات الحادة السابقة أثناء الوباء وعندما تراجعت الأسعار دون 100 دولار بعد غزو روسيا لأوكرانيا.

رهانات قياسية على هبوط أسعار النفط

كان للتراجع تأثير أوسع نطاقاً على مؤشرات السوق الرئيسية. إذ تراجعت الفروق الزمنية، في إشارة إلى توقعات بتقلص التوازنات بالسوق، لا سيما في العقود الآجلة. في الوقت نفسه، ارتفعت أحجام خيارات النفط المراهنة على هبوط الأسعار إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق أمس. كما دخل سعر النفط إلى منطقة ذروة البيع على مؤشر القوة النسبية على مدى تسعة أيام، مما يشير إلى أن الانعكاس قد يكون وشيكًا.

في هذه الأثناء، تحول مستشارو تداول السلع الأساسية، الذين يميلون إلى تضخيم تقلبات الأسعار، إلى البيع على المكشوف بنسبة 73% في خام غرب تكساس الوسيط، مقارنة بـ 9% فقط قبل يوم واحد، وفقاً لبيانات من مجموعة "بريدجتون ريسرش". وأضافت المجموعة أن مثل هذا التحول الدرامي في المراكز لم نشهدها إلا في حالات حدوث انهيار اقتصادي كبير، كان آخرها انهيار مصرف "سيليكون فالي" في 2023.

مع ذلك، لا تزال بعض المخاطر المتعلقة بالإمدادات قائمة، حيث هددت إدارة ترمب بتطبيق سياسة "الضغط الأقصى" على الدول المنتجة للنفط الخاضعة للعقوبات الأميركية، مثل إيران وفنزويلا. ومن شأن أي تراجع في الأسعار أن يمنح الولايات المتحدة فرصة أكبر لتقييد إنتاج تلك الدول دون التسبب في ارتفاع تضخمي حاد في الأسعار.

يقول موكيش ساهدف، رئيس أسواق السلع العالمية في "ريستاد إنرجي" (Rystad Energy): "مع وجود احتمالات لاضطراب الإمدادات نتيجة العقوبات والرسوم -على كل من البائعين والمشترين- من غير المرجح أن تبقى أسعار النفط دون مستوى 70 دولاراً لفترة طويلة".

مقالات مشابهة

  • تراجع أسعار النفط عالميا.. برنت يصل لـ63 دولارا
  • المملكة ترأس الاجتماع الثالث بالدرعية.. لجنة صندوق النقد تناقش تعزيز استقرار الاقتصاد العالمي
  • حدث في 8ساعات| طرح جديد لشقق الإسكان في هذا الموعد.. وتصريحات معيط عن زيادة قرض صندوق النقد
  • خاص| هل طلبت مصر زيادة قرض صندوق النقد؟ د. محمد معيط يجيب
  • صندوق النقد الدولي: رسوم ترامب خطر كبير على الاقتصاد العالمي
  • أسعار النفط تهبط لأدنى مستوى منذ 4 سنوات بعد صدمة أوبك ورسوم ترمب
  • صندوق النقد يحذر من خطر رسوم ترامب الجمركية على الاقتصاد العالمي
  • أسعار السلع التموينية شهر أبريل 2025 وموعد الصرف
  • استقرار نسبي لأسعار الغذاء العالمية في مارس
  • النقد الدولي: نناشد الولايات المتحدة وشركائها العمل على حل التوترات التجارية