{الألق الذي لا يأفل}.. مسرحية الخير والشر
تاريخ النشر: 30th, May 2024 GMT
آخر تحديث: 30 ماي 2024 - 12:12 مد. علاء كريم المسرح فضاء يلامس خيال وفكر المتلقي، ويجعله يتصور واقعاً قد مر عليه سابقاً لكن بشكل فني جديد، كما يحمل الفنان المسرحي بعض التصورات لمضمون الأسلوب الإبداعي الذي يطمح للوصول اليه، كما يلجأ الفنان عبر المسرح إلى عملية البناء الدرامي، وكشف ما ينطق به النص المسرحي ومن ثم العرض، وذلك وفق فلسفة جمالية مستوحاة من سيرة شخصيات لهم تأثيرهم الكبير في الحياة الثقافية والأدبية وأيضا الفنية.
ويحاكي النص الذي يتقارب مع مفهوم مسرحية السيرة شخصيات متعددة، الغرض منها استعادة حدثٍ ما، فضلاً عن أنه يحمل صراعاً بين الإنسان وبيئته، وآخر بين الإنسان وهمومه الاجتماعية والسياسية وسعيه الدؤوب نحو العدالة ومحاولته لتغليب الخير على الشر نحو درجات متعالية الهدف وذات مغزى موضوعي مهم. وفي هذا الإطار يمكن لنا أن نأخذ انموذجا لنص “الألق الذي لا يأفل” للكاتب سعد يونس، تحدث النص عن تأسيس اتحاد الأدباء وسيرة بعض الشخصيات التي شكلت أول هيئة في الإتحاد، كما استعرض الصراع الذي بقي قائم لأجل الوقوف في طريق كل من يجتهد لصناعة الوعي الفكري والثقافي، حيث تم وصف الأحداث والحوار ليتطابق مع سيرة الشخصيات التي قدمت، وهي شخصية الشاعر محمد مهدي الجواهري والتي قدمها د. ستار الصيفي، وأيضا شخصية الفنان يوسف العاني قدمها الممثل أمير الحداد، وهناك شخصيات مهمة حاول المؤلف بوساطتها أن يبين سيرة “المرتزقة” الذين يحاولون قطع الطريق على كل من يحاول أن يصل عبر هذا المكان اتحاد الأدباء إلى البعد الإنساني والمعرفي وايضا الجمالي، جسد هذه الشخصيات، الفنانان “أحمد الطيب، شهاب النجار”، وأيضا كانت هناك أدوار شبابية قدمها الشابان “عبد الله أحمد، مؤتمن داود”، إذ حاول المؤلف توظيف هذه الشخصيات الساندة لأدوار المرتزقة، بيان فكرة تعدد الأجيال والتي هي الغالبة في أحيان كثيرة، ويمكن بوساطتها الهيمنة على منافذ صناعة الوعي ومحاولة تهديم كل فكرة تلامس ثقافة وفكر المجتمع بنحو عام. أرى بأن هكذا نصوص تنزاح لمسرحية السيرة، وهذا ما يؤكده بعض النقاد والاساتذة على أن هذه السيرة لا تمثل الذاتية، لأنها استندت على نصوص شعراء من أمثال الجواهري ولميعة عباس عمارة في هذا النص. وكما يؤكد الاستاذ سامي عبد الحميد في إحدى مقالاته، بأن هناك فرقاً بين “مسرحية السيرة” ومسرحية “السيرة الذاتية”، فالأولى يكتبها كاتب بعيد عن صاحب السيرة، أما الثانية فيكتبها صاحب السيرة نفسه، ومسرحية السيرة الذاتية قد لا تتقيد بحوادث بعينها مرت بحياة الشخصية الرئيسية.بالتالي، أعتقد أن تلك المسرحيات ليست من صنع خيال مؤلفيها، بل هي نتاج وقائع تاريخية وقد جمعها المؤلفون من معلومات أخذوها من المقربين لهذه الشخصيات. وعلى ضوء ممكنات هذا النص حاول المخرج د. عبد الكريم سلمان توظيف الرؤية الإخراجية لهذا العمل المسرحي، والذي رسم بوساطته ملامح البيئة التي عمل عليها، وأكد من خلالها على ضرورة قراءة واقع الأديب العراقي وما يمتلكه من أبعاد اجتماعية ونفسية، وايضا بيان الأفعال المستترة في دائرة هذا المكان قاعة الجواهري، الذي أضاف للعمل المسرحي عبر مساحته شعورا مختلفا، وذلك لما تمتلكه هذه القاعة من بعد تاريخي، إذ جمع هذا المكان العديد من الاسماء المهمة والمؤثرة في تاريخ الشعر والسرد بأنواعه، وايضا النقد والمسرح وبقية العلوم الأخرى، والتي بقيت تتنفس دائرتها المكانية ليومنا هذا. أدخل المخرج صندوقا على شكل “تابوت” مغطى، وقربهما شابان يتوسلان به، استيقظا.. ارجوكما. والدلالة هنا بيان فكرة مصادرة الصوت الأدبي الفني الحر من قبل الجهل والتخلف. بعدها تتم محاولة فتح غطاء الصندوق لأكثر من مرة، ليأتي صوت من بعيد لا تفعل.. حتى يدخل الجواهري بهندامه المعروف وقبعته التي ترمز إلى شخصيته المتفردة بالألق، وايضا دخول شخصية يوسف العاني بكوفيته حتى يصلا إلى الجمهور، ويكون هناك صراع بينهما وبين المرتزقة. ليؤكد العاني بعدها على أن مكان الدفن اللائق لكل هؤلاء المرتزقة هو المسرح، يرفع الصندوق وتسقط منه أوراق وأقلام، كل ورقة تحمل معنى، وفي هذه اللحظة يقوم العاني برفع الغطاء، ليرى بأن هناك مكتوبا “الأدب والثقافة” وعليهما خط أسود دلالة على الموت. هنا يدخل الجواهري.. سنحطم ذلك التابوت! سنحطم القيود. ليظهر تاج مكتوب عليه “الثقافة والأدب”، ويؤكد أيضا الجواهري على أن اتحاد الأدباء تأسس ليكون مكانا يليق بكل العقول التي تفكر بالخلق الجمالي، وايضا هو المنبر الحر للكلمة التي يمكن لها أن تبين المكانة المتعالية للإنسان الذي يسعى نحو الأمل والإبداع، فضلاً عن رسم مستقبل يليق بهذا التاريخ، واسماء عديدة مرت من هنا، لأن هذه الأسماء هي “الألق الذي لا يأفل”. العرض المسرحي “الألق الذي لا يأفل” دراماتورج د. علاء كريم، قدم في يوم الأديب العراقي والذكرى 56 لتأسيس الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق “7 أيار 2024”. كما قام اتحاد الأدباء بالأشراف على هذا العمل وتغطية بعض التفاصيل والجزئيات التي تخص تجهيز الصوت وسينوغرافيا العرض، وعليه، يعد هذا العرض المسرحي باكورة أعمال قادمة في الاتحاد بمتابعة وتنفيذ بيت المسرح في إتحاد الأدباء.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: اتحاد الأدباء
إقرأ أيضاً:
مسرحية فريجيدير.. جدلية الذاكرة والنسيان
عمّان "العُمانية": تطرح مسرحية "فريجيدير" جدليات على غرار الحضور والغياب، والوجود والعدم، والذاكرة والنسيان، بأسلوب تجريبي يلقي الضوء على هواجس الإنسان المعاصر والقضايا التي تؤرّقه.
اقتُبست أحداث المسرحية التي أخرجها الحاكم مسعود عن نص "زمن اليباب" لهزاع البراري، وهي تدور ضمن فضاء رمزي، حيث تُطرح على الدوام تساؤلات وجودية على غرار: "هل نحن أحياء نؤجل موتنا في ثلاجة، أم موتى نرفض أن نُدفَن؟"، ممهدًا بذلك إلى سلسلة من المشاهد واللوحات الأدائية التي تجسد صراع الإنسان مع نفسه ومع مرور الزمن.
وتدور حكاية المسرحية التي قدمتها فرقة "أرتوحاك" على مسرح هاني صنوبر بالمركز الثقافي الملكي، حول جثة صامتة تُحاكم ذاتها، كما لو أن ما يحدث محاكاة لمرآة مجمّدة تعكس صراعًا داخليًا بين التذكّر الموجع والإنكار، أو بين النظام والفوضى، أو بين الصمت كقيد والكلمة كخلاص.
ويجسد دورَ هذه الجثة رجل ذو ذاكرة مهشمة تتراكم الجثث في داخلها، في إشارة رمزية إلى الأفكار المنسية والأحزان المؤجلة والأحلام المجهضة، وقد عبّر الأداء المتقن للفنان غنام غنام عن الرمز البصري الذي يكشف مدى الألم المكتوم عبر التحرك في فضاء نفسي مكثف يهجس بأسئلة الحياة والموت.
وبموازاة ما اعتمده غنام من أداء تعبيري ومن حركات تعكس التوتر النفسي والانعزال الداخلي للشخصية، قدم بقية الممثلين أدوارًا محورية هم الآخرون، حيث جسدت دلال فياض شخصية الذاكرة المؤلمة التي تظهر في مشاهد متقطعة تمثل ذكريات الماضي المؤجلة والمهملة، واستخدمت الفنانة الإيماءات والتغييرات الحركية لتعكس التناقض بين الحنين والألم، بينما اضطلعت الممثلة رزان الكردي بدور الصوت الداخلي للشخصية الرئيسية، وواصلت التنقل فوق الخشبة لتُبرز التفكير الذاتي والتحليل النفسي.
وكذلك الحال بالنسبة للفنانة فداء أبو حماد، التي قدمت دور القيود المجتمعية، حيث ظهرت كشخصية تنظم الفوضى وتواجه انهيار الذات، وتناغمت حركاتها الهندسية مع التصميم السينمائي لخشبة المسرح، أما الفنان حسام حازم فقدم دور العاطفة المكبوتة والصراع الداخلي للشخصية المركزية، معتمدًا على حركات تُظهر التباين بين الركود والانفجار العاطفي، وقدم محمد مغاريز دور صوت المجتمع، الذي ظهر بين الحين والآخر لتعزيز فكرة الاغتراب والشعور بالفقد، فيما لعب الفنان حمزة سبيتان دور الضمير المكبوت مجسدًا الأبعاد النفسية الخفية للشخصية الرئيسة، واتسم أداء الطفلة شهد رمزي بالمهارة في تقديم دور يمثل البراءة المفقودة والذاكرة الطفولية.
ونهضت السينوغرافيا التي صممها محمد المراشدة ورمزي بندورة بفكرة العمل؛ حيث تداخلت العناصر البصرية والسمعية لتشكيل فضاء تعبيري يعكس مضمون العرض ورؤيته الفنية، إذ تم تصميم الفضاء المسرحي ليعكس حالة الاغتراب والتمزق النفسي الذي يعيشه الأفراد، وعبّرت الألوان والإضاءة والتشكيلات الهندسية عن الصراع الداخلي للشخصيات، لتبدو الخشبة مسرحًا للذاكرة والوجع والإنكار.