ما الذي ذكّر واشنطن بمأساة السودان؟ 4 نقاط تفسر اتصال بلينكن والبرهان
تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT
جاء في الأخبار التي استندت إلى بيان من وزارة الخارجية الأميركية مساء أمس الثلاثاء أن الوزير أنتوني بلينكن أجرى اتصالا هاتفيا استغرق 30 دقيقة مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان بحث من خلاله مسألة إنهاء الصراع في السودان على وجه السرعة، وتمكين وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وذلك من أجل تخفيف معاناة الشعب السوداني.
ويبدو أن هذا اللقاء قد حرك الكثير من شجون السودانيين، وطرح أسئلة كثيرة، خاصة ما يتصل بما أسماه مراقبون بالحراك المفاجئ في دوائر الإدارة الأميركية، والذي سكت عن كثير من الانتهاكات والفظاعات التي ظل يتعرض لها المدنيون في السودان منذ أن اندلع القتال بين الدعم السريع والجيش منذ أكثر من عام.
وهي انتهاكات ظلت الكثير من المنظمات والجهات المعنية بحقوق الإنسان تذكر بها، واتهم بعضها الدعم السريع بارتكابها، خاصة تلك الانتهاكات المتعلقة باتخاذ المدنيين دروعا بشرية، والاستيلاء على منازلهم ومقتنياتهم وسياراتهم، وكافة مقدراتهم.
وتسعى الجزيرة نت في السطور التالية إلى تقديم بعض النقاط الخاصة بهذا الموضوع، والتي أشار إليها كثير من مراقبي الشأن السوداني الذين علقوا على اتصال بلينكن بالبرهان، وذلك أملا في إضاءة بعض المساحات غير الواضحة في الدور الأميركي تجاه مأساة السودان.
1/ تصريحات العطا.. ابحث عن الدب الروسي!عزا كثيرون الموقف الأميركي إلى الخوف من أي وجود روسي محتمل في السودان وخاصة في منطقة البحر الأحمر، وهو مكان سعى الروس كثيرا إلى أن يجدوا لهم فيه موطئ قدم. ومسألة السعي الروسي إلى المصالح والنفوذ في السودان، لم يكن وليد الأيام أو الشهور السابقة فحسب، بيد أنه كان مطروحا على الدوام.
في الأيام الماضية، أجرت لينا يعقوب مراسلة قناة العربية في السودان لقاء نادرا مع الجنرال ياسر العطا مساعد القائد العام للجيش وعضو مجلس السيادة السوداني قال فيها إن روسيا طلبت من السلطات السودانية إقامة محطة للتزويد بالوقود في البحر الأحمر مقابل توفير أسلحة وذخيرة، وإن رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان سيوقع على اتفاقيات بهذا الصدد قريبا.
وهذا التطور في علاقة الخرطوم مع موسكو، والذي يبدو أنه هو الذي حرك المياه بين واشنطن والخرطوم لم يكن وليد الأيام التي سبقت تصريحات العطا. فقد زار السودان أبريل/نيسان الماضي ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الروسي الخاص إلى أفريقيا والشرق الأوسط، حيث التقى خلال الزيارة التي استغرقت يومين البرهان وقيادات سودانية، وصرح بأن بلاده تعتبر مجلس السيادة الانتقالي "الممثل الشرعي للشعب السوداني".
وبحسب مصادر سودانية، فإن المبعوث الرئاسي الروسي ميخائيل عرض خلال تلك الزيارة تقديم مساعدات عسكرية للجيش السوداني مقابل تطبيق الاتفاق الخاص بإنشاء محطة لوجيستية للقوات البحرية الروسية في بورتسودان الذي تم التوقيع عليه في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، والذي لم ير النور وقتها.
وقبيل زيارة المبعوث الروسي إلى السودان بأيام قليلة زار موسكو مدير جهاز المخابرات السوداني، أحمد إبراهيم مفضّل، حيث التقى مسؤولين روس من بينهم بوغدانوف.
وبحسب وزارة الخارجية الروسية، فإن مفضّل بحث مع المسؤولين الروس آخر تطورات الأوضاع العسكرية والسياسية في السودان، وأنهما ناقشوا خلال المباحثات أبرز الملفات والقضايا المتعلقة بمواصلة تطوير العلاقات الروسية السودانية، وذلك في ضوء الوضعين العسكري والسياسي الراهن في السودان وما حوله.
وفي السياق رأى محللون أن العطا حاول في تصريحاته تخفيف قلق واشنطن المحتمل من أي تقارب بين الخرطوم وموسكو عندما شدد في ذات المقابلة على أنه لا يعترض على إنشاء المحطة البحرية الروسية، قائلا "هذا ليس عيبا على الإطلاق"، وأكد أن السودان منفتح على إبرام اتفاقيات مماثلة مع دول أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر، "مع إعطاء الأولوية لمصالح السودان فوق كل شيء".
2/ إيران وطائرتها المسيرة "مهاجر"وفيما يتصل بتفسير المكالمة مع البرهان التي بادر بها وزير الخارجية الأميركية أمس، يشير كثيرون من متابعي الشأن السوداني إلى التطورات التي حدثت بين الخرطوم وطهران، والتي ذكرت أنباء متواترة أنها وصلت لحد تزويد طهران للجيش السوداني بأسلحة أبرزها مسيرات "مهاجر" التي كان لها كبير الأثر في تحقيق انتصارات للجيش السوداني على الدعم السريع.
ففي فبراير/شباط الماضي، زار وزير الخارجية السوداني السابق علي الصادق إيران لأول مرة بعد قطيعة دامت 8 سنوات، وقد أكد حينها نظيره الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، إعادة فتح السفارتين الإيرانية والسودانية واستئناف المهام الدبلوماسية لسفيري البلدين، في سياق جهود توسيع العلاقات الثنائية.
وفي تصريحات لاحقة، قال وزير الخارجية السوداني إن علاقات بلاده مع إيران ليست موجهة ضد أي دولة أو نظام إقليمي أو دولي، وذلك في محاولة لتبرير التقارب مع طهران الذي ظهرت علاماته، وتزامنت مع تقارير إعلامية غربية، أفادت بقيام إيران بتسليح الجيش السوداني، الذي يخوض قتالا عنيفا مع قوات الدعم السريع.
وفي فبراير/شباط الماضي، قال مستشار في وزارة الدفاع السودانية للجزيرة نت إن "التعاون العسكري بين بلاده وإيران لم يعد بصورة كاملة كما كان قبل قطع علاقات الدولتين، خاصة أنهما لم يتبادلا التمثيل الدبلوماسي ولا فتح السفارات".
وأكد أن "التعاون العسكري بين السودان وإيران لا يزال محدودا، وليس موجها ضد أي طرف آخر، وأن بلاده تدرك التعقيدات الأمنية والأوضاع التي تعيشها المنطقة، والتوتر في باب المندب والبحر الأحمر، والحرب في غزة وتداعياتها".
لكن وبحسب مراقبين، فإن قلق الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض دول الإقليم من التقارب الإيراني السوداني مبرر، ويبدو أنه هو الذي حرك الجمود الذي شاب علاقات واشنطن والخرطوم في الفترة الأخيرة.
3/ كوارث الحرب ومآسيهاوفي سياق ذي صلة، عزا محللون مسارعة بلينكن إلى الاتصال بالبرهان إلى اقتناع واشنطن بضرورة الاستماع والاستجابة إلى المناشدات التي ظهرت مؤخرا خاصة من الأمم المتحدة ومنظماتها المعنية، وكذلك من المنظمات العاملة في المجال الإنساني، والتي تحدثت باستفاضة عن الانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون في السودان جراء هذه الحرب التي لا يبدو أنها ستنتهي قريبا.
ومنذ العاشر من مايو/أيار الجاري، تشهد مدينة الفاشر اشتباكات بين الجيش، تسانده قوات الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام، وبين قوات الدعم السريع. وإلى جانب كونها عاصمة ولاية شمال دارفور، تعد الفاشر مركز إقليم دارفور، وأكبر مدنه، والوحيدة بين عواصم ولايات الإقليم الأخرى التي لم تسيطر عليها قوات الدعم السريع في نزاعها المسلح ضد الجيش.
والأسبوع الماضي، ناشدت منظمة العفو الدولية العالم سرعة التحرك لحماية المدنيين العالقين وسط أعمال العنف المتصاعدة في مدينة الفاشر.
وفي السياق ذاته أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن "قلقه الشديد" إزاء المعارك الدائرة منذ أيام في مدينة الفاشر السودانية بين الجيش وقوات الدعم السريع، ووجه نداء للمتحاربين بالسماح للمدنيين باللجوء إلى مناطق آمنة.
يأتي اتصال البرهان وبلينكن في سياق ما وصف بأنه تحرك مدني واسع لوقف الحرب الدائرة منذ أكثر من عام. ففي إثيوبيا تختتم يوم غد الخميس أعمال المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية والمعروف باسم "تقدم" المنعقد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، والذي انطلق الأحد الماضي، ويأتي كمحاولة لإنهاء الاقتتال الدائر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
ولكن مع اليوم الأول من انطلاق فعاليات مؤتمر "تقدم"، وجه له الكثير من الانتقادات والأسئلة حول الغاية الحقيقية من انعقاده، واعتبر مدونون أن المؤتمر يستخدم كمنصة إعلامية وسياسية لتوجيه الاتهامات ضد القوات المسلحة السودانية والتشكيك في نزاهتها وأخلاقها والترويج الكاذب لإدانتها؛ ومن ثم محاولة التأثير على الرأي العام المحلي والعالمي لمعاقبتها وشق الصف الوطني عنها.
في المقابل، اعتبر ناشطون إن المؤتمر هو بصيص أمل جديد ينهي الحرب، وقالوا إن "العزم والتصميم على إنهاء الحرب خلقته معاناة شعبنا من هذه الحرب وفظائعها التي طالت الأنفس والممتلكات، ودمرت البلاد وشردت شعبها. وبهذه الوحدة الواسعة المتنوعة سنعلي من صوت السلام، وسنحارب خطابات التمزيق والتقسيم والكراهية، وسنعمل بجد على إنقاذ بلادنا من هذا الدمار، وسنعيد بناءها على أفضل وأجمل وأحسن ما يكون".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قوات الدعم السریع وزیر الخارجیة مجلس السیادة فی السودان
إقرأ أيضاً:
مقتل عشرة مدنيين في هجوم لقوات الدعم السريع في غرب السودان
الخرطوم - قُتل عشرة مدنيين وأصيب 20 آخرون في قصف لقوات الدعم السريع على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور في غرب السودان، وفق ما أفاد ناشطون الأربعاء مؤكدين أن القصف طاول المستشفى الرئيسي بالمدينة ومناطق أخرى.
وقالت "تنسيقية لجان المقاومة - الفاشر"، وهي من بين عشرات التنسيقيات التطوعية في السودان، في بيان على فيسبوك "وصل عدد الشهداء المدنيين قبل قليل إلى 10 شهداء و20 مصابا... نتيجة التدوين (القصف) داخل مدينة الفاشر والمستشفى السعودي من قبل ميليشيات الدعم السريع".
واستُهدف مستشفى الفاشر الجمعة بهجوم لقوات الدعم السريع، ما أوقع تسعة قتلى و20 جريحا وفق منظمة الصحة العالمية، واضطر المرفق إلى تعليق أنشطته.
وأعلنت التنسيقية أن غارات الجمعة "دمرت العنابر والصيدليات وغرفة العمليات بالمستشفى".
وقال طبيب في المستشفى في تصريح لوكالة فرانس برس طالبا عدم كشف هويته ان خدمة الطوارئ في المستشفى دمّرت بالكامل.
وترزح مدينة الفاشر منذ أشهر تحت وطأة حصار تفرضه قوات الدعم السريع، كما تشهد أكثر الاشتباكات عنفا بين المعسكرين المتحاربين.
ومنذ نيسان/أبريل 2023، يشهد السودان حربا بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الملقب حميدتي.
في الأسبوع الماضي، أسفرت ضربة جوية للجيش السوداني على سوق في بلدة في شمال دارفور عن مقتل أكثر من 100 شخص وإصابة المئات، وفق ما أفادت مجموعة "محامو الطوارئ".
وتسيطر قوات الدعم السريع بشكل شبه كامل على إقليم دارفور ومساحات واسعة من منطقة جنوب كردفان ومعظم وسط السودان، بينما يسيطر الجيش على شمال وشرق البلاد.
وحتى الآن، لم يتمكّن أي من المعسكرين من السيطرة على كامل العاصمة الخرطوم التي تبعد ألف كيلومتر شرق مدينة الفاشر.
وأودت الحرب بحياة عشرات الآلاف وشرّدت أكثر من 11 مليون شخص وتسبّبت بما تعتبره الأمم المتحدة أسوأ أزمة إنسانية في الذاكرة الحديثة.
ويُتّهم الجيش وقوات الدعم السريع باستهداف المدنيين والمرافق الطبية بشكل عشوائي، وبقصف مناطق سكنية عمدا.
Your browser does not support the video tag.