الثورة نت:
2025-04-13@07:04:06 GMT

غزة في مواجهة الغزاة

تاريخ النشر: 30th, May 2024 GMT

 

 

غزة اليوم هي النموذج، هي العنوان، هي الواجهة، هي القضية، هي المظلومية، هي الألم، إنها تختزل اليوم مآسي العرب قديمها وحديثها، فالغزاة لن يكفوا أبداً عن تجريع الشعوب العربية الويلات، لن يكفوا أبداً عن أطماعهم، ولن يتخلوا عن مخططاتهم الشيطانية للسيطرة على الجغرافيا العربية، ونهب ثرواتها وقهر شعوبها، وإذا كان الغزاة المجرمون قد وجهوا ما سبق من حملات غزوهم تحت ذرائع متعددة، لم يعدموها ولن يعدموها، وكانت تلك الحملات على درجة عالية من الخطورة على شعوب الأمة العربية، نظرا لما أحدثته في بيئتها وبنيتها الاجتماعية من آثار تدميرية، لم يكن من السهل أبداً معالجة تلك الآثار، وما سببته من مآسٍ وآلام.


ولقد كانت الشعوب العربية في مقاومتها لحملات الغزو الاستعمارية أفضلا حالا مما هي عليه اليوم، وأدت تلك المقاومة إلى طرد الغزاة المستعمرين المحتلين، الذين لم يتخلوا أبدا عن الإعداد والاستعداد والتجهيز لحملات غزو جديدة باتجاه الجغرافيا العربية، وكان الغزاة في كل حملة غزو يجلبون أحدث ما أنتجته مصانعهم من أنواع السلاح، الذي لم يكن متوفرا مثله أو أدنى منه لشعوب الأمة العربية، التي فتك الغزاة بمئات الآلاف من أبنائها، وكانت شعوب الأمة العربية بمثابة حقل تجارب استخدم فيه الغزاة ما انتجته مصانعهم الحربية من أسلحة.
وعلى مدى عقود من الزمن وشعوب الأمة العربية على حالها تواجه الغزاة بما توفر لديها من وسائل بدائية مقارنة بوسائل أولئك الغزاة، وكان لهذه الوسائل رغم بساطتها دور فاعل في التنكيل بالغزاة المحتلين، غير أنه ومنذ بداية القرن الماضي فكر الغزاة وبشكل جدي في الاستقرار وبشكل دائم في الجغرافيا العربية بدلا عن توجيه الحملات الاستعمارية بين فترة وأخرى، والتي غالبا ما تحتاج إلى التكلف في اختلاق الذرائع، وغالبا ما كانت تواجه بمقاومة شرسة، في معظم نطاق الجغرافيا العربية، وهو ما ترتب عليه إجبار حملات الغزاة على التقهقر والعودة أدراجها، لتعد من جديد حملات غزو جديدة بذرائع جديدة، وأسلحة جديدة.
ولقد تبلورت نتائج تفكير الغزاة في ضرورة إيجاد بدائل عن حملات الغزو المتكررة، تمكنهم من البقاء والاستقرار في الجغرافيا العربية، وقد أدرك الغزاة أن تحقيق ذلك ممكن من خلال السيطرة على الجغرافيا العربية بالوكالة، ولا بد لهذه السيطرة من وسائل فكان الاستقطاب والاحتواء والاختراق من أهم الوسائل التي مكنت الغزاة من تحقيق حلمهم بالاستقرار في الجغرافيا العربية، لنهب ثرواتها، وتمزيق شعوبها، فعملت على تنصيب حكام في بعض الشعوب العربية، ووفرت لهم كل وسائل الحماية، ليعملوا بإخلاص لتحقيق أهداف الغزاة، وضد مصالح شعوبهم وشعوب الأمة العربية عموما، ولم يكتف الغزاة بذلك بل عملوا على احتواء من يناصبهم العداء ويواجه مخططاتهم، واخترقوا كذلك أجهزة ومؤسسات دول أخرى، وعملوا على إفشالها، لتفقد ثقة شعوبها، وليظهر الغزاة من نافذة أخرى، ليحلوا وبشكل متدرج محل أجهزة ومؤسسات الدولة الرسمية في تقديم الخدمات للشعوب العربية من خلال مئات المنظمات الاستخبارية، وتحت عناوين إنسانية.
ولقد كان أكبر وأخطر اختراق مثّل قاعدة متقدمة لاستقرار الغزاة في الجغرافيا العربية، هو زراعة الكيان الصهيوني في قلب هذه الجغرافيا، والذي ترتب عليه شطر وحدتها الطبيعية إلى شطرين، وبهدف إذلال الشعوب العربية وكسر إرادتها في مقاومة وجود هذا الكيان المسخ، فقد أفرط الغزاة في سفك دماء عدد من شعوب الأمة العربية، لمنعها من التفكير في زعزعة استقرار الغزاة في قاعدتهم المتقدمة في قلب الأمة العربية، وعمل الغزاة وبشكل حثيث على تعزيز قوة قاعدتهم المتقدمة بتوفير كل الإمكانيات اللازمة التي مكنت الكيان الصهيوني من التفوق عسكريا في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط عموما، هذا من جهة ومن جهة أخرى لا يفوت الغزاة فرصة للتأكيد على التزامهم بأمن الكيان الصهيوني رغم ما يتوفر له من معدات وأسلحة متطورة.
ولم يكتف الغزاة بتوفير كافة مقومات القوة والهيمنة لقاعدتهم المتقدمة في الجغرافيا العربية، بل عمل الغزاة بشكل حثيث لبسط نفوذهم على كافة النطاق الجغرافي للأمة العربية من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، ولا يكف الغزاة عن اختلاق الذرائع للسيطرة بالقوة إن لزم الأمر على أي جزء يرى الغازي أنه يمكن أن يشكل تهديدا لاستقراره وسيطرته على الجغرافيا العربية، فجنوبا – ومنذ بداية العقد الأخير من القرن الماضي – سمح النظام القائم آنذاك في العاصمة صنعاء للغازي الأمريكي بالتواجد في كافة النطاق الجغرافي للبلد، تحت ذرائع ومبررات متعددة.
هذا التواجد دفع الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي للمبادرة في مواجهته وتوعية وتحذير المجتمع من خطورته، وهذا الموقف المعلن أزعج الغازي الأمريكي الذي أوعز إلى وكيله في العاصمة صنعاء بسرعة قمع ذلك التحرك بكافة الوسائل، وفي تنفيذه لتوجيهات مشغله ارتكب نظام صنعاء جرائم فظيعة بحق أبناء شعبه في محافظة صعدة وغيرها من المحافظات امتدت لقرابة عقد من الزمان، وحين أدرك الغازي الأمريكي أن مستوى زعزعة استقراره في الجغرافيا العربية يتصاعد بشكل كبير من جنوب هذه الجغرافيا، حينها أو عز لأدواته في المنطقة بشن حرب عدوانية على شعبنا اليمني، هدفها المعلن القضاء على قيادات أنصار الله وتدمير القدرات الحربية التي يمتلكها الجيش.
وشرقاً .. كان الغازي الأمريكي قد اختلق في بداية العقد الأخير من القرن الماضي ذريعة أسلحة الدمار الشامل في العراق، ومثلت هذه الذريعة سبباً مباشراً للعدوان على العراق، وتدميره وغزوه واحتلاله سنة 2003م، وقتل وجرح وتهجير وتشريد الملايين من أبنائه، وسرقة ونهب ثرواته ومقدراته، ويحتفظ الغازي الأمريكي والى اليوم بوجوده العسكري في كامل النطاق الجغرافي للعراق من خلال عدد من القواعد العسكرية ويحتل الغازي الأمريكي جزءاً مهماً من أراضي سوريا ويسرق بشكل واضح ثروة الشعب السوري، ويواجه الغازي الأمريكي مقاومة عنيفة من جانب الشعبين العراقي والسوري.
ويتواجد الغازي الأمريكي بعشرات القواعد العسكرية البرية والبحرية والجوية، في بقية نطاق الجغرافيا العربية في الأردن وما يسمى بالمملكة العربية السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين، ولا مقاومة شعبية لهذا التواجد ولا حتى تذمر شعبي يمكن أن يؤسس لرفض هذا التواجد الكبير، وغربا تمكن الغازي الأمريكي وبأيدي وكلائه من تدمير السودان، وتدمير ليبيا، وتمكن من احتواء المغرب وموريتانيا ومصر، وتمكن من تكبيل الجزائر وتونس، وهو ما يفسر جمود الأنظمة والشعوب العربية تجاه جريمة الإبادة الجماعية التي يتعرض لها أهل غزة، باستثناء جزء بسيط من في جنوب وشرق ووسط الجغرافيا العربية تحرك أبناؤه لإسناد غزة في مواجهة قوى الإجرام والغزو والاحتلال، التي تحركت بشكل متزامن، لأن مقاومة غزة زعزعت استقرار القاعدة المتقدمة لهذه القوى في قلب الجغرافيا العربية.
غزة إذاً تواجه اليوم قوى الغزو والاحتلال الغربية التي تسيطر بشكل فعلي على معظم نطاق الجغرافيا العربية إما بالاحتلال المباشر القسري السافر كما هو الحال بالنسبة لأرض فلسطين وأجزاء من جغرافية العراق وسوريا واليمن، أو الناعم المستتر كما هو الحال بالنسبة للسعودية والإمارات والبحرين والكويت وقطر والأردن وجيبوتي، وإما بالاحتواء كما هو الحال بالنسبة للمغرب العربي وموريتانيا ومصر، وإما بالتكبيل كما هو الحال بالنسبة للجزائر وتونس، وإما بالتدمير كما هو الحال بالنسبة للسودان وليبيا، ولا خلاص للشعوب العربية الا بتبني نموذج غزة لطرد الغزاة المحتلين من كافة نطاق الجغرافيا العربية.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

زمن بورقيبة التونسي

أسماء وُلدت في رابعة ظهر التاريخ. سطع ضوء في سماء الوعي، وتحرك التغيير في مساحات واسعة من العالم. الاستعماران البريطاني والفرنسي، امتدا في قارتي آسيا وأفريقيا، وبعد الحرب العالمية الأولى، اتخذ التاريخ منحنيات سياسية كبيرة. البلاد العربية التي غرب عنها العصر العثماني، صار جزء منها تحت الهيمنة الفرنسية والبريطانية والإيطالية، بتوصيفات مختلفة. استعمار إيطالي مباشر في ليبيا، وفرنسي في الجزائر، وحماية فرنسية في المغرب، وحماية بريطانية في كل من مصر والعراق والخليج العربي. انطلقت معارك الاستقلال في هذه البلدان. منها ما كان عسكرياً، ومنها ما كان سياسياً مع مواجهات عسكرية مختلفة العيار. القرن العشرون وُلد بقسمات جديدة فوق الأرض، وفي الفكر والثقافة والعلم، والقوى السياسية والعسكرية. صار للآيديولوجيا أوراق في شجرة القرن الوليد. حكم الأتراك بلداناً عربية تحت مسمى الدولة العثمانية قروناً طويلة، امتدت من القرن السادس عشر، إلى بداية القرن العشرين. كل منطقة كانت ولاية (إيالة) يحكمها والٍ عثماني، يُعيَّن من الباب العالي في إسطنبول. بعد انهيار الدولة العثمانية، هيمن الفرنسيون والبريطانيون على المنطقة العربية، بعد انتصارهما في الحرب العالمية الأولى. بدأت بعد ذلك مرحلة استقلال بعض الدول العربية، ووجد العرب أنفسهم أمام وضع جديد ما عرفوه من قبل. الدولة هي الكيان الذي يشكّل الوعاء السياسي الذي يجمع سكان البلد المستقل. النمط الأوروبي للدولة، كان النموذج الذي أنتجه من تولى قيادة الأوطان المستقلة، إلى استنساخه وبنائه في واقعهم الجديد. قامت كيانات تبنت النظام الملكي، وأخرى تبنت النظام الجمهوري، لكن الموروث الاجتماعي القديم، ظلَّ فاعلاً بقوة في مفاصل التكوينات العربية الجديدة. القبلية والطائفية والجهوية والأمية والفقر، وغياب الخبرة السياسية والإدارية، أعاقت وجود النسيج الاجتماعي الأساسي المكون للدولة، وهو (الأمة) التي يربطها الحبل الوطني الجامع لكل المواطنين الذين يعيشون على أرضها. في بعض الدول العربية الوليدة، بقي الموروث الاجتماعي، القديم الذي ساد في زمن ما قبل الدولة المستقلة، فاعلاً بقوة وأعاق عملية تحقيق الهوية الوطنية الجامعة للكيان السياسي الجديد، وهي الأمة الواحدة.

الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، خاض معركة سياسية طويلة مع المستعمر الفرنسي لبلاده. درس في المدرسة الصادقية بتونس، ثم توجه إلى باريس، حيث درس القانون والعلوم السياسية. عاد بعدها إلى تونس ومارس المحاماة، واندفع في العمل السياسي. سجنه المستعمر الفرنسي وهرب إلى مصر سيراً على الأقدام لعرض قضية وطنه المحتل، كما زار الأمم المتحدة للهدف ذاته. أعاد تأسيس الحزب الدستوري التونسي، واستمر في مواجهته المستعمر الفرنسي. في سنة 1956 تولى رئاسة الوزارة في المملكة التونسية، التي كانت تتوارث عرشها بايات العائلة الحسينية من أصول تركية. في سنة 1957 عُيّن رئيساً للدولة بعد إنهاء حكم البايات وإعلان الجمهورية، وإنهاء الوصاية الفرنسية.

الحبيب بورقيبة قاد الحزب الدستوري التونسي، وكان الحزب الواحد الذي حكم تونس طيلة زمن حكم بورقيبة، وجعل من هذا الحزب قوة لتأسيس الدولة التونسية الحديثة، التي تقوم على تحقيق كيان (الأمة) الموحدة. المناضل المثقف الذي اندمج في المجتمع الفرنسي، وتزوج منه أم ولده الوحيد الحبيب الابن، وتمكن من اللغة الفرنسية، وغاص في الفلسفة والقانون والسياسة، وعاش في خضم الحداثة والتنوير والثقافة الفرنسية. منذ السنة الأولى التي ترأس فيها الدولة، كان همه تكريس هوية الأمة، وتأسيس تونس الجديدة الحديثة. وظَّف الجزء الأكبر من ميزانية الدولة في التعليم، وسخَّر جهده متنقلاً في أنحاء البلاد مخاطباً الرجال والنساء مباشرة، محرضاً على إلغاء مجتمع القبائل (العروش)، وتأسيس مجتمع الأمة التونسية الواحدة الموحدة. تحرير المرأة عدَّه الحبيب بورقيبة شرطاً أساسياً لتأسيس المجتمع الجديد، وفتح أمامها باب التعليم والعمل، ونظَّم عملية الطلاق بأن تتم أمام المحاكم. وتحدث في خطابات كثيرة عن مسؤولية الرجال في النهوض بالمرأة، وتسهيل انتقالها من ظلام الماضي، إلى آفاق ضوء المستقبل. كان بورقيبة صريحاً ومباشراً في قضية الحرية السياسية والديمقراطية، وقال إن ذلك لا يمكن أن يكون في مجتمع يغرق في مستنقع الأمية والجهل، وإن النهضة الاجتماعية الشاملة بالتعليم وتحرير المرأة وتحقيق العدل، هي الشروط الضرورية للوصول إلى ذلك الهدف المنشود.

تمكن من إنجاز بنية تحتية حديثة في كل أنحاء البلاد، رغم محدودية الإمكانات المالية للبلاد. تحدث عن أهمية الوعي المهني، وقال إن الحرفيين والمزارعين عليهم تطوير قدراتهم، بالتعليم والإلمام بما يضيفه الدارسون والباحثون في كل المجالات. نجح في تجسيد الدولة الأمة، وقاد بلاده إلى أفق الحداثة والتنوير.

قيل الكثير عن سياسات بورقيبة الداخلية والخارجية. هناك من وصفه بالديكتاتور المستبد والرجعي، وأدانوا اغتياله الزعيم صالح بن يوسف، وقفزاته السياسية والاقتصادية التي كلفت البلاد خسائر كبيرة. لكن رؤيته السياسية العقلانية الواقعية، وبخاصة في القضايا العربية، مثل القومية والوحدة العربية والقضية الفلسطينية، اتسع الحديث عنها الآن، وارتفعت أصوات تتحدث عن زمن بورقيبة التونسي.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

مقالات مشابهة

  • زمن بورقيبة التونسي
  • ناشيونال إنترست: اليمن أفشل الردع الأمريكي رغم إنفاق 4.86 مليار دولار
  • سياسي مصري يؤكد فشل المحاولات الامريكية في إخضاع اليمن
  • شلقم: ليبيا من بين البلدان التي عانت غياب الخبرة السياسية
  • وقفة نسائية في الحديدة دعماً لغزة وتنديداً بجرائم العدوان الأمريكي الصهيوني
  • مسيرة حاشدة في الحج نصرة لغزة وتأكيد الثبات في مواجهة العدوان الأمريكي
  • محمد الغازي حكمًا لمباراة المصري وبتروجيت
  • مواجهة الصلف الصهيوأمريكي مسؤولية إيمانية على كل أبناء الأمة
  • السلطة المحلية بأمانة العاصمة تدين استمرار المجازر الوحشية التي يرتكبها العدو الأمريكي بحق المدنيين
  • المراكز الصيفية.. حيث تصاغ الأمـة التي كسرت هيبة أمريكا