هل يستفيد النظام العربي من زخم المقاومة..؟!
تاريخ النشر: 30th, May 2024 GMT
نعرف جميعا أن النظام العربي الرسمي يعيش حالة استلاب وتبعية وارتهان، وهزيمة أفقدته كل مقومات السيادة والاستقلال وصادرت أمريكا قراره وكبلته بكل سلاسل وأغلال التبعية وأجبرته على الانقياد خلفها حتى على حساب كرامة هذه الأنظمة وسيادتها الوطنية وقرارها الوطني..!
ومنذ عام 1973م والنظام العربي يعيش حياة الهزيمة والذل والانكسار وينقاد خلف واشنطن التي أهانت هذه الأنظمة ورموزها وجرَّدتهم من استقلاليتهم وقرارهم الوطني وحتى كرامة الزعماء العرب، الذين ظهروا أمام شعوبهم كـ(أقنان في إسطبل أمريكا)، بعد أن تمكنت من تجريدهم من كل مشاعرهم الوطنية والقومية والدينية والإنسانية، وقد استأنست أمريكا وكيانها اللقيط بهذا الحال الذي وصل إليه النظام العربي الرسمي خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي الذي كان يشكل القطب الآخر في المعادلة الدولية بل والذي كان يبقي قدراً من التوازن على خارطة النفوذ الجيوسياسي، لكن مع انهيار المعسكر الاشتراكي أصيبت واشنطن بما يشبه السعار أو الجنون، فراحت تضرب عرض الحائط بالقوانين والتشريعات الدولية وميثاق الأمم المتحدة ومجلس أمنها، فارضةً قوانينها الخاصة على العالم وهي قوانين استعمارية مغلفة بمفاهيم عن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.
لكن ثمة ومضةً مضيئةً في الجغرافية والذاكرة العربية، هي (المقاومة) التي فشلت واشنطن في تطويعها، وظلت هذه المقاومة تنافح في سبيل الانتصار لقضايا الأمة من جنوب لبنان إلى فلسطين، هذه المقاومة التي نصح بها الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، واتخذت منها دمشق لاحقا استراتيجية في مواجهة العدو، فراحت تحتضن رموزها وتقدم لها كل أشكال الدعم والقدرات المتاحة، ثم انضمت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في تبني مشروع المقاومة وتقديم كل القدرات والإمكانيات المطلوبة لها، وعلى مدى الفترة الممتدة من عام 1990م وحتى عام 2024م وقفت دمشق وطهران خلف مسميات المقاومة سرا وعلانية، فلسطينيا كانت علاقة إيران قد ارتبطت بحركة فتح والشهيد أبو عمار وأولى صفقات الأسلحة الإيرانية أو الممولة من إيران وصلت لفلسطين كانت لحركة فتح، قبل أن تفتح بقية الفصائل المقاومة في فلسطين جسور التواصل مع طهران عن طريق حزب الله وسوريا، بعد أن تخلي النظام العربي الرسمي عن القضية وعن ياسر عرفات الذي أجبر في قمة بيروت عام 2002م على القبول بالمبادرة العربية للسلام وهي مبادرة قدمتها السعودية عام 1982م في قمة الرباط وصاغها الكاتب الأمريكي (توماس فريدمان)..!
والمؤسف انه وبعد إقرار قمة بيروت لتلك المبادرة، رفضها الكيان الصهيوني وتم التخلص من عرفات برعاية صهيونية -أمريكية – وتواطؤ عربي رسمي وفلسطيني أيضا..!
ولم يكن هناك خيار غير خيار المقاومة التي قدمت اليوم بمواقفها للنظام العربي الرسمي (صولجان الكرامة) على طبق من ذهب، ويفترض أن يتحرك هذا النظام باتجاه التعبير ولو عن قدر من سيادة وكرامة، مستغلا الإنجازات التي تصنعها المقاومة والتي تمنح النظام العربي مساحة من حرية للتعبير عن ذاته والإحساس بكرامته وكسر قيود التبعية والارتهان والانجرار الأعمى خلف واشنطن والكيان، لأن المقاومة بصمودها منحته مساحة واسعة ليتحرك من خلالها ويعبر عن قدر من ذات وسيادة وكرامة، إنها فرصة عظيمة ومجانية وغير مكلفة تقدمها المقاومة بصمودها الأسطوري وبانتصاراتها العظيمة وغير المسبوقة ضد العدو الصهيوني وأمريكا، الأمر الذي يعطي هذه الأنظمة إمكانية التعبير عن ذاتها وسيادتها، مع العلم ان ثمة أنظمة وشعوباً لا علاقة لها لا بالعروبة ولا بالإسلام ولكنها تتمتع بقدرات كبيرة من المشاعر الإنسانية، لعبت وتلعب خلال الثمانية الأشهر أدوارا مشرفة لم يلعبها أي شعب عربي إذا ما استثنينا الشعب اليمني الذي انخرط بكل ثقله إلى جانب الأشقاء في فلسطين، متجاهلاً كل التبعات التي قد تلقي بظلالها على مواقفه القومية، وهناك أيضا الدور العربي السوري ودور المقاومة في لبنان والعراق، ناهيكم عن دور الجمهورية الإسلامية التي لو لم يكن لها من (حسنة) غير تبنيها ودعمها للمقاومة واحتضانها لها وتمكينها من كل مقومات الصمود، فإن هذا وحده يكفي لأن تكون الجمهورية الإسلامية الإيرانية عاصمة النضال العربي وراعية الفعل العربي المقاوم بعد أن ذهب النظام العربي خلف واشنطن والصهاينة، معتبراً العمل المقاوم (عملاً إرهابياً)..!
إن ما يجري في فلسطين اليوم من همجية صهيونية وحرب إبادة ممنهجة برعاية وشراكة أمريكا، يقابلها صمود أسطوري غير مسبوق للمقاومة التي تنزل يوميا الهزائم بالعدو وتفضحه وتفضح رعاته، أقول إن لم يحرك هذا الذي يجري في فلسطين مشاعر العرب حكاما ومحكومين، لا أجد ما أقوله وأنا أشاهد شعوب العالم تثأر لغزة وفلسطين ودولاً غير عربية وغير إسلامية تتسابق على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ونخباً في أمريكا والغرب تدين الكيان الصهيوني، أقول لا أجد ما أصف به هذه الأمة التي ننتمي إليها وحكامها!
لقد منحت المقاومة طيلة ثمانية أشهر للأمة إنجازات تعجز عن الإتيان بمثلها كل جيوش الأمة، وعلى أنظمة الأمة أن تهتبل الفرصة وتمسح عن وجوهها غبار العار والارتهان بـ(التيمم بتراب أحذية المقاومة)، الذي يعد أطهر وازكى من براميل النفط ومن (عطورات ايف سان لوران) و(اليزبيت هيلين)..!
فهل يصحو النظام العربي من سباته ويتعفر بتراب المقاومين، ويدرك ان عهد أمريكا سيدة العالم قد ولَّى وأن الأساطير الصهيونية تداس بأقدام المقاومين الأحرار في فلسطين كل فلسطين، وأن من لم يلتحق بركب المقاومين الأحرار، لن يكون مستقبله إلا في مزبلة التاريخ وعما قريب؟
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
د. إسلام عبد الرؤوف يكتب: ترامب الذي كان .. لماذا صوت مسلموا أمريكا لترامب؟
من إيجابيات وصول ترامب للبيت الأبيض هذه المرة أن الجالية العربية والمسلمة في أمريكا، سوف يتم الاستماع إليها مستقبلاً بعدما كانت كمًا مهملًا، وصوتًا مضمونًا. فالمسلمون والعرب تحولوا في نظر الإدارة الأمريكية من مشكلة وعبء يجب التخلص منه، إلى شريك وداعم يجب التواصل معه، فقد أعطوا ترامب وعدًا بالتصويت له إذا أعطاهم وعودًا محددة، أهمها وقف الحرب في غزة، ومحاربة الإسلاموفوبيا في الإعلام الأمريكي، وإشراك بعض المسلمين في الإدارة الجديدة، والوقوف صد المناهج الدراسية المضادة للقيم الدينية، وتعهد ترامب بذلك، وبالفعل كانوا سببًا في فوزه بولاية ميتشيجن المتأرجحة والتي أعطت صوتها لبايدن الانتخابات الماضية.
رغم أن شخصية ترامب مثيرة للجدل وخارجة عن السياق السياسي التقليدي، الأمر الذي يسبب قلق وترقب في أروقة الإدارة الأمريكية العميقة وغيرها، إلا أنه في نظر من صوتوا له قائد قوي وشجاع وعفوي، وشخصيته النرجسية تلك تجعله أكثر عندًا وحرصًا على الوفاء بوعوده أمام الناخبين مهما كلفه ذلك.
ترامب في الغالب ليس رجل عقيدة ومبدأ، وإنما رجل "صفقات"، وهو لا يخجل من تقديم نفسه بهذه الصفة، ولو رأى أن مصلحته مع المسلمين ممكن أن يفعل أي شيء لممالأتهم، وقد فعلها من قبل عندما رفع الإنجيل وأقسم عليه أمام الكنيسة المجاورة للبيت الأبيض وأمام عدسات المصورين، وكأنه رجل متدين، ليغازل الإنجيليين ويكسب تأييدهم، وقد فُضح في أحد اللقاءات سأله فيه مذيع عن أكثر آية يفضلها في الإنجيل، فرد "هذه مسألة شخصية لا أحب الحديث فيها" ويبدو أنه لا يحفظ شيئًا من الإنجيل، القضية بالنسبة له صفقات وقتيه، وليست بالعمق الأيدولوجي والفلسفي الذي قد يظنه البعض.
هو هو من لعب من قبل على وتر الإرهاب والإسلاموفوبيا لأنه كان كارتًا رابحًا وخطابًا رائجًا في الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك، أو بعبارة أخرى بضاعة وجد من يشتريها من الأمريكيين المائلين للخوف أو القلق من الإسلام والمسلمين،وهذا الموضوع قديم حديث ويتجدد مع حوادث العنف المنسوبة للإسلام، وربما نفصل أكثر في هذا لاحقًا، أما الآن فالوضع تغير، وخطابه تغير معه، لإنه في الغالب ليس مؤمنًا بأيدولوجية محددة، بل مؤمن بكل يمكن به تحقيق “الانتصار” على خصومه.
نظريتنا بأن “كلهم أسوء من بعض” في رأيي ليست فعَّالة، السياسة هي “فن الممكن”، وهي مسألة فيها تدافع شدًا وجذبًا لتحقيق المصلحة، أو لنكون أكثر دقة “المصلحة الممكنة”.
بكل حال من الأحوال لن يكون هناك أسوء من السنوات الأربع التي مرت لأسباب تتعلق بمصلحة أمريكا نفسها، وليس رحمة بنا ولا تعاطفًا مع قضايانا. وأفضل ما يمكن فعله هو أن ننتظر لنرى ما سيحدث نحن كمسلمين وعرب خارج الولايات المتحدة الأمريكية، أما عن مسلمي وعرب أمريكا، فليس أمامهم سوى تأكيد تواجدهم وتأثيرهم، فقد بدأ عهد جديد بالنسبة لهم يجب أن يستثمروه بقوة، ويزيدوا من مساحة مشاركتهم السياسية، فغير مقبول أن يكون في الكونجرس الأمريكي فقط عضوان مسلمان، ثم نشتكي أن خطاب نتانياهو الأخير في الكونجرس حاز تصفيقًا حادًا عقب كل جملة كما لو كانت تغني "أم كلثوم" في دار الأوبرا!
معروفٌ أن الواقع السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية معقد وفيه كثير من القوى وكروت الضغط التي فهمها الطرف المعادي مبكرًا وأعد نفسه لوقت معلوم، واليوم يجني ثمار ذلك واضعًا ساقًا على أخرى، بينما نحن لم نخطط ولم نتجهز ليوم نحتاج فيه لكل صوت مؤثر يسند ويساند القضية من داخل البيت الأمريكي، البيت الذي يتحرك بعصا الضغط وجزرة المصلحة، فهل ما حدث بداية سياسية جديدة للمسلمين والعرب في أمريكا؟ هذا ما نأمله ونترقبه.