الحرب وتمثيلات خطاب الكراهية
تاريخ النشر: 30th, May 2024 GMT
الحرب وتمثيلات خطاب الكراهية*
محمد جميل أحمد
تُعتبر الحرب الأهلية مناخاً مثالياً لتحفيز خطاب الكراهية وتوظيفه في أهدافها، عبر إساءات تُحَرِّض على العنف أو التمييز أو الاحتقار للأفراد أو الجماعات على أساس العرق أو الدين أو اللون أو القبيلة أو أي خصائص أخرى مُرتبطة بالتهميش أو التمييز المُمنْهَج.
ولا يمكننا اليوم فهم تمثيلات خطاب الكراهية في جحيم هذه الحرب منذ 15 أبريل 2023، بمعزل عن استصحاب سياق عام لتاريخ حرب أهلية، ظلت آثارها تتراكم لأكثر من نصف قرن على حياة مكونات سودانية مُختلفة، في بلد شهد أطول حرب أهلية أفريقية (حرب الجنوب)، سابقاً، ثم شهد سلسلة حروب أهلية توسعت معها رقعة الحرب في مناطق أخرى من السودان؛ نتيجةً للسياسات المُدمِّرة لنظام الإنقاذ منذ انقلابه في العام 1989، وهي سياسات تسبَّبَتْ في فصل الجنوب، وأشعلت حروباً أهلية أخرى في دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة وشرق السودان.
وما نشهده اليوم على وقع هذه الحرب من توظيف لخطاب الكراهية في المجال العام، ووسائط السوشيال ميديا، من خلال أقوال وأفعال وممارسات لصور من القتل والإذلال تُهين كرامة الإنسان؛ أمرٌ ينذر بآثار كارثية أخطر على المجتمع السوداني.
إن خطاب الكراهية بوصفه خطاباً يقوم على نظام إدراك يتوخَّى تخطيطاً مُحكماً عبر شبكة من آليات التحريض على العنف والقتل – في مجالات مُتعدِّدة – هو ما يسهر عليه اليوم الطرفُ الذي يعلن، مراراً وتكراراً، عزمه على الاستمرار في الحرب، رغم الآثار الفادحة للحرب على حياة السودانيين نتيجةً لما ارتكبه طرفاها من قتل ونهب ومجاعات، وتسبَّبَا في نزوح ولجوء غير مسبوقين في العالم بحسب تقارير الأمم المتحدة.
ولا يمكننا اليوم في جحيم هذه الحرب، فصلُ تفاقمِ ظاهرة خطاب الكراهية عن نتائج كثيرة تسببت فيها سياسات حكومات نظام الإنقاذ على مدى ثلاثين عاماً؛ تلك السياسات التي هيَّأت تربةً خصبةً لشيوع ما يمكن أن نسميه بـ”ذهنية الإنقاذ” بين بعض فئات المجتمع السوداني التي تأثرت لسنوات طويلة بالتحريف الأيديولوجي لمفاهيم الإسلام في خطاب الإخوان المسلمين؛ فـ “ذهنية الإنقاذ” ليست بالضرورة أن يكون أصحابها إسلاميين، بل يمكن أن يكونوا مواطنين عاديين تأثروا بدعاية جهاز الدولة العمومي في سياسات التعليم والإعلام والحياة العامة على مدى 30 سنة، وبطريقة تصبح فيها تلك الذهنية أقرب إلى التطرف منها إلى السوية.
هوية خطاب الكراهية وآلياته
ينطلق خطاب الكراهية من منطلقات طائفية أو عنصرية، أو غيرها، ويستخدم لغة تمييزية تحقيريّة تهجّمية تستفزُّ عصبية الآخر – فرداً وجماعةً – بما يجرح أو يُهين فيه معنى رمزياً أو شعوراً جمعياً بطريقة تنتقص كرامته؛ حين تزدري عرقه أو لونه أو قبيلته، أو تنفي عنه الانتماء إلى الوطن أو الدين، عبر التخوين والتكفير.
وسنتناول مفهوماً واحداً – على سبيل المثال – هو في تقديرنا من المفاهيم التي أنتجت خطاب الكراهية، ونقصد بذلك؛ مفهوم “التكفير السياسي” الذي اخترعه الإخوان المسلمون ووظفوه في المجال العام، لتسميم نسيج الجماعة الوطنية السودانية عبر تكفير منسوبي الأحزاب السودانية الأخرى كأحزاب اليسار والأحزاب العلمانية السودانية، بهدف تحريض عامة الشعب على كراهية تلك الأحزاب، وما يترتب على تلك الكراهية المُسيَّسة من إقصاء وتمييز وعنف.
كما يُمكن الاستشهاد بسياسات حكومية أخرى لنظام الإنقاذ، مارست دوراً في تأجيج خطاب الكراهية على مدى ٣٠ سنة، قبل الحرب، مثل تسييس نظام الإدارة الأهلية الذي تجلَّت آثاره الخطيرة في تخريب النسيج الأهلي وضرب السلم المجتمعي مما هيأ – بعد الثورة – لعمليات ما سُمِّي بــ “شد الأطراف”، لا سيما في شرق السودان عبر خطاب للكراهية مورس ضد أحد المكونات الأهلية في الشرق، وما نتج عن ذلك الخطاب من موجات اقتتال أهلي على مدى ثلاثة أعوام.
الهدف الأخير لدعاة الحرب من خطاب الكراهية
وحين تُمارَسُ الكراهيةُ خطاباً في أجندة دعاة الحرب، أي بوصفها منظومةً من الأقوال والأفعال والممارسات التي تستخدم آليات متعددة وتتوخى هدفاً محدداً؛ فإن ذلك الخطاب سينعكس في الحرب من خلال ممارسات مقصودة بتنظيم مرتب وتخطيط محكم (مهما بدت تلك الممارسات عشوائيةً في ظاهرها)، لأن ارتباطها ببعضها عندئذ سيكون ارتباطاً عضوياً لخدمة الهدف الأخير من الحرب.
فالسلوك المشين الذي شاهدناه في عمليات قطع الرؤوس، في أكثر من حالة، وكذلك ما يبثه دعاة الحرب – من الطرفين – عبر وسائط السوشيال ميديا، حين ينعتون الثائرات والثوار ودعاة إيقاف الحرب بصفات انتقاصية ازدرائية تمسُّ اللون، أو الخلقة، أو العرق أو النوع، أو عبر نعوت تصل إلى درك الشتائم؛ كل ذلك لا يأتي عشوائياً في خطاب الكراهية الذي يُروِّجُ له دعاة الاستمرار في الحرب، بل هو سلوك يتم تنظيمه ضمن شبكات توظيف مرتبطة ببعضها البعض، وتستهدف خلق انطباع تحقيري في نفوس دعاة الحرب ضد الخصم المنعوت بتلك الصفات؛ من أجل رفع انفعالات الكراهية إلى أعلى منسوب في نفوس أتباعهم ضد الخصم المنعوت، وعلى نحو يُحرِّضهم لممارسة جميع أنواع العنف ضده.
إن الهدف الأخير لخطاب الكراهية في أجندة دعاة استمرار الحرب (حال خسارتهم الحرب)، هو توريط المجتمع في حرب ينحدر فيها ولاء المكونات السودانية إلى حضيض يضطرهم فقط للدفاع عن وحداتهم الاجتماعية الأولى، كالقبيلة والمنطقة على حساب ولاءهم للوطن، أي الوصول إلى هدف الحرب الأهلية الشاملة (حرب الكل ضد الكل)؛ ذلك هو الهدف الخبيث من خطاب الكراهية في أجندة دعاة الحرب؛ وهو الهدف الذي سيعفيهم من مسؤوليتهم عن إشعال الحرب، ويحقق لهم أحد خيارَيْهم: حكم السودان، أو حرقه.
مواجهة خطاب الكراهية
وفي سبيل قطع الطريق على تحقيق ذلك الهدف الخبيث والمصير الكارثي لخطاب الكراهية في أجندة دعاة استمرار الحرب، ليس هناك من خيار للقوى المدنية والديمقراطية وجميع فئات الشعب السوداني، سوى مواجهة ذلك الخطاب بأقصى طاقة ممكنة للحيلولة دون تحقيق ذلك المصير، عبر:
1 – ترفيع حساسية الوعي العام لدى السودانيين بخطورة الآثار المُدمِّرة لخطاب الكراهية على وحدة نسيج المجتمع السوداني.
2- مقاومة دعاة الحرب والكراهية والعنصرية بجميع الوسائل السلمية الفاعلة، وتبيين الأثر الخطير لاستمرار الحرب على مصائر الناس، ومقاومة كل دعوة تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف.
3- الحرص على عدم إفلات دعاة الكراهية من العقاب على جرائمهم، عبر وحدات للرصد والتقييم، ومراقبة اتجاهات خطاب الكراهية، وجمع التقارير، ولفت انتباه المؤسسات الرئيسية والمجتمع المدني إليها.
4 – تأسيس مراكز بحثية ثورية لدراسة خطاب الكراهية ورصد تمثيلاته وصوره وتحليل نماذجه الظاهرة والخفية في المجتمع والتاريخ السودانيَّيْن.
5- سَنُّ قوانين رادعة تُجرِّم خطاب الكراهية بجميع أشكاله وأنوعه والتحلي بحساسية أخلاقية مفرطة في رصد وتتبع خطاب الكراهية عبر السوشيال ميديا والتعليقات الفكاهية الساخرة في المجال العام.
6- تشجيع حملات التوعية متعددة الثقافات: بالتركيز على المعرفة واحترام تنوع الثقافات والتقاليد.
7 – حظر المنظمات والنشاطات الدعائية المُروِّجة لخطاب الكراهية والتمييز العنصري والتحريض عليه، واعتبار الاشتراك في أيٍّ منها جريمة يعاقب عليها القانون العام.
خاتمة
إن الأثر الخطير لخطاب الكراهية يكمن في كونه نشاطاً دائم الخطورة، ومحفزاً من محفزات التحريض على استدامة الحرب، فإذا كان من الممكن إيقاف الحرب بفاعليات ومؤثرات عديدة خارجية وداخلية؛ فإن إمكانية اشتغال خطاب الكراهية بعد الحرب وفي جميع الأوقات تظلُّ من الأسباب القوية لتجدُّدِ الحرب، ما لم يتم القضاء على مسببات هذا الخطاب من قبل المجتمع عبر معالجات حاسمة.
لقد استفحلت ظاهرة خطاب الكراهية في السودان مع تطورات الأحداث المأساوية للحرب، ما يطرح تساؤلات عديدة حيال تفكيك طبيعة هذه الظاهرة، من قبيل:
1 – أين تكمن جذور خطاب الكراهية في النمط العام لحياة المجتمع السوداني؟
2 – إلى أيِّ مدىً يُمكن للحرب كشف جذور خطاب الكراهية من خلال تمثيلاته الكامنة والظاهرة في العلاقات البينية لمكونات المجتمع؟
3- هل يمكن القول إن الكراهية سلوك طارئ في مجتمعنا السوداني، أم لها خزين مضمر في رؤيتنا لبعضنا البعض كمكونات سودانية مختلفة؟
4- لماذا “يتسامح” المجتمع مع نعوت فكاهية ساخرة حيال بعض مكوناته بما يمسُّ اللون والعرق أو الدين أو القبيلة والجهة؟ وهل يمكن القول إن ذلك “التسامح” يُسهم في توفير أسباب كامنة لخطاب الكراهية؟
5- كيف يمكن تقييم المنسوب العالي لخطاب الكراهية في الحرب بوصفه علامةً على تفكك الوجدان الوطني والقومي للسودانيين؟
6- هل تعود جذور خطاب الكراهية في جزء منها إلى خلل في تكوين الدولة السودانية الحديثة وعلاقات مكوّناتها الاجتماعية؟
7 – هل يمكن اعتبار خلافات الأحزاب البينية المانعة من اصطفافها جميعاً بحد أدنى مشترك للوقوف ضد الحرب وخطاب الكراهية ضرباً من تمثيلات خطاب الكراهية؟
*قدمت هذه الورقة في المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية بأديس أببا – مايو ٢٠٢٤
الوسومحرب السودان مؤتمر تقدم التأسيسي محمد جميل أحمد مناهضة خطاب الكراهيةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: حرب السودان مؤتمر تقدم التأسيسي محمد جميل أحمد مناهضة خطاب الكراهية
إقرأ أيضاً:
مسامرة «موضوعها مصطفى» مع الراحل خطاب حسن أحمد
مسامرة «موضوعها مصطفى» مع الراحل خطاب حسن أحمد
محمد كبسور
محمد كبسوركنت قد دأبت على نوع من النشر الراتب لأغنيات الأستاذ الفنان الراحل مصطفى سيد أحمد على مواقع التواصل الاجتماعي مستفيدا من تقنيات تحويل الكاسيت إلى مواد رقمية وكان من ضمن الباقة المستهدفة بالنشر في تلك الأمسية تسجيل بالعود لأغنية “البت الحديقة” للشاعر الجميل الراحل الأستاذ خطّاب حسن أحمد.
ولاحظت وقتها اختلافاً طفيفاً في بعض مفردات نص الأغنية مقارنة بالتسجيلات الأخرى المعروفة، وجرفني التأمّل حول ذلك الاختلاف وإن كان بفعل مصطفى الموصوف بأنه المتدخّل بالتعديل على كثير من النصوص التي يغنيها..!
وكما جرت عادة النشر على تلك المواقع، عملت “تاق” لمجموعة من الأصدقاء وكان من بينهم الشاعر خطاب حسن احمد.
وكتب خطاب تعليقاً لطيفاً أسفل البوست اكد فيه أنها المرة الأولى التي يستمع فيها لهذا التسجيل ووصفه بـ”النادر فعلا”. وتمنيت وقتها لو أن خطاّب تطرق لمسألة الاختلاف في مفردات النص تلك وعبرت عن هذا في تعليق اسفل مداخلته، إلا ان خطاب لم يظهر مجددا.
وفي وقت متأخر من ليل ذات اليوم فاجأني خطاب باتصال عبر الماسنجر ابتدره بالسلام وبالتأكيد على انه متابع جيد لكل ما يُنشَر عن مصطفى سيد أحمد وتجربته.
وبدا واضحاً ان خطّاب قد قرر في تلك الليلة 4 يونيو 2020م أن يخصني بمسامرة لطيفة موضوعها مصطفى.
تحدث خطّاب عن تجربة مصطفى سيد احمد بشكل عام. وعن اثرها الاجتماعي والسياسي. وتحدث عن ثورة ديسمبر 2018 وعن اعتصام الثوار بمقر القيادة العامة للجيش السوداني كأحد أهم الأحداث في تاريخ السودان وكأحد اهم المعالم في مسيرة نضال شعبه.
وأكّد على أن مصطفى سيد أحمد كان هو الفنان الوحيد الذي خُصِّصَت له خيمة في ساحة هذا الحدث الاستثنائي. واوضح خطاب ان هذا ليس غريباً أبداً، بل اتساقاً مع واقع ان مصطفى وعبر فنه قد بشّر باكراً بالثورة، كما انحاز بمجمل غنائه لهموم الوطن وشعبه.
وربط خطّاب ألحان مصطفى بالدراما، وقال إن مصطفى اشتغل في مشاريعه اللحنية على نوع من التجسيد الدرامي للقصيدة المُغنّاة، فالنص عند مصطفى وعن طريق اللحن يتحوّل لمجموعة من المشاهد الدرامية المتتالية على امتداد الأغنية. وقال ان مصطفى استفاد من التجارب التي كانت له مع المسرح، فطوّع صوته بالامكانيات الضخمة التي فيه، وطوّع خياله بالجموح الذي شهدناه عبر ألحانه، مُحلّقاً نحو أُطر موسيقية درامية عالية الجمال من خلال أغنياته.
وتحدث خطاب عن ان مصطفى وأثناء فترة دراسته في معهد الموسيقى والمسرح قد صادق نفر مميز من طلاب المسرح من أمثال يحيى فضل الله وقاسم ابو زيد وغيرهم. فنشأت علاقات قوية بينه وبينهم وانتِجت اعمال غنائية ومسرحية ذات قيمة فنية عالية.
بداية التعاون مع مصطفى
ويتحدث خطاب عن ان بداية تعاونه مع مصطفى سيد احمد كان عبر أغنية “جلبت ليك من بلاد الله البعيدة”.
وحكى خطاب انه وبُعيد مطلع الثمانينات زاره زميله الشاعر والمسرحي يحيى فضل الله وتحدث معه عن ان مصطفى “فنان كويس ومجتهد وبغني غنا جميل.. اديو غُنا ياخ.. نحنا كلنا اديناو”. واسترسل خطاب أنه وبتشجيع وتحريض يحيى اخذ ورقة مكتوب عليها النص وذهب بها إلى مصطفى.
ويرصد خطاب تطاول الفترة الزمنية من ذلك الحدث من دون أن تظهر الأغنية للناس..!!
ويسترسل: ثم تصادف ان اشتركنا، انا وعدد من الزملاء المسرحيين في احد العروض في مدينة ود مدني في منتصف الثمانينات. وكان الراحل مصطفى من ضمن المشاركين في العرض حيث انه كان يفضل ان يكون موجودا بنفسه في الأجزاء الغنائية التي تتخلل العرض المسرحي.
ويواصل خطاب: “في الاستراحة وبعد واحدة من البروفات ناداني مصطفى وكان شايل عودو في يدو وقال لي:
انا عايز اقول ليك حاجه يا خطاب لكن خايفك تزعل مني.. عايزك توعدني انك ما تزعل”.
يقول خطاب “قلت ليو: قول.. ما بزعل. قال لي: الورقة الفيها النص الشلتو منك.. ضاعت.. وعايزك تكتب لي النص تاني”.
ويقول خطاب انه اعاد كتابة النص لمصطفى الذي ابتسم بعد استلم الورقة. وطبّقها على شكل رفيع عجيب ثم ادخلها في تجويف ما بين ثنايا العود..!
ويواصل خطاب: “تاني يوم ناداني وقال لي: اقعد.. اسمع. وبدأ يعزف على عوده مقدمة موسيقية قصيرة.. بعدها دخل في “جلبت ليك.. من بلاد الله البعيدة”.. الخ.
وهنا سكت خطاب طويلا وكأنه يسترجع تفاصيل تلك اللحظة. فانتهزت الفرصة لأسأله حول اغنية “البت الحديقة” وحول ذلك الاختلاف الذي ظهر في التسجيل في بعض مفردات النص..!!
وأوضح خطًاب أنه في الأصل لم يعط نص أغنية “البت الحديقة” لمصطفى..!!
واضاف سريعا وكأنه توقع دهشتي، انه كان من المفترض ان يكون الاستاذ يوسف الموصلي هو ملحّن ومؤدي الأغنية. ولكن ووفقاً لحديث الموصلي مع خطاب، فإن مصطفى قد اخذ القصيدة بمعيّة قصائد اخرى في الفترة التي تجاور فيها مصطفى والموصلي في السكن في مصر في بداية التسعينات.
وتحدث خطّاب عن ان مجموعة من الأصدقاء حوله كانت لهم تحفظات على ألحان وأداء مصطفى سيد احمد. وكان رأيهم ان نص “البت الحديقة” ما كان يجب ان يذهب لمصطفى أبداً..!
وهنا لم استطع ان امنع نفسي من مقاطعة خطاب وسؤاله عن رأيه وانطباعاته حول لحن أغنية “البت الحديقة” خصوصاً وأن مصطفى قد صمّم لحناً قصيراً من دون تطويل في المقطوعات الموسيقية واللزمات ومستصحبين أيضاً تحفظات أصدقاء خطاب حول مصطفى وألحانه..!
واجاب خطاب بأن مصطفى ومن خلال اللحن الذي اختاره قد حافظ على ثورية النص. واضاف بأنه لا مجال للشك في أن مصطفى قد نجح جداً في ايصال اغنية “البت الحديقة” للناس . فلم تعد “البت الحديقة” قصيدة للشاعر خطاب، بل اصبحت وبفضل مصطفى ملك لكل الشعب السوداني.
وقال إنه أينما ذهب وجد البت الحديقة وتحدث ان اسمه كشاعر في المنابر اصبح مرتبطا بها.
وضرب مثلاً بأن الشاعر هاشم صديق وعلى الرغم من الكم الهائل لقصائده إلا أن نص “حاجة فيك” الذي تغنى به مصطفى يظل معلماً بارزاّ بسبب اللحن الذي اختاره لها.
وحول الاختلاف في النص الموجود في التسجيل المذكور في بداية هذا المقال مقارنة بالتسجيلات الأخرى، تحديداً مفردتي “شديدة” و”شارحة” والتي استخدمها مصطفى في:
(آملة مزدهرة و”شديدة”)
و..
(“شارحة” للناس الطريقة وللعصافير الجهات)..!
تحدّث خطاب عن ان مصطفى تدخل بشكل محدود في النص واستبدل مفردتي “شديدة” و”شارحة” بمفردتي “جديدة” و”واصفة” على التوالي.
وتحدث خطّاب عن انحيازه للمفردة الشبابية الجديدة، وكيف أن مفردة “شديدة” تنتمي وبشدة لهذا الانحياز.
“ضاحكة منتصرة وعنيدة.. آملة مزدهرة وشديدة”.
وأضاف انه وعلى الرغم من هذا الانحياز إلا أن مفردة “جديدة” التي استخدمها مصطفى كانت أكثر انتماءً لمضمون النص. وهو ما شجع خطاب على عدم الاعتراض.
ويقول خطاب بأنه راضٍ تماما عن التغيير الذي احدثه مصطفى في النص.
وتحدث خطاب عن انه سبق ان تعاون مع فنانين آخرين مثل الأستاذ ابو عركي البخيت الذي تغنى بقصيدتي “خطوط التماس” و”صاحبة في الزمن الصعب”. والفنان الهادي الجبل الذي تغنى بأغنية “يا زهرة” وبأغنية “اسباب العسل”. والفنانة ياسمين ابراهيم في اغنية “وأنا لافي في شارع مافي” من ألحان يوسف الموصلي، وغيرهم من الفنانين والأغنيات.
وربما لاستشعار خطّاب بتقاصر العمر تمنّى عبر تلك المسامرة ان يكون هناك تسريع لاخراج تلك الأعمال التي لا تزال قيد التلحين.
تمنيت ألا تنتهي تلك المسامرة أبداً. كما تمنيت لو تكررت مرات ومرات تحت عناوين وموضوعات أخرى، خصوصاً وأن خطاب رجل مثقف ومبدع متعدد في مواهبه وله طريقة مميزة في السرد وله منظوره الخاص في التعاطي مع الموضوعات.
ولم يمهلنا القدر إذ رحل الشاعر خطاب حسن أحمد مساء السبت 16 أكتوبر 2021م مخلفاً وراءه سيرة عطرة وإرثاً نوعياّ من الأعمال الشعرية والمسرحية، فخطّاب من أبرز الشعراء الذين عرفتهم الساحة الأدبية والمسرحية والإذاعية في عقد الثمانينات والتسعينات، غرّد داخل الوطن وغرد في المنافي التي تفرضها المواقف.
لخطّاب الرحمة والمغفرة ولأهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.
الوسوماعتصام القيادة العامة للقوات المسلحة البت الحديقة الثورة السودان خطاب حسن أحمد محمد كبسور هاشم صديق يحيى فضل الله يوسف الموصلي