دبي – الوطن:

في اليوم الختامي لفعاليات “قمة الإعلام العربي”، التي عُقدت أعمالها تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وهي الحدث الإعلامي الأكبر على مستوى المنطقة، استضاف “منتدى الإعلام العربي” في دورته الثانية والعشرين معالي عمر سلطان العلماء، وزير دولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد، في دولة الإمارات العربية المتحدة، وضمن جلسة رئيسية تحدث خلالها حول “الاتجاهات التكنولوجية الجديدة في مجال الإعلام” وكيفية توظيف التكنولوجيا بأسلوب يخدم القطاع ويمكنه من تحقيق التميز رغم ما تجلبه من تحديات تصاحب التطور السريع لتطبيقاتها المختلفة الداخلة في صناعة الإعلام.

وأكد معاليه خلال الجلسة، التي أدارها  الدكتور محمد قاسم، عميد أكاديمية دبي للمستقبل، على إحراز دولة الإمارات لخطوات متقدمة ورائدة عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي، كان آخرها إطلاق سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي مبادرة تدريب مليون شخص على مهارات هندسة الأوامر البرمجية في الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الثلاث المقبلة، والتي تستهدف إعداد كفاءات وخبرات متمكنة بمهارات توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي والاستفادة منها في تسريع عجلة الابتكار والتقدم والنمو الاقتصادي.

 

تشريعات

وأكد معالي عمر العلماء أن دولة الإمارات كانت من أوائل الدول التي أصدرت تشريعات متخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي والتعامل مع تحدياته، مستشهداً بالتدابير التي أطلقتها الولايات المتحدة لمنع استخدام التزييف العميق من خلال الذكاء الاصطناعي للتأثير على الناخبين خلال الانتخابات الامريكية، بينما كانت دولة الإمارات سبّاقة في إطلاق تلك التدابير خلال انتخابات المجلس الوطني، بوضعها ضوابط تسمح للمستخدم بالتسجيل أولاً في إحدى منصات الذكاء الاصطناعي، وتلزمه بالتعهد بعدم التشهير والاستخدام الأخلاقي لتطبيقات الذكاء الاصطناعي.

 

تجارب رائدة عالمياً

وحول تجارب دولة الإمارات في تطوير تقنيات واستخدامات الذكاء الاصطناعي، أكد معاليه ان دولة الإمارات، أنشأت منذ أربع سنوات حاسوباً خارقاً، بنظام مفتوح يسمح للجامعات والمنظمات غير الربحية والشركات الصغيرة والمتوسطة، الاستفادة من إمكانياته، مشيراً إلى حرص الكثير من الشركات الناشئة على تدريب موظفيها على تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتحقيق تطور كبير في هذا المجال، لافتاً إلى طموحه في أن تقوم منصة إعلامية بمثل هذه الخطوات وتطوير خوارزميات جديدة تنطلق بها من الإمارات إلى العالمية.

 

فرص ووظائف

ولفت معاليه إلى التقدم الكبير الذي شهدته منصات الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى الرقمي على صعيد النص والصورة والفيديو والصوت، وقدرة المتابعين على الوصول لهذا المحتوى بشكل سهل وسريع، مشيرا إلى أن تلك التطبيقات ستساعد في المستقبل القريب صناع المحتوى في مختلف المجالات على استخدام أساليب جديدة للتواصل مع جمهورهم، من خلال ابتكار شخصيات افتراضية أو ما يعرف بــ” الأفاتار”، الذي من الممكن أن يقوم نيابة عن صانع المحتوى بإدارة الصفحة والتواصل مع الجمهور.

 

وأكد معالي عمر العلماء، خلال الجلسة، أن الإعلاميين سيحتاجون في المستقبل إلى التأقلم والتعامل الإيجابي مع تقنيات وأدوات واستخدامات الذكاء الاصطناعي، والاستفادة من الإمكانيات الهائلة التي يقدمها في مجال المحتوى والصوت والصورة والفيديو، وهو ما سيولد الكثير من الفرص والوظائف، بينما سيخسر مكانه كل من يتخلف عن ركب التقدم ويتعامل معه بشكل سلبي.

 

ولفت معاليه إلى رحلة الإنتاج الإبداعي قديماً، حيث كان المبدعون وكبار التشكيليين يعانوا في الوصول إلى الأولوان والخامات التي ينتجون بها أعمالهم منذ 2000 سنة، والكلفة الكبيرة  لاستخراج الألوان وجلبها من جميع أنحاء العالم، ومن ثم مزجها واستخدامها، وهو ما كان يجعل الدخول إلى مجال الإبداع صعب على الكثير من الفنانين، مؤكداً أن اليوم ومع توافر الألوان زاد حجم الفنانين والمبدعين عشرات الأضعاف بفضل التطور الكبير في الصناعة التي سهلت على الكثيرين منهم حول العالم الوصول إلى الأدوات وفتحت لهم المجال أمام الإبداع بصورة أفضل من الماضي، وهو ما يحدث حالياً بدخول الذكاء الاصطناعي إلى المجال الإعلام، حيث وفر أساليب مختلفة للإبداع ويسهل معها إنتاج الصوت والصورة والفيديو والمحتوى بشكل عام.

 

خدمة الإعلام والإبداع

وأوضح معالي عمر العلماء أن الذكاء الاصطناعي يمكنه خدمة قطاع الإعلام وتحسين تجربة المتلقي، من خلال اختصاره لمئات المقالات التي تصدر بشكل يومي، وتحليله لمضمونها وتصنيفها، وإنتاج محتوى متنوع يحاكي اهتمامات المستخدم، مستعرضاً أمام جمهور المنتدى تجربته الشخصية مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي في إنتاج محتوى إبداعي وقصص مصور لأبنائه، تحاكي تصوراتهم ومخيلتهم، معرباً عن أمله في أن تأخذ إحدى المنصات الرقمية زمام المبادرة في إنتاج محتوى إبداعي متخصص للأطفال.

 

مخاطر

وحول التعامل مع مخاطر الذكاء الاصطناعي، أختتم معالي عمر سلطان العلماء كلمته بالتأكيد على مسؤوليته كوزير في مواجهة المخاطر وسن التشريعات التي بمقدورها التعامل مع التحديات، وتحمله المسؤولية كاملة للمساهمة في صنع جيل جديد قادر على التعامل مع أحدث التقنيات ليُعلي مكانة دولة الإمارات ويزيد من معدلات تنافسيتها ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً.


المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

ضرورة محاربة أمية الذكاء الاصطناعي

في إحدى الدورات الإعلامية التي قدمتها مؤخرا، سألني أحد المتدربين عن الفرق بين الذكاء الاصطناعي وموقع غوغل الشهير، فشبهت الفرق بين الاثنين بأن غوغل يشبه ساعي المكتب الذي ينفذ أوامر مباشرة وبسيطة مثل جلب الشاي والقهوة أو نقل بعض الملفات بين غرف المكتب، أما الذكاء الاصطناعي فهو مدير مكتب رئيس مجلس الإدارة القادر على القيام بمهام معقدة من دون ضرورة توجيهه بشكل تفصيلي.

وبناء على ذلك، فإلى أي مدى يحتاج الناس في عالم اليوم إلى منصب مدير مكتب رئيس مجلس الإدارة في حياتهم؟ الإجابة المباشرة هي أن الجميع يحتاجه وبشدة.

يشبه الذكاء الصناعي في عالم اليوم الإنترنت قبل نحو ثلاثين سنة، حينها كان الإنترنت اختراعا جديدا يشق طريقه في الأسواق وتمتلئ أخبار التكنولوجيا بتوقعات عن تأثيراته ونتائجه، وكان الجميع يتعامل معه كأنه شيء مثير قادم في المستقبل، وسرعان ما أصبح الإنترنت حاجة يومية لا غنى عنها للبشر لا مفر ولا مهرب من التعامل اليومي معها.ليس صحيحا أن الذكاء الصناعي سيمحو أو يحل محل وظائف، ولكنه سيجعل من لا يستطيع التعامل مع الذكاء الصناعي وأدواته المختلفة غير قادم على التأقلم مع هذا المتغير الجديد بشكل يهدد مكانته ووضعه الوظيفي الأمر ذاته ينطبق على الذكاء الصناعي كتطور تقني هام من داخل العائلة الرقمية؛ بدأ ولا يزال نوعا ما نخبويا، ولكنه سرعان ما سيكون شعبيا وسيضطر الجميع للتعامل معه بشكل يومي في كافة مناحي الحياة.

قبل عامين كنت مدعوا للورشة العالمية الأولى في مجال الذكاء الصناعي واللغة العربية والبيانات الضخمة في مؤسسة قطر، وقدم عدد من الباحثين القادمين من الولايات المتحدة عروضا بحثية هامة عن موقع تشات جي بي تي وقدرته التنافسية الهائلة التي ستضرب غوغل في مقتل. ويُحسب لعدد من الباحثين العرب النابهين في الولايات المتحدة وأوروبا تنبههم للأمر في بدايته من أجل أن تحتل اللغة العربية مكانا هاما في برمجيات الذكاء الصناعي.

هذا الاهتمام من جانب الباحثين العرب ينبغي أن يوازيه اهتمام بمحو أمية الذكاء الصناعي عن القطاعات المختلفة خاصة الطلاب وأرباب المهن، فليس صحيحا أن الذكاء الصناعي سيمحو أو يحل محل وظائف، ولكنه سيجعل من لا يستطيع التعامل مع الذكاء الصناعي وأدواته المختلفة غير قادر  على التأقلم مع هذا المتغير الجديد بشكل يهدد مكانته ووضعه الوظيفي.

أبرز مثال على ذلك هو تحدي تطبيق تشات جي بي تي لأنظمة الامتحانات ومشاريع التخرج الجامعية والذي جعل هناك صعوبة في تحديد مستوى الطالب بسبب اعتمادهم عليه، الأمر الذي جعل الجامعات تلجأ لبرامج اكتشاف استخدام هذا التطبيق ومنع تداوله بين الطلاب. للذكاء الصناعي مخاطره ومشاكله، وهي مشاكل تتشابه مع مشاكل الإنترنت والتقنية بشكل عام ولا تمنع من محو أميته والتعرف عليه واستخدامه في كافة مناحي الحياةوهي محاولات وقتية لن تصمد كثيرا، إذ ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار عند وضع الامتحانات مستقبلا إمكانية استخدام الطلاب لأدوات الذكاء الصناعي وأهمها تطبيق تشات جي بي تي، تماما كما يؤخذ في الاعتبار أن بإمكانهم استخدام محرك البحث غوغل وغيره.

للذكاء الصناعي مخاطره ومشاكله، وهي مشاكل تتشابه مع مشاكل الإنترنت والتقنية بشكل عام ولا تمنع من محو أميته والتعرف عليه واستخدامه في كافة مناحي الحياة. فلا تزال التشريعات فقيرة في تنظيم عمله، خاصة عمليات التزييف العميق التي يمكن أن تنجم عنه، كما أن هذا المجال لا يزال في حاجة إلى منظومة أخلاقية مهنية تحكم طريقة عمله وتمنع توظيفه بشكل سيئ.

وغني عن القول أننا نتأثر بشكل يوم بخوارزميات الذكاء الصناعي التي تقوم عليها وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة والإعلانات، أي أننا متأثرون دائما ومنذ فترة طويلة، الفارق الجديد أن هذه التقنية تطورت وأصبح بإمكان البشر العاديين فهمها وتوظيفها والاعتماد عليها في حياتهم، وهي فرصة مهمة ينبغي استغلالها والتعامل الإيجابي معها.

twitter.com/HanyBeshr

مقالات مشابهة

  • الجبورى: تقاس قدرات الدول وإمكاناتها بمدى تحكمها في تكنولوجيا المعلومات والإستفادة من البيانات الضخمة
  • 12 دولة تشارك فى ورشة أخلاقيات الذكاء الإصطناعي بالاكاديمية العربية بالإسكندرية
  • رهان أشباه الموصلات.. إلى أين وصل سباق السعودية والإمارات؟
  • رهان أشباه الموصلات.. إلى أين وصل السباق السعودي-الإماراتي؟
  • محمد مغربي يكتب: ثورة اصطناعية لذوي الهمم (2)
  • في ذكرى ميلاده.. كيف وصف الذكاء الاصطناعي وحيد حامد؟
  • دِل تطرح أجهزة كمبيوتر مدعومة بالذكاء الاصطناعي Copilot+
  • 500 مليون دولار وفورات “أدنوك”من تطبيق 30 أداة للذكاء الاصطناعي
  • “الأرشيف والمكتبة الوطنية” يلقي الضوء على العلاقات التاريخية الإماراتية المغربية بموسم “طانطان”
  • ضرورة محاربة أمية الذكاء الاصطناعي