قالها مرة وزير التربية والتعليم السابق الدكتور صبري صيدم أثناء إعلان نتائج مسابقة مدرسية: "من لا يحب المسرح لا يمكن أن يحب فلسطين". ظلت هذه الجملة العميقة ترن في رأسي كلما تأملت غياب دور المسرح في فلسطين. بلا شك لدينا مسرحيون أكفاء، لديهم خبرات عالمية وفازوا بجوائز عربية، لكن للأسف الشديد ليس هناك فرق مسرحية منظمة مستقرة، تصنع الأساس لنهضة مسرحية.
غير مقتنع أنا بقصة أن الاحتلال بتنغيصه حياة الناس يعرقل وجود مسرح، بالطبع للاحتلال دور كبير في عرقلة حياتنا، لكنه لن يستطيع منع تكوين فرقة مسرحية تجوب البلاد كلها، شارحة هموم البلاد وهموم الإنسان الفلسطيني، حتى وإن منع بعضها واعتقل طاقمها. معظم التجارب المسرحية القوية في بلادنا موجودة في فلسطين الداخل 48، وهي تجارب عالمية بممثلين وكتاب مسرح وإمكانات في توفير ما يحتاجه المسرح من أسس مادية لينهض.
في الضفة الغربية مسرحنا ضعيف للغاية، وحين أقول ضعيف لا أقصد غياب الإمكانيات، بل غياب التأثير وصنع الفرق. أتابع بعض المسرحيات التي تنفذها بعض المؤسسات المسرحية فلا أجد ما يهز أو يصدم أو يخلخل ما بداخلنا، وهذه هي وظيفة المسرح، أن يكسر فينا جبل الجليد، ويكشف عوراتنا ويميط اللثام عن ملامح وجوهنا بلغة مختلفة وأساليب وتكنيكات جمالية مبدعة.
هناك ظاهرة مؤسفة في التجارب المسرحية الفلسطينية عموما، ليس هناك كتاب مسرحيون فلسطينيون يكتبون واقعنا وهواجسنا. معظم مسرحياتنا تعتمد على نصوص أجنبية يتم تعريبها وإسقاط أفكارها على واقع بلادنا، وهناك شبه إجماع على أن هذا هو أهم أسباب ضعف تأثير المسرح الفلسطيني. في القدس لدينا استثناءات واضحة، هناك تجربتان مسرحيتان مرموقتان، هما تجربة الفنانين حسام أبو عيشة وأحمد أبو سلعوم. حسام وأحمد فنانان مسرحيان مقدسيان، يكتبان نصوصهما القادمة من هم المواطن المقدسي والفلسطيني. آخر تجارب حسام والتي لا تزال تعرض حتى الآن في فلسطين والعالم العربي هي مسرحية "عرق النعنع" (مونودراما) تحكي عن ذكريات حسام مع رفاقه المعتقلين معه في السجن نفسه. نص المسرحية مكتوب بصدق شديد وبفكاهة عالية ممزوجة بمأساة مقيمة، تفاصيل الحياة الإنسانية والصراع الدائم مع إدارة السجن ومع فكرة السجن نفسه والإصرار على البقاء على قيد الحب والفخر والكرامة هو جوهر هذه المسرحية. كتب حسام هذه المسرحية الواقعية حد الجنون، متقمصا بموهبته الأدائية المذهلة شخصيات العشرات من رفاقه الذين شاركوه الفرشة النحيلة والليل الطويل.
فرحة المعتقلين كانت كبيرة وهم يراقبون عرق نعنع زرعوه في ساحة السجن، كان العرق ينمو كل يوم، وسكان هذا الجحيم يهللون لنموه وينمون معه. لكن عنجهية السجان تدخلت، وقصفت هذا النمو وهذه الفرحة، فقد جاء أحد السجانين وقال جملته المرعبة: "حتى عرق النعنع نظمتوه؟". ثم داس عليه وهشّمه.
تجربة حسام أبو عيشة من التجارب الفردية النادرة البعيدة عن الفرق والمؤسسات، التي تعطي بعض الأمل، وهناك تجارب فردية مهمة مثل تجربة الفنان المبدع كامل الباشا، وفنان قدير آخر ويعد أحد أهم مؤسسي مسرحنا هو الفنان الكبير عادل ترتير. لدينا أيضا فرقة الفن الشعبي برام الله بقيادة فنان شهير هو فتحي عبدالرحمن، قدمت هذه الفرقة العديد من المسرحيات المهمة على مدى عقود.
رغم وجود هذه الحالات المسرحية المضيئة لن نستطيع أن نتحدث عن نهضة مسرحية فلسطينية متينة متواصلة. ومع غياب وجود رابطة للمسرحيين، تتضاعف مأساة ضعف المسرح الفلسطيني وتشتت إنجازاته.
بقي أن نقول: إن الاحتلال يخاف من المسرح الفلسطيني، نعم يخاف، بالمعنى الحرفي. والكل يتذكر مداهمة السلطات الاحتلالية للعديد من المسرحيات ووقفها واعتقال مخرجها وممثليها. لكن هذا الاحتلال لن يستطيع منع تنظيم رابطة للمسرحيين، وعرض المسرحيات.
ثم ما فائدة المسرح إذن وما معناه إن لم يكن مزعجا للاحتلال؟
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی فلسطین
إقرأ أيضاً:
اليوم..ذكرى ميلاد المسرحي المصري يسري الجندي
في مثل هذا اليوم 5 فبراير (شباط) 1942 ولد الكاتب والمسرحي المصري السيناريست، يسري علي الجندي في محافظة دمياط، الذي يعتبر من أشهر كتاب المسرح المصري والعربي.
بدأ تواجد الجندي في الساحة المسرحية ابتداء من أواخر الستينيات، ثم حصل على بكالوريوس الإعلام من جامعة القاهرة عام 1977، ونجحت أعماله في تسليط الضوء على العديد من القضايا الإجتماعية المهمة، بأسلوب جميل استند فيه على التراث.كما قدم العديد من الأعمال الدرامية المميزة خاصة في مجال السيرة الشعبية، وقد تم تمثيل مسرحياته في عدة دول عربية، ومهرجانات دولية، وقدمت له اتحادات الفنانين العرب أول افتتاح مسرحي بمسرحية "واقدساه" وشارك فيها عدد كبير من الفنانين العرب، وتم تقديمها في القاهرة وعمان وبغداد، وبابل.
لعب دورا بارزا في خدمة الحركة المسرحية في وطنه، مصر فقد عمل بوزارة الثقافة منذ عام 1970، ثم عمل مديراً لمسرح السامر بالقاهرة عام 1974، ومديراً للفرقة المركزية للثقافة الجماهيرية عام 1976، وكان مستشاراً ثقافياً لرئيس جهاز الثقافة الجماهيرية عام 1982 ثم مديراً عاماً للمسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة حتى عام 1996 ثم مستشاراً لرئيس الهيئة للشئون الفنية والثقافية حتى أحيل للمعاش في 5 فبراير 2002م، كان عضو لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة لعدة سنوات، وعضو لجنة الدراما العليا باتحاد الإذاعة والتليفزيون.
وذكرت يسري الجندي، الموسوعة القومية للشخصيات المصرية البارزة، التي أصدرتها الهيئة العامة
للاستعلامات بوزارة الإعلام المصرية، حيث يعود له الفضل في المساهمة بدعم وتطوير مسرح الثقافة الجماهيرية، وتم تكريمه من عدة جهات فحصل على جائزة الدولة التشجيعية في المسرح عام 1981، ووسام العلوم والفنون، من الطبقة الأولي، ثم جائزة الدولة للتفوق عام 2005.
واشتهرت أعماله وحققت انتشارا واسعا على الصعيد العربي، ومن أشهرها: عنترة – ما حدث لليهودي التائه عن المسيح المنتظر – الهلالية – رابعة العدوية – المحاكمة – علي الزيبق – واقدساه – الساحرة وصدر الجزئين الأول والثاني من مجموعة الأعمال الكاملة بهيئة الكتاب لمسرحياته "18 مسرحية" كما صدر له مسرحية "الإسكافي ملكاً" عام 2002.
وتم نشرت عدة دراسات له ومقالات في المجلات الثقافية المصرية والعربية، وكذلك عدد من فصول كتابه "ملاحظات نحو تراجيديا معاصرة"، وشارك في عدد من مهرجانات المسرح كان أبرزها ملتقى القاهرة للمسرح العربي عام 1994 وله العديد من الأعمال السينمائية، والتي ظهر فيها جليا اهتمامه بالتراث، الذي يعتبر سمه وملمحا لمعظم أعماله.
وتعرف الجمهور العربي عن قرب على أعماله عبر مشاركتها في عدة مهرجانات مثل
مهرجان قرطاج، ومهرجان بغداد وغيرها.
وتنوعت أعماله التي قدمها للدراما التليفزيونية بعضها من التاريخ والتراث الشعبي وأخرى ذات طابع فانتازي وأعمالاً معاصرة منها :
عبد الله النديم – نهاية العالم ليست غداً – أهلاً جدي العزيز – علي الزيبق – مملوك في الحارة – المدينة والحصار – علي بابا – قهوة المواردي – السيرة الهلالية ثلاثة أجزاء – جمهورية زفتى – التوأم – سامحوني ماكانش قصدي – جحا المصري – الطارق – من أطلق الرصاص على هند علام .
وفي عام 2022 رحل يسري الجندي عن عمر ناهز 80 عاما، تاركا إرثا غنيا يمثل تاريخا مهما في الإبداع المسرحي، وفي الدراما التلفزيونية.