غزة اليوم هي النموذج، هي العنوان، هي الواجهة، هي القضية، هي المظلومية، هي الألم، إنها تختزل اليوم مآسي العرب قديمها وحديثها، فالغزاة لن يكفوا أبداً عن تجريع الشعوب العربية الويلات، لن يكفوا أبداً عن أطماعهم، ولن يتخلوا عن مخططاتهم الشيطانية للسيطرة على الجغرافيا العربية، ونهب ثرواتها وقهر شعوبها، وإذا كان الغزاة المجرمون قد وجهوا ما سبق من حملات غزوهم تحت ذرائع متعددة، لم يعدموها ولن يعدموها، وكانت تلك الحملات على درجة عالية من الخطورة على شعوب الأمة العربية، نظرا لما أحدثته في بيئتها وبنيتها الاجتماعية من آثار تدميرية، لم يكن من السهل أبداً معالجة تلك الآثار، وما سببته من مآسٍ وآلام.
ولقد كانت الشعوب العربية في مقاومتها لحملات الغزو الاستعمارية أفضلا حالا مما هي عليه اليوم، وأدت تلك المقاومة إلى طرد الغزاة المستعمرين المحتلين، الذين لم يتخلوا أبدا عن الإعداد والاستعداد والتجهيز لحملات غزو جديدة باتجاه الجغرافيا العربية، وكان الغزاة في كل حملة غزو يجلبون أحدث ما أنتجته مصانعهم من أنواع السلاح، الذي لم يكن متوفرا مثله أو أدنى منه لشعوب الأمة العربية، التي فتك الغزاة بمئات الآلاف من أبنائها، وكانت شعوب الأمة العربية بمثابة حقل تجارب استخدم فيه الغزاة ما انتجته مصانعهم الحربية من أسلحة.
وعلى مدى عقود من الزمن وشعوب الأمة العربية على حالها تواجه الغزاة بما توفر لديها من وسائل بدائية مقارنة بوسائل أولئك الغزاة، وكان لهذه الوسائل رغم بساطتها دور فاعل في التنكيل بالغزاة المحتلين، غير أنه ومنذ بداية القرن الماضي فكر الغزاة وبشكل جدي في الاستقرار وبشكل دائم في الجغرافيا العربية بدلا عن توجيه الحملات الاستعمارية بين فترة وأخرى، والتي غالبا ما تحتاج إلى التكلف في اختلاق الذرائع، وغالبا ما كانت تواجه بمقاومة شرسة، في معظم نطاق الجغرافيا العربية، وهو ما ترتب عليه إجبار حملات الغزاة على التقهقر والعودة أدراجها، لتعد من جديد حملات غزو جديدة بذرائع جديدة، وأسلحة جديدة.
ولقد تبلورت نتائج تفكير الغزاة في ضرورة إيجاد بدائل عن حملات الغزو المتكررة، تمكنهم من البقاء والاستقرار في الجغرافيا العربية، وقد أدرك الغزاة أن تحقيق ذلك ممكن من خلال السيطرة على الجغرافيا العربية بالوكالة، ولا بد لهذه السيطرة من وسائل فكان الاستقطاب والاحتواء والاختراق من أهم الوسائل التي مكنت الغزاة من تحقيق حلمهم بالاستقرار في الجغرافيا العربية، لنهب ثرواتها، وتمزيق شعوبها، فعملت على تنصيب حكام في بعض الشعوب العربية، ووفرت لهم كل وسائل الحماية، ليعملوا بإخلاص لتحقيق أهداف الغزاة، وضد مصالح شعوبهم وشعوب الأمة العربية عموما، ولم يكتف الغزاة بذلك بل عملوا على احتواء من يناصبهم العداء ويواجه مخططاتهم، واخترقوا كذلك أجهزة ومؤسسات دول أخرى، وعملوا على إفشالها، لتفقد ثقة شعوبها، وليظهر الغزاة من نافذة أخرى، ليحلوا وبشكل متدرج محل أجهزة ومؤسسات الدولة الرسمية في تقديم الخدمات للشعوب العربية من خلال مئات المنظمات الاستخبارية، وتحت عناوين إنسانية.
ولقد كان أكبر وأخطر اختراق مثّل قاعدة متقدمة لاستقرار الغزاة في الجغرافيا العربية، هو زراعة الكيان الصهيوني في قلب هذه الجغرافيا، والذي ترتب عليه شطر وحدتها الطبيعية إلى شطرين، وبهدف إذلال الشعوب العربية وكسر إرادتها في مقاومة وجود هذا الكيان المسخ، فقد أفرط الغزاة في سفك دماء عدد من شعوب الأمة العربية، لمنعها من التفكير في زعزعة استقرار الغزاة في قاعدتهم المتقدمة في قلب الأمة العربية، وعمل الغزاة وبشكل حثيث على تعزيز قوة قاعدتهم المتقدمة بتوفير كل الإمكانيات اللازمة التي مكنت الكيان الصهيوني من التفوق عسكريا في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط عموما، هذا من جهة ومن جهة أخرى لا يفوت الغزاة فرصة للتأكيد على التزامهم بأمن الكيان الصهيوني رغم ما يتوفر له من معدات وأسلحة متطورة.
ولم يكتف الغزاة بتوفير كافة مقومات القوة والهيمنة لقاعدتهم المتقدمة في الجغرافيا العربية، بل عمل الغزاة بشكل حثيث لبسط نفوذهم على كافة النطاق الجغرافي للأمة العربية من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، ولا يكف الغزاة عن اختلاق الذرائع للسيطرة بالقوة إن لزم الأمر على أي جزء يرى الغازي أنه يمكن أن يشكل تهديدا لاستقراره وسيطرته على الجغرافيا العربية، فجنوبا – ومنذ بداية العقد الأخير من القرن الماضي – سمح النظام القائم آنذاك في العاصمة صنعاء للغازي الأمريكي بالتواجد في كافة النطاق الجغرافي للبلد، تحت ذرائع ومبررات متعددة.
هذا التواجد دفع الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي للمبادرة في مواجهته وتوعية وتحذير المجتمع من خطورته، وهذا الموقف المعلن أزعج الغازي الأمريكي الذي أوعز إلى وكيله في العاصمة صنعاء بسرعة قمع ذلك التحرك بكافة الوسائل، وفي تنفيذه لتوجيهات مشغله ارتكب نظام صنعاء جرائم فظيعة بحق أبناء شعبه في محافظة صعدة وغيرها من المحافظات امتدت لقرابة عقد من الزمان، وحين أدرك الغازي الأمريكي أن مستوى زعزعة استقراره في الجغرافيا العربية يتصاعد بشكل كبير من جنوب هذه الجغرافيا، حينها أو عز لأدواته في المنطقة بشن حرب عدوانية على شعبنا اليمني، هدفها المعلن القضاء على قيادات أنصار الله وتدمير القدرات الحربية التي يمتلكها الجيش.
وشرقاً .. كان الغازي الأمريكي قد اختلق في بداية العقد الأخير من القرن الماضي ذريعة أسلحة الدمار الشامل في العراق، ومثلت هذه الذريعة سبباً مباشراً للعدوان على العراق، وتدميره وغزوه واحتلاله سنة 2003م، وقتل وجرح وتهجير وتشريد الملايين من أبنائه، وسرقة ونهب ثرواته ومقدراته، ويحتفظ الغازي الأمريكي والى اليوم بوجوده العسكري في كامل النطاق الجغرافي للعراق من خلال عدد من القواعد العسكرية ويحتل الغازي الأمريكي جزءاً مهماً من أراضي سوريا ويسرق بشكل واضح ثروة الشعب السوري، ويواجه الغازي الأمريكي مقاومة عنيفة من جانب الشعبين العراقي والسوري.
ويتواجد الغازي الأمريكي بعشرات القواعد العسكرية البرية والبحرية والجوية، في بقية نطاق الجغرافيا العربية في الأردن وما يسمى بالمملكة العربية السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين، ولا مقاومة شعبية لهذا التواجد ولا حتى تذمر شعبي يمكن أن يؤسس لرفض هذا التواجد الكبير، وغربا تمكن الغازي الأمريكي وبأيدي وكلائه من تدمير السودان، وتدمير ليبيا، وتمكن من احتواء المغرب وموريتانيا ومصر، وتمكن من تكبيل الجزائر وتونس، وهو ما يفسر جمود الأنظمة والشعوب العربية تجاه جريمة الإبادة الجماعية التي يتعرض لها أهل غزة، باستثناء جزء بسيط من في جنوب وشرق ووسط الجغرافيا العربية تحرك أبناؤه لإسناد غزة في مواجهة قوى الإجرام والغزو والاحتلال، التي تحركت بشكل متزامن، لأن مقاومة غزة زعزعت استقرار القاعدة المتقدمة لهذه القوى في قلب الجغرافيا العربية.
غزة إذاً تواجه اليوم قوى الغزو والاحتلال الغربية التي تسيطر بشكل فعلي على معظم نطاق الجغرافيا العربية إما بالاحتلال المباشر القسري السافر كما هو الحال بالنسبة لأرض فلسطين وأجزاء من جغرافية العراق وسوريا واليمن، أو الناعم المستتر كما هو الحال بالنسبة للسعودية والإمارات والبحرين والكويت وقطر والأردن وجيبوتي، وإما بالاحتواء كما هو الحال بالنسبة للمغرب العربي وموريتانيا ومصر، وإما بالتكبيل كما هو الحال بالنسبة للجزائر وتونس، وإما بالتدمير كما هو الحال بالنسبة للسودان وليبيا، ولا خلاص للشعوب العربية الا بتبني نموذج غزة لطرد الغزاة المحتلين من كافة نطاق الجغرافيا العربية.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الشهيد ينهش بغزّة من الحيوانات
#الشهيد ينهش بغزّة من #الحيوانات
#ليندا_حمدود
شوارع غزّة تملؤها شهداء تركت طعاما للقطط والكلاب في عصر حديث بتفرج العالم و الأمة الإسلامية و العربية!
هذا ما وصل إليه الخذلان و الخيانة والغدر.
ممنوع الإقتراب لتكفينها أو حملها حتى فسيصادفك القناص وتجد نفسك شهيدا تحمل نفس المصير .
شهداء في أرض جهاد تحمل من الألم و القهر على ما ألات إليه الأمة في تخلي وخيانة.
أرض تدافع لليوم الرابع و الأربعين بعد الأربع مائة لوحدها بجسد مرهق ،فاقد للٱحبة، جريح ،بسلاح الشرف أظلم جيوش العالم بترسانة عسكرية متطورة دون دعم أو مساندة.
بعدما ترك الجائع والجريح والصامد بغزّة لمصيره من الأمة الإسلامية و العربية اليوم يترك الشهيد على زقاق الطرقات تنهشه الكلاب و القطط ولا تتدخل هذه الأمة حتى للتبليغ أو التحرك في طرد سفراء الكيان الصهيوني على أرضها.
وصل الذل في التخلي عن الشهيد ومشاهدة توثيق نبشه بوسائل إعلام تنقل الصورة وتوثق الجريمة لعالم حقير لن ينصر الحق ولن يدافع عن الإنسانية.
مرت المحارق والمجازر والإغتيالات والإعتقلات والتعذيب على هذا المجتمع الدولي بدون تحريك ضمير أو تأنبيه
وستمر مشاهد الشهداء منبوشة اللحم ،منخوعة العظام أيضا لأن العالم يحكمه نظام ظالم خاضع للكيان الصهيوني.