كيف تتغلب على متلازمة المقعد الفارغ؟
تاريخ النشر: 30th, May 2024 GMT
تشير متلازمة "المقعد الفارغ" إلى التأثير النفسي الذي يشعر به الفرد بسبب الغياب الجسدي لشخص ذي معنى في حياته والفراغ الذي يتركه بعد مغادرته، سواء كان زوجا أو زوجة أو أحد الوالدين أو الأخوة أو الأبناء أو حتى الأصدقاء والزملاء.
ورغم ارتباط هذه المتلازمة عادة بوفاة شخص عزيز، فإنها قد تحدث أحيانا نتيجة الانفصال العاطفي عن الزوج، أو خسارة صديق أو حتى سفر الأبناء، وعادة ما تلازم الفرد في تلك اللحظات التي يُفترض أن يحتفل فيها ويشعر بالفرحة، كما في الأعياد والمناسبات، وبالأخص القريبة من تاريخ الخسارة، وفق موقع "اكسبلورينغ مايند".
تحكي السيدة ناهد (65 عاما) التي توفي زوجها منذ أكثر من 10 سنوات، أنها لم تلبّ أي دعوة لحضور حفل زفاف أو أي مناسبة عائلية منذ رحيله، خوفا من الحنين إلى مكانه الذي أصبح فارغا، وطقوسه المميزة في مثل هذه المناسبات.
أما لورين موراي، فتوضح لموقع "إيه جي سي" أن تجربتها الأولى مع متلازمة "المقعد الفارغ" جاءت بعد فترة قصيرة من وفاة زوجها، عندما ذهبت إلى مطعم برفقة مجموعة من أفراد أسرتها، "وبينما كنا نجلس على طاولة كبيرة، لم أستطع أن أصرف انتباهي طوال الوقت من تخيل زوجي وهو يجلس على مقعد بجواري، كما كان يفعل منذ عقود".
أشار استطلاع للرأي عام 2021، شمل ألفي بالغ أميركي، إلى أن 36% من المشاركين لا يحبذون الاحتفال بالأعياد بسبب مشاعر الحزن والخسارة التي تثيرها التجمعات العائلية، إذ يعجز الشخص عن الاندماج مع الآخرين، ويظل يتفقد الحاضرين بحثا عن صاحب المقعد الخالي الذي كان موجودا ذات يوم.
كما يجد الشخص صعوبة في الشعور بالسعادة أو حتى السيطرة على مشاعره، ويبدو الأمر كما لو أن الجرأة على الضحك والاستمتاع أصبحت بحد ذاتها خيانة للغائب أو عدم احترام له.
وفي هذا الصدد، توضح عالمة النفس جيل هارينغتون أن المناسبات الخاصة غالبا ما تثير ذكريات جميلة عن الشخص الذي نفتقده، مما يزيد من حدة ألم غيابه، وكلها مشاعر تتناسب تماما مع الخسارة، وإن اعتبرها المحيطون مشاعر سلبية، بسبب القولبة المجتمعية التي تحدد السلوك النمطي الذي ينبغي أن يكون عليه الشخص في الأعياد والمناسبات.
ولفتت هارينغتون إلى أن مشاعر الحزن يمكن أن يطلق عليها "الاكتئاب البسيط" ويختلف تماما عن "الاكتئاب السريري" الناتج عن اضطراب المزاج وعدم اهتمام الفرد بحياته، داعية إلى بذل المزيد من الجهود لاستعادة التوازن، حتى لا يقع الشخص في فخ الحزن والاكتئاب، وفق موقع "هيلث لاين" ومجلة "ديسكفر".
يعتبر الحزن رحلة شخصية للغاية، ولا توجد طريقة صحيحة للتعبير عنه وأخرى خاطئة، فمثلا، يفضل البعض العزلة والاختلاء بأنفسهم، بينما يريد آخرون أن يكونوا محاطين بمن حولهم، ويرغب بعض الأشخاص في التحدث، في حين يفضل آخرون الصمت، إذن لا توجد إستراتيجيات محددة لتخطي مشاعر الفقد، ولكن هذه بعض الأفكار والنصائح التي يمكن أن تساعدك:
لا تخفِ حزنك، ولا تقلل من شأن مشاعرك: فالحزن شعور طبيعي، لذا، امنح نفسك الوقت الكافي للشعور به، وحاول التعبير عنه بالطريقة المناسبة لك سواء بالحديث أو حتى البكاء إذا احتجت لذلك. تخلص من الشعور بالذنب: لا يعني الشعور بالفرح في المناسبات أنك توقفت عن محبة الشخص الذي تفتقده، وضع في اعتبارك أنه يريد سعادتك ويتمنى لك الأفضل، فلا تسمح لمشاعر الذنب أن تسيطر عليك. حافظ على التقاليد القديمة: يمكنك الاحتفاظ بنفس الطقوس والعادات المميزة التي كنت تشاركها مع الشخص الغائب، إذا حقق لك ذلك شيئا من الهدوء النفسي، مثل تجهيز أضحية عيد الأضحى بنفس طقوسه المفضلة أو زيارة أقارب معينين في صباح يوم العيد وتذكر المواقف الإيجابية واللحظات السعيدة المشتركة معه، إذ إن التذكر الجماعي قد يعزز العلاج. لا تنعزل: وجودك وسط التجمعات العائلية يجنبك مخاطر العزلة، قد لا تكون في أفضل حالاتك، يمكنك أخذ قسط من الراحة بين الحين والآخر خلال الوُجود، مثل الخروج لاستنشاق الهواء النقي، وخلال هذا الوقت يمكنك ممارسة تمرين التنفس أو إرسال رسالة نصية لصديق، وقد أشارت مراجعة منهجية عام 2022 أن تمارين التنفس كانت إحدى طرق تخفيف القلق والتوتر والاكتئاب، كذلك توصلت دراسة نشرتها دورية الجمعية الطبية الأميركية "غاما" عام 2021 أن مكالمة هاتفية متعاطفة يمكن أن تخفف من مشاعر القلق والوحدة، كما ساعدت في تحسين الصحة العقلية للمشاركين خلال مدة الدراسة. ممارسة أنشطة حياتية جديدة: يمكنك الانشغال عن الحزن وممارسة أنشطة جديدة تشعرك بالقرب من الشخص الذي تفتقده، مثل: التصدق عنه وذكر سيرته الطيبة أو ممارسة رياضات معينة للتغلب على مشاعرك السلبية.العلاج السلوكي المعرفي: قد تحتاج إلى هذه الجلسات للتعبير عن كل مشاعرك بصدق وتجنب الوقوع في منحدر الوحدة والاكتئاب.
قد يواجه الوالدان أعراض متلازمة المقعد الخالي مع سفر الأبناء للدراسة أو التحاقهم بجامعات بعيدة، أو لعملهم، وهنا تمتزج مشاعر الفخر والفرح مع مشاعر الحزن والحرمان من الأبناء.
وبحسب استطلاع قامت به جامعة كلارك الأميركية عام 2013، وشمل أكثر من ألف والد ممن التحق أبناؤهم بجامعات بعيدة، فإن 84% من الآباء افتقدوا أبناءهم بمجرد رحيلهم وشعروا بنفس أعراض متلازمة المقعد الفارغ، لكن 60% كانوا سعداء بقضاء المزيد من الوقت مع شركائهم أو ممارسة أنشطة حياتية جديدة.
ويمكن إدارة هذا المزيج من المشاعر من خلال اتباع نصائح الخبراء، وفق تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية:
تقبل المشاعر المتناقضة، والتي تجمع بين الرغبة في أن يحصل ابنك على الاستقلال وأن يظل قريبا منك. وضع خطط لقضاء العطلات والإجازات مع ابنك وتعويض ما فاته من مناسبات. القيام بأنشطة حياتية جديدة تشغلك عن التفكير في غياب أحد الأبناء، مثل إحياء التواصل مع أصدقاء الدراسة، أو المشاركة في سباقات الجري، أو ركوب الدراجات، أو رعاية حيوان أليف، وغيرها.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الشخص الذی أو حتى
إقرأ أيضاً:
مختصون: حماية الأحداث مسؤولية مشتركة .. والعقوبات البديلة ضرورة للإصلاح
تُعد ظاهرة جنوح الأحداث من أبرز القضايا الاجتماعية والأمنية التي تتطلب تضافر الجهود بين مختلف الجهات ذات الصلة لضمان حماية المجتمع من الجرائم، وفي الوقت نفسه تقديم الدعم اللازم لضمان إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع.
"عمان" استطلعت آراء عدد من المختصين في المجالين القانوني والأسري، حيث أكد المحامي المستشار إبراهيم بن سليمان البلوشي على أهمية التشريعات القانونية في حماية الأحداث من الوقوع في الجريمة باعتبارها تمثل إطارًا قانونيًا يهدف إلى حماية الأطفال والأحداث في سلطنة عمان، إلا إنها لا تقتصر عليها فحسب، بل تشمل جهودًا مشتركة ومستمرة من المؤسسات الحكومية والمجتمعية التي تعمل من خلال برامج توعية وتأهيلية تهدف إلى منع الأحداث من الوقوع في براثن الجريمة وتعزيز سلوكياتهم الإيجابية في المجتمع وتسهم في ضمان بيئة آمنة تسهم في بناء جيل قادر على الاندماج بشكل فعال في المجتمع، بعيدًا عن سلوكيات الانحراف والجنوح.
ويشير البلوشي إلى أهمية التعاون في مجال الوقاية والتوعية من خلال برامج توعية أسرية وتربوية تُنظم بالشراكة بين الجهات الأمنية والمؤسسات الاجتماعية والمدارس. تهدف إلى توعية الأسر بأهمية التربية السليمة ومتابعة الأبناء بشكل مستمر، مع التركيز على تعزيز دور المجتمع في الوقاية من الجنوح قبل حدوثه.
وأوضح أن التوعية المجتمعية والإعلامية تلعب دورًا محوريًا في نشر الوعي حول مخاطر الجنوح وأسبابه، من خلال حملات إعلامية تهدف إلى تسليط الضوء على سبل الوقاية منه.
التأهيل والإصلاح
وأضاف أن التعاون في مجال العلاج وإعادة التأهيل يشكل ركيزة أساسية للحد من الجنوح، حيث يتم تنفيذ برامج تأهيلية شاملة تقدم خدمات تعليمية ومهنية تهدف إلى مساعدة هؤلاء الأحداث على اكتساب المهارات اللازمة التي تسهل اندماجهم في المجتمع بعد الإفراج عنهم. كما لفت إلى أهمية التعاون مع الجهات المعنية لتوفير فرص تدريب مهني للأحداث داخل دور الرعاية أو الإصلاحيات، ودعمهم للحصول على فرص عمل بعد خروجهم، إضافة إلى برامج إعادة الإدماج المجتمعي التي توفر الدعم المستمر والمراقبة بعد الإفراج عنهم لضمان عدم عودتهم إلى الجريمة.
وأكد على ضرورة تعزيز البدائل غيرالعقابية مثل التدابير التأهيلية والعلاجية بدلًا من الاحتجاز في الحالات التي لا تتطلب ذلك
ضمان حقوق الحدث الجانح خلال مراحل التحقيق والمحاكمة بما يتماشى مع القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية، والتعاون لإجراء دراسات ميدانية وتحليل أسباب الجنوح واتجاهاته، مما يسهم في وضع استراتيجيات فعّالة لمواجهة هذه الظاهرة.
ويرى البلوشي أن العقوبات يجب أن تكون قائمة على مبدأ الإصلاح وإعادة التأهيل بدلاً من العقاب وأن الأحداث الجانحين يُعتبرون في مرحلة تكوين نفسي واجتماعي، مما يتطلب معاملة خاصة تختلف عن معاملة البالغين، وأن تشمل العقوبات الإصلاحية مراقبة الحدث تحت إشراف قضائي لضمان تقويم سلوكه، بالإضافة إلى الإيداع في مؤسسات إصلاحية متخصصة لتعليمهم مهارات حياتية وإعادة تأهيلهم، مبينا أن الخدمة الاجتماعية تعد من أهم التدابير، حيث يُطلب من الحدث أداء أعمال تطوعية للمجتمع، مما يساعد على تنمية إحساسه بالمسؤولية ويعزز اندماجه في المجتمع بعد تأهيله.
التحديات والحماية القانونية
فيما يتعلق بمدى كفاية العقوبات الحالية لردع الأحداث الجانحين، يوضح أن الإجابة تتطلب النظر إلى مجموعة من العوامل المؤثرة. أولها هو ارتفاع معدلات الجرائم بين الأحداث، حيث تشير بعض التقارير إلى تصاعد نسب ارتكاب الجرائم بين القُصّر، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت العقوبات الحالية رادعة بما فيه الكفاية. كما أن العديد من مراكز الإصلاح تفتقر إلى برامج إعادة تأهيل فعّالة تركز على تعديل سلوك الحدث وتوجيهه نحو حياة مستقرة بعد خروجه من المؤسسات العقابية.
وأشار البلوشي إلى أن العقوبات وحدها لا تكفي إذا لم يتم التعامل مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تدفع الأحداث إلى الجنوح، مثل الفقر، والتفكك الأسري، كما أن غياب المتابعات بعد الإفراج عن الأحداث يمثل ثغرة كبيرة، حيث يفتقر الكثير منهم إلى الدعم المطلوب، مما يعرضهم للعودة إلى السلوك الإجرامي بسبب البيئة التي يعودون إليها.
أوضح البلوشي أن الحماية تبدأ بمراعاة سن المسؤولية الجنائية، حيث تحدد معظم القوانين سنًا معينًا يُعتبر بعدها الحدث مسؤولًا جنائيًا. وبالنسبة لأولئك الذين لم يتجاوزوا هذا السن، يتم تبني بدائل إصلاحية بعيدًا عن العقوبات السالبة للحرية. كما يشدد القانون على ضرورة الحد من التوقيف، حيث يُسمح به فقط في أضيق الحدود ولفترة محدودة تحت إشراف جهة قضائية مختصة.
ومن بين الضمانات الأساسية التي تضمن حقوق الحدث، أوضح البلوشي أن القانون يفرض إخطار ولي الأمر فور توقيف الحدث لضمان دعمه الأسري والقانوني في هذه المرحلة، فضلاً عن ضرورة توفير محام للدفاع عن الحدث أثناء التحقيق والمحاكمة. وأشار إلى أن سرية المحاكمات تعد من الضمانات الهامة، حيث تتم محاكمة الأحداث في جلسات مغلقة لحفظ خصوصيتهم وعدم تعريضهم للوصم الاجتماعي، وأن محاكم الأحداث عادة تتبنى عادة نهجًا إصلاحيًا يركز على إعادة تأهيل الحدث بدلاً من اللجوء إلى العقوبات الجنائية القاسية.
وفيما يتعلق بالإجراءات التي تضمن عدم تعرض الحدث الجانح للاستغلال أو سوء المعاملة، أكد البلوشي أن القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية تفرض مجموعة من الضمانات لحماية الأحداث أثناء فترات التوقيف أو التحقيق أو العقوبة. من أبرز هذه الضمانات، الفصل بين الأحداث والبالغين في أماكن التوقيف، مما يحد من تعرضهم لمخاطر العنف أو التأثير السلبي من المجرمين البالغين.
وأضاف البلوشي أن من الجهود المهمة التي يجب أن تُبذل هو العمل على تحسين أوضاع مراكز الرعاية والتأهيل للأحداث الجانحين، حيث يجب أن توفر بيئة آمنة وداعمة تسهم في إعادة دمجهم في المجتمع. ولفت إلى أن حملات تدريبية تستهدف العاملين في مجال عدالة الأحداث، بما في ذلك القضاة، والشرطة، والأخصائيين الاجتماعيين، تعد ضرورية لضمان تعاملهم مع الأحداث وفقًا للمعايير الحقوقية، مما يساعد على تحقيق التوازن بين الردع والإصلاح بشكل يتماشى مع حقوق الإنسان.
أساليب التربية
وتؤكد المحامية فاطمة بنت خميس المقبالية أن الجنوح هو سلوك عدواني يظهر في مرحلة المراهقة، ويعكس تصرفات تدل على سوء الخلق والفوضى والاستهتار، وهو ما قد يؤدي إلى ارتكاب الجرائم. وأوضحت أن هذا السلوك يمكن أن يكون نتيجة لعدة عوامل تؤدي إلى انحراف الأحداث، أبرزها العوامل النفسية مثل الحرمان المبكر أو الصراعات الأسرية والاجتماعية، التي تخلق مشاعر القلق والتوتر، ما يدفع المراهقين إلى سلوكيات غير سوية. كما أن العوامل الاقتصادية تلعب دورًا كبيرًا، حيث قد يدفع الفقر أو الحرمان المراهقين إلى البحث عن طرق غير قانونية لتلبية احتياجاتهم، خاصة في ظل غياب التواصل الإيجابي بين الوالدين والطفل.
وأضافت المقبالية أن العوامل الاجتماعية، مثل الخلافات الأسرية المستمرة والتوتر بين أفراد العائلة وغياب الاحترام بين الأبوين، تسهم بشكل مباشر في انحراف الأحداث، مشيرة إلى أن الطلاق أو الحرمان من أحد الأبوين يترك أثرًا نفسيًا عميقًا، كما أن العنف الأسري أو التدليل المفرط وصرف الأموال بلا ضوابط كلها سلوكيات تخلق بيئة غير صحية، مما يدفع المراهق نحو الجنوح.
وفيما يخص الحلول المقترحة، ترى المقبالية أن الأطفال في هذه المرحلة العمرية بحاجة إلى رعاية وتوجيه مستمرين، لا سيما فيما يتعلق باختيار الأصدقاء والتعامل مع المجتمع،كما ينبغي تنويع أساليب التربية، وتذكير الأسرة بدورها الأساسي في غرس القيم الأخلاقية من خلال الحوار والتفاهم المتبادل بين الآباء والأبناء، مشيرة إلى أن التربية السليمة هي مسؤولية مشتركة بين الأب والأم، داعية إلى أهمية تجنب مناقشة المشكلات الأسرية أمام الأطفال، خصوصًا تلك التي تتجاوز قدراتهم الإدراكية، كما دعت إلى ضرورة أن يلعب المجتمع دوره في مكافحة هذه الظاهرة، بدءًا من المؤسسات التعليمية التي ينبغي أن تخلق بيئة دمج حقيقية للأطفال، والعمل على رصد أي اضطرابات سلوكية في مراحل مبكرة، كما على الإعلام أن يراعي عند تقديم محتواه الابتعاد عن القصص التي تروج للعنف أو تقلل من هيبة القانون، مع التركيز على تقديم برامج ترفيهية وتثقيفية هادفة تراعي احتياجات المراهقين النفسية والفكرية. وأكدت المحامية على أهمية تعزيز دور الأسرة في حماية الأطفال من العنف وسوء المعاملة، مع نشر الوعي بين الآباء حول المشكلات النفسية والاجتماعية التي قد يواجهها المراهقون. وأشارت إلى أن الأنشطة التثقيفية والترفيهية التي تلبي احتياجات الشباب تخلق بيئة صحية تساعدهم على ملء أوقات فراغهم بشكل إيجابي، فمن الضروري منح الأطفال والمراهقين الفرصة للتعبير عن آرائهم ومشاعرهم، وتنمية الوعي الديني والقيمي لديهم، مع الحرص على تجنيبهم آثار الخلافات العائلية.
دور الأسرة
من جانبها، أكدت نادية بنت راشد المكتومية الرئيسة التنفيذية لمركز نادية المكتومية للإرشاد النفسي والاستشارات الأسرية، أن الأسرة هي اللبنة الأساسية في بناء شخصية الأبناء وتوجيههم نحو السلوك السليم، خاصة في مرحلة المراهقة التي تشهد تغيرات نفسية وسلوكية عديدة. وأوضحت أن البيئة الأسرية المتوازنة، التي تجمع بين الرقابة الوالدية والاستقلالية، تعد العامل الرئيسي في حماية الأبناء من الانحراف، حيث تعزز فيهم قيم الرقابة الذاتية والتواصل الفعّال.
وبيّنت المكتومية أن العلاقة الأسرية المبنية على الحب والاحترام والتفاهم تقلل من احتمالية انحراف الأبناء، بينما التفكك الأسري أو الإهمال العاطفي قد يدفع الأبناء للبحث عن انتماءات أخرى غير آمنة. وأضافت أن توفير بيئة أسرية مستقرة وداعمة يساعد الأبناء في بناء شخصية قوية ومتزنة، قادرة على اتخاذ قرارات صائبة وتحمل المسؤولية.
أساليب التربية
أكدت المكتومية أن أساليب التربية المتطرفة، سواء من خلال المراقبة الصارمة أو منح الحرية المطلقة، قد تؤدي إلى نتائج غير مرغوبة. فالرقابة المشددة قد تدفع الأبناء إلى البحث عن الحرية بطرق غير صحيحة، في حين أن الإهمال قد يخلق لديهم شعورًا بعدم الاهتمام، مما يجعلهم أكثر عرضة للتأثر بأقران السوء أو الانخراط في سلوكيات غير سليمة. وأشارت إلى أن الحل الأمثل يكمن في تحقيق التوازن بين الرقابة والاستقلالية، بحيث يُتاح للأبناء مساحة لاتخاذ قراراتهم الخاصة، مع وجود إرشاد غير مباشر من الوالدين يساعدهم على التمييز بين الصواب والخطأ.
ولفتت المكتومية إلى أن غرس الرقابة الذاتية في الأبناء منذ الصغر يُعد من أهم القيم لحمايتهم من الانحراف، بحيث يكون لديهم وعي داخلي يوجه سلوكهم، بدلاً من أن يكونوا مدفوعين بالخوف من العقاب. وأضافت أن هذا التوجه يتطلب تعزيز القيم الدينية والأخلاقية في الحياة اليومية للأبناء، وتعليمهم تحمل المسؤولية عن أفعالهم وقراراتهم، إلى جانب تقديم القدوة الحسنة من قبل الوالدين في السلوك والتصرفات.
وأكدت المكتومية أن الحوار الأسري المفتوح والودي يعد من العوامل الرئيسية لحماية الأبناء من الانحراف، حيث يتيح لهم فرصة التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بحرية، مما يعزز ثقتهم بأنفسهم ويجعلهم أقل عرضة للبحث عن مصادر أخرى قد تكون مضللة. وأوضحت أن هذا النوع من الحوار يساعد في تقوية العلاقة بين الآباء والأبناء وتعزيز الشعور بالانتماء، كما يسهم في فهم احتياجات الأبناء وتوجيههم بطريقة إيجابية، ويحصنهم ضد التأثيرات السلبية من الأقران أو وسائل الإعلام.
الوعي الرقمي
وتطرقت نادية بنت راشد المكتومية إلى تأثير التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي على سلوكيات المراهقين، حيث أصبح الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية. وأوضحت أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن التعرض المستمر للمحتوى العنيف وغير الملائم قد يترك آثارًا سلبية على تفكير وسلوكيات المراهقين. على سبيل المثال، تسهم الألعاب الإلكترونية العنيفة، ومقاطع الفيديو التي تروج للتنمر، والمحتوى غير الأخلاقي في تعزيز السلوكيات العدوانية وتقليل التعاطف مع الآخرين. كما قد يدفع المراهقين إلى تقليد التصرفات السلبية التي يشاهدونها عبر الإنترنت.
وأشارت المكتومية إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة مفتوحة لنشر محتوى غير ملائم قد يؤثر بشكل كبير على القيم والمعتقدات لدى المراهقين. في هذا السياق، يصبح هؤلاء المراهقون أكثر عرضة لتبني أفكار وسلوكيات غير سليمة، بما في ذلك المشاركة في التحديات الرقمية الخطيرة التي قد تقودهم إلى خوض تجارب محفوفة بالمخاطر بهدف تحقيق شعبية زائفة أو الحصول على إعجابات وتعليقات.
وأكدت المكتومية أن الوعي الرقمي أصبح من أهم الوسائل لحماية المراهقين من التأثيرات السلبية للتكنولوجيا فلم يعد كافيا الاعتماد فقط على الرقابة الأبوية، بل يجب تعليم الأبناء كيفية التفاعل مع المحتوى الرقمي بشكل واعٍ ومسؤول. وتُعتبر التربية الرقمية جزءًا أساسيًا من عملية التنشئة الاجتماعية، حيث يتم تعليم المراهقين كيفية التمييز بين المحتوى المفيد والضار، وتعزيز التفكير النقدي لديهم ليتمكنوا من التعامل بحذر مع الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة المنتشرة على الإنترنت.
كما تناولت أهمية إشراك المراهقين الذين تورطوا في العنف الإلكتروني أو التنمر الرقمي في حملات توعوية حول مخاطر الإنترنت، أو تمكينهم من العمل في مؤسسات تقدم الدعم النفسي لضحايا العنف الرقمي. بهذه الطريقة، يُمكن للمراهقين أن يدركوا عواقب أفعالهم ويقوموا بتصحيح سلوكهم بطريقة أكثر استدامة مقارنة بالعقوبات التقليدية.
وأشارت إلى أهمية فتح قنوات التواصل بين الأهل والأبناء لمساعدتهم في التوجيه الصحيح لاستخدام التكنولوجيا. كما يجب وضع ضوابط واضحة ومتوازنة للحد من الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي وتعزيز فكرة استخدام الإنترنت بطريقة إيجابية.
أكدت المكتومية على إعادة النظر في طرق معالجة الانحرافات السلوكية، حيث إن العقوبات التقليدية مثل السجن أو الغرامات قد لا تكون الحل الأمثل، بل قد تزيد من عزلة المراهق عن المجتمع وتؤثر سلبًا على مستقبله فالحلول البديلة مثل الخدمة المجتمعية أو برامج التأهيل أصبحت أكثر فاعلية في تحقيق إصلاح حقيقي للمراهقين المخالفين.