لجريدة عمان:
2024-11-25@07:09:52 GMT

البحث عن المعنى

تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT

في بداية أحداث السابع من أكتوبر من العام المنصرم، كان الهم الكبير لأكثرنا التوعية بالقضية وتسمية الأشياء بمسمياتها، خصوصًا للمواطنين الغربيين الذين ظلوا مغيبين عن الواقع والحقيقة لعقود طويلة، عقود تمت فيها شيطنة العرب والمسلمين والفلسطينيين على وجه الخصوص، وآتت تلك الجهود ثمارها، فانتفض الطلبة والشباب وبعض من الكبار في مواجهة الأكذوبة التي تم ترسيخها لعقود طويلة.

فانصاعت بعض الجامعات والمؤسسات لمطالب الطلبة والأكاديميين الداعمين للقضية الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني، وقابلتهم الأخرى بالإبعاد والعقوبات كالحرمان من حضور حفل التخرج والحرمان من التوظيف في بعض المؤسسات. كما آتت المقاومة أكلها في اعتراف بعض الدول الأوروبية مؤخرا هي أسبانيا والنرويج وإيرلندا بفلسطين، وقد يبدو من السخرية أن نلتفت إلى اعتراف هذه الدول بفلسطين وكأنها غير موجودة قبل هذا الاعتراف، بل من السخرية أن يتم الاعتراف بشيء يسمى «دولة الاحتلال» فكيف يكون للاحتلال دولة لها مؤسساتها وسفراؤها من الأساس؟ ولكن قيمة الاعتراف تكمن في الجانب الآخر غير العربي أو الإسلامي من العالم. قد يستغرب آخرون من اعتراف هذه الدول بفلسطين! وهذا ناشئ عن التعتيم والتضليل الممنهج لسنوات.

لو وضعنا كل شيء في كفّة، ومحرقة الأسبوع الحالي في كفة أخرى لوجدنا بأننا وبعد ثمانية أشهر من الإبادة الصهيونية على غزة، نقف أمام مفترق مخيف من الحياة، أمام معضلة إنسانية وأخلاقية لم تعد نظرية بعد الآن، بل هي شاخصة أمام أعيننا؛ أب يمسك جسد ابنه أو ابنته مقطوعة رؤوسهم وأبدانهم محروقة، فإن هذا يتجاوز كل ما يمكن تخيله من وحشية المحتل، ولكن هل هذه الوحشية متعمدة ومقصودة؟ أم أنها وليدة الصدفة وأخطاء فردية يقوم بها أفراد القوات المسلحة للمحتل؟

يجيب «جون ميرشايمر» أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاجو ومؤلف عدة كتب أهمها «أمريكا المختطفة..اللوبي الإسرائيلي وسياسات الولايات المتحدة الخارجية» الذي نقله فاضل جتكر إلى العربية، وكتاب «لماذا يكذب القادة؟» وكتب كثيرة أخرى. يبتدئ البروفيسور في محاضرة نظمها «مركز الدراسات المستقلة» في أستراليا بسؤال الحضور «ما هي بالضبط أهداف إسرائيل من هذا الهجوم؟» ثم يبدأ بتفنيد وتشريح خطابات قادة الاحتلال وأهدافهم المعلنة حسب الترتيب، هزيمة حماس أولا، ثم استعادة الرهائن ثانيا؛ ولكنه يفاجئ الحضور الأسترالي -المضلل كبقية الغرب بحقيقة إسرائيل- بقوله: إن «الهدف الحقيقي هو تطهير غزة عرقيا» معللا ذلك بمعضلتين تواجهان الوجود الصهيوني بشكله الاستيطاني الحالي، وهما «الفصل العنصري» أو الأبارتايد apartheid، والمقاومة المتمثلة في صورتها الأبرز في حماس. شارحا قولته: إن «الطريقة الوحيدة للخروج من هذا الوضع -نظام الفصل العنصري- هي التطهير العرقي» وهي الطريقة الوحيدة كذلك لهزيمة حماس؛ لأن حركة المقاومة الإسلامية حماس معتمدة اعتمادا كليا في وجودها على الحاضنة الشعبية؛ فالتطهير العرقي يحل معضلتين للوجود الصهيوني، معضلة الفصل العنصري ومعضلة وجود المقاومة «حماس» رأسا. ثم يستطرد في ذكر الأمثلة من تاريخ إنشاء كيان الاحتلال -الذي سنشير إليه بـ«إسرائيل» في بقية المقالة- في التطهير العرقي الممنهج الذي اعتمده الإسرائيليون كسياسة دائمة في التعامل مع الشعب الأصلي لفلسطين منذ منتصف القرن المنصرم.

لكن السؤال الأبرز الذي يتبادر إلى الذهن، كيف يمكن إخلاء غزة من سكانها؟. وهو ما يشرحه البروفيسور بطريقتين؛ الأولى «أن تقتل أعدادا كبيرة من الناس»، والثانية بأن «تجعل المكان غير صالح للعيش». فبقتل الناس عشوائيا وعبر المجازر، فإنك تدفعهم إلى مغادرة المكان الذي هم فيه -غزة-، والذي سيبدو فيما بعد كما لو أنهم غادروا طوع أمرهم -أو هذا ما ستبديه السردية الإسرائيلية- فحتى لو انتهت حرب الإبادة الجماعية الحالية، فكيف سيتم إعمار قطاع غزة المدمر؟ إن الجدال بضرورة تمسك الفلسطيني بالبقاء في أرضه -خصوصا أهل غزة في هذه المرحلة- يشبه جدال مجموعة من أصحاب الملايين في طاولة عشاء تضم مائة صنف، عن حقيقة الجوع الذي يشعر به أهالي السودان وهم يهيمون في الصحراء جراء الصراع الدائر هناك. فكما هو الشطر السائر في الآفاق «لا تُحرِقُ النَّارُ إلا رجلَ واطيها»، لن يشعر أحد بما يقدمه أهل غزة وما يقاسونه إلا من عاش معهم، يحيا حياتهم ويموت مماتهم. فهم بشر يتطلعون إلى الحياة، لهم آمالهم وأحلامهم وأمانيهم؛ ولكن صبرهم العظيم مما يدهش المرء ويتعجب له، فهو صبر المؤمن بحقه والمنافح عن مقدساته وعرضه.

بعد عام واحد من نهاية الحرب العالمية الثانية، كتب الدكتور فيكتور فرانكل كتابه الشهير «الإنسان والبحث عن المعنى» والذي يسرد فيه تجربته الذاتية وما قاساه حين كان معتقلا في سجون النازية، ويصف فيه أسلوب العلاج النفسي الذاتي الذي اتبعه في تلك الفترة المظلمة والقاتمة، ووضعه هدفا لحياته -وهو معتقل في سجون النازية أثناء هذا كله- فهل تعود الحاجة إلى فرانكل جديد بعد الحرب؟ وما التعزية التي سيقدمها العالم إلى إنسان فقد أهله وعائلته بلا ذنب ولا جرم، بل كيف سيثق الإنسان بإنسانية الدول العظمى التي ساندت ودعمت الاحتلال في إبادته الوحشية والصارخة على مرأى من الجميع! إن التيه والحسرة واليأس الذي يحل على العالم، والتي ستتكشف مآلاته القاسية والوحشية والأخرى المَرَضية النفسية بعدما تتوقف الإبادة؛ لن تكون مقتصرة على فلسطين أو الشرق الأوسط وحده، بل ستطال العالم أجمع، وما دامت اللاعقلانية والوحشية ومنطق القوة هي السائدة اليوم؛ فإن الضحية الفعلية والضحية المحتملة ستواجه الشر المطلق بشر مطلق أيضا، وهو ما ينبغي مجابهته وإيقافه قبل أن تكبر كرة الثلج وتجرف كل شيء أمامها وتغدو عصية على السيطرة، وهو ما يتحقق بوقف المجزرة الآن وفورا، كل دولة ومؤسسة وفرد حسب الطاقة والإمكانات.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

حماس: أرض غزة ستبقى فلسطينية والاحتلال يتوهم بتحقيق أهدافه

قال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) سامي أبو زهري إن أرض غزة كانت وستبقى أرضا فلسطينية، مؤكدا أن الاحتلال الإسرائيلي يتوهم أنه قادر على تحقيق أهدافه.

وشدد أبو زهري في مؤتمر صحفي اليوم الأحد، على أن وقف العدوان الإسرائيلي "أولوية"، مشيرا إلى أن حماس لن تقبل بأي تفاهمات لا تؤدي لإنهاء معاناة الفلسطينيين وعودتهم لبيوتهم.

وبشأن إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، قال القيادي بحماس إن الاختبار الحقيقي في المرحلة المقبلة هو حجم الجهد المبذول لاعتقال قادة إسرائيل.

والخميس الماضي، أصدرت "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت لارتكابهما جرائم حرب في غزة.

وقالت المحكمة الجنائية إن جرائم الحرب المنسوبة إلى نتنياهو وغالانت تشمل استخدام التجويع سلاح حرب، كما تشمل جرائم ضد الإنسانية والمتمثلة في القتل والاضطهاد وغيرهما من الأفعال غير الإنسانية.

ورأى أبو زهري تقييد دخول المساعدات إلى قطاع غزة وتوفير الحماية لعصابات منظمة "جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية"، كاشفا عن إجراء حماس أوسع حملة مع المنظمات الدولية والدول الصديقة من أجل تسريع إدخال المساعدات إلى غزة.

وحيا كل العاملين في القطاع الصحي الذين يواصلون عملهم رغم ممارسات وجرائم الاحتلال خاصة في شمال القطاع.

الموقف العربي والإسلامي

وقال القيادي في حماس إن الدماء الزكية والتضحيات الغالية لن تذهب هدرا بل ستكون ذخرا للمقاومة حتى تحرير الأرض الفلسطينية.

وبينما أشاد بالصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية، قال أبو زهري إن حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال لليوم 415 تتزامن مع موقف عربي وإسلامي يتسم بالضعف و الخذلان.

لكنه دعا منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية لترجمة قرارات قمة الرياض الأخيرة لواقع عملي لوقف العدوان الإسرائيلي.

وكذلك دعا إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن المنتهية ولايتها إلى "التكفير عن خطيئتها بالضغط على الاحتلال لوقف جرائمه ضد شعبنا".

واعتبر تصعيد الحكومة الإسرائيلية سياسة الاستيطان في القدس والضفة الغربية "انتهاك صارخ لحقوق شعبنا"، مضيفا أن "المشاريع الاستيطانية والجرائم الصهيونية لن تفلح بتغيير حقائق التاريخ وستبقى القدس عاصمة فلسطين".

ودعا أبو زهري المتضامنين مع الشعب الفلسطيني بالدول العربية والإسلامية والعالم لتصعيد احتجاجاتهم في 30 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري والأول من ديسمبر/كانون الأول المقبل.

كما دعا الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة والداخل الفلسطيني إلى تصعيد احتجاجاتهم ضد ممارسات الاحتلال، داعيا في الوقت نفسه منظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة إلى التصدي للمشاريع الاستيطانية في الضفة والقدس.

مقالات مشابهة

  • «البث الإسرائيلية»: حماس كانت مستعدة للإفراج عن محتجزين دون وقف إطلاق النار بغزة
  • حماس : لن نقبل بأي تفاهمات لا تنهي معاناة شعبنا الفلسطيني
  • ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟
  • حماس: لن نقبل بأي تفاهمات لا تنهي معاناة شعبنا
  • حماس: وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يمثل أولوية قصوى لنا
  • حماس: أرض غزة ستبقى فلسطينية والاحتلال يتوهم بتحقيق أهدافه
  • ما الذي كشفته التحقيقات في سيارة الحاخام الإسرائيلي المقتول بالإمارات؟
  • المافيا الإيطالية تثير رعبا برسالة رأس حصان مقطوع وبقرة حامل ممزقة وتحقيقات حول المعنى المحتمل
  • حماس توجه رسالة لسارقي المساعدات والتجارة بها في غزة
  • جيش الاحتلال يعلن اغتيال 5 قادة من حماس