لجريدة عمان:
2024-11-08@16:39:20 GMT

البحث عن المعنى

تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT

في بداية أحداث السابع من أكتوبر من العام المنصرم، كان الهم الكبير لأكثرنا التوعية بالقضية وتسمية الأشياء بمسمياتها، خصوصًا للمواطنين الغربيين الذين ظلوا مغيبين عن الواقع والحقيقة لعقود طويلة، عقود تمت فيها شيطنة العرب والمسلمين والفلسطينيين على وجه الخصوص، وآتت تلك الجهود ثمارها، فانتفض الطلبة والشباب وبعض من الكبار في مواجهة الأكذوبة التي تم ترسيخها لعقود طويلة.

فانصاعت بعض الجامعات والمؤسسات لمطالب الطلبة والأكاديميين الداعمين للقضية الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني، وقابلتهم الأخرى بالإبعاد والعقوبات كالحرمان من حضور حفل التخرج والحرمان من التوظيف في بعض المؤسسات. كما آتت المقاومة أكلها في اعتراف بعض الدول الأوروبية مؤخرا هي أسبانيا والنرويج وإيرلندا بفلسطين، وقد يبدو من السخرية أن نلتفت إلى اعتراف هذه الدول بفلسطين وكأنها غير موجودة قبل هذا الاعتراف، بل من السخرية أن يتم الاعتراف بشيء يسمى «دولة الاحتلال» فكيف يكون للاحتلال دولة لها مؤسساتها وسفراؤها من الأساس؟ ولكن قيمة الاعتراف تكمن في الجانب الآخر غير العربي أو الإسلامي من العالم. قد يستغرب آخرون من اعتراف هذه الدول بفلسطين! وهذا ناشئ عن التعتيم والتضليل الممنهج لسنوات.

لو وضعنا كل شيء في كفّة، ومحرقة الأسبوع الحالي في كفة أخرى لوجدنا بأننا وبعد ثمانية أشهر من الإبادة الصهيونية على غزة، نقف أمام مفترق مخيف من الحياة، أمام معضلة إنسانية وأخلاقية لم تعد نظرية بعد الآن، بل هي شاخصة أمام أعيننا؛ أب يمسك جسد ابنه أو ابنته مقطوعة رؤوسهم وأبدانهم محروقة، فإن هذا يتجاوز كل ما يمكن تخيله من وحشية المحتل، ولكن هل هذه الوحشية متعمدة ومقصودة؟ أم أنها وليدة الصدفة وأخطاء فردية يقوم بها أفراد القوات المسلحة للمحتل؟

يجيب «جون ميرشايمر» أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاجو ومؤلف عدة كتب أهمها «أمريكا المختطفة..اللوبي الإسرائيلي وسياسات الولايات المتحدة الخارجية» الذي نقله فاضل جتكر إلى العربية، وكتاب «لماذا يكذب القادة؟» وكتب كثيرة أخرى. يبتدئ البروفيسور في محاضرة نظمها «مركز الدراسات المستقلة» في أستراليا بسؤال الحضور «ما هي بالضبط أهداف إسرائيل من هذا الهجوم؟» ثم يبدأ بتفنيد وتشريح خطابات قادة الاحتلال وأهدافهم المعلنة حسب الترتيب، هزيمة حماس أولا، ثم استعادة الرهائن ثانيا؛ ولكنه يفاجئ الحضور الأسترالي -المضلل كبقية الغرب بحقيقة إسرائيل- بقوله: إن «الهدف الحقيقي هو تطهير غزة عرقيا» معللا ذلك بمعضلتين تواجهان الوجود الصهيوني بشكله الاستيطاني الحالي، وهما «الفصل العنصري» أو الأبارتايد apartheid، والمقاومة المتمثلة في صورتها الأبرز في حماس. شارحا قولته: إن «الطريقة الوحيدة للخروج من هذا الوضع -نظام الفصل العنصري- هي التطهير العرقي» وهي الطريقة الوحيدة كذلك لهزيمة حماس؛ لأن حركة المقاومة الإسلامية حماس معتمدة اعتمادا كليا في وجودها على الحاضنة الشعبية؛ فالتطهير العرقي يحل معضلتين للوجود الصهيوني، معضلة الفصل العنصري ومعضلة وجود المقاومة «حماس» رأسا. ثم يستطرد في ذكر الأمثلة من تاريخ إنشاء كيان الاحتلال -الذي سنشير إليه بـ«إسرائيل» في بقية المقالة- في التطهير العرقي الممنهج الذي اعتمده الإسرائيليون كسياسة دائمة في التعامل مع الشعب الأصلي لفلسطين منذ منتصف القرن المنصرم.

لكن السؤال الأبرز الذي يتبادر إلى الذهن، كيف يمكن إخلاء غزة من سكانها؟. وهو ما يشرحه البروفيسور بطريقتين؛ الأولى «أن تقتل أعدادا كبيرة من الناس»، والثانية بأن «تجعل المكان غير صالح للعيش». فبقتل الناس عشوائيا وعبر المجازر، فإنك تدفعهم إلى مغادرة المكان الذي هم فيه -غزة-، والذي سيبدو فيما بعد كما لو أنهم غادروا طوع أمرهم -أو هذا ما ستبديه السردية الإسرائيلية- فحتى لو انتهت حرب الإبادة الجماعية الحالية، فكيف سيتم إعمار قطاع غزة المدمر؟ إن الجدال بضرورة تمسك الفلسطيني بالبقاء في أرضه -خصوصا أهل غزة في هذه المرحلة- يشبه جدال مجموعة من أصحاب الملايين في طاولة عشاء تضم مائة صنف، عن حقيقة الجوع الذي يشعر به أهالي السودان وهم يهيمون في الصحراء جراء الصراع الدائر هناك. فكما هو الشطر السائر في الآفاق «لا تُحرِقُ النَّارُ إلا رجلَ واطيها»، لن يشعر أحد بما يقدمه أهل غزة وما يقاسونه إلا من عاش معهم، يحيا حياتهم ويموت مماتهم. فهم بشر يتطلعون إلى الحياة، لهم آمالهم وأحلامهم وأمانيهم؛ ولكن صبرهم العظيم مما يدهش المرء ويتعجب له، فهو صبر المؤمن بحقه والمنافح عن مقدساته وعرضه.

بعد عام واحد من نهاية الحرب العالمية الثانية، كتب الدكتور فيكتور فرانكل كتابه الشهير «الإنسان والبحث عن المعنى» والذي يسرد فيه تجربته الذاتية وما قاساه حين كان معتقلا في سجون النازية، ويصف فيه أسلوب العلاج النفسي الذاتي الذي اتبعه في تلك الفترة المظلمة والقاتمة، ووضعه هدفا لحياته -وهو معتقل في سجون النازية أثناء هذا كله- فهل تعود الحاجة إلى فرانكل جديد بعد الحرب؟ وما التعزية التي سيقدمها العالم إلى إنسان فقد أهله وعائلته بلا ذنب ولا جرم، بل كيف سيثق الإنسان بإنسانية الدول العظمى التي ساندت ودعمت الاحتلال في إبادته الوحشية والصارخة على مرأى من الجميع! إن التيه والحسرة واليأس الذي يحل على العالم، والتي ستتكشف مآلاته القاسية والوحشية والأخرى المَرَضية النفسية بعدما تتوقف الإبادة؛ لن تكون مقتصرة على فلسطين أو الشرق الأوسط وحده، بل ستطال العالم أجمع، وما دامت اللاعقلانية والوحشية ومنطق القوة هي السائدة اليوم؛ فإن الضحية الفعلية والضحية المحتملة ستواجه الشر المطلق بشر مطلق أيضا، وهو ما ينبغي مجابهته وإيقافه قبل أن تكبر كرة الثلج وتجرف كل شيء أمامها وتغدو عصية على السيطرة، وهو ما يتحقق بوقف المجزرة الآن وفورا، كل دولة ومؤسسة وفرد حسب الطاقة والإمكانات.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

نعيم قاسم: الميدان هو الذي سيوقف العدوان وصواريخنا ستصل لكل إسرائيل

قال الأمين العام لحزب الله اللبناني نعيم قاسم "إن الخيار الحصري لحزب الله هو منع الاحتلال الإسرائيلي من تحقيق أهدافه"، وشدد على أن وقف الحرب العدوانية يتوقف على الميدان، وأن صواريخ وطائرات المقاومة ستصل إلى كل مكان في إسرائيل.

وأثار قاسم في كلمته نقاطا عديدة تتعلق بالمقاومة اللبنانية وبمسارها في مواجهة العدوان الإسرائيلي على لبنان، والذي قال إنه يهدف إلى القضاء على حزب الله.

وأوضح أن المقاومة اللبنانية لديها 3 عوامل قوة أساسية، وهي أن المقاومين والحزب يحملون "عقيدة إسلامية راسخة" تجعلهم يقفون مع الحق والثبات والعزة، وثانيا أن المقاومين "أعاروا جماجمهم لله"، وثالثا أن حزب الله هيأ نفسه وإمكانياته وقدراته للمواجهة مع الاحتلال.

وفي المقابل، فإن إسرائيل لديها أيضا 3 عوامل قوة، تتعلق بالإبادة وقتل المدنيين والظلم والاحتلال، ولديها قدرة جوية استثنائية وشبكة اتصالات، يضاف إليها دعم غير منته من "الشيطان الأكبر"، في إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية.

وقال الأمين العام لحزب الله إن إسرائيل تشن حربا عدوانية على لبنان، تهدف إلى إنهاء وجود الحزب واحتلال لبنان ولو عن بعد وجعله شبيها بالضفة الغربية، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لديه مشروع كبير يتخطى قطاع غزة ولبنان.

وأعرب المسؤول الأول في حزب الله عن قناعته بأن وقف العدوان الإسرائيلي يتعلق بالميدان، وليس بالحراك السياسي والاستجداء لوقف هذا العدوان، كما قال.

وفي السياق ذاته، أكد على مسألة المقاومة في الحدود والجبهة الداخلية الإسرائيلية، وقال "ستصرخ إسرائيل من الطائرات والصواريخ ولا يوجد مكان في إسرائيل ممنوع من الطائرات والصواريخ". و" الأيام الماضية كانت نموذجا".

كما كشف أن حزب الله لديه عشرات الآلاف من المقاتلين المدربين الذين يستطيعون المواجهة والثبات، بالإضافة إلى إمكانيات متوفرة في المخازن وفي أماكن التموضع.

وبينما شدد على أن المقاومة ستجعل الاحتلال يسعى للمطالبة بوقف العدوان، أوضح قاسم أن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري "يحمل راية المقاومة السياسية"، وعندما يقرر الاحتلال وقف العدوان هناك طريق للمفاوضات عبر الدولة اللبنانية.

كما تطرق قاسم عن حادث اختطاف قوة كوماندوز بحرية إسرائيلية في وقت سابق أحد المواطنين في شمال البلاد، مطالبا الجيش اللبناني بإصدار توضيح لما حصل، وكيف حصل الخرق، وما دور قوة الأمم المتحدة في لبنان (يونيفيل) وخاصة الألمان.

ويذكر أن قاسم ألقى كلمته في ذكرى "الأربعين" لاغتيال الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله، الذي استهدفته غارة إسرائيلية في ضاحية بيروت الجنوبية في 27 سبتمبر/أيلول الماضي.

 

مقالات مشابهة

  • تلبية لدعوة حماس.. حراك شعبي لدعم فلسطين في هذه الدول (شاهد)
  • الدجاجة أم البيضة؟.. علماء يحسمون الجدل الذي حير العالم لعقود
  • حماس تدعو لاستمرار الحراك العالمي حتى وقف العدوان على غزة
  • حماس: ندعوا العالم بمغادرة مربع الصمت والتحرّك العاجل لمنع المجازر
  • ما بعد “قازان”: ما الذي يحتاجه “بريكس” ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟
  • نعيم قاسم: الميدان هو الذي سيوقف العدوان وصواريخنا ستصل لكل إسرائيل
  • «العناني» يستعرض باليونسكو العصر الذهبي للعلوم في العالم العربي والتحديات الراهنة أمام البحث العلمي
  • “الإصلاح اليمني”: التكتل الوطني مفتاح رئيسي للحل الذي طال البحث عنه
  • فراغ الكون هو الذي يعطي حياتنا المعنى
  • ربيع السنوار