الصين..داخل الحديقة الساحرة التي أصبحت المقر السري للسلطة
تاريخ النشر: 30th, May 2024 GMT
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- تطل تلة "بروسبكت هيل"، المعروفة بـ"جينغشان" فوق المركز الإمبراطوري للعاصمة الصينية، بكين. ومن معبدٍ في قمته المتواضعة، تتجلّى إطلالة بانورامية للمدينة.
في الجنوب، تمتد الأسطح الذهبية الباهتة للمدينة المحرمة، بينما تقف ناطحات السحاب في المنطقة التجارية بالمدينة شرقًا.
وفي الشمال، يقع برجا الجرس والطبل، وكانا ذات يوم بمثابة ساعة جماعية للمدينة.
على طول المحيط الغربي، تمتد مياه البحيرات الاصطناعية الهادئة التي تُحيط بها الأشجار، والتي حُفِرت يدويًا من أجل متعة الأباطرة السابقين.
ولا يرغب القادة الصينيون اليوم أن يرى الأشخاص هذا المنظر الجوي والمباني المحيطة بمجمع "تشونغنانهاي"، وذلك لأن الموقع الذي تبلغ مساحته 1500 فدان (أكثر من 6 ملايين متر مربع) من الأجنحة، والمعابد الإمبراطورية المُعاد استخدامها، إلى جانب المكاتب الرمادية الحديثة، شكل المركز القيادي للحزب الشيوعي الصيني الحاكم منذ عام 1950.
وباعتباره مقرًا للسلطة، غالبًا ما يُنظر إلى مجمع "تشونغنانهاي" على أنّه النظير الصيني للبيت الأبيض، أو الكرملين.
والمجمع، وهو مرادف لنخبة الحزب الشيوعي الصيني، ومن بين أكثر الأماكن سرية في البلاد، محاط بجدار أحمر يعود لقرون من الزمن، ويتضمن عدد لا يُحصى من كاميرات المراقبة، وتحرسه قوات أمنية يرتدي أفرادها ملابس مدنية أو زي رسمي.
ملاذ هادئبالنسبة لأسلاف الزعيم الصيني، شي جين بينغ، من الأباطرة، أدّى الموقع وظيفة مختلفة إلى حدٍ ما.
وبينما كان أباطرة سلالتي "مينغ" و"تشينغ" يحكمون مملكتهم الشاسعة من داخل المدينة المحرمة، إلا أنّهم بنوا معابد، وقاعات، ومساحات معيشة في "تشونغنانهاي" كانت أكثر بساطة من تلك الموجودة في القصر.
وغالبًا ما كان هدف هذه المساحات الاستفادة من المناظر التي توفرها المياه الهادئة في المنطقة، والحدائق المخططة بعناية.
وكان العديد من هؤلاء الأباطرة يفضلون قضاء أيامهم بين أشجار الصفصاف المتدلية في البساتين.
تغييرات معماريةخضع مجمع "تشونغنانهاي" إلى العديد من التعديلات المعمارية الكبيرة منذ نهاية الحكم الإمبراطوري في عام 1912.
وبعد تنازل الإمبراطور الأخير عن العرش، منحه الرئيس الصيني الجديد، يوان شيكاي، حق العيش في القسم الشمالي من المدينة المحرمة، ومن ثم استولى على "تشونغنانهاي" ليكون المقر الرئيسي لإدارته الجديدة.
وشملت أبرز التغييرات إعادة استخدام جناح يتكونّ من طابقين في أقصى جنوب الحدائق.
وبنى الإمبراطور تشيان لونغ الجناح، المعروف باسم "برج القمر الثمين" (Precious Moon Tower)، قبل عقود من الزمن من أجل عشيقته التي شعرت بالحنين إلى الوطن، وهي امرأة مسلمة من شينجيانغ أُخِذت إلى بكين كجزء من غنائم الحرب.
وأعاد يوان تصميم هذا الجناح ليصبح المدخل الرئيسي لمجمعه الرئاسي، وأنشأ برج مراقبة طويل في الجهة الشرقية له.
مقر السلطةفي البداية، بعد انتصار الشيوعية في الحرب الأهلية الصينية بعام 1949، أقام ماو تسي تونغ في "Shuangqing Villa" بـ"Fragrant Hills"، وهي حديقة إمبراطورية سابقة أخرى تقع غرب بكين.
وكان ماو قلقًا من ترسيخ نفسه في قلب بكين الامبراطوري، وقيل إنّه رفض دخول المدينة المحرمة خوفًا من ربطه بهياكل السلطة في الصين الإقطاعية القديمة، والتي حارب من أجل الإطاحة بها.
ورُغم ذلك، انتقل ماو إلى مجمع "تشونغنانهاي" في النهاية.
وفي أواخر عام 1949، أقام ماو في حديقة "Garden of Abundant Beneficence"، وهو مجمع كبير استقبل فيه كبار الشخصيات، وعاش فيه حتى عام 1966.
وبعد إعادة تأسيس "تشونغنانهاي" كمركزٍ للسلطة السياسية في الصين الجديدة، شرع ماو في إعادة بناء المجمع وفقًا لذوقه الخاص.
وقال مؤلف كتاب "البحث عن بكين المتلاشية: دليل لعاصمة الصين عبر العصور"، إم إيه ألدريتش لـCNN إنه "منذ عام 1949، توغلت مجموعة متنوعة من أنماط الهندسة المعمارية الجديدة إلى تشونغنانهاي، مع إضافة ملعب تنس، وصالة للألعاب الرياضية، ومسابح، ومباني غربية تعلوها أسطح صينية، ما أضاف لمسة متعارضة لم تكن لتحظى بالتقدير من قِبَل أصحابها الأصليين من ذوي التفكير التقليدي".
وفي عام 1966، انتقل ماو من حديقة "Garden of Abundant Beneficence" إلى منزلٍ بني خصيصًا بجوار المسبح الداخلي الذي كان يحبه.
وكثيرًأ ما كان يستقبل المسؤولين للتحدث معه وهو يطفو فوق الماء، مع استقباله الزعيم الروسي نيكيتا خروتشوف في حمام السباحة الخاص به خلال زيارة بعام 1958.
ولم يكن المجمع محظورًا على العامة دائمًا بعد انهيار الأسرة الإمبراطورية في الصين.
وفي أواخر عشرينيات القرن العشرين، تحول المجمع إلى حديقة، حيث سُمح للسياح بركوب القوارب، والسباحة في البحيرات. وفي الثمانينيات، تمكن الجمهور من الوصول إلى بعض المواقع التاريخية، والمناظر الطبيعية الخلابة، بما في ذلك مقر إقامة ماو السابق، في جولاتٍ منظمة خلال عطلة نهاية الأسبوع.
مخاوف أمنية حديثةواليوم، يخضع مجمع "تشونغنانهاي" لحراسة مشددة أكثر من أي وقت مضى، ولكن تسبب التطور العنيد للمدينة بتحديات عندما ارتبط الأمر بالحفاظ على سرّيته.
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: شي جينبينغ فی الصین
إقرأ أيضاً:
الفضيحة الجديدة للسلطة الفلسطينية
فضيحة جديدة تسربت تفاصيلها قبل أيام عبر وثيقة أمريكية نشرتها وسائل الاعلام الغربية وكشفت بأن السلطة الفلسطينية غيرت صيغة كانت مطروحة أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ليتبين بأن هذا التغيير كان لصالح اسرائيل، وبفضل هذا التغيير أفلتت اسرائيل من صيغة قرار كان من الممكن أن يؤدي الى محاسبتها.
السلطة الفلسطينية التزمت الصمت، أو تلتزم الصمت حتى الان، حيث لم تُصدر أي توضيح بشأن هذه المعلومات التي وردت في وثيقة أمريكية مسربة، لكن المرعب هو أن السلطة سبق أن تورطت في عمل مشابه عندما تبين بأنها حجبت "تقرير غولدستون" الذي يتهم "إسرائيل" بارتكاب جرائم حرب في غزة خلال عدوان العام 2008.
في الفضيحة الجديدة يتبين من الوثيقة أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قام بتغيير صيغة قرار يقضي بــ"إنشاء آلية للتحقيق في الجرائم المرتكبة بالأراضي الفلسطينية"، وبحسب الوثيقة فقد تم شطب عبارة "إنشاء آلية" وتم وضع عبارة بـ"النظر في إنشاء آلية دولية دائمة لجمع الأدلة وملاحقة المسؤولين عن الجرائم"، وهو ما يعني في النهاية أن القرار أصبح بلا معنى ولا مضمون، حيث إن إقراره سيعني مجرد دراسة إنشاء هذه الآلية، وليس إنشاءها بالفعل!
هذه ليست المرة الأولى التي تقوم اسرائيل والولايات المتحدة بالضغط على السلطة الفلسطينية لتتحول الى خدمة الاحتلال بدلا من التصدي له، ففي العام 2011 كشفت جريدة "الغارديان" البريطانية أن السلطة كانت وراء حجب "تقرير غولدستون" الصادر في أواخر 2009 والذي يتهم "إسرائيل" بارتكاب جرائم حرب في غزة، وتبين بأن ما فعلته السلطة قد تم بضغوط أمريكية.
كلما رضخت السلطة لضغوط اسرائيلية وأمريكية كلما اتضح أكثر بأن هذه السلطة كانت فخاً اسرائيلياً منصوباً للفلسطينيين، وإنها منذ تأسيسها في العام 1994 وهي تشكل مادة لابتزاز الفلسطينيين والضغط عليهم، وهذا يتضح جلياً عبر عدم قدرتها على تنفيذ قرار سابق بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وعدم قدرتها على التحرك دولياً ودبلوماسياً ضد الاحتلال، وعدم قدرتها على حماية المدنيين في المناطق التي تتواجد فيها من عدوان الاحتلال اليومي.
الفضيحة الجديدة في مجلس حقوق الانسان تؤكد بأن السلطة هي واحدة من أزمات الشعب الفلسطيني ويتوجب التفكير في حل لهذه المعضلة، وهي معضلة اعترف بها الشهيد الراحل ياسر عرفات عندما أمضى الشهور الـ33 الأخيرة من حياته محاصراً داخل المقاطعة ودبابات الاحتلال على بُعد أمتار قليلة من غرفة نومه.