هل يعمل الذكاء الاصطناعي على تحسين حياة الأسرة؟
تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT
آن ماري سلوترـ أفني باتيل طومسون
تركز المناقشة العامة الدائرة حول مستقبل الذكاء الاصطناعي على تخوفين رئيسيين غالبا: التأثير الأوسع الذي تخلفه التكنولوجيا على البشرية، وتأثيراتها المباشرة على الأفراد. في أغلب الأحيان، يرغب الناس في التعرف على الكيفية التي سيغير بها التشغيل الآلي (الأتمتة) العمل. فما هي الصناعات التي ستظل موجودة غدا؟ وأي الوظائف أصبحت عُـرضة للخطر اليوم؟
لكن المناقشة أغفلت ركيزة مهمة من ركائز المجتمع: الأسرة.
الواقع أن الأسر في الولايات المتحدة تحتاج بشدة إلى الدعم. فوفقا للمنتدى الاقتصادي العالمي، أصبح اقتصاد الرعاية في أمريكا والذي تبلغ قيمته 6 تريليونات دولار عُـرضة لخطر الانهيار، بسبب نقص العمالة، والأعباء الإدارية، ونموذج السوق الـمُـعَـطَّـل الذي يجعل أغلب الأسر عاجزة عن تحمل تكاليف الرعاية الكاملة، كما يحصل العمال على أجور زهيدة بشكل مزمن.
علاوة على ذلك، تغير منظور الأبوة: فقد أصبح مزيد من الآباء يعملون، واشتد الطلب على وقتهم، من رعاية الأطفال والآباء المسنين إلى التعامل مع الحمل الزائد من المعلومات وتنسيق المهام المنزلية.
إن استخدام الذكاء الاصطناعي كمساعد للأسر من الممكن أن يوفر الوقت، والصحة العقلية. المساعد المدعوم بالذكاء الاصطناعي قادر على فك رموز رسائل البريد الإلكتروني المدرسية وجداول الأنشطة أو المساعدة في الإعداد لرحلة عائلية قادمة عن طريق إعداد قائمة التعبئة وتأكيد خطط السفر.
من خلال تعزيزها بالذكاء الاصطناعي، يصبح بوسع روبوتات الرعاية التي يجري تطويرها في اليابان وأماكن أخرى دعم خصوصية واستقلالية أولئك الذين يتلقون الرعاية وتمكين مقدمي الرعاية من البشر من قضاء مزيد من الوقت في ترسيخ الروابط العاطفية وتوفير الرفقة. يتطلب تصميم الذكاء الاصطناعي للمساعدة في حل مشكلات إنسانية معقدة مثل التربية الوالدية أو رعاية المسنين تعريف دوره وتحديده بدقة.
في عالم اليوم، يتألف تقديم الرعاية، وخاصة التربية الوالدية، من عدد كبير للغاية من المهام العادية البسيطة التي تستهلك الوقت المتاح لأنشطة أكثر أهمية. هذا يعني أن الذكاء الاصطناعي من الممكن أن يعمل عمل «التكنولوجيا المضادة للتكنولوجيا» - درع تقينا من ثقافة البريد الإلكتروني والرسائل النصية والمهام التي لا تنتهي. إذ سيتحمل المساعد المثالي القائم على الذكاء الاصطناعي الجزء الأكبر من هذه الأعمال التافهة، مما يسمح للأسر بقضاء مزيد من الوقت معا. لكن المهام البشرية المعقدة تكون عادة مشكلات مثل «جبل الجليد»، حيث تكون غالبية الأعمال مختفية تحت السطح. إن مساعد الذكاء الاصطناعي الذي يتعامل مع المهام المرئية فقط لن يفعل الكثير لتخفيف العبء عن مقدم الرعاية، لأن إكمال هذه المهام يتطلب فهما كاملا للعمل الواجب.
على سبيل المثال، بوسعنا أن نبتكر تكنولوجيا لإنشاء إدخالات التقويم من بريد إلكتروني يحتوي على جدول زمني لفريق كرة قدم للشباب (ثم حذفها وإعادة إنشائها عندما تتغير حتما بعد أسبوع). ولكن لتحرير أحد الوالدين من العبء غير المرئي المتمثل في إدارة الموسم الرياضي لطفل، يحتاج الذكاء الاصطناعي إلى فهم المهام الأخرى العديدة الكامنة تحت السطح: البحث عن مواقع الملاعب، والانتباه إلى ألوان القمصان، والاشتراك في فروض الوجبات الخفيفة، وإنشاء رسائل التذكير المناسبة. وإذا طرأ أي تعارض في جدول أحد الوالدين، يتعين على مساعد الذكاء الاصطناعي تنبيه الوالد الآخر، وإذا كان التعارض في جداول كلا الوالدين، يتعين على المساعد جدولة وقت للمحادثة بينهما، اعترافا بمدى أهمية حضور أحد الوالدين أو أحد أفراد الأسرة مباراة الطفل.
لا يكمن التحدي في التوصل إلى إجابة، بل في التوصل إلى الإجابة الصحيحة في ظل السياق المعقد، والذي يكون قسم كبير منه مستقرا في أدمغة الآباء. من خلال الاستكشاف والمعالجة الدقيقة، يصبح من الممكن تحويل هذه المعرفة يوما ما إلى بيانات لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الأسرية المتخصصة.
على النقيض من ذلك، يجري تدريب نماذج اللغة الضخمة مثل ChatGPT-4، و Gemini، و Claude في عموم الأمر على بيانات عامة مُـجَـمَّـعة من الإنترنت. لا شك أن تطوير مساعد يعمل بالذكاء الاصطناعي لمعاونة مقدمي الرعاية من شأنه أن يختبر الحدود الفنية لهذه التكنولوجيا ويحدد مدى قدرتها على مراعاة الاعتبارات الأخلاقية والقيم المجتمعية.
وفي ورقة بحثية مرتقبة بعنوان «الأطر الحسابية للرعاية وأطر تقديم الرعاية للحوسبة»، يستكشف عالم النفس التجريبي بريان كريستيان بعضا من أكبر التحديات التي تواجه من يحاولون ترجمة الرعاية إلى «وظائف المكافأة» الحسابية اللازمة للتعلم الآلي. من الأمثلة على ذلك عندما يتدخل مقدم الرعاية على أساس ما يعتقد أنه يصب في مصلحة الطفل، حتى لو لم يوافق ذلك الطفل. ويخلص كريستيان إلى أن «عملية محاولة إضفاء الطابع الرسمي على الجوانب الأساسية للتجربة الإنسانية تكشف لنا حقيقة الرعاية - وربما حتى إلى أي مدى لم نفهمها وما يحيط بها بعد». مثلها كمثل العمل المكتبي، يتألف قسم كبير من الحياة الأسرية من مهام متكررة وعادية يمكن إكمالها بواسطة الذكاء الاصطناعي. ولكن على عكس العمل المكتبي، يتطلب تدريب نموذج الذكاء الاصطناعي هذا جمع ونقل الممارسات المتخصصة في عالم مؤتلف بعناية. بيد أن الأمر يستحق كل هذا الجهد: ذلك أن مساعد الذكاء الاصطناعي الذي يستعين به مقدمو الرعاية من شأنه أن يوفر الوقت والطاقة للتعاطف والإبداع والتواصل. الأمر الأكثر أهمية هو أن ممارسة تحديد أي أقسام عملية تقديم الرعاية يمكن أن يؤديها الذكاء الاصطناعي من المرجح أن تعلمنا الكثير عن الوظائف والأنشطة الأسرية التي يجب أن تظل بشرية بشكل كامل وحصري.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
عندما يلتقي الذكاء الاصطناعي والعاطفي
د. سعيد الدرمكي
الذكاء الاصطناعي (AI) هو قدرة الأنظمة الحاسوبية على محاكاة الذكاء البشري، مثل التعلم واتخاذ القرار، ويُستخدم في مجالات عدة كالصحة، والصناعة، والتكنولوجيا، مما يعزز الكفاءة والإنتاجية. في المقابل، يشير الذكاء العاطفي (EI) إلى القدرة على فهم وإدارة العواطف، مما يسهم في تحسين التواصل، والقيادة، واتخاذ القرارات الفاعلة. ورغم اختلاف مجاليهما، فإن تكاملهما أصبح ضروريًا لتعزيز الفاعلية في مختلف المجالات.
كان يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي والذكاء العاطفي على أنهما كيانان منفصلان، إذ ارتبط الذكاء الاصطناعي بالقدرات الحسابية والمنطقية، حيث يركز على تحليل البيانات واتخاذ القرارات بناءً على الخوارزميات، دون أي بُعد عاطفي. في المقابل، اعتُبر الذكاء العاطفي مهارة بشرية بحتة، تتمحور حول إدارة المشاعر والتفاعل الاجتماعي، مما جعله وثيق الصلة بالقيادة والتواصل. الفرق الأساسي أن الذكاء الاصطناعي يُعامل كأداة تقنية، بينما يُنظر إلى الذكاء العاطفي كجزء من الذكاء البشري يصعب محاكاته بالتقنيات.
يُعد كل من الذكاء الاصطناعي والذكاء العاطفي مكملًا للآخر، حيث يواجه كل منهما تحديات دون الآخر؛ فالذكاء الاصطناعي، دون الذكاء العاطفي، يعاني من ضعف في فهم المشاعر البشرية واتخاذ قرارات تتسم بالتعاطف، مما قد يؤثر على جودة التفاعل مع البشر. في المقابل، يواجه الذكاء العاطفي صعوبات في تحليل البيانات الضخمة، والتنبؤ بالاتجاهات، وتحسين الإنتاجية، واتخاذ القرارات المعقدة دون الاستعانة بقدرات الذكاء الاصطناعي. لذلك، أصبح التكامل بينهما ضروريًا لتعزيز الكفاءة البشرية والتقنية معًا.
ويمكن تحقيق هذا التكامل من خلال توظيف الذكاء الاصطناعي في تحليل المشاعر عبر النصوص، والصوت، وتعبيرات الوجه، مما يتيح فهمًا أعمق للتفاعل البشري. في المقابل، يسهم الذكاء العاطفي في تحسين الذكاء الاصطناعي من خلال تطوير برمجيات تجعله أكثر استجابة للمشاعر البشرية، مما يساعد في إنشاء واجهات مستخدم أكثر إنسانية وتفاعلية، تعزز تجربة المستخدم وتجعل التقنيات الذكية أكثر توافقًا مع الاحتياجات الاجتماعية.
ويسهم تكامل الذكاءين في تحسين العديد من المجالات. ففي قطاع الأعمال، يُستخدم الذكاء الاصطناعي العاطفي لتعزيز تجربة العملاء من خلال تحليل مشاعرهم والاستجابة لها بذكاء. وفي مجال الطب، تُوظَّف الروبوتات لدعم المرضى نفسيًا وعاطفيًا، مما يسهم في تحسين رفاهيتهم. أما في الموارد البشرية، فتعتمد الشركات على أدوات متطورة لتحليل رضا الموظفين وتعزيز تفاعلهم، مما يساعد في خلق بيئات عمل أكثر استجابة ومرونة.
ورغم الفوائد الكبيرة لهذا التكامل، فإنه يواجه تحديات تتعلق بالخصوصية والانحياز الخوارزمي وتأثيره على التفاعل البشري. فالذكاء الاصطناعي لا يمتلك وعيًا حقيقيًا، بل يعتمد على تحليل الأنماط والاستجابات المبرمجة، مما يجعله غير قادر على الإحساس الحقيقي. كما إن هناك مخاوف بشأن جمع البيانات الشخصية دون إذن، والانحياز في تحليل المشاعر، ومخاطر التلاعب النفسي بالمستخدمين. ويبقى التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين التكنولوجيا والعنصر البشري، بحيث لا يحل الذكاء الاصطناعي محل الذكاء العاطفي، بل يكمله لتعزيز الفاعلية دون المساس بجوهر التفاعل الإنساني.
أما فيما يتعلق بدور الأبحاث والتكنولوجيا في تحقيق التكامل، فيجب تطوير أنظمة قادرة على فهم المشاعر البشرية باستخدام تقنيات التعلم العميق وتحليل اللغة الطبيعية. كما ينبغي تعزيز الذكاء العاطفي الاصطناعي ليكون أداة داعمة للتجارب البشرية، بحيث يساعد في تحسين التفاعل والتواصل دون أن يحل محل المشاعر الإنسانية.
المستقبل يعتمد على التكامل بين الذكاء الاصطناعي والذكاء العاطفي، مما يؤدي إلى ثورة في مجالات العمل والتعليم والتفاعل الاجتماعي، مع ضرورة وضع ضوابط أخلاقية تضمن التوازن البشري. يسهم هذا التكامل في تحسين بيئات العمل من خلال تحليل مشاعر الموظفين وتعزيز الإنتاجية، كما يتيح التعليم التكيفي الذي يستجيب لعواطف الدارسين، مما يعزز تجربة التعلم. وفيما يتعلق بالعلاقات البشرية، فإنه يدعم التواصل الفاعل، لكنه قد يؤدي إلى تراجع المهارات الاجتماعية إذا أُسيء استخدامه، مما يستدعي توجيه هذا التطور بما يحقق أقصى فائدة دون الإضرار بالجوانب الإنسانية.
من هنا، يمكن الاستنتاج أن التكامل بين الذكاء الاصطناعي والذكاء العاطفي ضروري لتحقيق توازن فاعل بين الكفاءة التقنية والبعد الإنساني. فالذكاء الاصطناعي يُسهم في تعزيز الإنتاجية والدقة، بينما يضمن الذكاء العاطفي اتخاذ قرارات تتماشى مع القيم الإنسانية. وعلى الرغم من أن التكنولوجيا لا تستطيع محاكاة المشاعر البشرية بشكل كامل، إلا أنها قادرة على دعم الفهم العاطفي وتعزيز التفاعل البشري.
لذا.. فإنَّ تحقيق أقصى استفادة من هذا التكامل يتطلب توجيه التطور التكنولوجي نحو تعزيز القيم الإنسانية، وضمان الاستخدام الأخلاقي للابتكارات التقنية، بما يسهم في رفاهية المجتمعات واستدامة التطور ودعم مستقبل أكثر ذكاءً وإنسانيةً.