مسقط- الرؤية

نظمت جريدة الرؤية بالتعاون مع مركز الدراسات الآسيوية والصينية بلبنان، أمس، ندوة دولية بعنوان "مستقبل العلاقات الصينية العربية في ظل مبادرة الحزام والطريق"، بمشاركة نخبة من الخبراء والمتخصصين من الدول العربية وجمهورية الصين الشعبية الصديقة، وذلك عبر تقنيات الاتصال المرئي.

وبدأت الندوة بكلمة قدمها الأستاذ الدكتور وانغ قوانغدا الأمين العام لمركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية بشنغهاي، حول "دور الصين في الشرق الأوسط"؛ حيث قال "منذ طرح مبادرة الحزام والطريق قبل عشر سنوات، حققت الصين والدول العربية، كشركاء طبيعيين في البناء المشترك لـ"الحزام والطريق"، نتائج ملموسة؛ حيث تم تحقيق "تغطية كاملة" لـ22 دولة عربية وجامعة الدول العربية، مما يشير إلى أن الدول العربية تعزز اتجاه "التطلع شرقًا" بشكل أكبر ولديها توقعات أكبر للصين للعب دور أكثر نشاطًا في قضية الشرق الأوسط".

وأضاف أن مبادرة "الحزام والطريق" ليست مجرد مبادرة اقتصادية وتجارية، ولكنها تظهر أيضًا التزام الصين بالتعددية، والابتعاد عن تفكير اللعبة التي محصلتها صفر، وتعزيز إصلاح وتحسين نظام الحوكمة العالمية بنشاط.

واستعرض قوانغدا المنظورات الثلاثة: التنمية والحوار والسلام؛ أولًا: تصر الصين على استخدام التنمية باعتبارها المفتاح الرئيسي لحل جميع المشاكل. إن عجز السلام وعجز التنمية وعجز الأمن وعجز الحوكمة هي تحديات غير مسبوقة تواجه المجتمع البشري. ومن بينها، يعد العجز التنموي السبب الجذري الرئيسي للعديد من المشاكل العالمية. في عام 2023، شهد العالم حربين ساخنتين في وقت واحد، وقد تسببت حرب غزة في أزمات إنسانية وأخطار الانتشار شديدة، وهو ما يتعارض مع عملية التنمية البشرية. في عام 2016، عندما زار الرئيس الصيني شي جين بينغ مقر جامعة الدول العربية، أشار إلى أن "التنمية هي السبب الجذري والحل فى آن واحد للاضطرابات في الشرق الاوسط". وفي السياق الحالي، تحمل هذه الجملة دلالات جديدة وعميقة. إن "التنمية" هي قضية مشتركة تواجهها الصين والدول العربية. إن كيفية الحفاظ على التركيز الاستراتيجي وحماية نتائج التنمية التي تم تحقيقها هي مسألة يتعين على الصين والدول العربية التفكير فيها بعقلانية. ونظرًا إلى التفكير التطلعي بشأن وضع التنمية الاقتصادية العالمية واتجاه تنمية العولمة الاقتصادية، طرحت الصين البناء المشترك لمبادرة "الحزام والطريق"، التي تلبّي طلبات التنمية الإقليمية وتتوافق مع اتجاه التعاون الاقتصادي الإقليمي، وقد لاقت استجابة إيجابية وحماسة من الدول العربية.

وأضاف أنه منذ أن قامت الصين والدول العربية ببناء "الحزام والطريق" بشكل مشترك، نفذ الجانبان أكثر من 200 مشروع تعاون، وقد استفاد من نتائج التعاون نحو ملياري شخص في كلا الجانبين، وعززت بشكل فعال تدفق البضائع والأموال والتكنولوجيا والموظفين في الدول الواقعة على طول الحزام والطريق، مما يسمح للجانبين باكتساب المزيد من فرص التنمية والفوائد لشعوبها. بالإضافة إلى ذلك، اقترح الرئيس شي جين بينغ أيضًا "مبادرة التنمية العالمية"، تهدف إلى إعادة التنمية إلى قلب الأجندة الدولية وبناء توافق أوسع حول التنمية. كما أشار الرئيس شي جين بينغ في كلمته أمام القمة الصينية العربية الأولى إلى أن "الصين تدعم الدول العربية في الاستكشاف المستقل لمسارات التنمية التي تناسب ظروفها الوطنية، وفي الإمساك بزمام مستقبلها في أيديها بقوة"، و"يتعين على الصين والدول العربية التركيز على التنمية الاقتصادية وتعزيز التعاون المربح للجانبين، وتعزيز التضافر بين استراتيجيات التنمية لدى كل منهما، وتعزيز التعاون عالي الجودة في إطار الحزام والطريق".

وبالإضافة إلى ذلك، تولي الصين أيضًا أهمية كبيرة لمطالب الدول العربية لتحسين قدراتها التنموية. وتابع أن مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية تم إطلاقه وإنشاؤه بمبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ شخصيًا، وهو ملتزم ببناء منصة للصين والدول العربية لتبادل الخبرات في مجالات الإصلاح والتنمية والحوكمة وتعزيز المعرفة الإيجابية والتبادلات الحضارية بين الجانبين. وأضاف أنه منذ تأسيس المركز قبل سبع سنوات، حقق المركز نتائج مثمرة في بناء أربع منصات رئيسية: الدورة الدراسية، وإعداد الكفاءات، والدراسات والبحوث، والتواصل الإنساني والثقافي. وقد عقد المركز 20 دورة دراسية وشارك 517 مسؤولًا عربيًا من المستوى المتوسط والعالي. ومن خلال بناء منصة التبادل الصينية العربية، تم الجمع بين مزايا ومتطلبات التنمية لكلا الطرفين، وتلخيص الخبرات والأفكار، وتبادل التكنولوجيا والموارد، وبذل قصارى الجهود لإعداد الكفاءات والقوى المحلية للدول العربية، والمساعدة في الاستفادة من خصائصها وإمكانات نموها، وتحقيق التنمية المستقلة والمستدامة من مستويات متعددة.

ثانيا، تصر الصين دائمًا على حل القضايا الساخنة عن طريق الحوار والمفاوضات السلمية، وتدعم بنشاط الشرق الأوسط في تحقيق التنمية المستقرة. أشار الرئيس الصيني شي جين بينغ قائلًا: "لا تُحل المشاكل بلغة القوة، ولا يدوم الأمن بعقلية المحصلة الصفرية. رغم أن طريق الحوار قد يكون طويلًا وحتى يشوبه التراجع، غير أن تداعياته أقل ونتيجته أكثر ديمومة. يجب على مختلف الأطراف المتنازعة إطلاق الحوار لإيجاد القاسم المشترك الأكبر وتركيز الجهود على دفع الحل السياسي".

وإضافة إلى تعزيز المصالحة بين السعودية وإيران، بناء على دعوة من الصين، قام ممثلو حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بزيارة بكين مؤخرًا لإجراء مناقشات متعمقة وصريحة للدفع باتجاه المصالحة الفلسطينية. وقد حظيت هذه الخطوة بتقدير واسع النطاق من قبل المجتمع الدولي الذي يعتقد أن الصين لا تنحاز إلى أي طرف في الشرق الأوسط، الأمر الذي سيساعد على تعزيز المصالحة في داخل فلسطين.

ثالثًا، تصر الصين على اتخاذ إجراءات فعلية وتوفير الحكمة والحلول الصينية لحماية الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. منذ أن اقترح الرئيس شي جين بينغ مفهوم الأمن المتمثل في الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام في عام 2014، واصلت الصين استخدام الإجراءات لإثبات أنها تولي أهمية كبيرة للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.

وفي مواجهة أمن البيانات، وهو تحدٍ مشترك لجميع البلدان، أصدرت الصين والدول العربية بشكل مشترك "مبادرة أمن البيانات العالمية"، والتي ستعالج بشكل مشترك تهديدات أمن الشبكات ومخاطر أمن البيانات، مما يشكل مثالًا للدول النامية للمشاركة في الحوكمة الرقمية العالمية.

بالإضافة إلي ذلك، فقد شاركت الصين بنشاط في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وهي أكبر مساهِمة في القوات بين الدول الأعضاء الخمسة الدائمين وثاني أكبر مساهِمة في ميزانية الأمم المتحدة لحفظ السلام.

وذكر أن هذا العام يوافق الذكرى العشرين لتأسيس منتدى التعاون الصيني العربي؛ حيث تنعقد هذه الأيام الدورة العاشرة من الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي في الصين، ويعد هذا أول اجتماع وزاري للمنتدى بعد القمة الصينية العربية الأولى، ونتطلع إلى أن تغتنم الصين والدول العربية هذا الاجتماع كفرصة لتلخيص تجربة التعاون في العقدين الماضيين، واغتنام الفترة الذهبية للتعاون الصيني العربي في السنوات العشر المقبلة، والمساهمة في بناء مجتمع صيني عربي للمستقبل المشترك في العصر الجديد بشكل أوثق، وستواصل الصين أيضًا في المساهمة بالحكمة الصينية لتحقيق السلام والاستقرار والرفاهية في الشرق الأوسط.

أعقب ذلك كلمة قدمها العميد إلياس فرحات عميد ركن متقاعد في الجيش اللبناني، ةباحث سياسي وعسكري، بعنوان "بين طريق الهند حيفا ومبادرة الحزام والطريق"، ذكر فيها أنه تتنافس في آسيا وخصوصًا في غرب آسيا مبادرتان اقتصاديتان عالميتان؛ هما: مبادرة الحزام والطريق الصينية، ومبادرة طريق الهند- حيفا التي أعلنتها الولايات المتحدة السنة الماضية. وقال إن المبادرة الأمريكية تتصف بأنها رد على المبادرة الصينية ونوع من المواجهة، وهي تفتقر إلى خريطة جغرافية مستقرة، كما أنها جاءت بإعلان متسرع ومن دون مشاورات مع العديد من الدول والشعوب التي تشملها، بينما ترتكز مبادرة الحزام والطريق على أفكار الرئيس الصيني شي جين بينغ في السياسة الاقتصادية الخارجية. وأضاف أن هذه المبادرة ترتكز طريق الحرير القديم، وهي تهدف إلى ربط الصين بالعالم عبر استثمار مليارات الدولارات في البنى التحتية على طول الطريق الذي يربطها بالقارة الأوروبية، ليكون أكبر مشروع بنى تحتية في تاريخ البشرية. ويشمل ذلك بناء مرافئ وطرقات وسكك حديدية ومناطق صناعية. وذكر أنه في شهر أبريل 2019، افتتح الرئيس شي جين بينغ قمة "طرق الحرير الجديدة" التي شارك فيها ممثلون عن 150 بلدًا، بهدف التسويق للمبادرة التي ستكون محور السياسة الاقتصادية الصينية مع العالم وتسريع وصول منتجاتها إلى الأسواق العالمية والتبادل التجاري بشكل عام   .

وقال إن مبادرة الحزام والطريق ترتكز على التعاون الاقتصادي بين الأمم والإسهام بالنهوض الاقتصادي والتكامل فيما بينها، وإرساء علاقات صداقة سلمية واستبعاد النزاعات وتسوية القائمة منها، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تتوجس خيفة من هذه المبادرة العالمية وقامت فعلًا بمواجهتها عب إحياء قمة الحوار الرباعي (كواد) QUAD الذي يشمل الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا.

وشدد العميد إلياس فرحات على أن مبادرة الحزام والطريق ليست حلفًا سياسيًا وعسكريًا؛ بل هي مبادرة إنشاء بنى تحتية لتسهيل التجارة والاتصال بين الأمم الواقعة على طريق الحرير. وقال إنه على النقيض، وإضافة الى افتقارها للعامل الجغرافي المستقر، فإن مبادرة طريق الهند- حيفا تفتقر إلى أساس تاريخي في العلاقات بين الدول المعنية، وهي بمثابة مواجهة سياسية وأمنية مع مبادرة الحزام والطريق، أكثر منها مبادرة اقتصادية.

وقدم الدكتور حاتم بن حمد الطائي رئيس تحرير جريدة الرؤية العمانية، كلمة بعنوان "الرؤية الصينية للسلام والتنمية"، أكد خلالها أن تطوير العلاقات العربية الصينية لطالما كان محط اهتمام الجانبين، من منطلق العلاقات التاريخية التي تجمع العرب والصينيين، استنادًا إلى الروابط التجارية على مر الزمان، وطرق التجارة القديمة، وخاصةً طريق اللبان وطريق الحرير، وغيرها من الطرق، التي ترسخت على مدى التاريخ، وأثبتت عمق الصلات التجارية بين الجانبين، وأهمية مواصلة البناء على هذه العلاقات وتطويرها بما يضمن مصلحة وخير الشعوب. وأضاف الطائي أن ثمّة علاقة وطيدة بين مبادرة الحزام والطريق وترسيخ السلام والاستقرار في المنطقة والعالم أجمع؛ إذ لا يُمكن تصوُّر إرساء السلام من دون تنمية حقيقية تخدم الشعوب وتقلل الفجوة بين الفقراء والأغنياء، وتعمل على تحسين مستوى معيشة المجتمعات، وتنهض بالخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية. وهذا ما تسعى إليه مبادرة الحزام والطريق، من خلال اعتماد نهج تنموي مُستدام، يعتمد في جوهره على توظيف المزايا النسبية لكل دولة، وبناء منظومة تنموية متكاملة، تدعم بعضها البعض، عبر برامج تمويل وتسهيلات تضمن تنفيذ المشروعات بين دول المبادرة. وشدد الطائي على أن السلام خيار استراتيجي لكل شعوب العالم، خاصة وأن منهجية إشعال الحروب والصراعات التي يقتات من خلالها الغرب على حساب مصالح الشعوب في الدول النامية، تأكد أنها منهجية مُدمّرة، ولا يُمكِن أن تخدم مسيرة التنمية في هذه الدول. وتابع القول إن مبادرة الحزام والطريق، وبالتعاون بين الدول العربية والصين، تستهدف إطلاق نموذج تنموي جديد، يعمل على البناء والتطوير، بعيدًا عن فرض السياسات والاشتراطات التمويلية، لأن الهدف الجامع لهذه المبادرة يرتكز على تطوير المجتمعات وتعزيز مسيرة التحديث والتطوير والتنمية.

واستطرد قائلًا: إننا عندما نتحدث عن مبادرة الحزام والطريق ودور سلطنة عُمان فيها، نُشير بوضوح إلى نهج دبلوماسي عُماني فريد، يستفيد من العلاقات الثنائية التي تجمع سلطنة عُمان مع مختلف دول العالم، والبناء على هذه العلاقات لتطوير مسارات تعاون اقتصادي وتجاري واعدة، تحقق الأهداف المنشودة. وفي هذا الإطار، أعلنت سلطنة عُمان وجمهورية الصين الشعبية الصديقة في عام 2018 إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية، ارتكازًا إلى الثقة السياسية المتبادلة وعلاقات الصداقة التاريخية الراسخة، والتقدم الواضح في التعاون بمجالات الطاقة والاقتصاد والتجارة والترابط والتواصل الشعبي، إلى جانب الرغبة المُشترَكَة لدى الجانبين في مواصلة رفع مستوى العلاقات الثنائية. وأضاف أن سلطنة عُمان والصين تسعيان على الدوام إلى تعزيز التواصل والتشاور بين قيادتي البلدين ومواصلة التنسيق الدائم بشأن العلاقات الثنائية والقضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، ومواصلة توسيع الرؤى المشتركة وتعميق الثقة السياسية المتبادلة بينها، وغيرها من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتأكيد مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية والسعي لترسيخ أُسس الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.

وشدد الطائي على أن مبادرة الحزام والطريق ترسم سيناريوهات تنموية جديدة لشعوب المنطقة والعالم، استنادًا إلى رؤية طموحة تستهدف تنمية اقتصادية مُستدامة، تُقصي مُخططات الحروب ومؤامرات إشعال الصراعات في مختلف الدول، وتقول بصوتٍ عالٍ لمن يهمه الأمر ولتلك القوى الظالمة التي تنشر الدمار والفساد في العالم: كفى حروبًا.. كفى تدميرًا.. كفى إشعالًا لنيران الفتن..  حان وقت البناء والتنمية، حان وقت التطوير والتعمير، حان وقت الازدهار والنماء.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: الرئیس الصینی شی جین بینغ مبادرة الحزام والطریق الصین والدول العربیة الرئیس شی جین بینغ الصینیة العربیة فی الشرق الأوسط والاستقرار فی الدول العربیة الصینی العربی وأضاف أن فی عام إلى أن

إقرأ أيضاً:

الإعدامات ترتفع عالميا.. الصين تتصدر القائمة

قالت صحيفة "إل موندو" الإسبانية إن عقوبة الإعدام لا تزال تُستخدم على نطاق واسع حول العالم، حيث سُجّل تنفيذ 1,518 حكمًا بالإعدام خلال سنة 2024 في 15 دولة، وذلك وفقًا للبيانات التي وثّقتها منظمة العفو الدولية. وأشارت الصحيفة إلى أن الصين تصدّرت قائمة الدول المنفذة، غير أن أرقامها تبقى طيّ الكتمان باعتبارها من أسرار الدولة، فيما تُقدّر المنظمة عدد الإعدامات هناك بالآلاف.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي 21"، إن حصيلة الإعدامات خلال سنة 2024 تُعدّ الأعلى منذ عام 2015، وذلك استنادًا فقط إلى الحالات التي تمكّنت المنظمة من توثيقها. كما لفتت إلى أن هذه الأرقام لا تشمل الإعدامات غير المعلنة في الصين، حيث ترجّح منظمة العفو أن يتجاوز عددها مجموع الإعدامات في سائر الدول مجتمعة، وهو ما يعكس استمرار الاعتماد على هذه العقوبة القاسية رغم الدعوات الدولية المتزايدة لإلغائها.



وأشارت الصحيفة إلى ما صرحت به بياتريث مارتوس، من المكتب الإسباني لمنظمة العفو الدولية، إذ قالت: "نؤكد دائمًا أن أرقامنا أقل من الواقع، للأسف، لأننا لا نمتلك معلومات حول الإعدامات في الصين أو كوريا الشمالية أو فيتنام، حيث تُعدّ عقوبة الإعدام من أسرار الدولة، ما يحول دون الحصول على بيانات رسمية".

وأفادت الصحيفة، نقلًا عن مارتوس، أن "عدد حالات الإعدام القضائي التي تم توثيقها في عام 2024 بلغ 1,518، ما يمثل زيادة بنسبة 32 بالمئة مقارنة بالسنة السابقة"، مشيرة إلى أن هذه الزيادة تُعد "خبرًا سيئًا للغاية لحقوق الإنسان". وفي المقابل، رصد التقرير تطورًا إيجابيًا تمثل في ازدياد عدد الدول التي ألغت العقوبة، إذ ألغت 113 دولة عقوبة الإعدام من قوانينها الجنائية، فيما بلغ عدد الدول التي أوقفت تنفيذها قانونًا أو فعليًا 145 دولة، حتى وإن ظلت منصوصًا عليها في التشريعات.

وبيّنت الصحيفة أن 91 بالمئة من الإعدامات الموثقة خلال سنة 2024 نُفذت في ثلاث دول فقط: إيران التي ارتفعت فيها الإعدامات من 853 حالة في 2023 إلى 972 في 2024، والسعودية من 172 إلى 345 حالة (ما يمثل 64 بالمئة من مجمل الإعدامات المعروفة عالميًا)، والعراق من 16 إلى 63 حالة خلال الفترة نفسها.

وجاء في التقرير على لسان الأمينة العامة للمنظمة، أنياس كالامار، أن "السعودية والعراق وإيران كانت مسؤولة عن الارتفاع الكبير في عدد حالات الإعدام خلال السنة الماضية، إذ نفذت 91 بالمئة من الإعدامات المعروفة، منتهكةً حقوق الإنسان ومُنهيةً حياة أفراد بوحشية على خلفية تهم تتعلق بالمخدرات أو الإرهاب".

وقالت الصحيفة إن التقرير كشف عن أن الإعدامات في هذه الدول استُخدمت كأداة لإسكات الأصوات المعارضة، بما في ذلك المدافعون عن حقوق الإنسان، والمعارضون السياسيون، والمتظاهرون، وأفراد من الأقليات العرقية. وأضافت كالامار في هذا السياق: "من يجرؤون على تحدي السلطات يواجهون أشد العقوبات، لا سيما في إيران والسعودية، حيث تُستخدم عقوبة الإعدام لقمع أولئك الذين يمتلكون الشجاعة لرفع أصواتهم".

وأضافت الصحيفة أن كالامار حذّرت من أن أكثر من 40 بالمئة من الإعدامات الموثقة نُفذت في سياقات مخالفة للقانون الدولي، بسبب جرائم مرتبطة بالمخدرات. وأشارت إلى أن "القانون الدولي لحقوق الإنسان ينص على أن عقوبة الإعدام يجب أن تُطبق فقط في الجرائم الأشد خطورة، وبالتالي فإن فرضها في قضايا المخدرات يعد انتهاكًا لهذا المبدأ".

وأوضحت كالامار أن "الإعدامات المرتبطة بالمخدرات تكررت في السعودية، والصين، وإيران، وسنغافورة، وربما في فيتنام أيضًا، رغم صعوبة التحقق من ذلك"، مضيفةً أن "أحكام الإعدام في قضايا المخدرات غالبًا ما تطال الفئات المهمّشة اجتماعيًا واقتصاديًا، دون أن يكون هناك أي دليل على أن هذه العقوبة تُسهم فعليًا في الحد من تهريب المخدرات".

ورغم الصورة القاتمة، أشارت الصحيفة إلى أن التقرير سجّل تقدمًا طفيفًا على صعيد تقليص نطاق استخدام هذه العقوبة، إذ انخفض عدد الدول التي نُفذت فيها الإعدامات من 16 دولة في 2023 إلى 15 في 2024، وهو اتجاه إيجابي للعام الثاني على التوالي بعد خروج بنغلاديش من القائمة، وهي الدولة التي لم تتوقف عن تنفيذ الإعدامات منذ سنة 2018. وعلّقت كالامار بالقول: "هذا يشير إلى اتجاه عالمي متزايد نحو التخلي عن هذه العقوبة القاسية، واللاإنسانية، والمهينة".



"بثّ الرعب"
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أن تقرير منظمة العفو الدولية، الصادر تحت عنوان "أحكام الإعدام وتنفيذها في عام 2024"، يُبرز كيف لجأ عدد من القادة إلى توظيف عقوبة الإعدام بذريعة زائفة تتعلق بتحسين الأمن العام أو بغرض ترهيب السكان. كما سلط التقرير الضوء على حالة الولايات المتحدة، حيث سُجّل ارتفاع تدريجي في تنفيذ الإعدامات منذ تفشي جائحة كوفيد-19. ففي هذا البلد، الذي يُعدّ القوة الأولى عالميًا، نُفذت خلال عام 2024 أحكام إعدام بحق 25 شخصًا، أي بزيادة حالة واحدة عن العام السابق.

مقالات مشابهة

  • الإعدامات ترتفع عالميا.. الصين تتصدر القائمة
  • العفو الدولية: عمليات الإعدام تسجل أعلى مستوياتها في عقد... من هي الدول التي تتصدر القائمة؟
  • الوطنية للانتخابات تؤكد أهمية ترسيخ ثقافة المشاركة السياسية لدى الشباب
  • الهيئات المالية العربية تناقش بالكويت سبل تحقيق أهداف التنمية المستدامة
  • رئيس صحة الشيوخ: الرئيس السيس بروز الرؤية المصرية المتكاملة لمجمل القضايا الإقليمية
  • أمريكا تستخدم قواعد هذه الدول “العربية” للعدوان على اليمن
  • تأثر الدول العربية غداة إقرار ترامب التعريفات الجمركية
  • فؤاد من إيطاليا: الليبيون لا يستطيعون تحمل إجراءات «شد الحزام»
  • أبو الغيط: مستقبل الاستثمار في المنطقة العربية مرتبط بالاستقرار والتنمية المستدامة
  • ترتيب الدول العربية حسب نسبة «النساء» في البرلمان. ماذا عن ليبيا؟