يمن مونيتور:
2024-11-22@21:09:03 GMT

إيران… الحياة بوصفها إخفاءً بارعاً للموت

تاريخ النشر: 30th, May 2024 GMT

إيران… الحياة بوصفها إخفاءً بارعاً للموت

يغدو الطفل، حين يكبر ويُرسَل إلى المدرسة، بحاجة إلى معلّم جيّد، وليس إلى الممرّضة الجيّدة التي وَلدتْه.

هذه كانت الصورة التي استخدمها آرثر شوبنهاور للقول إنّ أوروبا تجاوزت المسيحيّة والحاجة إليها.

والحال أنّ المشكلة مع النظام الإيرانيّ، ومع أنظمة مشابهة متشبّثة بالبقاء رغم كلّ شيء، أنّ «الطفل» بلغ من العمر 45 عاماً، لكنّ الممرّضة لا تزال تتولّى رعايته.

وحين نتأمّل قليلاً في الحدث الأخير الذي أودى بابراهيم رئيسي وحسين أمير عبد اللهيان ورفاقهما، تتبدّى بوضوح نتائج ترك الممرّضة تتعهّد «الطفل». فليس من المبالغة القول إنّ إعلان وفاة القادة المذكورين انطوى على إعلان وفيّات كثيرة أخرى يُراد إقناعنا بأنّها علامات حياة وحيويّة. فالموت الثاني، الذي يُدارى إعلانه بالصمت والكتمان، يطال الواجهة السياسيّة للنظام، ومن ثمّ مبدأ الانتخاب الإيرانيّ الذي فرز هذه الواجهة. ذاك أنّ الأمور تمضي على حالها برئيس جمهوريّة وبوزير خارجيّة أو بدونهما، بنتيجة أنّ السلطة الفعليّة، وكما هو معروف، مستقرّة في يد المرشد الأعلى علي خامنئي ومعه «الحرس الثوريّ». وهذا ما يجعل الكثير من التحليلات التي ظهرت حول التغيّرات المحتملة في سياسة طهران تبذيراً في التكهّن. أمّا المراقبون الأقلّ تبذيراً فاستوقفهم الموضوع الفعليّ الذي هو وراثة المرشد، إذ هنا يكمن الجوهريّ.

وطال إعلانُ الموت الثاني التقنيّاتِ العلميّة المدنيّة التي يُراد للتقنيّات العسكريّة، المتقدّمة نسبيّاً، أن تحجب بؤسها. وفي وسع إيران أن تسمّي عِلمها عِلماً «مُقاوماً»، وهكذا، وعلى جاري العادة، تتغلّب لفظيّاً على غيابه وتحوّل الغياب إلى فضيلة. لكنّ الحقيقة أنّ البلد بدا، بمقاومة أو بدونها، كهلاً متداعياً، تماماً كما بدا الاتّحاد السوفياتيّ في آخر سنوات ليونيد بريجنيف، قبل أن يكشف انفجار تشيرنوبيل حجم تأخّره العلميّ والتقنيّ. وفي ظلّ قيادة ميخائيل غورباتشوف، راح يتبيّن أنّ ضربة معول واحدة كفيلة بجعل الهيكل كلّه يتداعى.

أمّا إعلان الموت الثالث فكان موضوعه المعرفة المتاحة للسكّان. فالحصول على معلومات تبدّد الغموض والارتياب هو، في ذاك البلد السريّ، كالبحث عن النور تحت الوسادة. وأمّا «تسريب» معلومة مخالفة للرواية الرسميّة، أو تسريبها قبل «أوانها»، عملاً بـ «الأوان» كما تحدّده السلطة، فيندرج حتماً في التآمر. وسلوكٌ كهذا يُكسبه زمن التواصل الاجتماعيّ وشيوع المعلومات طبيعة فضائحيّة.

تُضاف إعلانات الموت هذه، التي دلّ إليها حدث واحد، إلى مِيْتات كثيرة معروفة وشائعة، بعضها يخصّ الوضع الاقتصاديّ المتهرّىء، وبعضها يطال أحوال المرأة التي باتت مصائر مهسا أميني، وقبلها نِدى آغا سلطان، شهادتين عليها، وهذا فضلاً عن إحراز أعلى نسبة إعدام في العالم قياساً بعدد السكّان، أو الشعور العميق بأنّ أدوار طهران الخارجيّة لا تزدهر إلاّ وسط التوتّر، فيما تنتكس مع كلّ تحوّل سلميّ في المنطقة. ويبقى جلوس القادة السياسيّين والعسكريّين المفترضين عند قدمي المرشد، المتربّع على منصّة أعلى، مشهداً فريداً ليس له مُعادل في العالم كلّه.

وهذا لا يعني أنّ إيران ميّتة، فهي حيّة جدّاً: تستطيع أن ترعى مشروعاً نوويّاً، وأن يُحسب حسابها في المعادلات الإقليميّة والدوليّة. وهي تُنزل إلى الشارع حشوداً ضخمة تغضب بكبسة زرّ، موزّعةً «الموت» يمنة ويسرة بقبضات مشدودة وهتاف واحد مُوقّع. وتستطيع، إلى هذا، أن تبني مواقع نفوذ جدّيّة في أربع عواصم عربيّة، وتمضي في احتلال قسم معتبر من سوريّا أرضاً وسلطةً.

وهكذا فنموذجها نموذج باهر في جعل الحياة إخفاءً ناجحاً للموت، ومن ثمّ إدامة هذا الإخفاء زمناً يطول أو يقصر. وفي تلك الغضون يقتدي بالنموذج هذا كثيرون، بعضهم يقولون إنّهم يريدون تحرّراً ما، وبعضهم يريدون تحريراً ما، وثمّة منهم مَن يعلنون نيّتهم العيشَ كما عاش الأجداد، وهذا مع الشكّ العميق في أن يكون أجدادنا قد عاشوا هكذا. ويتعاظم التوكيد على راهنيّة النموذج الإيرانيّ وصلاحه فيما الغرب ونموذجه يواجهان أصعب أزمنتهما كما يتزايد الشكّ بهما. وإذ تطرد دول أفريقيّة آخر المواقع الغربيّة لديها، تصدح في جامعات أميركيّة أصوات تعبّىء العالم ضدّ استعمار يقال أنّه يصدّ الهواء عن شعوب الأرض قاطبةً.

ونعلم أنّ ثورة 1979 الإيرانيّة كانت ولا تزال أكمل ردّ على النموذج الغربيّ بكلّيّته، بالإمبرياليّ فيه وبالتنويريّ، ما يوحي بأنّ ما يخسره ذاك الغرب ربحٌ صافٍ لنموذجها.

بيد أنّ إيران ومن يوالونها يسيرون إلى متاهة عظمى لا تكفي أزمة النموذج الغربيّ لإسباغ الوضوح والوجهة عليها. يُستدل على المتاهة تلك بالموت الكثير المطمور تحت سطح الحياة المصطنعة. وبالضبط لأنّ القوّة المدّعاة عارضة وعابرة، ولو طال بها الزمن، يُفرض على الإيرانيّين البقاء أطفالاً ترعاهم الممرّضة، ولا تسعى بهم قدم إلى مدرسة.

*نشر أولاً في صحيفة الشرق الأوسط

يمن مونيتور30 مايو، 2024 شاركها فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام تهاوي أرباح "ميرسك" بسبب هجمات البحر الأحمر والشركة تعلق إعادة شراء أسهمها مقالات ذات صلة تهاوي أرباح “ميرسك” بسبب هجمات البحر الأحمر والشركة تعلق إعادة شراء أسهمها 30 مايو، 2024 بعضوية 167 دولة.. الحوثيون في مرمى قرار المنظمة البحرية الدولية لأول مرة 29 مايو، 2024 غرق سفينة تجارية هندية قبالة سواحل سقطرى اليمنية وفقدان أحد أفراد طاقمها 29 مايو، 2024 البرازيل تسحب سفيرها لدى الاحتلال ردا على المجازر في غزة 29 مايو، 2024 اترك تعليقاً إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التعليق *

الاسم *

البريد الإلكتروني *

الموقع الإلكتروني

احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.

Δ

شاهد أيضاً إغلاق آراء ومواقف العودة إلى تفاهة الشر 26 مايو، 2024 الأخبار الرئيسية بعضوية 167 دولة.. الحوثيون في مرمى قرار المنظمة البحرية الدولية لأول مرة 29 مايو، 2024 غرق سفينة تجارية هندية قبالة سواحل سقطرى اليمنية وفقدان أحد أفراد طاقمها 29 مايو، 2024 مباحثات يمنية صومالية حول هجمات الحوثيين البحرية وتأثيرها على المنطقة 29 مايو، 2024 منظمة دولية: الحكم الصادر بحق الصحفي اليمني أحمد ماهر “تعسفي وجائر” 29 مايو، 2024 الحوثيون يتبنون إسقاط طائرة مسيرة أمريكية في مأرب 29 مايو، 2024 الأكثر مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 اخترنا لكم العودة إلى تفاهة الشر 26 مايو، 2024 ملاحظات على هامش جدل الوحدة والانفصال في اليمن 24 مايو، 2024 ‏كارتيل الموت في صنعاء يدافع عن المبيدات 23 مايو، 2024 السلطة والدولة في إيران 22 مايو، 2024 الوحدة ذاكرة الوطن وروحه 21 مايو، 2024 الطقس صنعاء غيوم متفرقة 22 ℃ 28º - 20º 19% 3.77 كيلومتر/ساعة 28℃ الخميس 28℃ الجمعة 29℃ السبت 30℃ الأحد 29℃ الأثنين تصفح إيضاً إيران… الحياة بوصفها إخفاءً بارعاً للموت 30 مايو، 2024 تهاوي أرباح “ميرسك” بسبب هجمات البحر الأحمر والشركة تعلق إعادة شراء أسهمها 30 مايو، 2024 الأقسام أخبار محلية 26٬671 غير مصنف 24٬158 الأخبار الرئيسية 13٬525 اخترنا لكم 6٬768 عربي ودولي 6٬475 رياضة 2٬209 كأس العالم 2022 72 اقتصاد 2٬122 كتابات خاصة 2٬031 منوعات 1٬913 مجتمع 1٬795 تراجم وتحليلات 1٬626 تقارير 1٬535 صحافة 1٬466 آراء ومواقف 1٬450 ميديا 1٬327 حقوق وحريات 1٬268 فكر وثقافة 862 تفاعل 786 فنون 465 الأرصاد 237 أخبار محلية 130 بورتريه 63 كاريكاتير 29 صورة وخبر 26 اخترنا لكم 13 الرئيسية أخبار تقارير تراجم وتحليلات حقوق وحريات آراء ومواقف مجتمع صحافة كتابات خاصة وسائط من نحن تواصل معنا فن منوعات تفاعل من نحن تواصل معنا فن منوعات تفاعل © حقوق النشر 2024، جميع الحقوق محفوظة   |   يمن مونيتورفيسبوكتويتريوتيوبتيلقرامملخص الموقع RSS فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق فيسبوكتويتريوتيوبتيلقرامملخص الموقع RSS البحث عن: أكثر المقالات مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 أكثر المقالات تعليقاً 30 ديسمبر، 2023 انفراد- مدمرة صواريخ هندية تظهر قبالة مناطق الحوثيين 21 فبراير، 2024 صور الأقمار الصناعية تكشف بقعة كبيرة من الزيت من سفينة استهدفها الحوثيون 4 سبتمبر، 2022 مؤسسة قطرية تطلق مشروعاً في اليمن لدعم أكثر من 41 ألف شاب وفتاه اقتصاديا 26 فبراير، 2024 معهد أمريكي يقدم “حلا مناسباً” لإنهاء هجمات البحر الأحمر مع فشل الولايات المتحدة في وقف الحوثيين 19 يوليو، 2022 تامر حسني يثير جدل المصريين وسخرية اليمنيين.. هل توجد دور سينما في اليمن! 27 سبتمبر، 2023 “الحوثي” يستفرد بالسلطة كليا في صنعاء ويعلن عن تغييرات لا تشمل شركائه من المؤتمر أخر التعليقات yahya Sareea

What’s crap junk strategy ! Will continue until Palestine is...

Tarek El Noamany

الله يصلح الاحوال store.divaexpertt.com...

Tarek El Noamany

الله يصلح الاحوال...

Fathi Ali Alfaqeeh

الهند عندها قوة نووية ماهي كبسة ولا برياني ولا سلته...

راي ااخر

ما بقى على الخم غير ممعوط الذنب ... لاي مكانه وصلنا يا عرب و...

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: هجمات البحر الأحمر فی الیمن ة التی

إقرأ أيضاً:

بعد أن حاولت إخفاء الحقيقة عن أبناء الشعوب العربية والإسلامية .. السعودية تكشف المستور وهذا ماظهر

يمانيون /

الحقيقة التي حاولت المملكة السعودية إخفاءها خلف عبائتها المزيفة تظهر للعالم :

مقالات مشابهة

  • تركيا تدين هجوما صاروخيا للمتمردين الحوثيين استهدف سفينة شحن في البحر الأحمر
  • من هي ”أم كيان” التي تقود الاستخبارات النسائية لدى الحوثيين؟
  • النقد الدولي: مصر تفقد 70 بالمئة من إيرادات قناة السويس بسبب هجمات الحوثيين
  • تصريح صادم.. أمريكا تبرّئ إيران من دعم الحوثيين وتتهم هذه الدولة
  • العمدة صالح كوري: احرص على الموت توهب لك الحياة
  • النقد الدولي: قناة السويس تفقد 70% من الإيرادات بسبب هجمات الحوثيين
  • ميليشيا حشدوية:سنقاتل إسرائيل حتى الموت من أجل الدفاع عن إيران
  • أنقرة تندد باستهداف الحوثيين سفينة تركية بالبحر الأحمر
  • مجموعة تجارية أمريكية تدعو الرئيس بايدن لحماية الممرات الملاحية الدولية في البحر الأحمر من هجمات الإرهابيين الحوثيين
  • بعد أن حاولت إخفاء الحقيقة عن أبناء الشعوب العربية والإسلامية .. السعودية تكشف المستور وهذا ماظهر