أثار مقتل خمسة وأربعين فلسطينيًا في المنطقة الإنسانية القريبة من رفح غضبًا تجاوز كثيرًا حدود الشرق الأوسط. وبرغم ذلك من المتوقع أن تتواصل هجمة إسرائيل، حيث رُصدت دبابات إسرائيلية عديدة في مركز رفح يوم الثلاثاء بحسب ما أفاد شهود عيان وكالة رويترز للأنباء.

يأتي هذا بعد سعي المحكمة الجنائية الدولية إلى استصدار أوامر باعتقال بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع يوآف جالانت بجانب ثلاثة من قادة حماس، لاتهامهم بارتكاب جرائم حرب.

وفي حالة منفصلة، طالبت محكمة العدل الدولية إسرائيل بوقف هجومها على رفح، وبدا على مدى أيام قليلة من الأسبوع الماضي أن ثمة بوادر بإحجام إسرائيل عن القيام بهجوم شامل. وذكر معهد دراسات الحرب في الولايات المتحدة أن القوات الإسرائيلية تستعمل «قدرا أقل من القوة الجوية والمدفعية، وعددا أقل من القنابل ذات الحجم الأصغر» مع قيام الجنود بتطهير «المناطق الحضرية سيرا على الأقدام».

انتهى ذلك كله بقصف منطقة تل السلطان التي تسبب هجوم القوات الإسرائيلية عليها في حريق هائل في منطقة مخيمات تأوي نازحين. وقد يصف نتانياهو هذه الضربة المأساوية بالحادث المأساوي، لكن هذا لا يمثّل فارقًا يذكر بعد أكثر من سبعة أشهر من الهجمات الإسرائيلية المتواصلة التي أدت إلى مصرع ما يقدر بـ35 ألف فلسطيني وإصابة قرابة 80 ألفا وفقدان ما يصل إلى 10 آلاف شخص يفترض أنهم موتى.

تمضي الحرب إلى شهرها التاسع، وفي تلك الفترة أصرت حكومة نتانياهو أنها تستعمل القوة الموجهة إلى حماس، لا إلى المدنيين، ولكن هذا يتعارض مع السلوك الفعلي في هذه الحرب ومع طريقة القتال الإسرائيلية إجمالا.

منذ البداية الأولى، كانت القوات الإسرائيلية توسع هجماتها إلى ما وراء وحدات حماس شبه العسكرية، فكانت مدارس ومستشفيات ومحطات معالجة مياه وأمثال ذلك أهدافا مبكرة، وكذلك صحفيون وعمال إغاثة وأطقم طبية. والجامعة الإسلامية هي إحدى جامعتين فلسطينيتين (بجانب جامعة بيرزيت في الضفة الغربية) نجحتا في بلوغ التصنيف العالمي للجامعات وتعرضت للقصف بعد أقل من أسبوع من بدء الحرب. ومنذ ذلك الحين، تم تدمير جميع جامعات غزة أو الإضرار بها.

لقد بات التدمير العمدي للبنية الأساسية المدنية شائعًا على نحو مثير للقلق في حرب المدن الراهنة، سواء من روسيا في ماريبول أو جروزني، أو من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا في الموصل، ولكن التدمير المحض على الطريقة الإسرائيلية في الحرب يختلف بعض الشيء. فقد يمثل استعمال «القوة غير المتناسبة» استمرارا لما يعرف بـ(مبدأ الضاحية) الذي يعتقد أنه نشأ في حي من بيروت في حرب عام 2006 في لبنان ضد حزب الله. وينبع هذا المبدأ من قبول القوات الإسرائيلية ـ نادر الإعلان على الملأ ـ أنه من شبه المستحيل الانتصار على تمرد حضري متحصن، خاصة لو أن المتمردين مستعدون للموت في سبيل قضيتهم.

ويرجع هذا المبدأ إلى حصار القوات الإسرائيلية لغرب بيروت سنة 1982، الذي تكرر في عام 2006 في لبنان، وحروب غزة الأربع السابقة للصراع الراهن، ويقوم على فهم ضمني؛ لأنه في عمليات التمرد الحضري ترتفع الخسائر الإسرائيلية ارتفاعًا كبيرًا للغاية، فتصبح في نهاية المطاف غير مقبولة سياسيًا، حتى لو بلغت الخسائر الفلسطينية عشرة أو عشرين من أمثالها.

بموجب مبدأ الضاحية، تستعمل القوة استعمالا طويل الأجل واسع الانتشار ضد شعب مدني بصفة عامة بهدف تحقيق هدفين محددين: أولهما في المدى القريب وهو تقويض دعم التمرد من خلال تحويل غزة إلى مكان تتزايد فيه صعوبة العمل على حماس. والثاني في المدى البعيد وهو ردع أي حركات شبه عسكرية في المستقبل مهما يكن نوعها، سواء في غزة، أو في الضفة الغربية المحتلة، أو في جنوبي لبنان. فالأمر بصراحة هو أن ما يجري لغزة سوف يجري لأي حركة تتحدى الأمن الإسرائيلي هناك أو في أي مكان آخر.

من أوضح التحليلات لهذا المبدأ توضيح منشور في المجال العام بعنوان «القوة غير المتناسبة: مفهوم الرد الإسرائيلي في ضوء حرب لبنان الثانية» [Disproportionate Force: Israel’s Concept of Response in Light of the Second Lebanon War] وقد نشره معهد دراسات الأمن الوطني في إسرائيل سنة 2008، أي بعد سنتين من حرب لبنان الثانية، ويعرض تفاصيل آلية عمل هذه السياسة، وإن كان يصعب التوفيق بينه وبين المذبحة والدمار والقتل التي شهدتها الحرب الحالية.

ولكي نفهم ذلك، ونفهم السبب في أن نتانياهو يحظى بدعم كاف لمواصلة هذه الحرب، لا بد من الاعتراف بعنصرين آخرين. أحدهما هو الأثر الدائم لهجوم حماس في العام الماضي. فحتى في ظل ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين منذ ذلك الحين، فإن خسائر إسرائيل في السابع من أكتوبر لا تزال تزعزع المجتمع الإسرائيلي حتى أحشائه.

إسرائيل تعيش منذ عقود في تناقض أمني، فهي في الظاهر منيعة ولكنها دائما منعدمة الأمن، بسبب الصراع الأساسي على الأرض والناس. وسوف يستمر هذا «الشرك الأمني» إلى الأبد ما لم يتسن التوصل إلى تسوية عادلة مع الفلسطينيين. فضلا عن ذلك، ترى إسرائيل نفسها بلدا ديمقراطيا، لكن إذا أخذنا جميع الأراضي الخاضعة لإسرائيل في الحسبان، فإن الشعب غير اليهودي في إسرائيل الكبرى هو الذي يشكل الآن أغلبية إجمالية صغيرة.

العنصر الثاني هو أن الحرب تمضي على غير ما يرام بالنسبة للإسرائيليين. فبرغم استعمال القوات الإسرائيلية للقوة الهائلة والتدمير لأغلب غزة، لم تزل حماس قائمة وتواصل إعادة بناء نفسها. وقد أصبح فشل القوات الإسرائيلية واضحا منذ عدة شهور، ولكن حكومة نتانياهو لا تجد حلا آخر، ولن يقوم بايدن بعد بالخطوة الأساسية هي منع جميع شحنات السلاح إلى إسرائيل. وطالما رفضت الولايات المتحدة، وبريطانيا في واقع الأمر، القبول بقراري المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، فلنتانياهو أن ينجو.

ثمة بادرة واحدة تبعث الأمل، وهي أن المزاج العام في إسرائيل يتغير ببطء ولكن برسوخ، وفقا لتقرير بيثان ماكيرنان وكيكي كيرزينباوم في جارديان بالأمس. فبعد هجمة حماس في أكتوبر، رأى 70% من الإسرائيليين أن الحرب ينبغي أن تستمر إلى حين القضاء على حماس، لكن استطلاعا حديثا للرأي وجد أن 62% يرون هذا مستحيلا الآن. لا تزال إسرائيل مجتمعا مستقطبا، لكن ذلك يعني ببساطة إمكانية أن تأتي نهاية الحرب من الداخل.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القوات الإسرائیلیة

إقرأ أيضاً:

للأسف لن تتوقف حرب غزة

رغم كل ما يقال ويكتب عن أن إسرائيل وحماس تقتربان من التوصل إلى وقف لإطلاق النار لإنهاء الحرب المستمرة منذ 14 شهرا تقريبا فى غزة, ورغم الجهود المقدرة للمصالحة الخاصة, فاستمرار الحرب، يخدم بقاءه السياسى، فهو يريد التهرب من المخاطر الثلاثة التى تهدد حكمه: «الانتخابات المبكرة، وتشكيل لجنة تحقيق بإخفاقات هجوم 7 أكتوبر، ومحاكمته الجنائية», وعليه فمن الصعب أن نصدق أن الحرب ستنتهى ما دام هو من يتخذ القرارات.
الحرب فى غزة تثير الأسئلة المعقدة حول الاحتلال طويل الأمد، فنتنياهو يدير حرباً بلا أهداف واضحة ويريد تمديدها من أجل خلق مناخ شبيه بالحرب والتيار المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية يستغل الوضع لدفع أجندة الاستيطان والسيطرة الكاملة على قطاع غزة, اللواء يعقوب عميدرور، أحد أقرب مستشارى نتنياهو، قال صراحة فى مقابلة مع قناة «كان» الإسرائيلية الرسمية قبل نحو شهر تقريبا، إنه لا يمكن تنفيذ صفقة الأسرى لأنها تسمح لحماس بمواصلة الحكم بغزة، وبالتالى ستحافظ إسرائيل على وجودها فى القطاع حتى بعد انتهاء الحرب.
ورغم ما نقل عن أن هناك تنازلاً من جانب حماس وأنها مستعدة لإبداء المزيد من المرونة بشأن توقيت انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة بما يعزز فرص التوصل إلى اتفاق، لكن هذا مشروط بعدم فرض إسرائيل شروطاً جديدة, وهذا طبعا غير مضمون، ففى كل مرة نقول فيها إننا أقرب من أى وقت مضى لحدوث اتفاق، يعود نتنياهو ليقلب الطاولة ويعيدنا إلى نقطة الصفر، وفى المشهد الحالى، بعد مفاوضات الدوحة بحضور رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز لا تزال هناك تفاصيل أساسية بحاجة إلى الحل, لذلك استخدمت الولايات المتحدة على لسان جون كيربى المتحدث باسم البيت الأبيض فى مقابلة مع قناة فوكس نيوز مصطلح «التفاؤال الحذر»، مستندا إلى جملة «كنا فى هذا الموقف من قبل ولم نتمكن من الوصول إلى خط النهاية»!!، وفى رأيى أن السبب فى كل مرة هو نتنياهو. 
قال وزير الدفاع الإسرائيلى، يسرائيل كاتس، الثلاثاء الماضى، إن بلاده تعتزم الحفاظ على السيطرة الأمنية فى قطاع غزة حتى بعد وقف إطلاق النار، وتحدث مسئولون إسرائيليون آخرون عن احتفاظ الجيش الإسرائيلى بمنطقة عازلة داخل القطاع ويعنى ذلك أنه بعد تفكيك القدرات العسكرية والإدارية لحركة حماس، سيحتفظ الجيش الإسرائيلى بحرية التصرف الكاملة، على غرار الوضع فى الضفة الغربية، وذلك بحسب ما نشره كاتس على منصة «إكس»، مضيفا: «لن نسمح بالعودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر 2023».
يبقى أن نسأل هل يلبى نتنياهو رغبة الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب الذى صرح فى أكثر من مناسبة بأنه يريد من إسرائيل إنهاء الحرب فى غزة بحلول الوقت الذى يعود فيه إلى منصبه؟، لكن وبحسب مصادر أمريكية واستنادا إلى شخصية دونالد ترامب المتقلبة فإن الرئيس الأمريكى المنتخب فى نفس الوقت لم يكن محددا فى مناشدته لنتنياهو وقد يدعم مزيدا من النشاط للجيش الإسرائيلى فى غزة، طالما انتهت الحرب رسميا, ومن ثم ففوز دونالد ترامب يخدم مصالح نتنياهو، ويبدو أنه سيكون من الممكن لنتنياهو المضى قدما فى مخططه نحو أهداف أكثر طموحا مثل احتلال دائم لأجزاء من قطاع غزة، وإعادة بناء المستوطنات بالقطاع، وربما ضم الضفة الغربية، ولمَ لا، فبدعم أمريكى ارتكبت إسرائيل منذ السابع من أكتوبر 2023 إبادة جماعية بغزة، خلفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل وكارثة إنسانية غير مسبوقة.
دونالد ترامب نفسه أكد علنا أنه أخبر نتنياهو أنه يريد أن تفوز إسرائيل بالحرب بسرعة، وهذا يدفعنا إلى السؤال ما هو شكل الفوز الذى يتصوره ترامب لإسرائيل فى غزة؟ فإذا كانت إسرائيل قد قتلت أبرز قادة حماس ودمرت البنية التحتية للقطاع وحولته إلى مكان مهجور، ماذا يتبقى للفوز من وجهة نظر ترامب؟, أخشى أن يكون الفوز هنا يعنى عودة احتلال غزة, خاصة أن نتنياهو يردد منذ فترة طويلة أن إسرائيل ستحتفظ بالسيطرة الأمنية الشاملة على غزة فى المستقبل المنظور بعد الحرب، وقال لأعضاء الكنيست من حزب الليكود فى تسجيل تم تسريبه بسرعة من اجتماع للحزب إنه لا يستطيع الموافقة على طلب حماس بإنهاء الحرب مقابل الإفراج عن 101 رهينة لا تزال تحتجزهم.

مقالات مشابهة

  • بابا الفاتيكان: ما يجري في غزة "وحشية وليست حربًا"
  • “حماس”: التوصل لاتفاق بات أقرب من أي وقت مضى
  • بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة وحشية
  • زعيم المعارضة الإسرائيلية: حكومة بنيامين نتنياهو مريضة
  • «وحشية وليست حربا».. بابا الفاتيكان يعلق على الغارات الإسرائيلية المستمرة في غزة
  • القوات الإسرائيلية تقوم بجرف حاجز للجيش عند مدخل الناقورة
  • القناة 13 الإسرائيلية: لا يزال التفاؤل كبيرا بقرب التوصل إلى صفقة مع حماس
  • أوكرانيا تعلن مسؤوليتها عن قصف مصفاة نفط استراتيجية في قلب روستوف الروسية
  • للأسف لن تتوقف حرب غزة
  • حوكة حماس تعلن موقفها من الهجمات الإسرائيلية على اليمن