لجريدة عمان:
2024-11-25@09:09:07 GMT

الحرب تقطع قلوب البشر

تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT

كنت في شقة صديقين لي في العاصمة العراقية بغداد، وكل واحد منهما روى لي كيف تأثر بالحرب البشعة غير القانونية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية على بلدهم في عام 2003. «يوسف» و«أنيسة» كلاهما يحملان عضوية في اتحاد الصحفيين العراقيين، وكلاهما لديه الخبرة الكافية في العمل الإعلامي، وعملا كمراسلين لمؤسسات إعلامية غربية كانت قد قَدِمَت إلى العراق وسط الحرب.

في زيارتي الأولى لهما في شقتهما، كنت ضيفًا لتناول وجبة العشاء معهما، وتقع الشقة في حي «الوزيرية»، وهو موقع جيد في العراق. دُهشت من رؤية «أنيسة» وهي محجبة، وأنا أعرفها بأنها لا ترتدي الحجاب، وعندما سألتها عن ذلك أجابت بأنها ترتدي الحجاب لإخفاء الندبات الموجودة على فكها، «الندبة خلفتها رصاصة جندي أمريكي أصابه الذعر عند انفجار عبوة ناسفة بجانب الدورية التي كان يقف بجانبها».

وفي وقت يسبق زيارتي لهما بقليل، أخذني يوسف في جولة حول مدينة بغداد الجديدة، وتحديدًا نحو موقع حدثت فيه واقعة بشعة، حيث قتل جنود أمريكيون وهم في مروحية من طراز أباتشي حوالي 20 مدنيًا وأصابوا طفلين، وذلك في عام 2007، ومن بين الضحايا العشرين صحفيان كانا يعملان كمراسلين لوكالة رويترز هما «سعيد شماغ» و«نمير نور الدين».

قال يوسف موجهًا أصبعه نحو الساحة: «هذا هو المكان الذي قتلوا فيه»، ونحو بقعة أخرى أشار: «وهذا هو المكان الذي أوقف فيه صالح سيارته في محاولة لإنقاذ الصحفي سعيد قبل أن يستشهد، وهنا أطلقت المروحية النار على سيارة صالح وأصابت طفليه سجاد ودعاء بجروح خطيرة».

كنت مهتمًا كثيرًا بالرواية التي يقولها يوسف؛ لأن ما يقوله فعلاً تم تصويره من قبل الجيش الأمريكي، وفيما بعد نُشِرَ المقطع المصور على موقع ويكيليكس، وحمل المقطع المرئي عنوان «جريمة قتل هامشية». حاليًا لا يزال «جوليان أسانج» في السجن، وهو الذي قاد فريق الكشف عن هذا المقطع المرئي، وفي فترة سابقة قريبة منحته المحكمة حق الطعن أمام المحكمة البريطانية في مسألة تسليمه إلى الولايات المتحدة. لقد ساهم «جوليان أسانج» في تقديم دليل واضح على جريمة حرب بشعة.

«لم يسلم أحد من هذه الحرب، ومن أعمال العنف»، هذا ما قالته أنيسة، واسترسلت: «نحن مجتمع أصيب بصدمات نفسية كبيرة، جارتي مثلاً فقدت والدتها في قصف أمريكي، وبعد فترة قريبة تعرض زوجها للعمى جراء قصف آخر».

ملأت دفتر الملاحظات خاصتي بهذه القصص والتي يبدو أنها لن تنتهي، هنا الحديث فقط عن حرب العراق التي واجهها العراقيون وخلفت آثارًا نفسية إلى اليوم. واليوم يعيش الفلسطينيون معاناة الحرب، يعيشون على ندوب عميقة حاليًا، من الصعب التعافي منها ومن العنف الواقع عليهم.

ونحو منطقة منكوبة أخرى، كنت أسير مع الأصدقاء في أحد مناطق فيتنام، وهي «هوشي». في ذلك الطريق أشار الأصدقاء إلى مناطق الحقول الخاوية، يقولون بأنها مناطق شاسعة ومسمومة، سممتها الولايات المتحدة بإلقاء مواد كيميائية برتقالية. في حديثهم يشيرون إلى أن هذه الحقول لم تعد صالحة للزراعة وإنتاج الغذاء، وسيستمر الوضع لأجيال عديدة.

لقد أسقطت الولايات المتحدة الأمريكية ما لا يقل عن 74 مليون لتر من المواد الكيميائية السامة، معظمها المادة البرتقالية، أسقطتها على كمبوديا ولاوس وفيتنام، ولقد استهدفت لعدة سنوات خط الإمداد الغذائي الذي يمتد من الشمال إلى الجنوب. هذه المواد الكيميائية لم تصب الأراضي الزراعية فقط، بل شوهت حوالي 5 ملايين فيتنامي.

وقد نشرت الصحفية الفيتنامية «تران تو نجا» كتابها المعنون بـ «أرضي المسمومة» في عام 2016، في محاولة منها للفت الانتباه إلى فظائع الجرائم الأمريكية في فيتنام، والتي تستمر إلى اليوم منذ أكثر من أربعة عقود من بعد خسارة الولايات المتحدة الحرب. وتصف في الكتاب كيف قامت الولايات المتحدة برش المواد الكيميائية في عام 1966 بواسطة الطائرات التابعة لقواتها الجوية، كانت الطائرات من طراز «فيرتشايلد سي 123»، كانت المواد كيميائية وغريبة، رشتها الطائرات واختفت ثم استنشقها الناس وشربتها الأرض بعدما نزلت من السماء.

وتروي قصتها قائلة إنها عندما ولدت ابنتها بعد حوالي عامين من الحادثة، توفيت الطفلة متأثرة بالمواد الكيميائية البرتقالية، وتقول: «كان أهل القرية يرزقون بأطفال مشوهين جيلاً بعد جيل».

غزة

كل ما ذكرته فيما سبق هي ذكريات، وما يحدث في غزة اليوم كأنه شريط لتلك الذكريات. في الحروب غالبًا ما يتم التركيز على أعداد الموتى وتدمير البنى الأساسية والطبيعة، ولكن -إلى جانب أهمية ذلك- هناك أرقام في الحرب الحديثة من الصعب حسابها، منها حجم صوت الحرب الهائل، وضجيج القصف وأصوات الصرخات، تلك الأصوات التي تتعمق في نفوس الناس من الأطفال الصغار والنساء حيث لا بد أن يترك أثرًا طويلاً في حياتهم. صوت الحرب الرهيب، صدى القصف والصرخات، يتسلل إلى وعي الأطفال الصغار ويترك في نفوسهم جراحًا طويلة لا تبرأ.

خذوا أطفال غزة على سبيل المثال، الذين وُلدوا عام 2006. هؤلاء الأطفال، الذين يبلغون اليوم 18 عامًا، عاشوا حروبًا منذ ولادتهم. لقد شهدوا ويلات القصف عام 2006، ثم في 2008 إلى 2009، و2012، و2014، و2021، وأخيرًا 2023 والمستمرة إلى اليوم. وبين هذه الحروب الكبيرة السابقة، تعرضوا لقصف أقل حجمًا لكنه كان مدمرًا ومميتًا كذلك.

لا ننسى الغبار، فالمباني الحديثة تُشيد بمواد سامة كيميائية، منذ عام 1982، اعترفت منظمة الصحة العالمية بظاهرة «متلازمة المباني المريضة»، حيث يتسبب البناء بالمواد السامة في إصابة الناس بالأمراض. وتخيلوا سقوط قنبلة «MK84» بوزن 2000 رطل على مبنى، والغبار السام الذي يتطاير ويبقى معلقًا في الهواء وعلى الأرض.

هذا الغبار السام هو ما يتنفسه أطفال غزة الآن والنساء والناس عمومًا، حيث تلقي إسرائيل مئات القنابل المميتة على الأحياء السكنية. يوجد في غزة الآن أكثر من 37 مليون طن من الحطام والدمار، جزء كبير منه ملوث بالمواد السامة.

حتى بعد وقف إطلاق النار، تظل مناطق الحرب خطرة. في حالة غزة، لن ينتهي العنف بمجرد توقف القصف.

في أوائل نوفمبر 2023، قدّر المرصد «الأورومتوسطي» لحقوق الإنسان أن إسرائيل أسقطت 25 ألف طن من المتفجرات على غزة، ما يعادل قنبلتين نوويتين. ورغم أن مساحة هيروشيما تبلغ 900 كيلومتر مربع، فإن مساحة غزة تبلغ 360 كيلومترا مربعا فقط.

ولم يتوقف الأمر، فبحلول نهاية أبريل 2024، أسقطت إسرائيل أكثر من 75 ألف طن من القنابل على غزة، ما يعادل ست قنابل نووية، وتقدر الأمم المتحدة أن إزالة الذخائر غير المنفجرة في غزة ستستغرق 14 عامًا، مما يعني استمرار سقوط الضحايا حتى عام 2038.

في الصالة الصغيرة لشقة يوسف وأنيسة، يرتفع علم فلسطيني صغير، بجانبه قطعة من الشظايا التي دمرت عين يوسف اليسرى، لا يوجد شيء آخر على الوشاح، سوى هذا العلم والشظية التي تروي حكاية الألم والصمود.

فيجاي براشاد مؤرخ وصحفي هندي ومحرر في معهد البحوث الاجتماعية

نقلا عن آسيا تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المواد الکیمیائیة الولایات المتحدة فی عام

إقرأ أيضاً:

30 شركة صينية ممنوعة من تصدير منتجاتها إلى الولايات المتحدة

أعلنت الولايات المتحدة، أمس الجمعة، أنها وسّعت مجدداً لائحتها السوداء التي تحظر استيراد منتجات من منطقة شينغ يانغ الصينية أو التي يُشتبه بأنها صُنعت بأيدي أويغور يعملون قسراً.

وقد اتُهمت نحو 30 شركة صينية جديدة باستخدام مواد خام أو قطع صنعَت أو جمعَت بأيدي أويغور يعملون قسرا، أو بأنها استخدمت هي نفسها هذه العمالة لصنع منتجاتها.

وبهذه الإضافة، يرتفع إلى 107 عدد الشركات المحظورة الآن من التصدير إلى الولايات المتحدة، حسبما أعلنت وزارة الأمن الداخلي.

NEW: Today, DHS, on behalf of the Forced Labor Enforcement Task Force (FLETF), announced the addition of 29 companies based in the People’s Republic of China (PRC) to the Uyghur Forced Labor Prevention Act (UFLPA) Entity List – bringing the total number of entities on the UFLPA… pic.twitter.com/NPlRnA3Kdb

— Homeland Security (@DHSgov) November 22, 2024

وقالت الممثلة التجارية الأمريكية كاثرين تاي في بيان: "بإضافة هذه الكيانات، تواصل الإدارة (الأمريكية) إظهار التزامها ضمان بأن لا تدخل إلى الولايات المتحدة المنتجات المصنوعة بفعل العمل القسري للأويغور أو الأقليات العرقية أو الدينية الأخرى في شينغغ يانغ".

وفي بيان منفصل، قال أعضاء اللجنة البرلمانية المتخصصة في أنشطة الحزب الشيوعي الصيني إنهم "سعداء بهذه الخطوة الإضافية"، معتبرين أن الشركات الأمريكية "يجب أن تقطع علاقاتها تماماً مع الشركات المرتبطة بالحزب الشيوعي الصيني وأن تطور سلسلة توريد بعيدة من العمل القسري".

يحظر قانون المنع الذي أقره الكونغرس الأمريكي في ديسمبر (كانون الأول) 2021 كل واردات المنتجات من شينغ يانغ ما لم تتمكن الشركات في هذه المنطقة من إثبات أن إنتاجها لا ينطوي على عمل قسري.

مقالات مشابهة

  • سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة: إسرائيل وحزب الله على وشك التوصل إلى اتفاق
  • تحذير من عاصفة شتوية جديدة في الولايات المتحدة
  • من هي الأردنية مرشحة ترامب لمنصب جراح الولايات المتحدة؟
  • ماسك: الولايات المتحدة تتحرك بسرعة نحو الإفلاس
  • عبد المنعم سعيد: المرحلة الأولى من حكم ترامب ستتركز على الولايات المتحدة
  • عبد المنعم سعيد: تركيزالمرحلة الأولى من حكم ترامب على الولايات المتحدة
  • روته التقى ترامب في الولايات المتحدة
  • 30 شركة صينية ممنوعة من تصدير منتجاتها إلى الولايات المتحدة
  • كوريا الشمالية: الولايات المتحدة تخلق جواً من المواجهة النووية
  • موراليس : الولايات المتحدة فقدت قوتها الاقتصادية