بيت الواحة.. فنان مصري يضع تنيدة على خارطة السياحة عبر متحفه الخاص
تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT
تُشتهر تنيدة بأنها الواحة المصرية التي لجأ إليها الثوار الليبيون بعد إعدام زعيمهم عمر المختار، فتوجهوا من الكُفرة في ليبيا إلى الصحراء الغربية المصرية، وهناك شارفوا على الموت، وحوصروا بين الجوع والعطش ورمال صفراء لا تنتهي.
وحين انقطعت بهم السبل، وصارت كل الأحلام سرابا، ظهر المستكشف الإنجليزي باتريك كلايتون، الذي أمضى قرابة 20 عاما من عمره مسّاحا في الهيئة المصرية العامة للمساحة، ليشارك في رسم خرائط مناطق كبيرة من الصحراء المصرية لم يكن تم "تخريطها" من قبل.
وفي تنيدة كان القدر في انتظار الفارين من الكفرة في ليبيا ومعهم كلايتون الذي أسس خريطة الواحة المفقودة، وكان مصدر الإلهام لشخصية بيتر مادوكس في فيلم "المريض الإنجليزي" (The English Patient) المأخوذ عن رواية حملت ذات الاسم.
وفي الرواية والفيلم، كان هناك قدر آخر ينتظر تنيدة المصرية، والتي تمتلك من بين ما تمتلك من آثار طبيعية، "كهف السباحين" – كما ظهر في الفيلم البريطاني- أو "كهف تنيدة" كما يطلق عليه فنان النخيل، عادل العمدة، صاحب متحف الواحة وموثق تاريخها.
في "بيت الواحة" افتتح عادل العمدة متحفه التراثي للحفاظ على إرث تنيدة وتاريخها من الاندثار وراء المدنية التي حولت جميع مظاهر الحياة القديمة في الواحة التابعة لمركز بلاط بمحافظة الوادي الجديد، جنوبي غرب مصر.
ويتكون بيت الواحة الذي صممه العمدة على طرق البناء القديمة، والمعتمدة على الطوب اللبن، والسقف المجدول من الجريد، كما استعان بأعتاب الأشجار الخشبية في تصاميم أبواب الغرف الخمسة التي يضمها البيت التنيدي.
يقول العمدة للجزيرة نت "هذا البيت هو عمري. ليس مجرد جدران وأبواب وأشكال تراثية تلفت نظر المهتمين بالتراث والسياحة، بل هو المكان الذي أفنيت فيه عمري، وصنعت بداخله حلمي الوحيد الذي لم يكن ليولد لولا أنني ابن لهذه البيئة".
ولم يكن الفنان المصري يفكر في أن كهفه الذي صنعه لحفظ تراث الواحة القديم، سيكون منطلقا تنفتح منه الأبواب لواحة تنيدة، لتعيدها مرة أخرى على الخريطة السياحية المصرية.
ورغم أن يعمل في الزراعة التي لم يتركها حتى بعد افتتاح المتحف، فإنه كان يقضي 5 ساعات يوميا أمام كهفه الفريد ليصنع من الأشجار وجذوع النخيل والجريد على مدى 20 عاما، تلك المنحوتات الفخارية، والجداريات المستوحاة من البيئة، إضافة إلى اللوحات الفنية الفريدة التي جسدت تاريخ الواحة على مر الزمان.
وبحسب الفنان المصري، فإن أهالي واحة تنيدة ساهموا في استمرار وإنجاح المتحف، "ولولا مساعدتهم وإمدادهم لي بمخلفات جريد النخيل وجذوعها، لإعادة استخدامها في القطع التي أقوم بنحتها، ما كنت أستطيع استكمال مهمتي في الحفاظ على الإرث التنيدي".
كما ساهم اختيار مخلفات النخيل لاستخدامها في النحت بتوفير تكاليف كبيرة، إضافة لكونها أكثر قدرة على التعبير عن البيئة الأصلية للواحة، "فالمادة المستخرجة من المخلفات بعد حرقها، كانت هي الأنسب والأرخص والأكثر توفرا أمام عادل العمدة في قريته".
هذا فضلا عن الارتباط الوجداني بين المصريين والنخلة، خاصة في المناطق الصحراوية التي تشتهر بزراعة النخيل وإرثه الممتد بين الأجيال "والعمل على تهذيب النخل يحدث مرة كل عام، ومنه أحصل على مخلفات النخيل التي احتاجها في عملية النحت، وبعدها أبدأ في تهيئة المخلفات الناتجة عن عملية التهذيب، وجعلها صالحة للاستخدام في الأعمال الفنية المختلفة"، يقول للجزيرة نت.
أما جذوع النخل، فهي متوفرة بكثرة على مدار العام، وتمتاز بأنها خفيفة الوزن وسهلة التشكيل، كما أنها صلبة للغاية، مما يساعد في الحفاظ على المنحوتات لزمن قادم.
ويحتوي "بيت الواحة" أو "كهف العمدة" -كما يطلق عليه أبناء تنيدة- مجسمات منحوتة للحرف القديمة بالواحة، ومجسمات لنساء القرية أثناء قيامهن بالمهام اليومية قديما، بالإضافة لنماذج مجسمة للجلسات العرفية بالقرية القديمة، ونماذج من العادات المرتبطة بالأفراح وليلة الحنة.
يشار إلى أن العمدة ومتحفه البيئي حازا شهرة واسعة داخل مصر وخارجها، فأضحى من أهم الأماكن على الخريطة السياحية للواحات المصرية، كما اهتمت بالتسويق له بعض وزارات الحكومة المصرية، وشارك في معارض "ديارنا" المهتمة بالأعمال اليدوية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات عادل العمدة
إقرأ أيضاً:
المشروع الوطني الأردني: خارطة طريق لمستقبل الدولة
#المشروع_الوطني_الأردني: خارطة طريق لمستقبل الدولة
الشاعر #أحمد_طناش_شطناوي
رئيس فرع رابطة الكتاب الأردنيين/ إربد
في ظل التحولات العميقة التي تشهدها المنطقة العربية، ومع تصاعد التحديات الإقليمية والدولية، أصبح من الضروري أن نؤسس لمفهوم “المشروع الوطني الأردني” كإطار استراتيجي يحدد معالم المستقبل السياسي والاقتصادي والثقافي للدولة الأردنية، فهذا المشروع ليس مجرد رد فعل على الأوضاع الراهنة، بل هو رؤية متكاملة تسعى إلى تعزيز الهوية الوطنية في إطارها العربي، وتحقيق الاستقلال الاقتصادي، وترسيخ السيادة السياسية، في مواجهة المشاريع الخارجية التي تسعى إلى إعادة تشكيل المنطقة وفقًا لمصالحها الخاصة، وعلى رأسها المشروع الغربي والمشروع الصهيوني، اللذان يفرضان تهديدًا وجوديًا على الأمة العربية عمومًا، وعلى الأردن بشكل خاص.
فلا يمكن لأي مشروع وطني أن ينجح دون وجود قاعدة ثقافية صلبة، إذ أن الثقافة ليست ترفًا فكريًا، بل هي العمود الفقري للهوية الوطنية والمجتمعية، والمشروع الثقافي الأردني يتطلب إعادة الاعتبار للهوية العربية الإسلامية بوصفها جزءًا أساسيًا من تكوين الأردن التاريخي والحضاري، مع الانفتاح على الحداثة بصورة متوازنة لا تذيب الخصوصية الثقافية لصالح العولمة الموجهة.
إن ملامح هذا المشروع تقتضي تعزيز دور المؤسسات الثقافية، وتطوير مناهج التعليم لتغرس في الأجيال القادمة قيم الانتماء والوعي بالتحديات التي تواجه الأمة، مع التركيز على استعادة الدور الريادي للإعلام الوطني في توجيه الرأي العام، بعيدًا عن الهيمنة الإعلامية الغربية التي تروج لثقافات الاستهلاك والتفكيك الاجتماعي، كما أن دعم الفنون والأدب والفكر النقدي، وإحياء دور المثقفين في رسم السياسات الثقافية، وتفعيل دورهم في رسم الأطر العامة لسياسات الدولة، يشكل ركيزة في هذا المشروع الذي يسعى إلى مواجهة محاولات الاختراق الفكري والثقافي والسياسي التي تستهدف الهوية الوطنية الأردنية.
وأما في الإطار الاقتصادي، فإن الاقتصاد يشكل الركيزة الثانية للمشروع الوطني الأردني، إذ لا يمكن لدولة أن تحقق سيادتها السياسية دون أن تمتلك اقتصادًا قويًا ومستقلًا، ومن هنا يتوجب على الدولة بناء اقتصاد يعتمد على الإنتاج بدلًا من الاستهلاك، ويقلل من التبعية للمساعدات الخارجية التي كثيرًا ما تكون وسيلة للضغط السياسي.
وفي هذا السياق، فإن تحقيق الاكتفاء الذاتي في القطاعات الحيوية، مثل الزراعة والصناعات التحويلية، يعدّ من الأولويات، كما أن التحول نحو الاقتصاد المعرفي والاستثمار في التكنولوجيا والذكاء الصناعي من شأنه أن يعزز قدرة الأردن على المنافسة في الأسواق الإقليمية والعالمية، ومن المؤكد أن تطوير البنية التحتية الرقمية، ودعم المشاريع الريادية، وتعزيز الشراكات الاقتصادية العربية، يمكن أن يضع الأردن في موقع استراتيجي يمكنه من تجاوز الضغوط الاقتصادية التي تمارس عليه من قبل القوى الخارجية.
وفي هذا الإطار، لا بد من إعادة النظر في السياسات الاقتصادية التي تفرضها المؤسسات المالية الدولية، والتي غالبًا ما تأتي على حساب الطبقات الوسطى والفقيرة، مما يهدد الاستقرار الاجتماعي، لذا فإن تعزيز دور الدولة في ضبط الأسواق، ووضع سياسات مالية تراعي العدالة الاجتماعية، يجب أن يكون جزءًا أساسيًا من هذا المشروع.
وأما على المستوى السياسي، فإن المشروع الوطني الأردني يتطلب إعادة صياغة مفهوم السيادة الوطنية في ظل الضغوط المتزايدة التي تمارسها القوى الإقليمية والدولية، فمن الواضح أن الأردن يقف في قلب صراع استراتيجي بين مشاريع إقليمية متنافسة، المشروع الغربي الذي يسعى إلى فرض نموذج الهيمنة الاقتصادية والثقافية، والمشروع الصهيوني الذي لا يهدد فلسطين فقط، بل يمتد ليشمل الأردن من خلال أجندات التوسع والاحتواء السياسي، وصولًا إلى مشروع “الوطن البديل” الذي يُستخدم كأداة ضغط في سياقات تفاوضية دولية.
إن المشروع السياسي الأردني يجب أن يرتكز على تعزيز القرار السيادي الوطني، وعدم الخضوع للإملاءات الخارجية التي تهدد المصالح الأردنية العليا، ويتطلب ذلك تنويع العلاقات الخارجية، بحيث لا يكون الأردن مرتهنًا لطرف واحد، بل يمتلك خيارات استراتيجية تضمن له حرية الحركة في السياسة الدولية.
ومن ناحية أخرى، فإن المشروع السياسي يجب أن يعزز الجبهة الداخلية من خلال تطوير نظام سياسي أكثر ديمقراطية وتمثيلًا، ويبرز دور البرلمان الحقيقي في التشريع والرقابة، لضمان مشاركة المواطنين في صناعة القرار، مما يعزز شرعية الدولة ويمنحها قوة تفاوضية أكبر في علاقاتها الخارجية.
وفي ظل هذه التحديات، لا يمكن للأردن أن يبقى متفرجًا على ما يجري من حوله، بل يجب أن يكون فاعلًا رئيسيًا في رسم مستقبله، فالمشروع الغربي يسعى إلى فرض أجندات تخدم مصالحه دون الاكتراث بمصالح الشعوب، والمشروع الصهيوني يعمل على تفكيك الهوية العربية وإعادة هندسة المنطقة وفق تصورات استعمارية جديدة، أما الأردن فيحتاج إلى مشروعه الوطني الخاص الذي يجمع بين الهوية والاستقلال الاقتصادي والسيادة السياسية، ليكون قادرًا على الصمود في وجه هذه المخاطر.
مقالات ذات صلة الكبسولة “كرونوس 9” 2025/03/20وفي النهاية، يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن ترجمة هذا المشروع الوطني إلى سياسات عملية تنقل الأردن إلى مرحلة جديدة من الاستقرار والازدهار؟ وهل نحن قادرون على تحويل الطموحات إلى استراتيجيات فعلية تحمي الأردن من التحديات المحدقة به؟ هذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه الدولة الأردنية في المرحلة القادمة.