وداعًا الشيخ أحمد الحارثي
تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT
خليفة بن عبيد المشايخي
khalifaalmashayiki@gmail.com
رحل عن دنيانا الشيخ الجليل أحمد بن مسعود الحارثي، أحد أبرز الدعاة إلى الله في وطننا الحبيب، بعد مسيرة حافلة بالعطاء في مسيرة خدمة الدعوة إلى الله بالخلق الحسن والهدي النبوي الشريف.
ويروي المحيطون بالشيخ أحمد الحارثي، أنه لم يكن يشكو في آخر أيامه من أي معضلة صحية، لكنها مشيئة الله، لتنتهي مسيرة هذا الرجل البار بأمته والمخلص لدين الله.
هنيئًا لشيخنا الراحل الشيخ أحمد بن مسعود الحارثي، الرجل الطيب المحبوب من الجميع حسن الخاتمة والذكرى العطرة التي خلفها وتركها في هذه الدنيا الفانية، والأعمال الجليلة التي تركها وأورثها هنا، ستزف له أجورها وهو في قبره إلى يوم القيامة.
وقد علمنا أنَّه بعد حلقة التعليم التي تنعقد يوميًا بعد صلاة الفجر في مسجد الوهاب؛ حيث اعتاد الشيخ الصلاة فيه، مكث- رحمه الله- في مجلسه بالمسجد حتى صلى سُنة الإشراق، وبعدها ذهب لبيته وخرج منه ضُحى لزيارة صاحب له من مشايخ الدعاة القدماء وكأنه يودعه. وعاد عقب ذلك إلى بيته فلم يلبث فيه طويلًا ولم يمكث كثيرًا، إلّا برهة من زمان ووقت، وما هي إلّا دقائق وفاضت روحه إلى بارئها نهارًا، لينتشر الخبر الصادم المحزن بين النَّاس وبين أهله وأحبابه وكل من يعرفه في مشارق الأرض ومغاربها.
لقد توفي الشيخ أحمد بن مسعود الحارثي- رحمة الله عليه- الذي نحبه كثيرًا حيًا وميتًا يوم الثلاثاء وهو في الثمانين من عمره، على الصلاح والاستقامة، داعيًا إلى الله تعالى على مدار خمسة عقود، وودعه وشيعه مئات الناس من مختلف محافظات السلطنة، نظرًا لسيرته الحسنة وسمعته الطيبة ومكانته الاجتماعية المؤثرة.
لقد عرفتُ الشيخ أحمد بن مسعود الحارثي عن قرب فأحببته كما أحبه غيري، ولازمته في بيئات الدين والإيمان، وأذكر للشيخ محاسن وحسنات وتواضعه وهدوئه وإنسانيته وعلمه وفهمه وورعه وثقافته وتدينه وبذله وعطاءه وخدمته لدين الله تعالى وخوفه منه تعالى.
الشيخ أحمد كان خدوما لديننا الإسلامي داعيا الى الله تعالى مبلغاً عن رسوله الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكريمًا مع الجميع، حنونا لطيفاً مع الكل، غيورا على انتهاك محارم الله.
وكان صبورا وذا سعة بال، يحمل هم أمة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وعباد الله البعيدين عنه، وعندما كنت أدعو له في حضوره وهو يسمعني، بقولي أطال الله في عمرك، كان رحمه الله تعالى يقول لي "لا تدعو لي بطول العمر بل بالبركة في العمر". وحينما أسأله عن سر رغبته في الدعاء له بالبركة في العمر وليس بزيادته، كان يرد عليَّ قائلًا: "قد يطول الله تعالى في عمري حتى أهرم، وأكون بعدها عالة على أولادي وأهلي وغيري، وأنت تعلم عندما يصل أي إنسان إلى سن كبير ويعجز عن خدمة نفسه، فإنه من المحتمل أن يمل منه الناس، وكما تراني الآن وأنا في هذه السن المتقدمة، أخدم نفسي وأقوم بواجباتي".
تغمد الله الشيخ الجليل أحمد بن مسعود الحارثي برحمته، وأسكنه فسيح جناته، وجعل قبره روضة من رياض الجنة، وحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا، ونُعزِّي أنفسنا وأولاده وأسرته وأهله والعالم الإسلامي كافة بوفاته، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
درس التراويح بالجامع الأزهر يدعو للتمسك بخلق التواضع
قال الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، إن الله تعالى خلق الإنسان رئيس نفسه بحكم استخلافه في الأرض، لا يقبل أن يتكبر عليه أحد، لأنه خليفة الله في أرضه، فهو سبحانة وتعالى حين استخلفنا في الأرض جعل كل منا سيد نفسه، ولذلك يكره الإنسان الكبرياء أو التكبر، حتى ولو كنت ما تقوله له حقا فهو يكرهه، إن كان الكلام له موجها بطريقة فيها استعلاء وتكبر، ومن ذلك أن أحد الشيوخ كان يقول لطالب نبيه عنده، دائما ينطق كلامه بالصواب ولكن بطريقة فيها نبرة استعلاء على زملائه، فقال له: "ما كرهت صوابا أسمعه إلا منك".
وبين رئيس جامعة الأزهر، خلال درس التراويح، اليوم السبت، بالجامع الأزهر، والذي جاء تحت عنوان: "التواضع"، أن التواضع لم يذكر باسمه في القرآن الكريم، وإنما ذكر بصفات كثيرة من صفاته، ومن ذلك قوله تعالى: "وَلِكُلِّ أُمَّةٍۢ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلْأَنْعَٰمِ ۗ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ فَلَهُۥٓ أَسْلِمُواْ ۗ وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ"، والمراد بالمخبتين المتواضعين، والخبت هو المكان المنخفض المطمئن، وهو المكان الذي يملؤه الماء حين ينزل من السماء في تشبيه لأن التواضع فيه الكثير من الخير والنفع للناس، أما التكبر فهو كربوة عالية لا يأمن من عليها الانحدار ولا يأمن الهلاك.
وأوضح رئيس جامعة الأزهر أن التواضع له قيمة كبيرة في الإسلام فالمتواضع نافع لنفسه ولغيره ولمجتمعه، ودليل هذه القيمة الكبيرة قول السيدة عائشة رضي الله عنها: "أيها الناس إنكم لتغفلون، العبادة التواضع"، وكان سيدنا عبدالله بن المبارك رضي الله عنه يقول: "التواضع أن تضع نفسك دون من هو أقل منك في النعمة حتى لا يرى لك عليه فضلا"، أي لا تتفضل عليه بنعمة الثراء التي رزقها الله لك، وأن ترفع نفسك فوق من هو أعلى منك في نعمة الحياة، حتى لا يرى له فضل عليك، فهذه هي سمة التواضع وسمة المتواضعين.
وأمر القرآن الكريم نبينا "صلى الله عليه وسلم" بالتواضع فقال: "واخفِضْ جناحك للمؤمنين"، بمعنى اللين والرفق وأن يكون هينا لينا رحيما بهما، وفي حق الوالدين أضاف كلمة الذل فقال: "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ"، لأن الذل بالنسبة للولد مع والديه انكسار، حتى لا يتبجح معهما، ولكنه حذفه مع النبي "صلى الله عليه وسلم" لأن الذل لا يليق بمقامه الكريم "صلى الله عليه وسلم"، لافتا إلى أن صفات المتواضعين في القرآن كثيرة ومن ذلك قوله تعالى: "ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا"، وقوله تعالى: "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا"، أي بلين ورفق وتواضع.
واختتم بأن التواضع هو حين تخرج من بيتك وأنت لا ترى لنفسك فضلا على مسلم، فالمسلمون جميعا سواء، ولذلك كان من صفات المؤمنين في قوله تعالى: "أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ"، فهذه هي سمات التواضع، فالتواضع له مكان والكبر له مكان، ولكل شيء مقامه وموضعه، لافتا أنه ولكل ذلك كان التواضع هو الأساس في ركن الحج، كأن الله يقول لنا: "إذا كان التواضع صفة المؤمن في الدنيا والحياة، فهو في الحج أليق به"، فالتواضع هو أن يقبل المسلم النصح وأن يتواضع لمن ينصحه، وبالنسبة لطالب العالم، فإن التواضع هو أن يذل نفسه في طلب العلم حتى لا يدخل العلم باستعلاء وكبر، فإنه إذا دخله بكبر واستعلاء لا ينال منه شيئا، وإذا دخله بذل، يوشك أن يفتح له.