الجزيرة:
2025-01-23@00:12:22 GMT

أطول يوم في التاريخ

تاريخ النشر: 30th, May 2024 GMT

أطول يوم في التاريخ

ثلاثة أيام حاسمة في تاريخ الشرق الأوسط الحديث أو – بتعبير أدق – الشرق الأوسط الذي رسمه وهندسه وشكله الاستعمار الأوروبي وفق مصالح قواه المتنافسة على النفوذ والثروة والقوة .

اليوم الأول: هو 23 يوليو/تموز 1798 لحظة دخول نابليون بونابرت القاهرة مُعلنًا نهاية آخر حصون المناعة الذاتية التي وفّرت لهذا الإقليم الحماية والأمان ستة قرون أو يزيد، فقد وصلت المملوكية – العثمانية إلى اضمحلال ظاهر ليس له علاج، بدأت بهزيمة وأسْر لويس التاسع في المنصورة عند منتصف القرن الثالث عشر، وانتهت الهزيمة أمام نابليون عند فاتحة القرن التاسع عشر.

صحيح أن غزوة نابليون قد أخفقت، لكنها كشفت لأوروبا عمق الاضمحلال والوهن الذي وصلت إليه قوى المناعة الذاتية المملوكية – العثمانية، ومن ثم انفتحت شهية أوروبا لاسترداد ما كانت قد فقدته في الحروب الصليبية، وكانت ذروة هذا الاسترداد يوم دخلوا القدس الشريف في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1917م.

فخّ استنزاف اليوم الثاني: لحظة صدور وعد بلفور من البريطانيين بتمكين اليهود من وطن قومي لهم في فلسطين في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 1917م، أي في أسبوع واحد صدر الوعد وسقطت القدس، هذا الوعد هو القاعدة الأساس التي نهض عليها الشرق الأوسط في أكثر من مائة عام.

قرن أو يزيد من تدفق الهجرة اليهودية، ثم قيام الدولة، ثم توالي هزائم العرب، ثم تحول إسرائيل إلى ما يشبه إمبراطورية إقليمية هي صلب الإقليم، بما أنها من تمنح جواز المرور للأنظمة، وتشفع لها عند الإمبراطورية الأم (أميركا). باتت مسالَمة إسرائيل وكسب رضاها، جوهر السياسة الخارجية للدول العربية، بما يعني التصفية الضمنية أو الصريحة للحق الفلسطيني إلى الأبد، لقد صار الإقليم هرمًا رأسه وقمته إسرائيل، وقاعدته وأرضيته الأنظمة العربية.

اليوم الثالث: 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أشرقت شمسه ولم تغرب بعد، أطول يوم في تاريخ إسرائيل، بل أطول يوم في تاريخ اليهود منذ التدمير الأول للهيكل على يد البابليين 586 قبل الميلاد، ثم التدمير الثاني على يد الرومان 70 ميلادية، فلم يحدث في تاريخ الصهيونية ولم يحدث في تاريخ اليهود أن وقعوا في فخّ استنزاف حربي متواصل على مدار الساعة ثمانية أشهر متواصلة، ومازال الاستنزاف المذل المهين يتواصل دون توقف من خصم، هم والعالم كله معهم يحاصرونه، ويمنعون عنه أسباب الحياة منذ ما يقرب من عشرين عامًا، وبعد ما ظنوا أن الحصار قد أنهك غزة، وأوهن المقاومة، وصفى القضية فوجئوا – على حين بغتة – أن غزة تقاومهم، وأن المقاومة تحاصرهم، وأن القضية تحيا ضد كل مشاريع التصفية، وتكسر حصارها، وتحلّق في آفاق العالم، وتحاصر أعداءها في كل شبر مأهول من الكرة الأرضية. ابتكار معاني المقاومة

مثلما كان تاريخ وعد بلفور في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني1917 نقطة ابتداء صعود الموجة الصهيونية، فإن أطول يوم في تاريخ الإقليم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، هو التاريخ المضاد تمامًا، هو نقطة توقف الموجة الصهيونية بعد أن بلغت ذروة تجبرها وتكبرها، هو نقطة بداية صعود معاكس تمامًا، صعود الحق الفلسطيني، صعود من نقطة الصفر، صعود من أرضية خذلان عربي رسمي كامل شامل، صعود بأيدٍ فلسطينية تعيد ابتكار معاني المقاومة، والتحرُّر الوطني والثورة الشريفة.

إنّ ما قدمته المقاومة الفلسطينية في الثمانية أشهر ليس فقط روح الاستشهاد، فلطالما قدّم الفلسطينيون شهداء على مدى ثوراتهم التي لم تتوقف طوال قرن من الزمان، لكن الذي قدمه ويقدّمه الفلسطينيون على مدى ثمانية أشهر ولا يزالون هو ثورة ثقافية كبرى عميقة هزت أركان ثقافة القوة والطغيان والرأسمالية والأوليجارك الذين يحكمون العالم، وذروته عواصم الحضارة الغربية التي كمنت حتى تعفنت، ثم ترنخت، ثم فاحت روائحها الرديئة في كل مكان، أطول يوم في تاريخ العالم أطلق أعظم ثورة للضمير في التاريخ الحديث، أيقظت ضمير الإنسانية حيث وجدت إنسانية وحيث وجد ضمير.

ومثلما جاء في الأثر أن الشمس احتبست عن المغيب حتى يواصل يوشع بن نون قتاله ثم ينتصر، ثم يجمع غنائمه قبل غروب شمس الجمعة – يوم القتال – وقبل أن يدخل ليل السبت، حيث الشريعة اليهودية تحرم فيه القتال، فكذلك يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023م، مازال ممدودًا موصولًا تتجدد فيه الأرواح وتشتد فيه العزائم، ويصمد فيه الأبطال، وتمتد فيه مواكب الشهداء بعشرات الألوف، وتنكسر أنوفُ الصهاينة، وأنوف رعاتهم وحلفائهم وضامنيهم في أميركا والغرب وتابعيهم في الإقليم.

روح ملهمة

وسوف يظلّ تاريخ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023م، واحدًا من أكبر فتوح التاريخ ليس فقط بالمعنى العسكري أو السياسي، لكن بالمعنى الفلسفي أي فلسفة التاريخ ذاته، كيف يتحرك وكيف يتوقف وكيف يغير وجهته، وكيف يختار طريقه، وكيف يصبغ فترة معينة بلون ما، هذا يوم تاريخي بهذا، وصانع للتاريخ بهذا المعنى، صنع لحظة ذهول مدهشة ومستغربة ومحل تعجب في لحظاته الأولى عندما انقضّت النسور على أهداف كانت تبدو في أذهان العالم كله منيعة أشد المناعة، وحصينة أشد الحصانة فإذا بها أوهى من بيوت العنكبوت، ومازالت لحظات الذهول والدهشة تتوالى على مدار الساعة لما يقرب من 250 يومًا.

روح الجسارة الفلسطينية ملهمة للناس وللتاريخ معًا، يُذكر أن جنرالات نابليون أثناء غزو إيطاليا، أشاروا عليه بمزيد من التدبر قبل الاقتحام، فقال لهم: نقتحم ثم نتدبر، وثبت أنه كان على صواب. ثم القائد إبراهيم نجل محمد علي باشا، وهو من أعظم رجال الحرب في النصف الأول من القرن التاسع عشر، حدث في إحدى الغزوات الكبرى أن تتطاير مع الهواء شرر من نار فاحترقت كل معسكراته بما فيها الذخائر والأطعمة، سأله مساعدوه: ماذا خسرنا؟ أجاب: خسرنا كل شيء، ثم سألوه: ماذا بقي لنا؟ أجاب: بقيت سيوفنا وعزائمنا، وقاتل قبل أن تأتيه الأمداد من القاهرة وانتصر نصرًا مُبينا، إنها روح الاقتحام التي وهنت في نفوس العرب منذ فقدوا الحماية المملوكية، ثم العثمانية، ووقعوا تحت هيمنة التغلب الأوروبي، ثم الأميركي .

مثلما هيمن تاريخ اقتحام نابليون القاهرة 23 يوليو/تموز 1798م، على المنطقة قرنين من الزمان، ومثلما وضع وعد بلفور 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1917م أسس الشرق الأوسط لمائة عام، فإن السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023م هو بوصلة الإقليم لمائة عام مقبلة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات أکتوبر تشرین الأول تشرین الثانی الشرق الأوسط

إقرأ أيضاً:

«التعليم»: عقد تدريبات لمعلمي الصف الأول الإعدادي على مناهج الترم الثاني

وجهت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، خطابًا إلى لمديريات التعليمية، بأنّه سيتمّ عقد تدريب لمعلمي الصف الأول الإعدادي في المناهج المطورة عبر شبكة «الفيديو كونفراس»، وذلك ضمن الاستعدادات للفصل الدراسي الثاني للعام الدراسي الحالي 2024-2025، وفي ضوء تطوير مناهج الصف الأول الإعدادي هذا العام.

تدريب معلمين الصف الأول الإعدادي 

وشددت وزارة التعليم على المديريات التعليمية بضرورة اتخاذ اللازم لإجراء التدريبات اللازمة للمواد الدراسية (رياضيات - علوم - دراسات اجتماعية - لغة عربية - لغة إنجليزية)، بواقع يومان لكل مادة دراسية، وذلك وفقا للترتيب الزمني، كما يلي:

وأوضحت أنَّ التدريب يتمّ على فترتين صباحية ومسائية، والفترة الصباحية من الساعة 9 صباحًا حتى الساعة 12 ظهرًا، والفترة المسائية من الساعة 12:30 ظهرًا حتى الساعة 2:30 ظهرًا.

وحددت وزارة التعليم الجدول الزمني للتدريب للصف الأول الإعدادي الفصل الدراسي الثاني:- 

يوم الأربعاء الموافق 29 يناير 2025: العلوم (فترة صباحية)، الرياضيات (فترة مسائية).

يوم الخميس 30 يناير 2025: العلوم (فترة صباحية)، والرياضيات (فترة مسائية).

يوم الإثنين 3 فبراير 2025: اللغة العربية (فترة صباحية)، والدراسات الاجتماعية (فترة مسائية).

يوم الثلاثاء 4 فبراير 2025: اللغة العربية (فترة صباحية)، والدراسات الاجتماعية (فترة مسائية).

يوم الأربعاء 5 فبراير 2025: اللغة الإنجليزية (فترة صباحية).

يوم الخميس 6 فبراير 2025: اللغة الإنجليزية (فترة صباحية).

مقالات مشابهة

  • موعد عرض الجزء الثاني من فيلم «السلم والثعبان» بطولة عمرو يوسف ومنة شلبي
  • القسم الثاني..فوز بلقاس وبيلا وتعادل تلا في جولة مثيرة
  • «التعليم»: عقد تدريبات لمعلمي الصف الأول الإعدادي في مناهج الترم الثاني
  • «التعليم»: عقد تدريبات لمعلمي الصف الأول الإعدادي على مناهج الترم الثاني
  • نتيجة الصف الثاني الإعدادي الترم الأول 2025 .. ظهرت الآن
  • موعد انطلاق الفصل الدراسي الثاني بالمدارس 2025
  • شباب الأهلي يعتلي الصدارة بثنائية في الجزيرة
  • شباب الأهلي يهزم الجزيرة في الدوري الإماراتي بمشاركة النني
  • الإدارة الذاتية للأكراد تطالب بقوات دولية في سد تشرين
  • ناقد: حتى لا نُزيف التاريخ.. أبو جريشة وكارتيرون اكتشفا مرموش وليس ميدو