لجريدة عمان:
2025-01-11@08:25:39 GMT

الحرب وتمثيلات خطاب الكراهية

تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT

تُعتبر الحرب الأهلية مناخًا مثاليًا لتحفيز خطاب الكراهية وتوظيفه في أهدافها، عبر إساءات تُحَرِّض على العنف أو التمييز أو الاحتقار للأفراد أو الجماعات على أساس العرق أو الدين أو اللون أو القبيلة أو أي خصائص أخرى مُرتبطة بالتهميش أو التمييز المُمنْهَج.

ولا يمكننا اليوم فهم تمثيلات خطاب الكراهية في جحيم الحرب في السودان منذ 15 أبريل 2023م، بمعزل عن استصحاب سياق عام لتاريخ حرب أهلية، ظلت آثارها تتراكم لأكثر من نصف قرن على حياة مكونات سودانية مُختلفة، في بلد شهد أطول حرب أهلية إفريقية (حرب الجنوب)، سابقًا، ثم شهد سلسلة حروب أهلية توسعت معها رقعة الحرب في مناطق أخرى من السودان؛ نتيجةً للسياسات المُدمِّرة لنظام الإنقاذ منذ انقلابه في العام 1989، وهي سياسات تسبَّبَتْ في فصل الجنوب.

وما نشهده اليوم على وقع هذه الحرب من توظيف لخطاب الكراهية في المجال العام، ووسائط السوشيال ميديا، من خلال أقوال وأفعال وممارسات لصور من القتل والإذلال تُهين كرامة الإنسان؛ أمرٌ ينذر بآثار كارثية أخطر على المجتمع السوداني.

إن خطاب الكراهية بوصفه خطابًا يقوم على نظام إدراك يتوخَّى تخطيطًا مُحكمًا عبر شبكة من آليات التحريض على العنف والقتل -في مجالات مُتعدِّدة- هو ما يسهر عليه اليوم الطرفُ الذي يعلن، مرارًا وتكرارًا، عزمه على الاستمرار في الحرب، رغم الآثار الفادحة للحرب على حياة السودانيين نتيجةً لما ارتكبه طرفاها من قتل ونهب ومجاعات، وتسبَّبَا في نزوح ولجوء غير مسبوقين في العالم بحسب تقارير الأمم المتحدة.

ولا يمكننا اليوم في جحيم هذه الحرب، فصلُ تفاقمِ ظاهرة خطاب الكراهية عن نتائج كثيرة تسببت فيها سياسات حكومات نظام الإنقاذ على مدى ثلاثين عامًا؛ تلك السياسات التي هيَّأت تربةً خصبةً لشيوع ما يمكن أن نسميه بـ«ذهنية الإنقاذ» بين بعض فئات المجتمع السوداني التي تأثرت لسنوات طويلة بالتحريف الأيديولوجي لمفاهيم الإسلام في خطاب نظام الإنقاذ؛ فـ«ذهنية الإنقاذ» يمكن أن يكون أصحابها مواطنين عاديين تأثروا بدعاية جهاز الدولة العمومي في سياسات التعليم والإعلام والحياة العامة على مدى 30 سنة، وبطريقة تصبح فيها تلك الذهنية أقرب إلى التطرف منها إلى السوية.

ينطلق خطاب الكراهية من منطلقات طائفية أو عنصرية، أو غيرها، ويستخدم لغة تمييزية تحقيريّة تهجّمية تستفزُّ عصبية الآخر -فردًا وجماعةً- بما يجرح أو يُهين فيه معنى رمزيًا أو شعورًا جمعيًا بطريقة تنتقص كرامته؛ حين تزدري عرقه أو لونه أو قبيلته، أو تنفي عنه الانتماء إلى الوطن أو الدين، عبر التخوين والتكفير.

فمفهوم «التكفير السياسي» الذي اخترعه خطاب الإسلام السياسي ووظفه في المجال العام، لتسميم نسيج الجماعة الوطنية السودانية عبر تكفير منسوبي الأحزاب السودانية الأخرى كأحزاب اليسار والأحزاب العلمانية السودانية، بهدف تحريض عامة الشعب على كراهية تلك الأحزاب، وما يترتب على تلك الكراهية المُسيَّسة من إقصاء وتمييز وعنف.

وحين تُمارَسُ الكراهيةُ خطابًا في أجندة دعاة الحرب، أي بوصفها منظومةً من الأقوال والأفعال والممارسات التي تستخدم آليات متعددة وتتوخى هدفًا محددًا؛ فإن ذلك الخطاب سينعكس في الحرب من خلال ممارسات مقصودة بتنظيم مرتب وتخطيط محكم (مهما بدت تلك الممارسات عشوائيةً في ظاهرها)؛ لأن ارتباطها ببعضها عندئذ سيكون ارتباطًا عضويًا لخدمة الهدف الأخير من الحرب.

حين يصف البعضُ دعاةَ إيقاف الحرب بصفات انتقاصية ازدرائية تمسُّ اللون، أو الخلقة، أو العرق أو النوع، أو عبر نعوت تصل إلى درك الشتائم؛ كل ذلك لا يأتي عشوائيًا في خطاب الكراهية الذي يُروِّجُ له دعاة الاستمرار في الحرب، بل هو سلوك يتم تنظيمه ضمن شبكات توظيف مرتبطة ببعضها البعض، وتستهدف خلق انطباع تحقيري في نفوس دعاة الحرب ضد الخصم المنعوت بتلك الصفات؛ من أجل رفع انفعالات الكراهية إلى أعلى منسوب في نفوس أتباعهم ضد الخصم المنعوت، وعلى نحو يُحرِّضهم لممارسة جميع أنواع العنف ضده.

إن الهدف الأخير لخطاب الكراهية في أجندة دعاة استمرار الحرب (حال خسارتهم الحرب)، هو توريط المجتمع في حرب ينحدر فيها ولاء المكونات السودانية إلى حضيض يضطرهم فقط للدفاع عن وحداتهم الاجتماعية الأولى، كالقبيلة والمنطقة على حساب ولائهم للوطن، أي الوصول إلى هدف الحرب الأهلية الشاملة (حرب الكل ضد الكل)؛ ذلك هو الهدف الخبيث من خطاب الكراهية في أجندة دعاة الحرب؛ وهو الهدف الذي سيعفيهم من مسؤوليتهم عن إشعال الحرب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: خطاب الکراهیة فی خطاب ا

إقرأ أيضاً:

بعد 5 أيام.. القصة الكاملة لغرق صياد وانتشال جثمانه بالإسكندرية

نجحت قوات الإنقاذ النهري بمساندة فريق “غواصين الخير”، صباح اليوم الخميس، في انتشال جثمان الصياد محمد هشام علي أبو سيف، 29 عامًا، وذلك بعد خمسة أيام من غرقه في منطقة الميناء الشرقي بحي بحري، بالإسكندرية.

وكانت الأجهزة الأمنية قد تلقت بلاغًا من إدارة شرطة النجدة يفيد بسقوط الصياد من مركب في عرض البحر يوم الأحد الماضي أثناء عودته إلى الميناء.

وأفادت التحريات أن الصياد كان يعمل لمدة يومين على متن المركب، وخلال الاستعداد للرسو بالميناء الشرقي سقط فجأة في الماء، رغم محاولات زملائه لإنقاذه، إلا أنه غطس واختفى تحت الأمواج.

وصرح إيهاب المالحي، قائد فريق “غواصين الخير”، أن عمليات البحث استمرت على مدار الأيام الماضية، بمشاركة فريق الغواصين المتطوعين وقوات الإنقاذ النهري، إلى أن تم العثور على الجثمان صباح اليوم، حيث جرى انتشاله ونقله بسيارة الإسعاف لاستكمال الإجراءات القانونية وتسليمه لذويه.

وتباشر جهات التحقيق اتخاذ الإجراءات اللازمة، بينما جددت فرق الإنقاذ دعواتها للصيادين بضرورة اتخاذ التدابير الوقائية أثناء العمل لتجنب مثل هذه الحوادث.

مقالات مشابهة

  • خلال جنازة كارتر.. بايدن يحذر من الكراهية وإساءة استخدام السلطة
  • انتشال جثمان صياد غرق في أحد موانئ الإسكندرية
  • بعد 5 أيام.. القصة الكاملة لغرق صياد وانتشال جثمانه بالإسكندرية
  • وزير الشؤون الإسلامية السنغافوري للإمام الأكبر: خريجو الأزهر في سنغافورة دعاة سلام
  • أوروبا تنتفض ضد إيلون ماسك وتتهمه بإثارة الكراهية.. ما القصة؟
  • إيطاليا.. العثور على جثة رحالة بريطاني بجبال الألب والبحث عن آخر
  • زلزال التيبت المدمر.. عمال الإنقاذ يسابقون الزمن بحثًا عن ناجين
  • القصة الكاملة لانهيار منزل ومصرع وإصابة 3 أشخاص بالبحيرة.. صور
  • القاضي الشهيد: هرج القضائية
  • على خُطى الإنقاذ، حكومة بورتسودان تنفي وجود مجاعة في البلاد!