د. هيثم مزاحم **

 

يختلف الباحثون في تفسير أسس العلاقة المميّزة بين إسرائيل والولايات المتحدة وأسبابها، وهي علاقة تتجلى في أشكال عدة من بينها: التعاون المكثّف على المستويين الحكومي والشعبي ولا سيما التعاون الإستراتيجي، والدعم الأمريكي السخي لإسرائيل في مختلف المجالات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية والتكنولوجية، وأيضًا الانحياز الأمريكي التام لإسرائيل في الموقف من القضية الفلسطينية والصراع العربي– الصهيوني.

وما نشهده من دعم أمريكي مطلق للعدوان البربري على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ نحو ثمانية أشهر يعجز الأمر عن تفسيره إلا باعتبار أن الطرفين هما طرف واحد ومصلحتهما الاستراتيجية واحدة ومنطلقاتهما الأيديولوجية واحدة.

ويمكننا تلخيص التفسيرات المختلفة للعلاقة المذكورة بما يلي:

1إسرائيل هي ذخر استراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

2إسرائيل هي قاعدة إمبريالية أمريكية في المنطقة العربية.

3تقاطع المصالح الاستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة.

4الولايات المتحدة تشعر بالتزام ديني – أخلاقي تجاه الدولة اليهودية.

5اللوبي اليهودي الأمريكي قوي جدًا إلى درجة تجعله يملي السياسة الأمريكية الشرق أوسطية.

يذهب الباحث كميل منصور في كتابه "الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل: العروة الأوثق" إلى أن ثمّة تفسيرات مبسطة للعلاقة الخاصة بين إسرائيل وأمريكا تجعل من إسرائيل أداة طائعة في يد أمريكا أو تجعل من الإدارة الأمريكية خادمًا للوبي اليهودي. ويلاحظ أن ثمة زعمين جازمين ودقيقين هما: "لو أن دعم إسرائيل لا يخدم مصالح الولايات المتحدة، لكانت سياسة الأخيرة مختلفة في الشرق الأوسط، ولو أن اللوبي الإسرائيلي لم يكن بهذه القوة، لكانت سياسة الولايات المتحدة مختلفة أيضًا" لكن المشكلة– في رأي منصور– هي "أن هذين الزعميْن الجازميْن – الصحيحين لو أخذنا كلًا منهما على حدةٍ– يحجب أحدهما الآخر. إضافة إلى كونهما غير كافيين لأنهما يعجزان عن شرح كيف وإلى أي حدّ يؤثر اللوبي، أو المصالح الأمريكية، على سياسة الولايات المتحدة حيال إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط".

فمن أجل تحاشي الوقوع في تناقض هذين الزعمين، علينا أولًا البحث عن مكانة إسرائيل في العقيدة الاستراتيجية الأمريكية، ومن ثم تحديد مدى مصلحة الولايات المتحدة في روابطها المميّزة مع إسرائيل.

وعلى الباحث الذي يحلّل العلاقة الأمريكية– الإسرائيلية ألّا يعتبر السياسة الأمريكية بالضرورة سياسة عقلانية – نفعية (براجماتية) متماسكة منطقيًا، لا يشوبها الخطأ. وفي الواقع لا وجود لعقيدة استراتيجية أمريكية ثابتة ومحددة؛ بل هي تنشأ وتتبلوّر مع الوقت، وقد تخضع لتغيّرات تبعًا للمعطيات والظروف السائدة. كما أنها تتأثر بالدرجة الأولى بالآراء الخاصة لصانعي القرار، وبمواقف الشخصيات والهيئات السياسية والأكاديمية المقدّرة أراؤهم لدى النخبة الأمريكية الحاكمة.

وقبل تحديد مكانة إسرائيل في الاستراتيجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، ينبغي الرجوع قليلًا إلى بداية العلاقة الأمريكية– الإسرائيلية لإدراك الأسس التي قامت عليها والبحث في دوام صلاحيتها راهنًا.

جذور العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية

تعود العلاقات الأمريكية– الصهيونية إلى ما قبل تأسيس الكيان الصهيوني في فلسطين عام 1948؛ أي إلى بداية القرن التاسع عشر؛ حيث أدّت الحركات البروتستانتية البيوريتانية (التطّهرية Puritanians) دورًا كبيرًا في تهيئة الأرضية الملائمة لنشاط الحركة الصهيونية اليهودية في الولايات المتحدة. وتدعو هذه الحركات– التي أطلق عليها البعض تسمية "الصهيونية المسيحية" أو "الصهيونية غير اليهودية"– إلى إعادة توطين اليهود في فلسطين وبناء وطن قومي لهم فيها لاستعادة "مملكة إسرائيل لكي تظهر مملكة المسيح، لأن تلك نبوءة تسبق العودة الثانية للمسيح المُنتظر".

وقد جرى تسييس هذه الرؤية الدينية بحيث اعتُبرت إسرائيل الواردة في العهد القديم، هي إسرائيل الواجب إنشاؤها في فلسطين، وهكذا بدأت الحركات البيوريتانية بتعبئة الرأي العام الأمريكي بهذه المعتقدات الصهيونية وجرت عملية استعارة للأسماء العبرية وأطلقت على أبنائهم ومستوطناتهم الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية.

واعتبر البيوريتانيون أنفسهم "العبرانيين الحقيقيين" وسمّوا أنفسهم "أطفال إسرائيل في طريقهم إلى الأرض الموعودة"، ثم قاموا بإرسال بعثات استكشاف إلى فلسطين، ثم بدأوا بإقامة المستوطنات اليهودية الأولى فيها، منذ منتصف القرن التاسع عشر.

وكان الرئيس الأمريكي جون آدامز (1767– 1848) قد دعا إلى استعادة اليهود وطنهم، في رسالته إلى صديقه الكاتب اليهودي مانويل نوح عام 1818، وقال فيها: "أتمنى أن أرى ثانيةً أمة يهودية مستقلة في يَهوُدا" (قسم من الضفة الغربية). وقد بذل القس وليام بلاكستون جهودًا كبيرة من أجل الحركة الصهيونية؛ إذ أسس عام 1887 في شيكاغو منظمة سمّاها "البعثة العبرية نيابة عن إسرائيل" اعتُبِرَت أول "لوبي" (مجموعة ضغط) لمصلحة الصهيونية السياسية. ولعل أبرز نشاطات بلاكستون قيامه بجمع تواقيع نحو 413 شخصية أمريكية على عريضة قُدمت إلى الرئيس الأمريكي بنجامين هاريسون في 5 مارس 1891، طالبت الرئيس باستخدام نفوذه لتحقيق مطالب الإسرائيليين بفلسطين كوطنٍ لهم.

جرى ذلك قبل نشوء الحركة الصهيونية، عام 1897، بأكثر من ست سنوات، في موازاة ذلك، قام دبلوماسيون أمريكيون في الشرق الأوسط بحض الحكومة العثمانية على توطين اليهود في فلسطين. ويُعتبر الرئيس الأمريكي ولسون أحد أكثر الرؤساء تأثرًا بالصهيونية نظرًا لتربيته المسيحية الإنجيلية؛ حيث كان يرى أنه يتوجب عليه تحقيق "رغبة الرب" في إعادة الأرض المقدسة إلى شعبها اليهودي، ومن هنا كان تأييده الكامل لـ"وعد بلفور" الذي نص على إعطاء "وطن قومي لليهود" في فلسطين.

وفي عام 1922، صادقت الحكومة والكونجرس الأمريكيان بصورة نهائية على "وعد بلفور"، كما قامت الحركات المسيحية الصهيونية بإنشاء منظمات ولجان مهمتها "الدفاع عن قضية الوطن القومي اليهودي"، فتولّت التنسيق مع المنظمات الصهيونية اليهودية الأمريكية في ممارسة الضغوط السياسية على الإدارة الأمريكية من أجل إقامة دولة يهودية في فلسطين، وأثمرت هذه الضغوط عن موافقة الرئيس الأمريكي هاري ترومان على خطة تقسيم فلسطين، في خطبته الشهيرة في الرابع من أكتوبر 1946.

في الحلقة المقبلة، سنتحدث عن المعارضة الأمريكية داخل وزارة الخارجية لقيام إسرائيل، وكيف تحوَّل الموقف الأمريكي إلى تجاوز هذه المعارضة.

** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية ببيروت

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

160 منظمة دولية تطالب بحظر التبادل التجاري مع المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين

طالبت  أكثر من 160 منظمة مجتمع مدني دولية، من بينها منظمة العفو الدولية، الاتحاد الأوروبي إلى حظر التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.

وبحسب  قناة "الحرة" الأمريكية فقد جاء ذلك في رسالة مشتركة وجهتها هذه المنظمات إلى رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي، أورسولا فون دير لاين، حيث طالبتها بالامتثال للقانون الدولي وإنهاء دعم أوروبا للمستوطنين الإسرائيليين الذين استولوا على أراضٍ فلسطينية.

 

تبعات لقرار قرار محكمة العدل الدولية

وأشارت الرسالة إلى قرار محكمة العدل الدولية الصادر في يوليو 2024، والذي أكد عدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، معتبرة أن سياسات الاتحاد الأوروبي تنتهك الالتزامات الدولية.

كما شددت المنظمات على أن البضائع المنتجة في المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة تصدر إلى السوق الأوروبية، داعية إلى فرض حظر على هذه التجارة بسبب تورطها في انتهاكات حقوق الإنسان.

 

ترامب: سنسيطر على غزة

وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد أعلن  اليوم الأربعاء، بأن الولايات المتحدة ستسيطر على قطاع غزة بعد إعادة توطين الفلسطينيين في أماكن أخرى في ردود فعل حادة.

في هذا السياق  قال السناتور الأمريكي الديمقراطي كريس ميرفي في منشور على منصة إكس "لقد فقد عقله تماما، سيؤدي غزو الولايات المتحدة لغزة إلى مذبحة لآلاف الجنود الأمريكيين وحرب في الشرق الأوسط لعقود. إنها مثل مزحة رديئة".

وعلق جون ألترمان، رئيس برنامج الشرق الأوسط في مركز واشنطن للدراسات الاستراتيجية والدولية: "ينحدر العديد من سكان غزة من فلسطينيين فروا من أجزاء من إسرائيل الحالية ولم يتمكنوا قط من العودة إلى ديارهم السابقة، وأنا أشك في أن الكثيرين منهم قد يكونون على استعداد لمغادرة غزة المحطمة".

مقالات مشابهة

  • ترامب: إسرائيل ستسلم قطاع غزة إلى الولايات المتحدة عند انتهاء القتال / شاهد
  • عاجل| ترامب: إسرائيل سوف تسلم قطاع غزة إلى الولايات المتحدة بعد انتهاء القتال
  • ترامب: إسرائيل ستسلم قطاع غزة إلى الولايات المتحدة في نهاية القتال
  • مقتل مهاجر غير شرعي واعتقال 15 آخرين أثناء محاولتهم الدخول إلى كندا من الولايات المتحدة الأمريكية
  • بنما تُحرج الولايات المتحدة الأمريكية وتنفي ما أوردته خارجيتها: "لا لم نعفيكم من دفع الجمارك"
  • ريابكوف: على الولايات المتحدة أن تتخذ الخطوة الأولى لتطبيع العلاقات مع روسيا
  • على خطى الولايات المتحدة..إسرائيل تنسحب من مجلس حقوق الإنسان
  • إن بي سي: الولايات المتحدة تضع خططا لسحب كامل القوات الأمريكية من سوريا
  • النواب الأمريكي: نقف بثبات إلى جانب إسرائيل ودول منطقة الشرق الأوسط
  • 160 منظمة دولية تطالب بحظر التبادل التجاري مع المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين