“لم يعد ساخطاً”… مجموعة جديدة للشاعر وليد حسين
تاريخ النشر: 30th, May 2024 GMT
دمشق سانا
“لم يعد ساخطاً “… مجموعة جديدة للشاعر وليد حسين اقتصرت على شعر الشطرين والالتزام بالروي والقافية واللغة والمواضيع الإنسانية والعاطفية والوجدانية بأسلوب سهل ممتنع.
وفي قصيدة “لم يعد ساخطاً” التي جاءت عنواناً للكتاب انتقى الشاعر حسين حرف الهاء المطلق ليكون رويا للقصيدة التي جاءت على تفعيلات البحر البسيط، بغية السعي لتكوين نص متناسق في مكوناته فقال: في غياب الندى تلظت رؤاها خطوة تكبو في خضم مناها أيها الداني من سطوع المرايا كيف تسلو .
على حين جاءت قصيدة أنشودة الحرب، لتذكر الفجر أن يطلع دائماً على أغنية الشهيد الذي ضحى من أجل أن يبقى وطنه ومن أجل عزة وكرامة أهله فقال: متى يعيد الفجر .. ؟ .. أغنية الشهيد.
ويرمم الجرح الذي لا ينتهي .. كم كان يشعرنا الفداء .. بلذة الموت السعيد.
كما دعا الشاعر حسين إلى عدم الاكتراث إلا بما هو حق بأسلوب حماسي رشيق فيرفض الغيظ والحقد على تفعيلات البحر الكامل فقال: هم بعض أصداء فما بك تخشى وقع السنين كما البوارق عطشى يتذرعون ولن يوازي غيظهم إلا السيوف كأن حولك جيشاً.
ويعبر الشاعر عن الحالات العاطفية بأسلوب عفيف وتأخذه العاطفة إلى نسج نصه الشعري استجابة لموهبة حقيقية فيقول: حل الغياب وكم أضناه من فقداً كأن صاعقة قد أحرقت كبداً.
وفي المجموعة مواضيع مختلفة ظهرت من خلالها مركزات الموهبة والإحساس والموسيقا، ويذكر أن المؤلف عضو اتحاد الكتاب العرب في سورية وعضو اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، ومن مؤلفاته ظلي هناك وأنا لا أرى قبحي وصدى لزمن الغربة ووصلت كتبه إلى 22 كتاباً نشرت في مختلف الدول العربية.
والإصدار الجديد “لم يعد ساخطاً” من منشورات دار العرب في دمشق ودار الصحيفة العربية في بغداد.
محمد خالد الخضر
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
إقرأ أيضاً:
حضور الشخصية التاريخية في مجموعة «أما آن لهذا الفارس أن يترجّل» لأحمد الدرمكي
تُعدّ العودة إلى التاريخ وتوظيف أشكاله المختلفة فـي الكتابة الأدبية الحديثة شكلًا من أشكال التجديد الكتابي لتقديم النص فـي صورة فنية يشتغل الكاتب من خلالها على استحضار مضمرات التاريخ والكتابة عنه وعن شخصياته فـي صورة تتقاطع مع حوادث الماضي.
ولعلنا نجد هذا الشكل من الكتابة الشعرية عند عدد من شعراء العصر الحديث فـي الوطن العربي؛ فقد اشتغل غير واحد من الشعراء على ثيمات التاريخ وموضوعاته وحوادثه وشخصياته مقدمين صورة شعرية تتقاطع مع الماضي وعن التاريخ وشخصياته فـي هيئة استعادة تتناول جوانب مختلفة فـي قراءة التاريخ وإعادة تشكيله شعرًا.
فـي المقال الأخير فـي هذه الصفحة كتبتُ عن استحضار التاريخ عند الشاعر عبدالله حمد سعيد فـي قصيدته (صهيل فرس حروري) التي تعود بنا إلى فترة تاريخية من التاريخ العربي والإسلامي مقدمة شخصية تاريخية مرتبطة بحادثة تاريخية كان لها الأثر فـي تشكيل النص الشعري عند الشاعر.
اليوم فـي هذا المقال أتناول شاعرًا عمانيًا آخر عاد بنا إلى التاريخ مقدمًا إياه فـي صورة نص شعري، وهو الشاعر أحمد الدرمكي فـي مجموعته الشعرية الوحيدة (أما آن لهذا الفارس أن يترجل) الصادرة عن دار الانتشار العربي عام 2006م، والتي يمكن العودة إليها لقراءة نصوص تشتغل على هذا الجانب مثل نصوص: (أما آن لهذا الفارس أن يترجل) و(وقالت غرناطة حين بكى)، و(وقال امرؤ القيس ذات صحو) للتعرف على جوانب التاريخ المختلفة فـيها. يشتغل أحمد الدرمكي على التاريخ فـي النصوص الثلاثة السابقة مقدّمًا شخصيات التاريخ فـي هيئة مساءلة وتبرير، يستعيد شخصيات التاريخ بانيًا نصه الشعري من الحوادث التي تشكّلت عليها الشخصية. فـي نص (أما آن لهذا الفارس أن يترجل) يستحضر شخصيتي عبدالله بن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر فـي حادثة قتل الحجاج لابن الزبير وصلبه أمام الكعبة. فـيما تلعب مقولة أسماء الشهيرة: «أما آن لهذا الفارس أن يترجل» دورًا محوريًا فـي النص كونها عتبة مهمة فـي الكشف عن دلالات النص الشعري ومضمونه؛ إذ إنّ الشاعر قد لجأ إلى تكثيف الدلالات دون أن يكشف شيئًا من ملامح النص، لكنّ المقولة السابقة/ عنوان النص كشف هذه الدلالات وأبان عن الفكرة الرئيسة التي ينطلق منها الشاعر فـي نصه. يوجّه الشاعر خطابه لشخصية أسماء واصفًا لها لحظة صلب ابنها، وكأنه يوجه خطابه إلى التاريخ نفسه، مستعيدًا إياه فـي واقعنا الذي نعيشه، فـيخاطب الشاعر شخصية أسماء قائلًا:
تمرّين كالنساكِ قاب حكايةٍ
من الجوهر المسفوح ذات ترهّلِ
هيولية الأنحاء تكتم صدرَهُ
وعيناكِ تُعطيه فضاءَ التأملِ
تخطّينَ وَشمًا فـي الهواء، ووُجْهَةً
تسوق عُروجًا مأتميًا لمُقْبِلِ
وتُحصين من يبقى إلى الفجر واقفًا
لقاء دم يرفو جبينَ التَّوَسُّلِ
لم يكن الوصف هنا إلا مقدمة لربط الشخصية/ أسماء بشخصية ابنها فـي لحظة تقف فـيه الشخصية الأم على لحظة الوجع والانكسار على المشهد الحاصل. هنا تشتغل اللغة فـي انكسارها واصفة اللحظة المليئة بالحزن والموت، وهنا تتعاضد اللغة والوصف فـي تقديم الشخصية الزبيرية لحظة الصلب الذي تبصره الأم:
سماؤكِ حزنٌ، والغيوم ببابها
تكابد طين الغيب وجهًا لجدولِ
وتخفق يا ذات التقى إن تهاطلت
شموعًا ستكسو الصخر ثوبَ التَّبَتِّلِ
على ضفة الوادي السحيق تركتِه
خطيبًا سيلقي دمعةً لم تُرَتلِ
صغيرًا، ولا نبعٌ يُرَبِّتُ ذُعْرَهُ
فـيا ويحه بالعمر لم يَتَبَلَّلِ
هنالك كان الموت ينحت بالصدى
قميصًا وذئبًا بالبراءة ممتلي
ولحظة تبرير الثورة والقيادة:
أكان له أن يمنح الحلم ذاته
ويصبغ شطآن الهجير بمعولِ؟
يُمَنّي جبالًا فـي سماوات خصبها
تموت عجافًا كالندى حين يصطلي
ويحرث أرضًا كُلَّمَا قامَ غَرسُهَا
قيامًا بكائيًا
يعود فـينجلي!!
هذه الاستعادة الحزينة تلتها استعادة تاريخية أخرى أكثر حزنًا وخسارة فـي التاريخ لحظة سقوط غرناطة، وهنا يستعيد الشاعر شخصية أبي عبدالله الصغير حاكم غرناطة وشخصية أمه عائشة. يوجه الخطاب فـي النص على لسان عائشة والدة أبي عبدالله الصغير وهي تلومه وتعاتبه. إنّ حضور الشخصيتين (الأم والابن) هنا استعادة تاريخية بعد السقوط التاريخي الذي جاء فـي النص على لسان الأم:
عاشوا ثمانيةً برغم شتاتهم *** وبُعثتَ أنت لهم لكي يتبددوا
وكأنّ أبا عبدالله كان هو السبب الرئيس فـي انتهاء مجد المسلمين فـي بلاد الأندلس، فـيأتي العتاب فـي النص محملًا بدلالات فقد المكان والتاريخ والهُوية:
أَنَّى تُشظّيك الجهات؟ أيا تُرى
ستُحيلُ صمتَكَ غابةً وستصمدُ؟
اذرفْ.. فما عيناك إلا قِصَّةٌ
يحنو عليها الفجر ثم يُبدِّدُ
وجّه حصانك فـي سديم هارب
وأقم صلاتك فالرمال ستوقدُ
قل لي بأنك مُرغَمٌ، هَرِمُ الخطى
وبأن وحيكَ لم يعُدْ يَتَجَسَّدُ
قل لي هلامي وقوفُكَ مَرَّةً
فـي عُدوةِ السَّفَرِ المُشِتّ، مُوحَدُ
قل لي بأنك «مُذنبٌ ومبرأ»
واسكت سيكتبنا الغياب ويُنشِدُ
الملاحظ فـي النصين السابقين استعادة شخصيتي الأم مقابل شخصية الابن، ومعهما تظهر صورة الأم فـي مخاطبة الابن موجهة رسالة تاريخية فـي إزاء الحدث التاريخي؛ فأسماء بنت أبي بكر تواجه الهزيمة والقتل الصلب، فتشد من عزيمة ابنها المصلوب وترفع من قدره التاريخي، وعائشة أيضًا تقدّم رسالة تاريخية إلى ابنها لحظة الانكسار والهزيمة والسقوط محاولة تذكيره بالماضي والتاريخ قبل السقوط.
لكننا فـي النص الثالث (وقال امرؤ القيس ذات صحو) نرى ظهور شخصية الابن مقابل شخصية الأب فـي استعادة تاريخية لحادثة مقتل بني أسد لوالد امرئ القيس الذي قرّر أخذ ثأر أبيه قائلًا «اليوم خمر وغدًا أمر».
يبدأ النص افتتاحيته بالحديث على لسان امرئ القيس، وهنا تظهر صورة امرئ القيس الثائرة الممزقة فـي استعادة المُلْك الضائع، واصفًا تلك اللحظات بقوله:
أصوغ تشرُّدي عِنبًا
وأعصره على جرحي..
لأنسى تربة الصبوات فـي مهدي
لعلّي حينما أغزو يقين الذات
أعلم أنَّ هذا اليوم
لن يحنو لأمر غدي...
وجاءتني سوافـي الغيب
تجلبني
كملتفٍ بأكفان على قلقي
كأنّ الوهم
حين يضمد العينين يعشقها
يُسرمِدُها مُلفَعَةً
بأشلاء الندى المذبوح
قربانًا
يُكَفِّرُ سكتة الماضين فـي يأس
على أيقونة الغرق...
سَأَسْلُو...
ريثما يقفون
كي تدنو إلى الوادي
أحاديث الصباح الكهل
تَعْرُو المرجل المنصوب فـي جَلَدِي
نهاياتٌ لحزن الرمل..
يشير المقطع السابق إلى لحظة التمزق الداخلي الذي تعيشه الشخصية نظير فقدان المُلك، ومقتل المَلِك/ الأب؛ لتعيش الشخصية حالة تشرد ومزيدًا من الجراح والقلق والوهم لا يمكن أن يبرأ إلا بأخذ الثأر:
وأبقى فـي امتداد الصحو
تجلدني بما جاءت به الريحُ
أعالج صوتها المبحوح فـي ألم..
«تمدّدَ فـي الدم القاني..
غريبًا
بين من ذهبوا بلا غدرِ
أسيفًا
حين يأوي الجذع للأغصانِ
ملتمسًا سماء العمرِ
بين الحقد والقدر»
وهنا يُعيد الشاعر بناء الشخصية المتمزقة بين الطالب لثأر أبيه وبين الشاعر مازجًا بين الثأر وبين لحظة الشعر والوقوف على الأطلال، فامرؤ القيس الشاعر هو الثائر، وللدلالات كلها بزوغ فـي النص الشعري وهما مقترنتان ببعضها أعادهما الشاعر فـي مقاطع مختلفة فـي النص:
إذًا... أمرُ!!
فلا تقفا فلن نبكي
أتدمع أعين الموتور
كي ينسى؟؟
أيغدو ما يُكن القلب
أمواهاً تراق على عذارى البيد
كي تمتصها الشمسُ....
هناك يكون....
-من يدري؟؟-
سرابٌ يحتوي صدقي
ويكتبني
حكاية مفرغٍ بالوهم
عاد لرمز رحلته
ليسكن وثبة أخرى
ويحوي ظله المسفوح من أمد
فمن يدري؟؟
أأصحو مرة أخرى
سليل الحزن فـي خلدي
أأصحو خيمة تبكي
مقوضة
بلا وتد!!!
إذن للشخصية دورٌ مهمٌ فـي استكمال حاجات التاريخ وأحداثه عند الشاعر، فنجده مهتمًا بها يصفها ويصنع منها ذاكرة قديمة ومرجعية نصية يبني الدلالات من خلالها، وهنا يظهر تعاضد النص الشعري مع التاريخ فـي تشكلاته الأدبية.