التحدي الإعلامي في ظل التحولات المتسارعة
تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT
اللقاء الصحفي الموسع الذي أجراه رئيس تحرير جريدة الشرق القطرية الأستاذ كريم الحرمي، مع معالي د. عبدالله بن ناصر الحراصي وزير الإعلام الأسبوع الماضي، اشتمل على قضايا إعلامية وفكرية عديدة، والحاجة لاستيعاب التطورات الجديدة في علوم الاتصال والتقنيات الحديثة وأهمية التعاون المشترك بين دول المجلس. في الواقع الإعلام الخليجي الجديد صفة عامة، وما ينبغي أن يسير عليه الإعلام العماني في ظل التحديات الإعلامية الضخمة في عالم اليوم، التي أصبحت واقعًا لا بد من التفاعل معه واستيعاب ما يستحق أخذه مما تفرزه هذه التقنيات والوسائل بصفة خاصة، ومما قاله معاليه في هذا الحوار: «إن وظيفة الإعلام تجاه المجتمعات الخليجية في ظل التحديات العالمية وثورة التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي وتداخلها مع المنظومة القيمية للمجتمعات الخليجية، وتأثيراتها أيضا على الإعلام التقليدي.
ولا شك أن هذا التحدي الذي سنناقشه في هذا المقال، بحكم أهميته الإعلامية والفكرية والسياسية، كما أشار معاليه في هذا اللقاء، إلى أن الأمر لم يعد خيارًا لنا في الأخذ به من عدمه، بل أصبح واقعًا ملموسًا بصورة مطّردة، في أن تكون نظرتنا إليه واسعة، لكل التحولات في عالم التقنيات الحديثة وجديد العلوم معها، ومنها ما يبث بعض جديدها من أفكار تجاه الهوية الوطنية، لما يحدث من تطورات علمية متسارعة في عالم الإعلام اليوم، فبعضها يصطحب معه الفكر والثقافة، وليس مجرد تقنيات خالية من مستصحبات الفكرة والرؤية والرسالة التي يراها الآخرون وسيلة للوصول إلى أهدافهم الظاهرة وغير الظاهرة منها، لذلك لا يجب التقليل من مؤثراتها وتأثيراتها في عقلية الجيل الجديد من شبابنا صراحة، ولذلك تشكل هذه التطورات في عالم المعلوماتية المتدفقة، بلا حواجز أو سدود في عصرنا الراهن، تحديًا كبيرًا للإعلام العربي عمومًا، في وقت باتت هذه التقنيات الحديثة أحد أهم ركائز الإعلام التي ما برحت تتوسع وتهيمن على كل الجوانب الحياتية للإنسان، سواء في القضايا السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو غيرها من الجوانب، التي لا نستطيع حصرها لشمولية معطياتها المتعددة والهائلة.
ولا شك أن قضية التحدي الإعلامي في وقتنا الراهن -كما أشرنا- مسألة مهمة ومحورية لمراجعة الإعلام العربي عامة والخليجي بوجه خاص، ومن هنا تستدعى المراجعة والتقييم وبلورة الوسائل الجديدة، لهذه المرحلة التي باتت من الخطورة ما يحتم أن تكون لنا معطيات ومنطلقات، تخدم هذه المرحلة بكل تحدياتها الراهنة والمستقبلية في ظلّ التحولات الجديدة والتحديات المقبلة التي أصبحت تفرض قسرًا وليس اختيارًا ذاتيًا، خاصة أن عالمنا العربي محط الأنظار والتوجسات من الآخر، لقضايا راهنة ناقشناها في مقالات سابقة. فلا يكفي التحذير والتخويف والتنظير الكلامي غير الواقعي لمواجهة التحديات، وإنما يجب أن تتم برسم الخطط وإيجاد الوسائل الحديثة وإعداد البرامج الأكثر جاذبية وتخدم قضايا المجتمع، وأهمها مناقشة مشكلات وقضايا المواطن وهمومه بصراحة وحرية بعيدًا عن المبالغة والتهويل أو البتر والتحوير؛ لأن مرحلة التحدي الفضائي ومخاطره الثقافية والفكرية وحتى الاجتماعية تستدعي -كما قلنا- إعطاء روح جديدة للوسائل الإعلامية العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص. ونحن لا نتحدث عن توقُّع أو خيال إنما نتحدث عن واقع وحقائق قائمة ومستمرة، حيث تستباح مجالات الفضاء بصورة نهائية، ويسيطر الأقوى تكنولوجيا على فكر العالم وعقله، فتسهل عليه في كافة الشؤون الأخرى، في الوقت الذي يصبح فيه العالم النامي عديم الحيلة أمام تلك القوى التي تمتلك الوسائل والقدرات والإمكانيات العديدة للاختراق والاستحواذ على عقول المشاهدين والمستمعين. فلا مفر من التعامل مع هذا الواقع الجديد بكل إمكانياته الرهيبة؛ فالهروب والعزلة أو الاعتزال عن المواجهة معناه أننا نخسر مواقع جديدة وأرضية يمكن كسبها فيما لو قبلنا التحدي بشجاعة المواجهة وبجدية المصارحة في تناول قضايانا ومشكلاتنا عبر وسائل التقنية الفضائية وهذا هو «مربط الفرس» كما يقول المثل العربي.
ومن هذا المسار الإعلامي العربي بصورة عامة، والإعلام الخليجي بصورة خاصة سيتأثر بلا شك من هذه التطورات المتسارعة، إن لم يسارع إلى الانفتاح مع الوعي بما يأخذ من هذا الجديد المتدفق، إذ أصبح التوسع في عالم الإعلام، سيكون له تأثيره كحقيقة لا جدال فيها، ويرى د. جاب الله موسى أن هذه التطورات المقبلة ستشهد تراجعًا ملحوظًا في السيادة الوطنية والثقافية للدولة. ذلك أن تقنية الاتصال المعاصرة تسمح للفرد بالانفتاح على مجالات إعلامية وثقافية متعددة من دون أن يكون خاضعًا لمشيئة الدولة وسياساتها الإعلامية والثقافية. هذا الانفتاح وما يقابله من تدفق معلوماتي مقصود تجاه المشاهد -المستقبلين- لا بد أن يؤثر إلى الدرجة التي يمكن معها المستقبل أن يرتبط برصيد معرفي مشترك مع المصدر «الآخر» القوي، مصدر قد يؤثر في سلوكه وتفكيره أكثر من ذلك المتعلق بهويته الأصلية».
فالإعلام في واقعنا العربي، يحتاج إلى معالجة جذرية لمنهاجه الراهن واستشراف المستقبل بصورة جديدة وحثيثة، لما سار عليه في العقود الماضية، فهذا العصر تغيرت فيه مفاهيم كثيرة وأدخلت تقنيات متقدمة متسارعة -وما تزال- جعلت العالم متشابكًا ومتداخلًا بأفكاره وتفاعلاته، وأصبح كل شيء متاحًا ومنفتحًا، ولم تعد الأساليب المنغلقة تجدي نفعًا في هذا العصر، لذلك يتعين على الإعلام أن يتفاعل مع الجديد المستجد، وأن ينفتح على الآراء المختلفة، وأن يتاح للتعددية في القضايا المتباينة، بما يقوّي المصداقية في الطرح والمناقشة حتى يكون للإعلام العربي عمومًا مصداقية حقيقية وفاعلة في الرأي العام، وهذا يحتاج كما قلنا إلى تغيير فعلي وجدي في الفكرة الإعلامية القائمة، وأن يتم التفاعل مع الجديد القادم، بما يسهم في تفعيل الرؤية الإعلامية، وبدون هذه النظرة فإننا سيظل وضعنا مهمشًا من الرأي العام، ولا يسمع إلا نفسه. وهذه إشكالية جديرة بالاهتمام في عالم اليوم الذي أصبح الإعلام كونيًا ومتدفقًا بصورة متسارعة أكبر مما نتصور، ولذلك إذا لم نراجع واقع الإعلام، فإن الخلل سيكون بارزًا ومتراجعًا، وسيجعل من حتمية الاختراق الإعلامي الأقوى تأثيرا على الجيل الجديد من شبابنا، وهذه ربما ستجعل الحاجة لمؤسسات إعلامية قوية، قادرة على الصمود والتفاعل والانفتاح على العصر، وهذا القبول يحتاج إلى فاعلية في الاستجابة لما هو جدير بالأخذ والفرز والانتقاء. والمخرج الإيجابي كما نعتقده، هو الانفتاح الإعلامي المتوازن المصحوب بالتفاعل مع الجديد القادم واستيعاب النظم المتطورة وإدماجها في وسائلنا الإعلامية، وتأهيل الكوادر الوطنية، وإعطاء المساحة للحرية الإعلامية المسؤولة، في مجال التناول والنقاش في قضايانا الراهنة، وهذا هو الرهان الذي يجب الاستناد إليه في مواجهة تحدي الاختراق الإعلامي الكبير في عالم التقنيات المختلفة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی عالم واقع ا فی هذا
إقرأ أيضاً:
أبوظبي.. الكونغرس العالمي للإعلام 2024 يرسم ملامح جديدة للعمل الإعلامي
أعلنت اللجنة المنظمة للكونغرس العالمي للإعلام في دورته الثالثة عن المحاور الرئيسة اليومية الجديدة للدورة، والتي تهدف إلى إعادة صياغة مستقبل الإعلام وتعزيز أجندة الحدث من خلال التركيز على ثلاثة محاور هي، "معايير واتجاهات العمل الإعلامي الجديد"، و"المحتوى الإعلامي"، و"التحديات الإعلامية الرقمية".
ويستضيف الكونغرس نخبة من القادة والمبتكرين وصُنّاع المحتوى، لتشكيل منصة شاملة تعزز الحوار والتعاون، وتعمل على تطوير القطاع الإعلامي في ظل التحولات السريعة التي يشهدها.ويسلط اليوم الأول للكونغرس، الضوء على أحدث الاتجاهات في صناعة الأخبار، بما في ذلك الأثر التحولي لتقنيات الذكاء الاصطناعي ونماذج الأعمال الجديدة التي تعيد تشكيل القطاع الإعلامي. أساليب مبتكرة وتتضمن الجلسات النقاشية وورش العمل استعراض الأساليب المبتكرة في ممارسة العمل الإعلامي، وكيفية تكيف المؤسسات الإعلامية مع السوق المتغير لضمان نمو مستدام.
ويتمحور اليوم الثاني حول التنوع والشمول في الإنتاج الإعلامي، مع تحليل الاتجاهات الحديثة في منصات المحتوى المختلفة.
وتناقش الجلسات استراتيجيات توجيه المحتوى للوصول إلى جمهور عالمي متنوع، وأساليب السرد القصصي الجذاب لتلبية اهتمامات الجمهور المتنوع عبر البث والتواصل الاجتماعي.
ويركز اليوم الثالث على الفرص والتحديات التي تواجه صُنّاع المحتوى في ظل التحول الرقمي السريع، وتتضمن جلساته رؤى معمقة حول كيفية الاستفادة من الأدوات الرقمية لتعزيز التفاعل مع الجمهور، وابتكار استراتيجيات جديدة لتحقيق الدخل، والحفاظ على أصالة المحتوى. جلسات تفاعلية ويقدم الكونغرس العالمي للإعلام يوميًا جدول فعاليات شامل يتضمن مجموعة غنية من الجلسات التفاعلية التي تستعرض أحدث تقنيات الإعلام، بالإضافة إلى ورش عمل تهدف إلى تعزيز الابتكار ودعم التطور المهني للمشاركين.
كما يضم حلقات نقاش معمقة بمشاركة خبراء عالميين لمناقشة أبرز القضايا والاتجاهات الإعلامية، ويتخلل الحدث مقابلة حصرية مع أحد أبرز قادة الإعلام الإماراتيين، حيث يتم تقديم رؤى عملية وأفكار مبتكرة تساعد المشاركين على مواجهة التحديات المستمرة في القطاع الإعلامي وتعزيز قدرتهم على الابتكار.
ويهدف الكونغرس العالمي للإعلام إلى رسم ملامح مستقبل القطاع الإعلامي، حيث يشكل منصة انطلاق نحو مشهد إعلامي مستدام وفعّال.
ويدعو الحدث المهتمين بالمجال الإعلامي كافة إلى استكشاف أحدث التقنيات والاتجاهات والتحولات الإستراتيجية التي تهم العاملين في الإعلام.