إن عزلة إسرائيل الدولية، الناجمة عن الغضب إزاء القتل غير القانوني على نطاق واسع للمدنيين الفلسطينيين في غزة، سوف تتفاقم بعد ادعاءات جديدة ومفصلة وذات مصداقية بأن كبار السياسيين ووكالات الاستخبارات تآمروا، بمساعدة إدارة دونالد ترامب، للتجسس على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية وتقويض عملهم و»التأثير عليهم بشكل غير لائق» وتهديدهم.

ومن بين الأشخاص المستهدفين المزعومين المدعية العامة السابقة للمحكمة، فاتو بنسودا، والمدعي العام الحالي، كريم خان، الذي ربما لا يزال تحاك له عمليات في الخفاء. إذا كان الأمر كذلك، فيجب أن يتوقف هذا على الفور. مرة أخرى، يواجه العالم أدلة مثيرة للقلق تشير إلى أن إسرائيل في عهد رئيس وزرائها اليميني بنيامين نتانياهو أصبحت مارقة.

لقد تجاوز نتانياهو الحدود مرة أخرى. إن تجاهله للرأي العام العالمي، وقيم الديمقراطيات الغربية التي تدعم وتسلح بلاده، والمبادئ الأساسية للقانون الدولي، أمر صادم. وبالنسبة لأولئك الذين دعموا إسرائيل، وخاصة بعد الهجمات التي شنتها حماس في السابع من أكتوبر، فإن هذا يشكل مرة أخرى خيبة أمل كبيرة لهم.

تأتي هذه الأدلة من تحقيق مشترك أجرته صحيفة الجارديان، والمجلة الإسرائيلية الفلسطينية +972، ومجلة (لوكال كول) الناطقة بالعبرية. وقد نفى مكتب رئيس الوزراء هذه الاتهامات رسميًا ووصفها بأنها «كاذبة ولا أساس لها من الصحة» وتهدف إلى الإضرار بإسرائيل. ولكنه لم يرد على أي من الادعاءات المذكورة، وهو أمر مطلوب منه الآن على عجل.

واجه ائتلاف نتانياهو اليميني المتشدد بالفعل انتقادات دبلوماسية غير مسبوقة من الأصدقاء والأعداء على حد سواء. وقد طالب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجمعية العامة، والاتحاد الأوروبي، والدول العربية، والعديد من وكالات الإغاثة، وحتى إدارة بايدن، في وقت متأخر، بوقف هجومها على غزة، التي غزتها إسرائيل بعد الهجوم الذي راح ضحيته 1200 شخص في أكتوبر.

وقد رفضت جميع المناشدات بشكل قاطع من قبل نتانياهو وحلفائه القوميين المتطرفين، الذين يتلخص هدفهم غير الواقعي في تدمير حماس بالكامل. وكانت النتيجة الأخيرة لهذا الرفض المتسم بالتحدي لإنهاء المجازر هي القرار الذي اتخذته أيرلندا وإسبانيا والنرويج بالانضمام إلى أغلبية الدول في الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وتزايدت الضغوط من جانب محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، التي أمرت إسرائيل بوقف هجماتها على رفح، والسماح بمرور المساعدات دون قيود، وفتح حدود قطاع غزة أمام التحقيقات التي تقودها الأمم المتحدة. ومع ذلك، فإن التطور الأخير الأكثر دراماتيكية جاء من المحكمة الجنائية الدولية، مع قرار خان طلب إصدار أوامر اعتقال بحق نتانياهو ووزير الدفاع يوآف جالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.

وهذا هو على وجه التحديد ما أراد قادة إسرائيل تجنبه على الدوام، وكان على الأرجح السبب الرئيسي وراء سعيهم لتقويض المحكمة الجنائية الدولية. لقد كان رد فعلهم غاضبا، فقد وصف نتانياهو، الذي كان رئيسا للوزراء طوال الفترة المذكورة تقريبا، هذه الخطوة بأنها معاداة صارخة للسامية، وحث جميع الدول «المتحضرة» على رفضها. كما وجه تهديدات مبطنة إلى خان.

إن هذه الأزمة الأخيرة في علاقة إسرائيل بالعدالة الدولية، الصعبة دائما، نظرا لتاريخها الطويل في تجاهل قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المتعلقة باحتلال ما بعد عام 1967، كانت تتراكم منذ عام 2015، عندما قررت بنسودا، سلف خان في المحكمة الجنائية الدولية، البحث في الجرائم المحتملة في الأراضي الفلسطينية التي ترتكبها القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية.

وليس من المستغرب أن تكون أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، التي تعمل تحت توجيه سياسي، مهتمة بأنشطة المحكمة الجنائية الدولية. وبطبيعة الحال، أرادت تلك الأجهزة معرفة الإجراءات التي قد تتبع ضدهم. لكن تحقيق صحيفة الغارديان يثير سؤالاً رئيسياً: هل استخدم الموساد، والشين بيت، وجيش الدفاع الإسرائيلي وسائل غير لائقة وغير قانونية وإجرامية في بحثهم عن المعلومات؟

إذا كان التنصت والتسجيل السري للمحادثات الهاتفية والتجسس على البريد الإلكتروني لبنسودا وغيرها من مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، والمحاولات المزعومة لابتزازها وتشويه سمعة عائلتها، وسلوك التهديد الشخصي من قبل شخصية بارزة في الاستخبارات الإسرائيلية، يشكل وسائل غير قانونية، وهي أفعال يعلم الأشخاص العقلاء يقينا أن الإسرائيليين يفعلونها، إذن فإن نتانياهو ورفاقه لديهم أسئلة صعبة وجديّة عليهم الإجابة عليها.

وكذلك الأمر بالنسبة لترامب، الذي هو، مثل نتانياهو، زعيم وطني حالي يواجه اتهامات جنائية. وخلص التحقيق إلى أن مسؤولين إسرائيليين وإدارة ترامب التقوا في واشنطن في عام 2020 وناقشوا طرق وقف تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية في جرائم محتملة في فلسطين والقوات الأمريكية في أفغانستان.

وكانت إحدى النتائج الواضحة هي القرار الذي اتخذه ترامب بفرض عقوبات تعسفية على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك بنسودا، وهي عقوبات ألغاها الرئيس جو بايدن. وفي أعقاب قرار خان بالسعي لاعتقال نتانياهو وجالانت (وكذلك قادة حماس)، هاجم ترامب المحكمة الجنائية الدولية مرة أخرى، في حين أبلغت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين خان، بشكل مخزٍ، أنهم يخططون لاستهدافه شخصيا إذا أصر على إجراءات إصدار مذكرات الاعتقال.

ومن خلال مهاجمة المحكمة الجنائية الدولية، يخلط نتانياهو مرة أخرى بين مصالحه الشخصية ومصالح إسرائيل، على نحو لا يمكن تصوره، عندما يزعم أن المحكمة تشكل خطراً على البلاد بأكملها.

في المقابل، أظهرت بنسودا وخان الشجاعة والكرامة في مواجهة التهديدات من بعض أبرز الجهات الفاعلة عديمة الضمير اليوم، بما في ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي اتُهم العام الماضي بارتكاب جرائم حرب مزعومة في أوكرانيا. وبعد أن تجرأ على القيام بواجبه وقول الحقيقة ضد السلطة، ينبغي لخان أن يكون قادرا على الاعتماد على الدعم القوي من جميع الدول الأعضاء في المحكمة البالغ عددها 124 دولة.

والحقيقة أنه إن لم يفعل ذلك فسيشكل ذلك وصمة عار، وخاصة بالنسبة لبريطانيا، التي قامت بدور أساسي في إنشاء المحكمة الجنائية الدولية عندما كان روبن كوك من حزب العمال وزيراً للخارجية. وقد وصف ريشي سوناك تحرك خان ضد نتانياهو بأنه «غير مفيد على الإطلاق»، بينما وصفه بايدن بأنه «شائن». لا بد أن بوتين وشي جين بينج في الصين، أعداء النظام العالمي القائم على القواعد، يضحكون وهم يشاهدون الغرب الديمقراطي يتفكك بسبب سلوك إسرائيل الخارج عن القانون.

وتقع المسؤولية الآن على عاتق نتانياهو ورفاقه في إظهار بعض الاحترام للرأي العام الدولي والرد، نقطة تلو الأخرى، على هذه الادعاءات المبنية على أسس متينة بشأن الثأر الإسرائيلي الذي دام عقداً من الزمن تقريباً ضد المحكمة الجنائية الدولية. وإذا لم يفعلوا، فذلك لأنهم قد ارتكبوا ما اتهموا به حقا.

وعلى غرار ترامب، فإن القادة الإسرائيليين سوف يستمرون في تقديم الأكاذيب، إلا أن العالم سوف يعرف الحقيقة، تماماً كما بدأ يعرف حقيقة غزة ببطء، وهي أن إسرائيل تحت قيادة نتانياهو أصبحت مارقة، في وقت تعاني فيه من صدمة وطنية صعبة. ولن تخرج الدولة من هذه الصدمة إلا إذا تم إخضاع نتانياهو للمحاسبة على أفعاله أمام محكمة قانونيّة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المحکمة الجنائیة الدولیة مرة أخرى

إقرأ أيضاً:

إسرائيل: من كامب ديفيد إلى وإنا فوقهم قاهرون (1-2)

مع أن إسرائيل تأسست على القتل والتهجير، إلا أنها لم تكن عبر مراحل وجودها قبل 77 سنة بهذا القدر من الإجرام المنظم والعشوائي، والاستعلاء والغطرسة والعربدة.

صحيح أن ثمة عوامل ساعدت على كشف وجهها القبيح والإجرامي، خاصة التخاذل والخنوع العربي، والدعم الغربي خاصة الأمريكي المطلق لما تقترفه من جرائم، ولكن هناك تغيرا بنيويا طرأ على نمط التفكير الجمعي فيها وإن تمثل أساسا بقيادتها وحكومتها وأذرعها المختلفة المنفلتة من كل عقال.

اختزال ليس في محله

يطفو على السطح تفسير لهذا الانفلات المتوحش المجرم؛ ويتلخص بأن بنيامين نتنياهو يريد الحفاظ على ائتلافه الحكومي المستند إلى تيار الصهيونية الدينية المتطرفة خاصة بن غفير وسموتريتش. ومن جهة أخرى، يريد "بيبي" كسب الوقت للتهرب من محاكمته بتهم فساد تلاحقه منذ سنوات.

ومع أن هذا التفسير له وجاهة، ولكن لا أرى وجاهة باختزال المشهد المصبوغ بدم الأطفال والنساء في غزة المدمرة، والعربدة التي تطال كل المحيط العربي وما بعده، بما في ذلك دول عربية تربطها بالكيان معاهدات واتفاقيات، بل إن هذه الدول واضح تقصيرها حتى التواطؤ تجاه المقتلة البشعة في غزة، لا أرى وجاهة في اختزال هذا بحسابات شخصية تتعلق بنتنياهو.

اختزال الوضع الحالي بصراعات سياسية داخلية وألاعيب بعض المسئولين وعلى رأسهم نتنياهو، فيه تجاهل أو غفلة عن حقيقة التغير المفصلي العميق في طبيعة التوجهات الإسرائيلية، والتي يبدو أنها في العمق قبل السطح، وفي المجتمع قبل المؤسسات المختلفة سياسية كانت أو عسكرية
وقد شهدنا حالات كانت فيها إسرائيل بعد أحداث كبيرة ومهمة تخلع وتطيح برؤساء حكومات ووزراء وقادة من المؤسسة العسكرية والأمنية وتخرجهم تماما (مناحيم بيغين مثلا) أو مؤقتا (شارون مثلا) من الحياة السياسية.

فما الذي يجري الآن؟ وإذا دققنا النظر أكثر نرى أن نفوذ التيارات المتطرفة وطغيان رؤيتها على سلوك إسرائيل ومؤسساتها، هو في الحقيقة تمظهر أو تعبير صريح عن تغير في البنية الاجتماعية وبالتالي السياسية التي حددت معالم سلوك الكيان العبري خلال عقود.

وعليه، فإن اختزال الوضع الحالي بصراعات سياسية داخلية وألاعيب بعض المسئولين وعلى رأسهم نتنياهو، فيه تجاهل أو غفلة عن حقيقة التغير المفصلي العميق في طبيعة التوجهات الإسرائيلية، والتي يبدو أنها في العمق قبل السطح، وفي المجتمع قبل المؤسسات المختلفة سياسية كانت أو عسكرية.

ولا ننسى أن نتنياهو وبن غفير وسموتريتش وغيرهم لا يقودون إسرائيل بعد تنفيذ انقلاب عسكري، وقد جاءت بهم انتخابات مكررة متقاربة خلال السنوات الأخيرة!

الهيمنة المطلقة بدل الاتفاقيات

وقد شهدت العلاقات العربية- الإسرائيلية مراحل مختلفة، على الأقل فيما هو ظاهر ومعلن ابتداء برفض وجود إسرائيل نهائيا، وخوض حروب -بغض النظر عن تقييمنا لها- معها، ومقاطعتها سياسيا واقتصاديا وإعلاميا.. ومقاطعة كثير ممن يتعامل معها، وصولا إلى القبول بوجودها على ثلثي مساحة فلسطين الانتدابية، وفق مبدأ "الأرض مقابل السلام".

وكانت كامب ديفيد والتي سبقتها الزيارة الصادمة لأنور السادات إلى الكيان وخطابه (التاريخي) أمام الكنيست أحد تجليات العجز العربي عن حسم الصراع عسكريا. وتلت ذلك أحداث عدة أضعفت الموقف العربي -ومنه الفلسطيني طبعا- وقادت إلى إبرام اتفاقيات منفردة كان كل اتفاق منها أسوأ من سابقه بالنسبة لنا، مع فواصل زمنية قصيرة أو طويلة (أوسلو ووادي عربة واتفاقيات أبراهام)، وحرصت إسرائيل في تلك الاتفاقيات على تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية والأمنية والاقتصادية التي لا مجال لسردها، والتهرب والنقض والنبذ لما تشاء من بنود. هذا بالإضافة إلى أن بعض فقرات نصوص تلك الاتفاقيات حمالة أوجه، وتخضع لأكثر من تأويل وتفسير، وهو ما يعطي الطرف القوي (إسرائيل طبعا) مكاسب جديدة أو وقتا لفرض وقائع جديدة على الأرض.

وكانت اتفاقيات أبراهام آخر مظاهر الاستسلام العربي الرسمي؛ فهي تعطي العلاقة مع إسرائيل صفة أو صبغة دينية تتنافى مع معتقدات المسلمين، وتشكل تحالفا غريبا به أطراف عربية وإسرائيل، التي تتزعم عمليا هذا التحالف وتضبط مساره كما تشاء. وأيضا تتجاوز ما كان قد أعلنه العرب من مبادرة "سلام" تقوم على تطبيع العلاقات بشرط انسحاب إسرائيلي كامل إلى حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967.

وقد اعتمدت هذه الصيغة (أبراهام) من إدارة ترامب الأولى، وإلى حد ما من إدارة بايدن، وعادت من جديد في إدارة ترامب الثانية، كتصور لطبيعة العلاقات بين إسرائيل والعرب.

ومع كل ما في الاتفاقيات المذكورة من مزايا ومنح مجانية وما تلاها من تبني بعض أطرافها العربية للرواية الإسرائيلية علنا في سابقة لم تكن في أسوأ كوابيسنا، خلال العدوان على غزة، ووجود استعداد وتوجه عام عند النظام العربي الرسمي لتوسعة رقعة التطبيع بما يشمل دول عربية أخرى، وإلغاء خيار المواجهة عربيا مع إسرائيل، مع كل ما ترتكب من جرائم، فإن إسرائيل تقدم مقاربة أخرى في خطابها وسلوكها؛ خطاب يستبعد مفردات السلام والعيش المشترك ورفاهية الشعوب، وإن كنا على قناعة أنها استخدمت سابقا للمراوغة والخداع والتعمية عن الأهداف الحقيقية.

فإسرائيل فيما يتعلق بقضية فلسطين ترفض حل الدولتين، بله الدولة الواحدة، وتمعن في مواصلة مجازرها في غزة، وتواصل عمليات التهويد وتدمير المخيمات في الضفة الغربية.

ومع أن الإدارة السورية الجديدة أرسلت رسائل واضحة بأنها حاليا تريد إعادة إعمار البلاد والاستقرار وليست معنية بمواجهة مع إسرائيل، إلا أن الأخيرة توغلت في الأراضي السورية، وتقوم بعمليات قصف شبه يومية لأهداف في مختلف أنحاء الأراضي السورية.

وتتعرض الأراضي اللبنانية إلى عمليات قصف واغتيالات متواصلة؛ مع أن حزب الله قد تعرض لضربات مؤلمة فقد فيها كثيرا من مقدراته البشرية والمادية، وتقوم الحكومة اللبنانية الجديدة بتحجيم متواصل لنفوذ الحزب في مختلف مؤسسات الدولة وتسلمت كثيرا من مواقعه، وتوقف الحزب عن مجرد إطلاق خطابات نارية تجاه الكيان، كما وتعلن إسرائيل أنها لن تنسحب من خمس مناطق تتمركز فيها في جنوب لبنان، ولن تسمح بعودة المهجرين من عدة قرى وبلدات هناك.

وهذا إضافة إلى تصريحات إسرائيلية مع إجراءات مختلفة تجاه الأردن ومصر، مع أن كليهما يرتبطان بمعاهدات معها، كما أن نظامي البلدين لم يتخذا أي خطوات ولو رمزية في ظل المقتلة في غزة؛ وقد سبق أن استدعت عمان والقاهرة سفيريهما من تل أبيب بعيد اندلاع انتفاضة الأقصى قبل ربع قرن، علما أن حجم الكارثة الآن أضعاف أضعاف تلك المرحلة، ومع ذلك هناك استفزازات إسرائيلية للبلدين.

ويتم استدعاء أساطير تلمودية في الخطاب الرسمي الإسرائيلي، مع ما يوازيه من إعلام تابع أو موال له، عن أرض إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات. والحديث عن تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن ومن غزة إلى سيناء المصرية لا يكاد يتراجع حتى يعود إلى الواجهة من جديد.

إسرائيل تريد هيمنة مطلقة واستعبادا واستسلاما وإذلالا لكل مكونات المنطقة، بما في ذلك الذين تربطهم بها اتفاقيات ومعاهدات، أو الذين لديهم استعداد لتوقيع معاهدات جديدة
وبخصوص إيران واليمن اللذان ما زالا يبديان مواقف مختلفة عن محيطهما العربي تجاه إسرائيل وطبيعة الصراع؛ فإن إسرائيل ترى أن أمريكا ستتكفل بتدميرهما أو على الأقل إضعافهما إلى حد يشغلهما عنها تماما.

هذا السلوك العدواني والخطاب الطافح بالغطرسة والاستعلاء، يدل بالتأكيد على أن إسرائيل تقول صراحة ما قاله فرعون عن أسلافها "وإنا فوقهم قاهرون". ويبدو أنها تتناسى ولم تستوعب الدرس، حيث إن فرعون غرق هو وجنوده، ونجا أسلافها. فإسرائيل تريد هيمنة مطلقة واستعبادا واستسلاما وإذلالا لكل مكونات المنطقة، بما في ذلك الذين تربطهم بها اتفاقيات ومعاهدات، أو الذين لديهم استعداد لتوقيع معاهدات جديدة.

إن إسرائيل تكاد تعلن: لا أريد كامب ديفيد ولا أوسلو ولا وادي عربة ولا حتى اتفاقيات أبراهام بصيغتها الحالية، فعلى الجميع الخضوع لهيمنتي والاستسلام لأطماعي وأحلامي وأساطيري، وإلا فإن ما لا يأتي بالقوة، يأتي بمزيد من القوة!

وهي هنا ربما تعمل بالمثل العربي "إذا هبت رياحك فاغتنمها"، فأمامها حركات مقاومة محاصرة تعرضت لضربات مؤلمة، وأنظمة تريد النجاة بنفسها، وفق أكثر التعبيرات دبلوماسية، وشعوبا مقموعة مغلوبة على أمرها.

بالتوازي مع نظام دولي تخلّى عن مبدأ المحاسبة، وتطبيق القانون الدولي، بالاتكاء على إدارة أمريكية تتعامل معها كابن مدلل، بل كأنها مؤسسة أو ولاية من ولاياتها، وبالتالي تكشف بوضوح وقح عن طبيعتها وأهدافها وأحلامها، بكل ما تملك من أدوات.

مقالات مشابهة

  • الجنائية الدولية تطالب المجر بتوضيحات بعد رفض اعتقال نتنياهو
  • الجنائية الدولية تطلب من المجر توضيحا بشأن اعتقال نتنياهو
  • “الجنائية الدولية” تطلب توضيحا من المجر حول عدم اعتقال نتنياهو
  • الجنائية الدولية” تفتح ملف إجراءات ضد المجر لفشلها بالامتثال لاعتقال نتنياهو
  • الجنائية الدولية تطالب المجر بتقديم توضيح حول فشلها باعتقال نتنياهو
  • الجنائية الدولية تطلب توضيحا من المجر بشأن فشل اعتقال نتنياهو
  • الجنائية الدولية: رفض هنغاريا لاعتقال نتنياهو يستدعي إحالتها لمجلس الأمن
  • بعد استقبالها نتنياهو.. الجنائية الدولية تفتح ملف إجراءات ضد المجر
  • إسرائيل: من كامب ديفيد إلى وإنا فوقهم قاهرون (1-2)
  • قاطف البنجر الذي انسحب من الجنائية الدولية لأجل نتنياهو