القراصنة المأجورون من إسرائيل إلى الهند.. شبكة دولية بدأت تتفكك
تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT
لمس التطور التقني العديد من جوانب الحياة وترك أثرًا واضحًا فيها، ومن ضمنها كانت الجوانب الإجرامية التي ازدهرت في الفضاء السيبراني بفضل الخصوصية والقدرة على إخفاء هوية مرتكب الجريمة. وعلى غرار شبكات الإنترنت المظلمة التي تسهل العمليات الإجرامية بالشارع، بزغ نوع جديد من العصابات الإجرامية، وهم القراصنة المأجورون.
في جوهرها تبدو عصابات القراصنة المأجورين فكرة بسيطة ومتوقعة في عالم يسوده التحول الرقمي والبيانات الرقمية، ولكن الآونة الأخيرة شهدت ازدهارًا واسعًا لهذا القطاع مع ظهور العديد من العصابات من مختلف بقاع العالم تنفذ الهجمات السيبرانية بالطلب ولأسباب مختلفة.
عصابات من مختلف بقاع العالميمكن تتبع العصابات التي تعمل في قطاع القرصنة بالإيجار في العديد من الدول حول العالم دون وجود نمط واضح بينها، كما أنها تتنوع في الطبيعة والحجم على غرار عصابات المافيا والجريمة المنظمة وهي تتراوح بين عصابات الفرد الواحد وحتى المجموعات الصغيرة وصولًا إلى المجموعات المنظمة والكبيرة التي تمتلك أعضاءً من دول وجنسيات مختلفة.
النموذج الأحدث لهذه العصابات هو "أميت فورليت" المحقق الإسرائيلي الخاص الذي تورط في عدة عمليات قرصنة مأجورة لصالح مجموعة "دي سي آي" (DCI) وهي شركة علاقات عامة تدير أعمال عدة أثرياء من مختلف بقاع العالم فضلًا عن صناديق الاستثمار والتحوط لعدد من الشركات.
تم القبض على فورليت مؤخرًا في مطار هيثرو بلندن بعد أن وجه إليه مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي عدة تهم تضم التجسس والمشاركة في جرائم سيبرانية متنوعة كان أبرزها الاختراق المأجور، وبالطبع أنكرت مجموعة "دي سي آي" علاقتها مع فورليت وأكدت أنها توجه عملاءها إلى الالتزام بالقوانين.
وعام 2020 شهد تحقيقًا موسعًا أجرته رويترز حول عصابات القراصنة المأجورين، ومن خلاله استطاعت الوصول إلى مستندات تربط بين قرصان مأجور هندي يدعى سوميت غوبتا ومحقق خاص بوادي السيليكون يدعى ناثان موسر، وتمحورت العلاقة بينهما حول عمليات اختراق مدفوعة كان غوبتا يقوم بها لصالح عملاء موسر مقابل 10 آلاف دولار شهرية في ذلك العام، إذ تعاون الأخير مع شركة تدعى فيسالوس (ViSalus) المسؤولة عن توزيع الحمية الغذائية بأميركا من أجل اختراق حسابات أحد أبرز منافسيها وهو شركة أوشن آفينو (Ocean Avenue).
وبالطبع، لجأت "أوشن آفينو" إلى القضاء الأميركي من أجل إدانة فيسالوس، وهي القضية التي انتهت بدفع تسوية من قبل الأخيرة، ولكن ذلك كان على حساب رخصة موسر الذي تم اتهامه بالقضية فضلًا عن غوبتا الذي أنكر جميع التهم والجرائم الموجهة له، وذلك قبل أن يختفي بشكل كامل منذ عام 2020 حتى 2023 ليعاود الظهور هذه المرة مع عصابة من القراصنة المأجورين.
وتمكن تقرير رويترز من تتبع 35 قضية تضمنت جرائم قرصنة مأجورة من قبل قراصنة هنود تستهدف أكثر من 75 شركة أوروبية وأميركية، وذلك عبر توجيه أكثر من 80 ألف رسالة بريد إلكتروني إلى 13 ألف هدف محتمل، وهو ما يعزز من خطورة قطاع القراصنة للإيجار وانتشارهم الآونة الأخيرة.
فرصة لتحقيق دخل إضافييسيطر القراصنة الهنود على ساحات القرصنة المأجورة مثل غالبية القطاعات التقنية في العالم، وربما يعد توجه هؤلاء إلى هذا القطاع بسبب سهولة تحقيق أرباح كبيرة منه دون الحاجة إلى العمل فترات مستمرة، إذ يحصل بعض القراصنة على مبالغ تتراوح بين 3 آلاف و10 آلاف دولار شهريًا مقابل عمليات القرصنة المدفوعة.
وكانت الأرباح التي يمكن تحقيقها من هذه العمليات مغرية للعديد من القراصنة الهنود للبدء في عمليات منظمة من أجل كسب المزيد من العملاء والأموال، وهذا التوجه أدى لولادة عدة شركات تجسس هندية كما تطلق على نفسها مثل أبين (Appin) وبيل تروكس (Belltrox) وسايبر روت (CyberRoot).
وتتشارك جميع هذه الشركات في البنية التحتية لها وتعتمد على واجهة قانونية واحدة، وتستخدم القراصنة الهنود صغار السن من أجل تنفيذ عملياتها المختلفة وتحقيق الأرباح التي تسعى إليها.
تسلط التقارير المتنوعة الضوء على عمليات القرصنة المأجورة للأهداف التجارية من قبل الأفراد والشركات المختلفة، ولكن هذا لا ينفي وجود أهداف أخرى لعمليات القرصنة المأجورة، وربما كان أبرزها الأهداف السياسية.
ويعد التجسس على المنافسين والأهداف السياسية إحدى ركائز الحروب السياسية حول العالم، وذلك قبل ظهور الإنترنت وانتشاره، لذلك كان من المنطقي أن ينتقل الأمر إلى الساحات السيبرانية، وربما يعد تطبيق بيغاسوس الخبيث الذي تطوره المجموعة السيبرانية الإسرائيلية "إن إس أو" (NSO) أحد أبرز تطبيقات القرصنة المأجورة.
وتتيح هذه الشركة لأي طرف قادر على دفع ثمن التطبيق الوصول إليه وتثبيته في أجهزة الأهداف التي يرغب بها من أجل الوصول إلى رسائل واتساب الخاصة به والاستيلاء على بيانات هاتفه بشكل عام، وبينما كان هذا التطبيق ذائع الصيت السنوات الماضية، فإنه لم يعد منتشرًا كما كان.
رغم كون "إن إس أو" شركة إسرائيلية رسمية ومعترفا بها عالميًا، فإن هذا لا ينفي عنها صفة قراصنة الإيجار، كونهم يشاركون في عمليات اختراق مدفوعة موجهة تجاه أفراد ومؤسسات بعينها، كما لا يجب إهمال مجموعات القرصنة المعهودة مثل لازاروس (Lazarus) التي تمتلك روابط مباشرة مع حكومة كوريا الشمالية.
تختلف بشكل كبير الأسباب التي تدفع الأشخاص للتوجه إلى تأجير القراصنة، وبينما تبرز الأسباب الاقتصادية والنوايا الإجرامية في مقدمة هذه الأسباب، إلا هناك بعض الأسباب التي قد تكون نبيلة، مثل ما حدث مع المحقق الألماني ماتياس ويلينبرينك الذي اضطر للتعاون مع قرصان مأجور عام 2012 من أجل كشف هوية شخص يبتز أحد عملائه الأثرياء.
وبالطبع فإن مثل هذه الاستخدامات يتطلب تشريعات تنظيمية خاصة بها، وذلك حتى لا يساء استخدامها بشكل مباشر في العديد من الحالات، كما أنها تحتاج إلى تشريعات عالمية لأن العديد من هذه المجموعات تتخذ من دول النامية مثل الهند والصين مقرًا لعملياتها.
لكن الاستخدامات السياسية تبرز لتصبح السبب الأول لمثل عمليات الاختراق هذه، وربما كانت الهجمات السيبرانية الروسية ضد أوكرانيا أحد الأمثلة الواضحة على الدور الهام للحروب السيبرانية في مختلف دول العالم.
وهذا التنوع في الاستخدامات يستدعي ولادة تنظيم عالمي قادر على مواجهة الجرائم السيبرانية -وتحديدًا جرائم القرصنة بالإيجار- قبل أن تستفحل في الانتشار العالمي وتسبب كوارث مستقبلية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات العدید من من أجل
إقرأ أيضاً:
مفهوم الإدارة الحديثة
عندما نتأمل مفهوم الإدارة والعلماء الذين كتبوا في ذلك العلم والفن نجد أنها امتداد لعلوم وتجارب قديمة، وهذا إن دل إنما يدل على أن الإدارة موجودة منذ أن خلق الله الأرض فلا يمكن أن تبنى الأهرامات من دون تخطيط وتنظيم وتوجيه ورقابة وكذلك سور الصين العظيم والحضارات القديمة، وكذلك حضارة الإسلام، فالله عز وجل عندما بعث محمد صلى الله عليه وسلم وهو يعمل بمفهوم الإدارة حكيماً في تعامله مع أصحابه وأعدائه وإدارته في نشر الإسلام، عندما نتأمل مواقفه في تخطيطه للهجرة والفتوحات ووضع الاستراتيجيات وتنظيمه للصحابة وتوزيع المهام والأدوار وتفويض السلطات وتوجيهه للقادة وتحفيزهم وحل المشكلات ثم الرقابة على ما خطط له وتقويم الأداء نرى ذلك جلياً في قيادته صلى الله عليه وسلم. إن مفهوم الإدارة هي العملية التي يتم من خلالها تجميع وتوظيف الموارد المادية والبشرية لإشباع احتياجات الأفراد والمؤسسات بأفضل صورة ممكنة، وعرف مؤسس الإدارة العلمية فريدريك تايلور الإدارة بأنها “العلم الذي يهدف إلى تحسين الكفاءة والإنتاجية باستخدام أساليب علمية”، وعرف الإدارة بيتر دراكر “أب الإدارة الحديثة” بأنها “تعمل على تحقيق النتائج من خلال العمل مع الآخرين”.
بدأ الإبحار في مدارس الإدارة واستخلاص مفاهيمها ، عندما بدأت المدرسة التقليدية الكلاسيكية التي كانت تهتم بالإدارة العلمية والنظامية والبيروقراطية من عام 1880م-1950م ،اهتمت تلك المدارس بالإنتاجية والقواعد واللوائح والتنظيمات ومبادئ الإدارة التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة وتحديد الهياكل والتنظيمات لكنها أهملت الجانب الإنساني والحوافز المعنوية والمرونة والتكيف مع المتغيرات، ثم خرجت بعدها مدرسة العلاقات الإنسانية والسلوكية التي بدأت من عام 1930م -1950م واهتمت بالإنسان وتحسين بيئة العمل وتعزيز دور القيادة والتواصل مع العاملين والاهتمام بالحوافز المعنوية وزيادة مشاركة الموظفين في اتخاذ القرارات، وظهرت نظرية ماسلو للحاجات الإنسانية ونظرية لماكجريجور نظرية (X,Y) الإيجابية والسلبية، لكن هذه المدرسة أهملت الجوانب التنظيمية والإدارية وصبت جل اهتمامها على الجانب الإنساني وبالغت في تأثير العوامل الاجتماعية على الإنتاجية، بعدها خرجت المدرسة الحديثة بمفهومها الشامل من عام 1950م ومازالت وهي تهتم بالإدارة الحديثة الموقفية والنظم وتؤكد أنه لا يوجد طريقة واحدة مثلى للإدارة تصلح لكل موقف، بل يجب أن يتكيف أسلوب الإدارة وفقاً لظروف البيئة المحيطة وحجم المنظمة وطبيعة عملها وهل هي في مرحلة البدء أو النمو أو النضج أو الانحدار، كما اهتمت بالنظم حيث إن المنظمة نظام متكامل وأجزاء مترابطة وتتفاعل مع البيئة الخارجية.
إن جميع المدارس الإدارية كان اعتمادها الأساس على المدرسة التقليدية ولكنها أدخلت التحسين بحسب طبيعة الزمن، إن من أبرز أهداف الإدارة تحقيق التوازن بين أصحاب المصلحة من ملاك وعاملين وعملاء وموردين وجهات حكومية، كما أن من أهدافها تحقيق الكفاءة (أداء الأعمال بشكل صحيح) والفعالية (القيام بالأشياء الصحيحة)، كما أن من أهدافها زيادة القيمة السوقية والأرباح للمنظمة وأيضاً الربط بين الإدارات الداخلية المختلفة لتحقيق النتائج المستهدفة، في الختام إن من الصعوبة بمكان أن تنجح منظمة وهي لم تعمل بالمبادئ الإدارية الأساسية المتعارف عليها في علوم الإدارة، فالمنظمات الناجحة هي التي تعمل بذكاء ورشاقة بالمبادئ الإدارية وتحقق أعلى النتائج بكل احترافية ومهنية، ورؤية المملكة العربية السعودية 2030 خير مثال على تطبيق مبادئ الإدارة التي بدأت بالتخطيط وتحديد الرؤى والمرتكزات والأهداف الاستراتيجية والتكتيكية والتشغيلية ثم نظمت المسؤوليات والأدوار وبناء الهياكل وتفويض السلطة اللازمة وعملت بعد ذلك على التوجيه والقيادة والحوافز ثم انتهت بالرقابة ومتابعة المؤشرات وحوكمة الإجراءات.