كتب - محمود مصطفى أبوطالب:

ألقى الدكتور نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، المشرف العام على مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، توصيات ومخرجات الملتقى الفقهي الخامس لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، والذي جاء تحت عنوان "منهجية التعامل مع السيرة النبوية بين ضوابط التجديد وانحرافات التشكيك"، لمناقشة القضايا الجدلية والشائكة لبيان موقف الأزهر الشريف منها، بشكل يتوافق والرؤى التجديدية والوسطية التي يتبناها الأزهر.

وخرج الملتقى الفقهي الخامس لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية بعدة مخرجات وتوصيات.

أولا: المخرجات وهي:

1- يمتاز التراث الإسلامي من بين تراث كل الأديان والحضارات، بابتكار معايير منهجية لـ «التوثيق والتثبت من صحة الأخبار والمرويات الشفهية» ونقلها، ومن ثم نشأت علوم [التخريج ودراسة الأسانيد، والعلل]؛ لتكون قانونا نميز به بين «المقبول والمردود، وبين الصحيح والحسن والضعيف والموضوع»، وقد خضعت روايات السيرة النبوية في مرحلة متقدمة لهذا النقد الحديثي، وقد أسهم هذا النقد في تمحيص روايات السيرة وتنقيتها من كل شائبة يمكن أن تشوه صورة الإسلام الصحيحة.

2- أظهر التراث الإسلامي العريق، عناية فائقة بضبط (الفهم الموضوعي النزيه) للمسائل والقضايا والظواهر والمشكلات، فنشأت علوم [أصول الفقه، واللغة، والمنطق]؛ لتكون قانونا نميز به بين المعقول واللامعقول، وبين ما يدل عليه النص: قطعا أو ظنا، صراحة أو لزوما، وقد عولجت روايات السيرة في مرحلة متقدمة وفق قوانين هذه العلوم.

3- وضع العلماء حدودا فاصلة بين النص الإلهي، والبشري، وميزوا بين مقامي الرسول: (المقدس والإنساني) وحفظوا لكل مقام حقه وقدره، واعتبروا ذلك من أهم المناهج العلمية المنضبطة في دراسة السيرة النبوية، وذلك بخلاف الطرح الحداثي الذي اختزل مقام الرسول في جانبه البشري، الذي يعتريه ما يعتري كل البشر من (حظوظ النفس والهوى)، لذا نعتبره بذلك يمتهن مقام النبوة، ويجعل دعاء الرسول بيننا كدعاء بعضنا بعضا، وهو ما نهى عنه القرآن الكريم وحذرنا منه.

4- التأكيد على أهمية المنهجية العلمية الصحيحة، والتوظيف الإيجابي لمناهج البحث والتقصي الحديثة في التعامل مع نصوص السيرة النبوية، وحكايات التاريخ الإسلامي، والآثار النبوية، ونقد الروايات المتناقضة أو المشكوك في صحتها، وفق طرق النقد العلمية المعروفة، مع مراعاة السياق التاريخي والثقافي لكل رواية؛ شريطة أن تلتزم هذه المناهج بالثوابت الدينية والمسلمات المنهجية.

5- التأكيد على قيمة «النخب المثقفة»، ودورها في «صناعة الوعي وإيقاظ الضمير الحي»، وفي السياق نفسه نؤكد على ضرورة رعاية «الخبرة والعلم والاختصاص»، وضرورة توافر «الموضوعية والنزاهة والمنهج السليم» ، ونحذر من أن يكون ادعاء «الثقافة» أداة لإلهاء الشعوب عن قضاياها المصيرية، أو أداة لتشتيت الرأي العام العربي عن قضيته الأولى وهي (القدس وفلسطين) التي تمر بفترة حرجة من تاريخها، تحت وطأة الحرب والحصار والاحتلال.

6- طرق التشكيك في السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي تحمل خطورة كبيرة، حيث تسهم في زعزعة الإيمان، وتشويه القيم والمبادئ التي تقوم عليها الهوية الإسلامية. وهذه الطرق تعتمد على تحليلات متحيزة وغير موضوعية تهدف إلى تقويض الثقة بالمصادر الإسلامية الأساسية. ومع ذلك، يجب التفريق بين التشكيك والنقد العلمي المنهجي السليم، فالنقد العلمي يستند إلى الأدلة والمصادر الموثوقة ويسعى إلى فهم أعمق وتوضيح الحقائق، بينما يهدف التشكيك إلى الهدم والتشويه دون أساس موضوعي.

7- الدفاع عن (السيرة ومدونات التاريخ الأول)، لا يعني الحكم بتصديق كل مروياتها، ولكن يعني الحكم بكونها وثائق لها أهميتها التاريخية في معرفة السرد والترتيب الكامل للأحداث الإسلامية المبكرة، مما يساعدنا في فهم التصورات الإسلامية الكبرى بشكل سليم.

ثانيا: التوصيات:

أولا: نوصي بضرورة تفعيل حركة ترجمة عكسية لكتب السيرة النبوية من العربية إلى الإنجليزية، بهدف تزويد المكتبة الثقافية الأجنبية بمصادر موثوقة وشاملة. وهذا الجهد يسهم في مواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا ومحاولة ازدراء مقام النبوة، من خلال تقديم صورة دقيقة وعلمية عن السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، مما يعزز الفهم المتبادل ويقلل من التأثيرات السلبية لحركة الاستشراق.

ثانيا: نوصي بضرورة توسيع دائرة الحوار بين مختلف المذاهب الفكرية والإسلامية والحداثية والتنويرية، لتعزيز التفاهم وبحث القضايا في إطار من الاحترام المتبادل، وفق منهجية علمية معتمدة، بعيدا عن المساجلات والجدل، وإثارة الرأي العام بلا فائدة.

ثالثا: نوصي بضرورة التعاون والتكامل بين الجميع للعمل على إطلاق مشروع عالمي لتحقيق وتوثيق ونشر كل التراث المخطوط المتعلق بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتاريخ الإسلام المبكر، وفقا لمعايير علمية صارمة، مما يسهم في التصدي للشبهات والشكوك المثارة حولها.

رابعا: نوصي بضرورة تجديد درس السيرة النبوية، وذلك من خلال العمل على تضمين مواد دراسية مبسطة حول السيرة النبوية في المناهج التعليمية بمختلف المراحل الدراسية، مع التركيز على قيمها التربوية والأخلاقية والإنسانية.

خامسا: ندعو صناع الأعمال الدرامية والإعلاميين والصحفيين والمؤثرين، للتعاون على إعادة تسويق ونشر أحداث السيرة النبوية بشكل جذاب، يتضمن (الرسومات، والتصميمات، والرواية، والدراما، والمسرح، والشعر، والنثر-والأفلام الوثائقية).

سادسا: ندعوا الباحثين في التاريخ والدراسات الإسلامية إلى ضرورة استعراض وتحليل المناهج الحديثة التي تطبقها المؤسسات الأكاديمية والدينية في دراسة السيرة النبوية، مقارنة بالمناهج التقليدية، مع التركيز على كيفية مواجهة التشكيك والانحرافات، والعمل على مراجعة نقدية للأدبيات التشكيكية في السيرة النبوية، مع تقديم تقييم دقيق للحجج المقدمة وكشف الأخطاء المنهجية والمنطقية فيها، كما نوصي بدراسة الأساليب والتقنيات الحديثة التي تستخدم في تحليل السيرة النبوية، مثل التحليل النصي والنقدي والتاريخي والسوسيولوجي، مع تقديم توصيات لتطبيقها بشكل أفضل.

سابعا: نوصي بضرورة إعداد (برامج ومناهج) تعليمية مشوقة للأطفال، تعرض تسلسل أحداث السيرة النبوية بشكل جذاب، وتركز على غرس القيم الأخلاقية والتربوية، والتعريف بالثوابت، وأصول الدين وأهم المعتقدات الإسلامية، وأحكام الشريعة، من خلال القصة النبوية الكريمة، حتى يتم تشكيل وعي نظيف وسليم للأطفال في المراحل المتقدمة، يعصمهم من الأفكار المغلوطة التي تثيرها حملات التشكيك.

المصدر: مصراوي

كلمات دلالية: التصالح في مخالفات البناء الطقس أسعار الذهب سعر الدولار معبر رفح مهرجان كان السينمائي الأهلي بطل إفريقيا معدية أبو غالب طائرة الرئيس الإيراني سعر الفائدة رد إسرائيل على إيران الهجوم الإيراني رأس الحكمة فانتازي طوفان الأقصى الحرب في السودان الدكتور نظير عياد مجمع البحوث الإسلامية الملتقى الفقهي لمركز الأزهر السیرة النبویة

إقرأ أيضاً:

الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: السواك يساهم في إعادة التمعدن الطبيعي للأسنان

عقد الجامع الأزهر، اليوم الاثنين، حلقة جديدة من ملتقاه الفقهي تحت عنوان "رؤية معاصرة"، حيث ناقش موضوع "السواك بين الشرع والطب". 

وشارك في اللقاء الدكتور علاء الدين عبد الله محمد إسماعيل، أستاذ طب أسنان الأطفال وطب أسنان المجتمع بكلية طب الأسنان جامعة الأزهر، والدكتور حسين مجاهد، أستاذ الفقه المقارن المساعد بكلية الشريعة والقانون، وعضو لجنة الفتوى الرئيسة بالجامع الأزهر، وأدار الملتقى الشيخ أحمد الطباخ، الباحث الشرعي بالجامع الأزهر.

قال الدكتور علاء الدين عبد الله إن السواك يُعدّ من الوسائل الفعّالة في الحفاظ على صحة الفم والأسنان، وهو جزء من السُّنة النبوية التي حثّ عليها النبي. 

ويُستخرج السواك من جذور شجرة الأراك، التي تُعرف علميًا باسم "سالفادورا بيرسيكا"، وهي شجرة دائمة الخضرة، تنتشر في الجزيرة العربية وبعض المناطق الاستوائية، ويُستخدم السواك أيضًا في بلدان أخرى من أشجار مثل الزيتون والنيم، إلا أن سواك الأراك يُعدّ الأفضل والأكثر شهرة، لما له من خصائص فريدة تسهم في تنظيف الأسنان، تبييضها، وحماية اللثة من الالتهابات.

وأشار إلى أن السواك يحتوي على خصائص طبيعية فعّالة، إذ يحتوي على السيليكا التي تسهم في تنظيف الأسنان وتبييضها، ومضادات للبكتيريا التي تحمي من تسوّس الأسنان والتهابات اللثة. 

كما يحتوي السواك على الكالسيوم، الذي يساعد في إعادة التمعدن الطبيعي للأسنان، بالإضافة إلى الفلورايد المعروف بفعاليته في الوقاية من التسوّس. 

ويدعم السواك اللثة ويعزز صحتها بفضل الزيوت الطيّارة التي تحتوي عليها، بالإضافة إلى مضادات الأكسدة التي تحمي من الأمراض وتساعد في الوقاية من السرطانات. وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن السواك يُعدّ بديلاً طبيعيًا لمعاجين الأسنان، حيث يجمع بين فوائد عديدة لا يمكن أن تحتويها عبوة معجون واحدة.

وأضاف الدكتور حسين مجاهد أن الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي، خلقه الله سبحانه وتعالى ليعيش في مجتمعات ويتفاعل مع الآخرين، وهذا التفاعل يتطلب أساسًا من القبول المتبادل والتآلف. إحدى الوسائل الأساسية لتحقيق هذا التآلف هي النظافة الشخصية، التي تعد بوابة التواصل الإنساني، حيث إنها الواجهة الأولى التي يظهر بها الإنسان أمام غيره. النظافة ليست مجرد عادة أو مظهر خارجي، بل هي جزء من التكوين الفطري للإنسان، وقد جعلها الإسلام ركنًا أساسيًا في حياة المسلم، فحث عليها في نصوص كثيرة، منها ما جاء في القرآن الكريم: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]. الشريعة الإسلامية لم تكتفِ ببيان أهمية النظافة فحسب، بل جعلتها عبادةً تؤجر عليها، ورغّبت في طهارة الجسد والملبس والمكان، مما يعكس التكامل بين الجانب الروحي والجسدي في حياة المسلم.

وأضاف أن رسول الله ﷺ قد قدّم النموذج الأكمل في الالتزام بالنظافة والطهارة، إذ كان يحرص على تطبيقها في أدق تفاصيل حياته، مؤكدًا بذلك أنها ليست مجرد سلوك فردي، بل ثقافة تنعكس على المجتمع بأسره. ومن السنن التي ركّز عليها النبي ﷺ وأوصى بها، سنة السواك، التي تجمع بين العناية بصحة الفم والنظافة العامة. السواك ليس مجرد أداة لتنظيف الأسنان، بل هو وسيلة تعكس عظمة الإسلام في الجمع بين العناية الجسدية والروحانية. فقد أثبت العلم الحديث أن السواك يحتوي على مواد طبيعية فعّالة تحارب البكتيريا، تمنع التسوس، وتقوي اللثة، ما يؤكد سبق الإسلام في رعاية صحة الإنسان.

وأوضح الشيخ أحمد الطباخ خلال إدارته للملتقى أن الإسلام جاء بمبادئ تعزز التكامل بين الجوانب الروحية والجسدية للإنسان، ومن أبرز هذه المبادئ النظافة الشخصية. فهي ليست مجرد مظهر خارجي، بل تعكس اهتمام المسلم بصحته واحترامه للآخرين. حرصت الشريعة الإسلامية على جعل النظافة جزءًا من العبادة، حيث وردت نصوص متعددة تؤكد على الطهارة والطهارة الجسدية والبيئية. وقد كان النبي ﷺ مثالًا يُحتذى به، حيث مارس النظافة كجزء لا يتجزأ من حياته اليومية، مؤكدًا أهميتها في تعزيز الألفة بين الأفراد وحفظ الصحة العامة، مما يجعل المسلم شخصية متزنة ومحبوبة في جميع المجتمعات.

واختتم الملتقى جلسته بتأكيد المشاركين على أهمية العودة إلى سنن النبي ﷺ في العناية بالنظافة، لاسيما السواك، والذي يعتبر من أعظم وسائل الحفاظ على صحة الفم والأسنان، بالإضافة إلى أنه من العبادات التي تؤجر عليها الأمة، مؤكدين أن العلم الحديث قد أثبت الفوائد الصحية الكبيرة للسواك، مما يجعله أداة طبيعية فعّالة للعناية بالفم، ويؤكد توافق الشريعة الإسلامية مع الاكتشافات العلمية الحديثة في هذا المجال.

مقالات مشابهة

  • عضو «الأزهر للفتوى»: إكرام كبار السن من الواجبات الدينية والأخلاقية
  • أمين البحوث الإسلامية يكرِّم عددًا من مديري التوجيه بمناطق وعظ الجمهورية
  • أخلاقنا.. إصدار جديد للأزهر بمعرض الكتاب لتعزيز القيم الإسلامية
  • الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: السواك يساهم في إعادة التمعدن الطبيعي للأسنان
  • بلغة الإشارة.. الجامع الأزهر يناقش أحكام الطهارة
  • هل يجوز الإفطار في رمضان للمرأة الحامل؟ الأزهر العالمي للفتوى يجيب
  • زوج الأخت أو أخو الزوج من الأجانب أم من المحارم؟.. «الأزهر للفتوى» يوضح.. «فيديو»
  • عضو «الأزهر للفتوى» تكشف عن الضوابط الشرعية لتعامل المرأة مع الأقارب
  • البحوث الإسلامية يطلق حملة توعوية بعنوان «علمًا نافعًا»
  • جناح الأزهر بمعرض الكتاب يرد على المشككين في تدوين السيرة النبوية بـ إصدار جديد