لجريدة عمان:
2025-03-19@22:40:16 GMT

عن غياب دور المسرح في فلسطين

تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT

قالها مرة وزير التربية والتعليم السابق الدكتور صبري صيدم أثناء إعلان نتائج مسابقة مدرسية: "من لا يحب المسرح لا يمكن أن يحب فلسطين". ظلت هذه الجملة العميقة ترن في رأسي كلما تأملت غياب دور المسرح في فلسطين. بلا شك لدينا مسرحيون أكفاء، لديهم خبرات عالمية وفازوا بجوائز عربية، لكن للأسف الشديد ليس هناك فرق مسرحية منظمة مستقرة، تصنع الأساس لنهضة مسرحية.

غير مقتنع أنا بقصة أن الاحتلال بتنغيصه حياة الناس يعرقل وجود مسرح، بالطبع للاحتلال دور كبير في عرقلة حياتنا، لكنه لن يستطيع منع تكوين فرقة مسرحية تجوب البلاد كلها، شارحة هموم البلاد وهموم الإنسان الفلسطيني، حتى وإن منع بعضها واعتقل طاقمها. معظم التجارب المسرحية القوية في بلادنا موجودة في فلسطين الداخل 48، وهي تجارب عالمية بممثلين وكتاب مسرح وإمكانات في توفير ما يحتاجه المسرح من أسس مادية لينهض.

في الضفة الغربية مسرحنا ضعيف للغاية، وحين أقول ضعيف لا أقصد غياب الإمكانيات، بل غياب التأثير وصنع الفرق. أتابع بعض المسرحيات التي تنفذها بعض المؤسسات المسرحية فلا أجد ما يهز أو يصدم أو يخلخل ما بداخلنا، وهذه هي وظيفة المسرح، أن يكسر فينا جبل الجليد، ويكشف عوراتنا ويميط اللثام عن ملامح وجوهنا بلغة مختلفة وأساليب وتكنيكات جمالية مبدعة.

هناك ظاهرة مؤسفة في التجارب المسرحية الفلسطينية عموما، ليس هناك كتاب مسرحيون فلسطينيون يكتبون واقعنا وهواجسنا. معظم مسرحياتنا تعتمد على نصوص أجنبية يتم تعريبها وإسقاط أفكارها على واقع بلادنا، وهناك شبه إجماع على أن هذا هو أهم أسباب ضعف تأثير المسرح الفلسطيني. في القدس لدينا استثناءات واضحة، هناك تجربتان مسرحيتان مرموقتان، هما تجربة الفنانين حسام أبو عيشة وأحمد أبو سلعوم. حسام وأحمد فنانان مسرحيان مقدسيان، يكتبان نصوصهما القادمة من هم المواطن المقدسي والفلسطيني. آخر تجارب حسام والتي لا تزال تعرض حتى الآن في فلسطين والعالم العربي هي مسرحية "عرق النعنع" (مونودراما) تحكي عن ذكريات حسام مع رفاقه المعتقلين معه في السجن نفسه. نص المسرحية مكتوب بصدق شديد وبفكاهة عالية ممزوجة بمأساة مقيمة، تفاصيل الحياة الإنسانية والصراع الدائم مع إدارة السجن ومع فكرة السجن نفسه والإصرار على البقاء على قيد الحب والفخر والكرامة هو جوهر هذه المسرحية. كتب حسام هذه المسرحية الواقعية حد الجنون، متقمصا بموهبته الأدائية المذهلة شخصيات العشرات من رفاقه الذين شاركوه الفرشة النحيلة والليل الطويل.

فرحة المعتقلين كانت كبيرة وهم يراقبون عرق نعنع زرعوه في ساحة السجن، كان العرق ينمو كل يوم، وسكان هذا الجحيم يهللون لنموه وينمون معه. لكن عنجهية السجان تدخلت، وقصفت هذا النمو وهذه الفرحة، فقد جاء أحد السجانين وقال جملته المرعبة: "حتى عرق النعنع نظمتوه؟". ثم داس عليه وهشّمه.

تجربة حسام أبو عيشة من التجارب الفردية النادرة البعيدة عن الفرق والمؤسسات، التي تعطي بعض الأمل، وهناك تجارب فردية مهمة مثل تجربة الفنان المبدع كامل الباشا، وفنان قدير آخر ويعد أحد أهم مؤسسي مسرحنا هو الفنان الكبير عادل ترتير. لدينا أيضا فرقة الفن الشعبي برام الله بقيادة فنان شهير هو فتحي عبدالرحمن، قدمت هذه الفرقة العديد من المسرحيات المهمة على مدى عقود.

رغم وجود هذه الحالات المسرحية المضيئة لن نستطيع أن نتحدث عن نهضة مسرحية فلسطينية متينة متواصلة. ومع غياب وجود رابطة للمسرحيين، تتضاعف مأساة ضعف المسرح الفلسطيني وتشتت إنجازاته.

بقي أن نقول: إن الاحتلال يخاف من المسرح الفلسطيني، نعم يخاف، بالمعنى الحرفي. والكل يتذكر مداهمة السلطات الاحتلالية للعديد من المسرحيات ووقفها واعتقال مخرجها وممثليها. لكن هذا الاحتلال لن يستطيع منع تنظيم رابطة للمسرحيين، وعرض المسرحيات.

ثم ما فائدة المسرح إذن وما معناه إن لم يكن مزعجا للاحتلال؟

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی فلسطین

إقرأ أيضاً:

بعد صراع مع ألزهايمر.. لبنان يودّع أنطوان كرباج عن 90 عاما

توفي الممثل اللبناني أنطوان كرباج مساء أمس الأحد عن عمر ناهز 90 عاما، بعد صراع مع مرض ألزهايمر الذي أفقده الذاكرة في سنواته الأخيرة، تاركا خلفه إرثا فنيا غنيا امتد لعقود، شكل خلالها أحد أعمدة المسرح والتلفزيون اللبناني.

وتوفي كرباج في "بيت القديس جاورجيوس" لرعاية المسنين في بيروت، حيث كان يقيم منذ عام 2020 نظرا لحاجته إلى رعاية طبية متخصصة بسبب حالته الصحية. وكان أفراد عائلته قد أكدوا أنه انتقل للعيش هناك بعدما اشتد عليه المرض، مما جعله غير قادر على التعرف على محيطه.

وكان أنطوان كرباج ولد عام 1935 في قرية زبوغا بمحافظة جبل لبنان، وظهرت موهبته التمثيلية مبكرا، حيث بدأ التمثيل على خشبة المسرح الجامعي في أواخر خمسينيات القرن العشرين. في الستينيات، التحق بمعهد المسرح الحديث التابع للجنة مهرجانات بعلبك الدولية تحت إدارة منير أبو دبس، حيث صقل موهبته وأصبح جزءا من فرقة المسرح الحديث، التي كان لها دور ريادي في الحركة المسرحية اللبنانية والعربية.

الممثل اللبناني أنطوان كرباج (وسط) يؤدى مشهدا من مسرحية "صح النوم" على مسرح الأرينا في عمّان سنة 2007 (الفرنسية) أدوار خالدة على المسرح الرحباني

كان كرباج أحد أبرز نجوم المسرح اللبناني، خاصة في مسرحيات الأخوين رحباني، حيث قدم شخصيات أيقونية مثل:

فاتك المتسلّط في "جبال الصوان" (1969) الوالي في "صح النوم" (1971) الملك غيبون في "ناطورة المفاتيح" (1972) القائد الروماني في "بترا" (1977) اليوزباشي عسّاف في "صيف 840" (1988)

وكان حضوره القوي وأداؤه المتقن عاملا رئيسيا في نجاح هذه الأعمال، خاصة مع الفنانة فيروز، حيث أضاف بصوته الجهوري وأدائه المسرحي أبعادا درامية عميقة للشخصيات التي جسدها.

إعلان إبداعه في الدراما التلفزيونية

لم يقتصر تألق كرباج على المسرح، بل امتد إلى التلفزيون، حيث قدّم أدوارا خالدة في أعمال متنوعة، من أبرزها:

جان فالجان في "البؤساء" (1974) المقتبس عن رواية فيكتور هوغو المفتش في "لمن تغني الطيور" (1976) بربر آغا في "بربر آغا" (1979)، أحد أبرز الأعمال الدرامية في تاريخ التلفزيون اللبناني

كما شارك في العديد من المسلسلات اللبنانية والعربية، مثل "ديالا" و"أوراق الزمن المر"، ما عزز مكانته كأحد أعمدة الدراما اللبنانية.

النجم اللبناني الراحل أنطوان كرباج في مسرحية "عودة العنقاء" ضمن فعاليات مهرجان جبيل الدولي في 2008 (رويترز) أدوار عالمية وتأثير ثقافي

امتدت موهبة كرباج إلى الأعمال المستوحاة من الأدب العالمي، حيث تألق في أدوار مسرحية مثل:

ماكبث في "ماكبث" لشكسبير أوديب في "أوديب ملكا" الملك فيليب في "الملك يموت" ليونيسكو وتميز بأدائه العميق والمتقن لهذه الأدوار، مما جعله ممثلا عالميا بتقدير النقاد والجمهور. تكريم ووداع

ونعت نقابة ممثلي المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون في لبنان الراحل، قائلة في بيانها، "غادرنا عظيم من بلادنا. بدأ حياته ملكا وبقي كذلك طيلة مسيرته الفنية. قامة مسرحية ودرامية أغنت المكتبة الإبداعية بالعديد من الأعمال العظيمة".

ذاكرة التلفزيون والمسرح مش ممكن تنسى شخصية تاريخية وقيمة فنية متل أنطوان كرباج. بربر آغا وفاتك المتسلط والملك زيدون وميات الأدوار اللي صارت من تراث لبنان الفكري. الله يرحمو وأحر التعازي لعيلتو ومحبينو pic.twitter.com/5OcKkHn9XD

— Elissa (@elissakh) March 17, 2025

تسدل الستارة اليوم عن حقبة ذهبية من تاريخ المسرح والتلفزيون اللبناني …#انطوان_كرباج "والي" المسرح الرحباني يرحل تاركا #لبنان و مدينة الشمس وأدراجها في حزن عميق وهو الذي لقب بعاشق بعلبك pic.twitter.com/F7uU6bGnOk

— Samy Gemayel (@samygemayel) March 16, 2025

خسرنا فنان كبير من بلدنا.. #أنطوان_كرباج
إيام ما بتتكرر جمعتنا، وتركت بقلبي ذكريات كتير بمسرحية زنوبيا للكبير منصور الرحباني!
عملاق بالفن، وحضوره كان المعنى الحقيقي لكلمة كاريزما، الأدوار اللي قدمها بمسيرته طبعت بذاكرتي وكانت مصدر إلهام بطفولتي وخلّت شغفي للمسرح يزيد.. كان ملهم… pic.twitter.com/Jgw8QyXeY8

— Carole Samaha (@CAROLE_SAMAHA) March 17, 2025

مسيرة كبيرة ختمها الممثل القدير #أنطوان_كرباج اليوم. غياب الجسد ما بيمحي أعمال حلوة طبعت ذاكرتنا ورح تضل معنا.
الله يرحمه ويصبر عيلته????????

— Nancy Ajram (@NancyAjram) March 16, 2025

وداعا الكبير العظيم #انطوان_كرباج ????
الكلام ما بيوصف حجم الإبداع والبصمة يلي تركها بالدراما والمسرح اللبناني، بس أكيد إسمه رح يبقى محفور بتاريخ الفن. تعازيّي لعيلته وللوسط الفني، نفسه بالسما ???????? pic.twitter.com/9mD0Ws7wvL

— Carmen Lebbos – كارمن لبس (@C_lebbos) March 16, 2025

التاريخ.. ما بيموت.. #نزارفرنسيس١ #ش_م #وداعاً_أنطوان_كرباج pic.twitter.com/J2YHTh5xV3

— Nizar Francis (@NizarFrancis1) March 16, 2025

الدراما خسرت عملاق اليوم. ممثل قدير لعب أدوار ما حدا منا بيقدر ينساها. بعزّي عيلته والراحة لنفسه. #انطوان_كرباج

— Daniella Rahme (@DaniellaRahme) March 16, 2025

إعلان

وبعد مسيرة امتدت لأكثر من 6 عقود، غاب أنطوان كرباج عن الأضواء في سنواته الأخيرة بسبب تدهور وضعه الصحي، لكنه بقي حاضرا في ذاكرة المسرح والتلفزيون اللبناني كأحد رواده وأبرز وجوهه، لتظل أعماله شاهدة على عظمة فنه وإرثه الثقافي الذي لا ينسى.

مقالات مشابهة

  • تياترو الحكايات| عبد الرحيم الزرقاني.. من بنك التسليف إلى خشبة المسرح
  • أزمة الدراما العُمانية ودور المسرح
  • الدكتور حسام بدراوي يكتب: فلسطين والفرص الضائعة
  • مهرجان الفضاءات المسرحية يكرّم أشرف زكي في دورته الأولى
  • ماذا وراء مسرحية إقتحام حامية جرانيت بجنوب السودان ؟..
  • نهيان بن مبارك يشيد بالقيم الإنسانية في ختام المسرحية العالمية "راجاديراج"
  • حسام موافي: غياب الرحمة بين الناس يؤدي إلى تفكك المجتمع والكراهية
  • بعد صراع مع ألزهايمر.. لبنان يودّع أنطوان كرباج عن 90 عاما
  • سبب غياب لاعبي الأهلي عن مران منتخب مصر.. الأجندة الدولية كلمة السر
  • غياب لاعبو الأهلي عن أول مران لمنتخب مصر