البحث عن الأمان: معاناة اللاجئين السودانيين في غابات الأولالا الإثيوبية
تاريخ النشر: 30th, May 2024 GMT
تيغراي: كمبالا: التغيير: سارة تاج السر
فَقد حبيب عبدالشافي شريف قدميه جراء اصابتين استدعتا بترهما من الركبة، بعد سقوط قذيفة على ورشته جراء المعارك الدموية التي اندلعت في الخرطوم بين الجيش والدعم السريع العام الماضي.
هربت دون قدميَّ
بعد الصدمة الجسدية القاسية، خاض رحلة طويلة وشاقة وصلت به إلى القلابات في يونيو الماضي، ثم انتقل إلى معسكر كومر في إقليم الأمهرة الإثيوبي في الأول من يوليو من العام نفسه.
يقول عبدالشافي: “كنت صنايعياً ماهراً وامتلك ورشة للحدادة، وعندما اشتدت المواجهات في العاصمة، اضطررت للفرار إلى إثيوبيا دون قدميَّ اللتين بُترتا في الخرطوم بعد إجراء عملية جراحية عاجلة.
ربما كان يأمل في إكمال علاجه والحصول على أطراف صناعية، أو على الأقل حياة كريمة. لكن ظروف مخيم كومر لم توفر لعبدالشافي ما يحتاجه، حيث تعرض للسرقة والعنف والتهديد مجددًا، فقرر العودة إلى السودان، إلا أن طلبه قوبل بالرفض من السلطات، فالتحق ببقية اللاجئين في غابات الأولالا في الخامس من مايو الجاري.
ويعد عبدالشافي ضمن 76 شخصاً من ذوي الاحتياجات الخاصة من جملة عدد اللاجئين البالغ 6080 شخصًا، منهم 1196 مريضًا، و2133 طفلًا، و1017 امرأة، بينهن 327 مرضعة وحامل، بالإضافة إلى 1719 رجلًا.
إنقذونا
بداية الشهر الجاري، خرج اللاجئون السودانيون من معسكري اولالا وكومر، حوالي 20 كيلومترا من الحدود السودانية الإثيوبية، بسبب التهديدات الأمنية في المنطقة، وتوجهوا سيرا بالأقدام إلى إقليم قندر للاعتصام أمام مقر الأمم المتحدة، وأثناء تحركهم وعلى مسافة تبعد 3 كليومترات من المعسكر، تم إيقافهم من قبل السلطات الإثيوبية واحتجازهم منذ الأول من مايو وحتى الآن.
وأكدت تنسيقية اللاجئين، أن المأساة التي عاشها العالقون في غابات الأولالا، الأيام الماضية وصلت إلى طرق مسدودة، حيث حُرموا من كل أشكال المساعدات الدولية والمحلية والمنظمات الطوعية.
إضراب عن الطعام
رغم مرور شهر، على خروجهم من المعسكر، إلا أنه لم تتم أي تدخلات من جانب المنظمات الإنسانية للعالقين بالغابات، ولايزال الحصول على الغذاء يمثل أولوية لهم ومع نفاذ معظم ما يملكون من غذاء ودواء قرروا الدخول في إضراب تام عن الطعام وتوفير ما تبقى للأطفال وكبار السن.
وأكد الكاتب والصحفي الإثيوبي أنور إبراهيم أحمد، خلال مشاركته في مساحة لمناقشة الأزمة بمنبر المغردين السودانيين، بمنصة (اكس) أن فكرة الإضراب جاءت بسبب الظروف القاسية حيث قرروا تقنين الغذاء المتوفر، الذي كان يكفي لخمسة أيام فقط، وتمكنوا من الاستمرار به لأكثر من ثلاثة أسابيع، وأضاف: مع نفاد كمية الطعام، بدأ الشباب في ترك وجباتهم للأطفال والنساء وكبار السن لتوفير الطعام الشحيح المتبقي.
واعتبر إبراهيم، أن الأمم المتحدة، تولي اهتمامًا بالغًا بالأوضاع في غزة وأوكرانيا، مقابل اهتمام أقل بالأزمة السودانية رغم التطورات الإنسانية الحرجة، وكشف عن تجاهل( 5) قنوات عربية كبيرة لم يسمها- بث مقاطع الفيديو التي توضح أوضاع اللاجئين على الأرض، بحجج تتعلق بجودة المحتوى.
ونفذ الأضراب عدد (2843) من الرجال والنساء من بين أكثر من (6000) (دون الحوامل والمرضعات وكبار السن) اعتبارا من 23 مايو الجاري، وسط تخوفات من أن يؤدي سوء التغذية الحاد إلى وفيات مرتبطة بالجوع بعد أن دخل إضراب الطعام المفتوح “قسريا” يومه السابع في الوقت نفسه، تصدر هاشتاق #السودانيين_العالقين_بإثيوبيا مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف تسليط الضوء على الأزمة الإنسانية التي يواجهها آلالاف.
انفجار وشيك
أشار الصحفي الإثيوبي، إلى أن اللاجئين، عالقين الآن بين الجيش والمليشيات الإثيوبية، وأوضح أن الاشتباكات تدور على بعد 2 كيلو متر من المنطقة التي يقيمون فيها، وهو ما ذهب إليه، محمد حامد الذي اضطرته حرب 15 أبريل للفرار إلى إثيوبيا، حيث توقع حدوث انفجار أمني في أي لحظة.
وأشار إلى وقوع اشتباكات قبل يومين بين الجيش الإثيوبي ومليشيا مسلحة، بالقرب منهم، حيث استمر تبادل إطلاق النار مدة 15 دقيقة، مما أسفر عن إصابة شرطي وسقوط طلقات طائشة بين اللاجئين دون إصابات.
وأفاد حامد بأن الحادث أثار حالة من الذعر الشديد، مؤكدًا أن الخطر الأمني ما زال قائمًا لأن العالقين يبعدون فقط 3 كيلومترات عن المعسكر. كما تشهد المنطقة نشاطًا لحملة السلاح، بما في ذلك مليشيات شعبية وقطاع طرق، بالإضافة الى أن العالقين موجودون في غابة مفتوحة بها حيوانات مفترسة.
تهديدات أخرى من أصحاب المزارع المحيطة بالغابة من الناحيتين الجنوبية والشمالية، حيث يمنع هؤلاء المسلحون، اللاجئين من الوصول إلى ينابيع المياه العذبة، مما أجبر العالقين على شرب المياه الراكدة. وفقا لحديث حامد.
المحتجزون أكدوا فقدانهم الثقة في حكومة أبي أحمد، وناشدوا المجتمع الدولي لنقلهم إلى مكان أكثر أماناً. يعانون حالياً من الإعياء بسبب شرب المياه الملوثة، مما أدى إلى انتشار أمراض الكلى والإسهالات، بالإضافة إلى نقص الغذاء الذي يزيد من سوء أوضاعهم، فيما تسببت تقلبات الطقس في هطول أمطار غزيرة ثلاث مرات، لم يكن لدى اللاجئين سوى المشمعات لحمايتهم، منها ويضطرون إلى قطع مسافات تصل إلى 45 كيلومترًا للوصول إلى نقاط الاتصال بالإنترنت، ويتعرضون للمضايقات من المزارعين الإثيوبيين في المنطقة، بالإضافة إلى ميليشيات الفانو والشرطة الفيدرالية نفسها.
الوسوم#السودانيين_العالقين_بإثيوبيا إثيوبيا اللاجئين السودانيين
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: السودانيين العالقين بإثيوبيا إثيوبيا اللاجئين السودانيين
إقرأ أيضاً:
“الملاريا الحبشية” ترعب السودانيين
في أحد مراكز النزوح جنوبي الخرطوم، جلست خديجة تحاول خفض حرارة طفلها بالماء البارد، “لم ينم منذ يومين… الحمى لا تهبط، ولا نملك ثمن العلاج”، تقول لـ”العربية.نت” بصوت واهن.
لكن ما لا تعلمه خديجة أن هذه الحمى ليست من الملاريا المعتادة التي ألفها السودانيون، بل من نوع مختلف يتسلل إلى الكبد ثم يعاود الهجوم متى ضعف الجسد. هكذا، عادت الملاريا لتتحول إلى رعب حقيقي، وهذه المرة باسم جديد: “الملاريا الحبشية”.
فقد عادت المخاوف الصحية لتُخيّم على العاصمة السودانية الخرطوم وعدد من ولايات الشرق، عقب تسجيل إصابات متفرقة بمرض يُعرف محلياً باسم “الملاريا الحبشية”، وسط تحذيرات من تصاعد وتيرة انتشاره في ظل أوضاع طبية متدهورة، وندرة في الأدوية والمستلزمات التشخيصية.
حمى وآلام بالمفاصل
وبحسب معلومات حصلت عليها “العربية.نت”/”الحدث.نت” من مصادر طبية، فقد أبلغ عدد من المرضى عن أعراض تشمل ارتفاعاً حاداً في درجة الحرارة، وآلاماً عضلية ومفصلية، إلى جانب غثيان وصداع مستمر، دون أن تُظهر الفحوصات المخبرية مؤشرات إيجابية للملاريا الشائعة أو حمى الضنك أو التيفوئيد، ما أثار الشكوك حول احتمال تفشي نوع آخر من الطفيليات.
ويرجّح مختصون أن يكون المسبب طفيلي Plasmodium vivax، وهو نوع من الملاريا أقل انتشاراً في السودان مقارنة بطفيلي Plasmodium falciparum، إلا أنه يتميز بقدرة فريدة على البقاء في الكبد لفترات طويلة، مما يؤدي إلى نوبات متكررة من الحمى عند أي ضعف مناعي.
نقص الأدوية يفاقم المرض
ويؤكد الأطباء أن علاج هذا النوع من الملاريا يتطلب مساراً علاجياً مزدوجاً يبدأ بعقار “كوراتيم”، يعقبه تناول أقراص “بريماكوين” بجرعة 25 ملغ يومياً لمدة 14 يوماً، بهدف القضاء على الطفيل في مرحلته الكبدية، ومنع تكرار الانتكاسات الصحية، إلا أن نقص العقاقير في المراكز الصحية يثير مخاوف من تفاقم معدلات الإصابة وارتفاع الوفيات.
وفي تقرير حديث صادر عن غرفة الطوارئ في منطقة جنوب الحزام بالخرطوم، تم تسجيل 75 حالة إصابة مؤكدة بـ”الملاريا الحبشية” خلال الأسبوع الماضي، إلى جانب 3 حالات إصابة بحمى الضنك، و50 حالة اشتباه قيد المتابعة، وسط غياب شبه كامل للأدوية الوقائية ووسائل المكافحة.
وأكد أطباء يعملون في شرق السودان والعاصمة، أن معدلات الإصابة آخذة في الارتفاع، لا سيما في ولايتي كسلا وحلفا الجديدة والمناطق المجاورة. وأفادوا بأن المرض يتسبب في أعراض حادة تشمل الحمى المستمرة، وآلاماً جسدية مبرحة، وفقدان شهية وقيئاً، وقد يؤدي في بعض الحالات إلى مضاعفات خطيرة مثل فقر الدم الشديد، الغيبوبة، واضطرابات جسدية مفاجئة.
“الوضع مقلق للغاية”
الدكتورة أديبة إبراهيم السيد، اختصاصية الباطنية والأمراض المعدية وعضوة اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، أوضحت لـ«العربية.نت”/ “الحدث.نت” أن التقارير الطبية رصدت ما لا يقل عن 140 حالة إصابة مؤكدة في شرق البلاد، وأكثر من 68 حالة في الخرطوم وأم درمان، إلى جانب تسجيل 8 وفيات في الشرق و11 حالة وفاة في العاصمة. ووصفت الوضع بـ”المقلق للغاية”، لا سيما في ظل النقص الحاد في الأدوية والمحاليل الوريدية، وازدياد حركة النزوح من مناطق القتال.
وشددت الدكتورة أديبة على ضرورة التدخل العاجل من قبل الجهات الصحية والمنظمات الدولية لتوفير العلاج المناسب، وتعزيز إجراءات الوقاية، من خلال مكافحة تجمعات المياه الراكدة، والرش الدوري بالمبيدات، وتكثيف حملات التوعية، مع الاستجابة السريعة لأي حالة اشتباه لتفادي انتقال العدوى على نطاق أوسع.
بدوره قال د. هيثم محمد إبراهيم وزير الصحة في تصريحات سابقة، إن الملاريا لا تزال رغم بساطتها كمرض؛ تمثّل الخطر الأكبر على صحة المواطن في السودان، فقد سجّل السودان خلال العام الماضي ما يزيد على مليون و500 ألف حالة وأكثر من 900 وفاة، أي أننا فقدنا ثلاثة أشخاص يومياً بسبب الملاريا خلال العام 2024.
وقال إن حرب الخامس عشر من أبريل كان لها دور كبير في تعطيل حركة المؤسسات الصحية وتقليل مستوى تقديم الخدمات بسبب الدمار الذي طال مؤسسات النظام الصحي كافة، وتواصل تطور الوضع الصحي والأمني في البلاد بصورة مستمرة وديناميكية عالية، مما أدى إلى تأثيرات كبيرة في حركة السكان وبالتالي حركة الناقل والطفيل، ما أدى إلى تغيّر صورة الوباء في البلاد أيضاً.
وأوضح وزير الصحة أن مكافحة الملاريا تواجه كذلك الكثير من التحديات المتعلقة بالتغيرات المناخية وظهور مهددات بيولوجية مثل ظهور نواقل جديدة ومقاومة الطفيل للعلاج، مما وضع عبئاً كبيراً على البرنامج لمواجهة هذه التحديات، واستمر البرنامج القومي لمكافحة الملاريا وإدارة المكافحة المتكاملة لنواقل الأمراض في مواكبة التغييرات ومتابعتها ومحاولة الاستجابة لها بمتابعة ورصد حركة الناقل والحالات لتحديد التدخلات المناسبة ومن ثم الاستجابة السريعة لحصر الوباء أينما حدث.
في بلد أنهكته الحرب ودمّرت مؤسساته الصحية، لم تعد الحمى مجرد عرض عابر، بل ناقوس خطر جديد، يقرع بقوة في كل بيت سوداني. الملاريا تغير وجهها، لكن الجرح واحد: جرح وطن يعاني، ومواطن يُقاتل كي يبقى حيّاً.
العربية نت
إنضم لقناة النيلين على واتساب