محمد بن حمد البادي
mohd.albadi1@moe.om
في مرحلة من مراحل العمر يصل الكثير من النَّاس إلى مرحلة من النضج تدعى المرحلة الملكية ولفظ "الملكية" هنا نشير به إلى أمرين جميلين أولهما: فخامة وروعة المرحلة، والأمر الثاني: يعني أن حياتك ستكون ملكًا لك وحدك، وستهنأ فيها بممتلكات من المشاعر الجميلة وصفاء النفس والهدوء والسكينة وراحة البال والتصالح مع الذات.
في "المرحلة الملكية" سيكون حُسن ظنك بالآخرين في أعلى مستوياته، وستلتمس الأعذار لهم، ولن تجهد نفسك في تفسير سلوكياتهم حسب المزاج الذي تشعر به.
في "المرحلة الملكية" ستُدرك أنَّ بعض ما خططت له لكي تعيش حياة وردية مترفة قد ذهب أدراج الرياح، وأن شيئًا من آمالك يشيخ قبلك، وأن قليلًا من طموحاتك يضمحل قبل الأوان، ولكنك سترضى بما قسمه الله لك، وستُدرك أنَّ ما أصابك من أقدار الحياة هو خير لك.
في "المرحلة الملكية"، لن تتورط في "جدالات" تافهة كما لو كانت معركة تكسير عظام، ولن تستدرج لمعارك صغيرة؛ إما منتصر أو خاسر، ولن تبذل جهدًا على ما لا يستحق من مواضيع، ولو وجدت نفسك قابعًا في مستنقع جدل عقيم ستلتزم الصمت ولن تصرف دقيقة في إقناع من لا يريد أن يفهم! أو في محاولات تعديل مساره! ولسان حالك يقول: "لن أضيع وقتي عليك، ذاك اختيارك وأنت المسؤول! وربما يأتي يوم وترى الحقيقة مشرقة أمام عينيك".
في "المرحلة الملكية" لن تعطي توافه الأمور أكثر من قدرها؛ لن يزعجك صوت طفل ولن يقض مضجعك سكب العصير على السجاد، ولن يكدر مزاجك زحام الشوارع، ولن تحرق أعصابك كلمة نابية من سقيم، ستعرف حينها أن كل الأمور توافه ولا شيء يستحق الاهتمام سوى طاعة الله!
في "المرحلة الملكية" لن تدخل كل مجلس معتقدًا أنك نجمه الأوحد؛ ولك قبل غيرك الأولوية، ستميل إلى الوسطية والاعتدال، وستعلم الحدود التي لك والأخطاء التي عليك، فلن تبالغ في محاسبة ذاتك، ولن تؤاخذ نفسك بشكل مفرط، ولن تتملص من أخطائك وكأنك لم تقم بها، وستدرك أن سلامة المرء في صمت يداريه وفي تغاضيه عن ما ليس يعنيه.
في المرحلة "الملكية" لن تهدر ما تبقى من عمرك في البحث عن «الأحسن» والأروع والأجمل، ولن تحرص على أن كل شيء من حولك لا بد أن يكون في قمة المثالية! بل ستقبل بالحسن والمقبول والجميل لكي تجد نفسك بعد حين في موضع أفضل كثيرًا مما كنت عليه.
في "المرحلة الملكية" ستُدرك أن البشر ليسوا ملائكة، ففيهم سيئ الخلق ومنهم قليل التديُّن ومنهم بسيط الفهم، وأن الناس مختلفين في المستوى الفكري والعقلي والثقافي، وستدرك أن البعضَ لا تُسعفه أخلاقه أنْ يكون صاحب مروءة حتى في أوقات الوئام!
في "المرحلة الملكية" ستدرك أن التكيف مع الظروف أحد أهم أسباب السعادة فمهما كانت قسوة الظروف فلن تلعنها، بل سوف تسعى إلى تغيير ما يمكنك تغييره للأحسن، ومهما واجهت من صعوبة في حياتك فلن تندب الحظ بل ستتأقلم مع ما لا يمكن تغييره، ومهما كانت الليالي سوداء حالكة فلن تلعن الظلام بل ستوقد شمعة لتنير دربك في الحياة.
في "المرحلة الملكية" ستعرف أن سفينة الحياة متحركة، وأن الأجواء من حولك متقلبة، فلا سعادة تدوم ولا سرور، ولا حزن يبقى ولا شقاء، وأنه يجب على المرء تجاوز المشاعر السلبية التي تفرضها الحياة عليه بأقصى سرعة ليخرج بأقل الخسائر، لأن الإفراط فيها يكون غالبًا غير محمود العواقب.
في "المرحلة الملكية" ستدرك أن القوة تكمن في القدرة على التغافل، فليست كل عقبة تواجهنا تحتاج إلى حل فوري، فبعض المشكلات تنكمش فور إعطائها ظهرك.
في "المرحلة الملكية" سترخي الأشرعة، وستتخلى عن التشدد، وستخفف من الأنا التي حولت حياتك إلى جحيم لا يطاق؛ وحولت الناس من حولك إلى قضاة ينتظرون عليك الزلة.
في "المرحلة الملكية" لن تستعجل في إطلاق الأحكام، وستتعامل مع المواقف بحلمٍ وأناةٍ، وستتعلم بأن تحكم على المواقف بما تراه لا بما تسمعه، وستدرك أن الناس يختلفون حين يسمعون، ولكنهم يتفقون حين ينظرون.
وأخيرًا.. لماذا تنتظر مرحلة عمرية معينة حتى تنعم بـ"المرحلة الملكية"؟
خذ بها من الآن وأنعم بحياة ملكية وأنت في ظل الشباب وربيع العمر لتعيش حياة فخمة تليق بك، لا تنتظر أن يتناهى بك العمر وتطوى مرحلة الشباب وتبلغ ساحل الحياة، فقليل من دروس الحياة يؤخذ بالمجان، والعقلاء هم من يلتقطون الحكمة ويتعلمون من تجارب الآخرين.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
كيف مزجت رومانيا بين الشرق والغرب في قصورها الملكية؟
وفي حلقة جديدة من برنامج "المسافر" -الذي يبث على منصة "الجزيرة 360"- تطوف الكاميرا في رحلة استكشافية مثيرة عبر أرجاء رومانيا كاشفة النقاب عن كنوز هذا البلد الأوروبي الساحر الذي طالما طغت عليه سمعة جيرانه.
ومن خلال عدسة البرنامج يتعرف المشاهد على وجه آخر لرومانيا، وجه مليء بالجمال الطبيعي الخلاب والتراث الثقافي الغني والحياة النابضة في مدنها العصرية.
ويبدأ مقدم البرنامج حازم أبو وطفة جولته بوصف رومانيا بـ"أرض التناقضات المثيرة والجمال الخالد"، فمن خلال وديانها وجبالها الشامخة تتجلى رومانيا وكأنها حكاية قديمة غامضة تنتظر من يكتشف أسرارها، مما يجعلها وجهة سياحية فريدة تستحق الاكتشاف.
وينتقل البرنامج بعد ذلك إلى استكشاف المدن الرومانية، ويصف أبو وطفة كيف "يتسارع نبض رومانيا في مدنها، ولكل مدينة إيقاعها الفريد"، حيث تعج المقاهي بالأحاديث الحماسية ورائحة القهوة الطازجة، في حين تحتضن الساحات العامة تاريخا عريقا وفولكلورا غنيا وفنونا أصيلة عصية على الاندثار.
قلعة بيليش
ومثلت قلعة "بيليش" -التي تقع في ثنايا جبال الكاربات الكبرى- محطة رئيسية في رحلة "المسافر"، وقد تم بناؤها في أواخر القرن الـ19 لتكون مقرا صيفيا لإقامة الملك كارول الأول، ومنحها موقعها الإستراتيجي بين الجبال إطلالات خلابة تأسر الأنظار.
وتعد الهندسة المعمارية للقلعة مزيجا فريدا من أنماط عدة، بما في ذلك الطراز القوطي والباروكي وعصر النهضة.
وقد زُينت بإطارات خشبية ونقوش وزخارف بديعة تعكس براعة الحرفيين الرومانيين، وبنيت لتحاكي نمط القلاع الألمانية والنمساوية الجميلة المطلة على الجبال البافارية.
وتضم القلعة أكثر من 160 غرفة، لكل منها طرازها وطابعها الفريدان، وهي مزينة بمنحوتات وزخارف وأثاث فريد الذي لا يوجد له شبيه في أي مكان آخر برومانيا.
ومن أبرز ما يلفت الانتباه في القصر هو قاعة الشرف، وهي قاعة الاستقبال الرئيسية التي أنشئت مطلع القرن الـ20 لكن بأناقة عصر النهضة.
ونقلت كاميرا البرنامج روعة الزخارف المحفورة على خشب الجوز والنقوش البارزة على المرمر، والتي تشكل تحفة فنية تأسر الأنظار، كما تتميز قاعة الشرف بأنها مغطاة بسقف زجاجي ملون قابل للانزلاق كهربائيا، مما يسمح بدخول الشمس والهواء.
ويستمر "المسافر" في استكشاف غرف القلعة المتنوعة، فهناك الغرفة المغربية التي زينها الملك كارول بالجص المطلي بالذهب وأثاث مغربي أصيل يعود إلى القرن الـ19.
الأجنحة الملكية
أما غرفة الطعام فتثير الدهشة بأناقتها، إذ صنعت الطاولة من خشب الجوز، وهي قابلة للتمدد لتتسع لـ36 شخصا، مع كراسٍ مصنوعة من جلد قرطبة.
ويشير أبو وطفة إلى أن بعض مستويات الغرفة مزخرفة بالفضة والكريستال مع لمسات مستوحاة من العصر العثماني، مما يعكس التأثيرات المتنوعة في التصميم الداخلي للقلعة.
وأفردت الحلقة فقرة خاصة لزيارة الأجنحة الملكية، وعلى رأسها غرفة الملك كارول الأول التي تعتبر الأكثر خصوصية في القلعة، وهي في الواقع مجموعة من 9 غرف تشمل صالة للجلوس وغرفة للعبادة وغرفة للنوم وغرفة للضيوف وممرا للحديث، بالإضافة إلى شرفات خارجية.
كما يلفت البرنامج الانتباه إلى الغرفة التركية، حيث يظهر تأثير الفنون العثمانية بوضوح، فتغطي المطرزات الحريرية جميع قطع الأثاث والجدران والسقف، مع نوافذ من الزجاج الملون عليها نقوش قرآنية، مما يعكس التنوع الثقافي والفني في تصميم القلعة.
23/11/2024