آن ماري سلوترـ أفني باتيل طومسون

تركز المناقشة العامة الدائرة حول مستقبل الذكاء الاصطناعي على تخوفين رئيسيين غالبا: التأثير الأوسع الذي تخلفه التكنولوجيا على البشرية، وتأثيراتها المباشرة على الأفراد. في أغلب الأحيان، يرغب الناس في التعرف على الكيفية التي سيغير بها التشغيل الآلي (الأتمتة) العمل. فما هي الصناعات التي ستظل موجودة غدا؟ وأي الوظائف أصبحت عُـرضة للخطر اليوم؟

لكن المناقشة أغفلت ركيزة مهمة من ركائز المجتمع: الأسرة.

إذا كان لنا أن نبني أنظمة ذكاء اصطناعي تساعد في حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الملحة، بدلا من التسبب في تفاقمها، فيتعين علينا أن نتذكر أن الأسر تشكل 89% من البيوت الأمريكية، وينبغي لنا أن نضع في الحسبان الضغوط المعقدة التي تواجهها الأسر عندما نقرر كيفية تطبيق هذه التكنولوجيا.

الواقع أن الأسر في الولايات المتحدة تحتاج بشدة إلى الدعم. فوفقا للمنتدى الاقتصادي العالمي، أصبح اقتصاد الرعاية في أمريكا والذي تبلغ قيمته 6 تريليونات دولار عُـرضة لخطر الانهيار، بسبب نقص العمالة، والأعباء الإدارية، ونموذج السوق الـمُـعَـطَّـل الذي يجعل أغلب الأسر عاجزة عن تحمل تكاليف الرعاية الكاملة، كما يحصل العمال على أجور زهيدة بشكل مزمن.

علاوة على ذلك، تغير منظور الأبوة: فقد أصبح مزيد من الآباء يعملون، واشتد الطلب على وقتهم، من رعاية الأطفال والآباء المسنين إلى التعامل مع الحمل الزائد من المعلومات وتنسيق المهام المنزلية.

إن استخدام الذكاء الاصطناعي كمساعد للأسر من الممكن أن يوفر الوقت، والصحة العقلية. المساعد المدعوم بالذكاء الاصطناعي قادر على فك رموز رسائل البريد الإلكتروني المدرسية وجداول الأنشطة أو المساعدة في الإعداد لرحلة عائلية قادمة عن طريق إعداد قائمة التعبئة وتأكيد خطط السفر.

من خلال تعزيزها بالذكاء الاصطناعي، يصبح بوسع روبوتات الرعاية التي يجري تطويرها في اليابان وأماكن أخرى دعم خصوصية واستقلالية أولئك الذين يتلقون الرعاية وتمكين مقدمي الرعاية من البشر من قضاء مزيد من الوقت في ترسيخ الروابط العاطفية وتوفير الرفقة. يتطلب تصميم الذكاء الاصطناعي للمساعدة في حل مشكلات إنسانية معقدة مثل التربية الوالدية أو رعاية المسنين تعريف دوره وتحديده بدقة.

في عالم اليوم، يتألف تقديم الرعاية، وخاصة التربية الوالدية، من عدد كبير للغاية من المهام العادية البسيطة التي تستهلك الوقت المتاح لأنشطة أكثر أهمية. هذا يعني أن الذكاء الاصطناعي من الممكن أن يعمل عمل «التكنولوجيا المضادة للتكنولوجيا» - درع تقينا من ثقافة البريد الإلكتروني والرسائل النصية والمهام التي لا تنتهي. إذ سيتحمل المساعد المثالي القائم على الذكاء الاصطناعي الجزء الأكبر من هذه الأعمال التافهة، مما يسمح للأسر بقضاء مزيد من الوقت معا. لكن المهام البشرية المعقدة تكون عادة مشكلات مثل «جبل الجليد»، حيث تكون غالبية الأعمال مختفية تحت السطح. إن مساعد الذكاء الاصطناعي الذي يتعامل مع المهام المرئية فقط لن يفعل الكثير لتخفيف العبء عن مقدم الرعاية، لأن إكمال هذه المهام يتطلب فهما كاملا للعمل الواجب.

على سبيل المثال، بوسعنا أن نبتكر تكنولوجيا لإنشاء إدخالات التقويم من بريد إلكتروني يحتوي على جدول زمني لفريق كرة قدم للشباب (ثم حذفها وإعادة إنشائها عندما تتغير حتما بعد أسبوع). ولكن لتحرير أحد الوالدين من العبء غير المرئي المتمثل في إدارة الموسم الرياضي لطفل، يحتاج الذكاء الاصطناعي إلى فهم المهام الأخرى العديدة الكامنة تحت السطح: البحث عن مواقع الملاعب، والانتباه إلى ألوان القمصان، والاشتراك في فروض الوجبات الخفيفة، وإنشاء رسائل التذكير المناسبة. وإذا طرأ أي تعارض في جدول أحد الوالدين، يتعين على مساعد الذكاء الاصطناعي تنبيه الوالد الآخر، وإذا كان التعارض في جداول كلا الوالدين، يتعين على المساعد جدولة وقت للمحادثة بينهما، اعترافا بمدى أهمية حضور أحد الوالدين أو أحد أفراد الأسرة مباراة الطفل.

لا يكمن التحدي في التوصل إلى إجابة، بل في التوصل إلى الإجابة الصحيحة في ظل السياق المعقد، والذي يكون قسم كبير منه مستقرا في أدمغة الآباء. من خلال الاستكشاف والمعالجة الدقيقة، يصبح من الممكن تحويل هذه المعرفة يوما ما إلى بيانات لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الأسرية المتخصصة.

على النقيض من ذلك، يجري تدريب نماذج اللغة الضخمة مثل ChatGPT-4، و Gemini، و Claude في عموم الأمر على بيانات عامة مُـجَـمَّـعة من الإنترنت. لا شك أن تطوير مساعد يعمل بالذكاء الاصطناعي لمعاونة مقدمي الرعاية من شأنه أن يختبر الحدود الفنية لهذه التكنولوجيا ويحدد مدى قدرتها على مراعاة الاعتبارات الأخلاقية والقيم المجتمعية.

وفي ورقة بحثية مرتقبة بعنوان «الأطر الحسابية للرعاية وأطر تقديم الرعاية للحوسبة»، يستكشف عالم النفس التجريبي بريان كريستيان بعضا من أكبر التحديات التي تواجه من يحاولون ترجمة الرعاية إلى «وظائف المكافأة» الحسابية اللازمة للتعلم الآلي. من الأمثلة على ذلك عندما يتدخل مقدم الرعاية على أساس ما يعتقد أنه يصب في مصلحة الطفل، حتى لو لم يوافق ذلك الطفل. ويخلص كريستيان إلى أن «عملية محاولة إضفاء الطابع الرسمي على الجوانب الأساسية للتجربة الإنسانية تكشف لنا حقيقة الرعاية - وربما حتى إلى أي مدى لم نفهمها وما يحيط بها بعد». مثلها كمثل العمل المكتبي، يتألف قسم كبير من الحياة الأسرية من مهام متكررة وعادية يمكن إكمالها بواسطة الذكاء الاصطناعي. ولكن على عكس العمل المكتبي، يتطلب تدريب نموذج الذكاء الاصطناعي هذا جمع ونقل الممارسات المتخصصة في عالم مؤتلف بعناية. بيد أن الأمر يستحق كل هذا الجهد: ذلك أن مساعد الذكاء الاصطناعي الذي يستعين به مقدمو الرعاية من شأنه أن يوفر الوقت والطاقة للتعاطف والإبداع والتواصل. الأمر الأكثر أهمية هو أن ممارسة تحديد أي أقسام عملية تقديم الرعاية يمكن أن يؤديها الذكاء الاصطناعي من المرجح أن تعلمنا الكثير عن الوظائف والأنشطة الأسرية التي يجب أن تظل بشرية بشكل كامل وحصري.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

جامعة دبي تستضيف مؤتمر الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء

دبي (وام)

أخبار ذات صلة سفير الإمارات يلتقي عمدة كوتونو بجمهورية بنين مبعوث وزير الخارجية يبحث تعزيز العلاقات مع فيجي وجزر مارشال

استضافت جامعة دبي فعاليات الدورة الثامنة من المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء خلال الفترة من 19 إلى 21 نوفمبر الجاري، والتي نظمتها الجمعية العلمية لمهندسي الكهرباء والإلكترونيات العالمية، بالتعاون مع فرعها في الإمارات تحت شعار «الذكاء من الجيل التالي: استكشاف الابتكارات في الذكاء المعزز وإنترنت الأشياء»، وبشراكة استراتيجية مع الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في مصر (NTRA) وجامعة العلمين الدولية كشريك أكاديمي.
وركز المؤتمر على أهمية التكامل بين تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء كعنصر أساسي لدفع عجلة الابتكار وتحقيق التقدم في قطاعات متنوعة مثل الرعاية الصحية، المالية، التصنيع، والتعليم.
كما سلط الضوء على أهمية الدمج بين الذكاء البشري والآلي لتعزيز القدرات البشرية وعمليات اتخاذ القرار.
وأكد الدكتور عيسى البستكي، رئيس جامعة دبي، أن المؤتمر يمثل فرصة استثنائية لاستكشاف أحدث التطورات في مجالات الذكاء المعزز وإنترنت الأشياء، مشيراً إلى أن هذه التقنيات تمثل العمود الفقري للتحولات الكبرى التي يشهدها العالم حالياً، مضيفاً أن جامعة دبي ملتزمة بدعم المبادرات التي تركز على دمج الذكاء البشري والتكنولوجي لتشجيع الابتكار وتعزيز التعاون بين مختلف القطاعات.
ومن جانبه، أشار المهندس محمد عبود، نائب رئيس الجمعية العلمية لمهندسي الكهرباء والإلكترونيات العالمية لشؤون العضوية والتسويق، إلى أن شعار المؤتمر يعكس التحولات الكبيرة التي تشهدها التكنولوجيا الحديثة، لافتاً إلى أن المؤتمر يهدف إلى استكشاف الإمكانات غير المحدودة للذكاء المعزز وإنترنت الأشياء في بناء مستقبل أكثر ذكاءً واستدامة، مشدداً على أهمية تعزيز فهم هذه التقنيات وتمكين المشاركين من تطبيقها بطرق تحقق تأثيراً إيجابياً على المجتمعات والاقتصادات.
وتضمنت فعاليات المؤتمر جلسات نقاشية شارك فيها خبراء عالميون من القطاعات الأكاديمية، الحكومية، والصناعية، إضافة إلى عروض تقنية استعرضت أحدث الأبحاث والتطورات في مجالات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، مما يسهم في تعزيز الابتكار وتقديم حلول عملية للتحديات المستقبلية.

مقالات مشابهة

  • غيتس يشيد بجهود الإمارات في تحسين حياة الفئات الأكثر ضعفا حول العالم
  • استخدام الذكاء الاصطناعي في ميكنة قصر العيني
  • جامعة دبي تستضيف مؤتمر الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء
  • عضو بـ«النواب»: «بداية» من أهم المبادرات التي تعمل على تحسين حياة المواطنين
  • روث بيلفيل… سيدة توقيت جرينتش التي باعت الزمن!
  • بيل غيتس يلقي محاضرة عن الذكاء الاصطناعي
  • برلمانية: هدف المشروعات القومية تحسين حياة المواطنين في عهد الرئيس السيسي
  • الذكاء الاصطناعي يساعد في الحفاظ على الحشرات
  • خبراء: الذكاء الاصطناعي سيقود مستقبل الرعاية الصحية
  • رئيس الوزراء: مصر بالتصنيف «أ» دوليا في تطبيقات الذكاء الاصطناعي