لجريدة عمان:
2025-01-03@06:30:42 GMT

البحث عن المعنى

تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT

في بداية أحداث السابع من أكتوبر من العام المنصرم، كان الهم الكبير لأكثرنا التوعية بالقضية وتسمية الأشياء بمسمياتها، خصوصًا للمواطنين الغربيين الذين ظلوا مغيبين عن الواقع والحقيقة لعقود طويلة، عقود تمت فيها شيطنة العرب والمسلمين والفلسطينيين على وجه الخصوص، وآتت تلك الجهود ثمارها، فانتفض الطلبة والشباب وبعض من الكبار في مواجهة الأكذوبة التي تم ترسيخها لعقود طويلة.

فانصاعت بعض الجامعات والمؤسسات لمطالب الطلبة والأكاديميين الداعمين للقضية الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني، وقابلتهم الأخرى بالإبعاد والعقوبات كالحرمان من حضور حفل التخرج والحرمان من التوظيف في بعض المؤسسات. كما آتت المقاومة أكلها في اعتراف بعض الدول الأوروبية مؤخرا هي أسبانيا والنرويج وإيرلندا بفلسطين، وقد يبدو من السخرية أن نلتفت إلى اعتراف هذه الدول بفلسطين وكأنها غير موجودة قبل هذا الاعتراف، بل من السخرية أن يتم الاعتراف بشيء يسمى «دولة الاحتلال» فكيف يكون للاحتلال دولة لها مؤسساتها وسفراؤها من الأساس؟ ولكن قيمة الاعتراف تكمن في الجانب الآخر غير العربي أو الإسلامي من العالم. قد يستغرب آخرون من اعتراف هذه الدول بفلسطين! وهذا ناشئ عن التعتيم والتضليل الممنهج لسنوات.

لو وضعنا كل شيء في كفّة، ومحرقة الأسبوع الحالي في كفة أخرى لوجدنا بأننا وبعد ثمانية أشهر من الإبادة الصهيونية على غزة، نقف أمام مفترق مخيف من الحياة، أمام معضلة إنسانية وأخلاقية لم تعد نظرية بعد الآن، بل هي شاخصة أمام أعيننا؛ أب يمسك جسد ابنه أو ابنته مقطوعة رؤوسهم وأبدانهم محروقة، فإن هذا يتجاوز كل ما يمكن تخيله من وحشية المحتل، ولكن هل هذه الوحشية متعمدة ومقصودة؟ أم أنها وليدة الصدفة وأخطاء فردية يقوم بها أفراد القوات المسلحة للمحتل؟

يجيب «جون ميرشايمر» أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاجو ومؤلف عدة كتب أهمها «أمريكا المختطفة..اللوبي الإسرائيلي وسياسات الولايات المتحدة الخارجية» الذي نقله فاضل جتكر إلى العربية، وكتاب «لماذا يكذب القادة؟» وكتب كثيرة أخرى. يبتدئ البروفيسور في محاضرة نظمها «مركز الدراسات المستقلة» في أستراليا بسؤال الحضور «ما هي بالضبط أهداف إسرائيل من هذا الهجوم؟» ثم يبدأ بتفنيد وتشريح خطابات قادة الاحتلال وأهدافهم المعلنة حسب الترتيب، هزيمة حماس أولا، ثم استعادة الرهائن ثانيا؛ ولكنه يفاجئ الحضور الأسترالي -المضلل كبقية الغرب بحقيقة إسرائيل- بقوله: إن «الهدف الحقيقي هو تطهير غزة عرقيا» معللا ذلك بمعضلتين تواجهان الوجود الصهيوني بشكله الاستيطاني الحالي، وهما «الفصل العنصري» أو الأبارتايد apartheid، والمقاومة المتمثلة في صورتها الأبرز في حماس. شارحا قولته: إن «الطريقة الوحيدة للخروج من هذا الوضع -نظام الفصل العنصري- هي التطهير العرقي» وهي الطريقة الوحيدة كذلك لهزيمة حماس؛ لأن حركة المقاومة الإسلامية حماس معتمدة اعتمادا كليا في وجودها على الحاضنة الشعبية؛ فالتطهير العرقي يحل معضلتين للوجود الصهيوني، معضلة الفصل العنصري ومعضلة وجود المقاومة «حماس» رأسا. ثم يستطرد في ذكر الأمثلة من تاريخ إنشاء كيان الاحتلال -الذي سنشير إليه بـ«إسرائيل» في بقية المقالة- في التطهير العرقي الممنهج الذي اعتمده الإسرائيليون كسياسة دائمة في التعامل مع الشعب الأصلي لفلسطين منذ منتصف القرن المنصرم.

لكن السؤال الأبرز الذي يتبادر إلى الذهن، كيف يمكن إخلاء غزة من سكانها؟. وهو ما يشرحه البروفيسور بطريقتين؛ الأولى «أن تقتل أعدادا كبيرة من الناس»، والثانية بأن «تجعل المكان غير صالح للعيش». فبقتل الناس عشوائيا وعبر المجازر، فإنك تدفعهم إلى مغادرة المكان الذي هم فيه -غزة-، والذي سيبدو فيما بعد كما لو أنهم غادروا طوع أمرهم -أو هذا ما ستبديه السردية الإسرائيلية- فحتى لو انتهت حرب الإبادة الجماعية الحالية، فكيف سيتم إعمار قطاع غزة المدمر؟ إن الجدال بضرورة تمسك الفلسطيني بالبقاء في أرضه -خصوصا أهل غزة في هذه المرحلة- يشبه جدال مجموعة من أصحاب الملايين في طاولة عشاء تضم مائة صنف، عن حقيقة الجوع الذي يشعر به أهالي السودان وهم يهيمون في الصحراء جراء الصراع الدائر هناك. فكما هو الشطر السائر في الآفاق «لا تُحرِقُ النَّارُ إلا رجلَ واطيها»، لن يشعر أحد بما يقدمه أهل غزة وما يقاسونه إلا من عاش معهم، يحيا حياتهم ويموت مماتهم. فهم بشر يتطلعون إلى الحياة، لهم آمالهم وأحلامهم وأمانيهم؛ ولكن صبرهم العظيم مما يدهش المرء ويتعجب له، فهو صبر المؤمن بحقه والمنافح عن مقدساته وعرضه.

بعد عام واحد من نهاية الحرب العالمية الثانية، كتب الدكتور فيكتور فرانكل كتابه الشهير «الإنسان والبحث عن المعنى» والذي يسرد فيه تجربته الذاتية وما قاساه حين كان معتقلا في سجون النازية، ويصف فيه أسلوب العلاج النفسي الذاتي الذي اتبعه في تلك الفترة المظلمة والقاتمة، ووضعه هدفا لحياته -وهو معتقل في سجون النازية أثناء هذا كله- فهل تعود الحاجة إلى فرانكل جديد بعد الحرب؟ وما التعزية التي سيقدمها العالم إلى إنسان فقد أهله وعائلته بلا ذنب ولا جرم، بل كيف سيثق الإنسان بإنسانية الدول العظمى التي ساندت ودعمت الاحتلال في إبادته الوحشية والصارخة على مرأى من الجميع! إن التيه والحسرة واليأس الذي يحل على العالم، والتي ستتكشف مآلاته القاسية والوحشية والأخرى المَرَضية النفسية بعدما تتوقف الإبادة؛ لن تكون مقتصرة على فلسطين أو الشرق الأوسط وحده، بل ستطال العالم أجمع، وما دامت اللاعقلانية والوحشية ومنطق القوة هي السائدة اليوم؛ فإن الضحية الفعلية والضحية المحتملة ستواجه الشر المطلق بشر مطلق أيضا، وهو ما ينبغي مجابهته وإيقافه قبل أن تكبر كرة الثلج وتجرف كل شيء أمامها وتغدو عصية على السيطرة، وهو ما يتحقق بوقف المجزرة الآن وفورا، كل دولة ومؤسسة وفرد حسب الطاقة والإمكانات.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

محللون: لهذه الأسباب فشلت إسرائيل في القضاء على قدرات حماس

فاجأ تقرير نشرته صحيفة إسرائيلية مؤيدي الحرب في إسرائيل، بإعلانه على ألسنة مسؤولين غربيين، فشل تل أبيب في تحقيق واحد من أهم أهداف حربها على قطاع غزة، وهو القضاء على قدرات حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

وأفاد التقرير الذي نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية بأن حماس استعادت جزءا من قدراتها على السيطرة بصورة وصفها المسؤولون بأنها مفاجئة، وأنها نجحت في القضاء على ما سماها جهات إجرامية كانت تسرق القوافل الإنسانية في قطاع غزة.

وفي تعليقهم على ما أورده تقرير الصحيفة الإسرائيلية، رأى محللون سياسيون وعسكريون -تحدثوا ضمن الفقرة التحليلية "مسار الأحداث"- أن هناك العديد من الأسباب التي جعلت الاحتلال الإسرائيلي يفشل في تحقيق الأهداف التي وضعها، وأبرزها تقويض قدرات حركة حماس.

وقال الكاتب والمحلل السياسي أحمد الحيلة إن الاحتلال لم يفهم أن حماس ليست حركة مقاومة فقط، بل هي جزء من المجتمع الفلسطيني، ولها بنية مدنية وتنظيمية، وهي من تدافع وتقاوم -إلى جانب بقية فصائل المقاومة- على الأرض ثأرا للفلسطينيين الذين يتعرضون لحرب وحشية.

ويتمسك أهل غزة بحماس وبالمقاومة، لأن الاحتلال الإسرائيلي عندما شن حربه على غزة- يضيف الحيلة- لم يكتف بمواجهة حماس، بل استهدف الأطفال والنساء والشيوخ، في محاولة لإلغاء وجود الإنسان الفلسطيني.

إعلان

ووفق الأكاديمي والخبير بالشؤون الإسرائيلية، الدكتور مهند مصطفى، فقد جربت إسرائيل كل الأساليب من أجل القضاء على قدرات حماس، لكنها فشلت في ذلك، مشيرا إلى أن ما يتعب ويؤرق الاحتلال هو أن حماس ما زالت قادرة على إعادة بناء قدراتها في المناطق التي ينسحب منها جيش الاحتلال.

وقال في السياق نفسه إن ما يسمى بـ "خطة الجنرالات" وضعت من أجل تقويض قدرات حماس، لكنها فشلت في هذه المهمة.

يذكر أن تقرير الصحيفة الإسرائيلية ذكر نقلا عن دبلوماسيين غربيين، أن قدرة حماس على فرض النظام في مناطق مختلفة من قطاع غزة، "مثّلت مسألة عصية على الفهم"، وأشار إلى أن ذلك تحقق بشكل أساسي في مناطق بوسط القطاع مثل المواصي والنصيرات ودير البلح.

رهان خاسر

كما راهن الاحتلال -يضيف مصطفى- على إحداث القطيعة بين الغزيين وحماس، وعلى إيجاد البديل لحكم غزة، لكنه فشل في ذلك أيضا، فلا أهل غزة تمردوا على حماس، ولا بعض العشائر والأهالي قبلوا بالعرض الإسرائيلي.

وأشار أيضا إلى أن إسرائيل لا تريد "لجنة الإسناد المجتمعي" لإدارة قطاع غزة، التي ترعاها مصر، كما لا تريد عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، رغم أن الأخيرة تقوم بالتنسيق مع الاحتلال.

وأرجع الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد الركن حاتم الفلاحي فشل الاحتلال الإسرائيلي في القضاء على قدرات حماس إلى الأسلوب الذي تعتمده الحركة في المقاومة، ومنها توظيف الجغرافيا والأنفاق وحرب العصابات، وإلى التخطيط الذي اعتمد على مواجهة طويلة الأمد.

كما أن القرار السياسي الإسرائيلي باستمرار الحرب على قطاع غزة أدى إلى استنزاف الجيش الإسرائيلي وتآكل قدراته، وهو ما حذر منه عسكريون إسرائيليون سابقون، كما قال العقيد الفلاحي.

مقالات مشابهة

  • من المغرب إلى العراق.. أزمة شح المياه تتفاقم في العالم العربي
  • تعرف على الدول التي تمتلك أقوى الطائرات بدون طيار في العالم: هذا ترتيب تركيا
  • بعد فوز السعودية باستضافة كأس العالم 2034.. انفوغرافيك يرصد الدول المحتضنة للبطولة منذ 1930
  • تعرف على النائب الذي سيخلف غالانت في الكنيست.. درزي محب لنتنياهو
  • تعرف إلى النائب الذي سيخلف غالانت في الكنيست.. درزي محب لنتنياهو
  • المنجم الذي تنبأ بانفجار مرفأ بيروت يعود مجدداّ ليتوقع : حماس ستوفق برأس إسرائيل ” ضخم ” وهذا ماسيحدث لليمن ولكل الدول العربية
  • محللون: لهذه الأسباب فشلت إسرائيل في القضاء على قدرات حماس
  • أولها أميركا .. الدول الأعلى ديناً في العالم
  • هذه أول و آخر الدول العربية المحتفلة بدخول السنة الجديدة 2025
  • تعرف على أول دولة تحتفل بـ2025 وآخر دولة تستقبل العام الجديد