فنادق جنوب لبنان.. من مراكز للحجر الصحي إلى مأوى للنازحين
تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT
جنوب لبنان– في بلدة المروانية بقضاء الزهراني جنوب صيدا، تحول فندق "مونتانا" المهجور منذ سنوات إلى مركز لإيواء النازحين نتيجة التصعيد الإسرائيلي في الجنوب اللبناني.
تمت إعادة تأهيل الفندق بمبادرة من مالكه محمد سميح غدار ومفتي صور وجبل عامل الشيخ حسن عبد الله، لاستقبال العائلات النازحة من المناطق الحدودية في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2023.
وهذا الفندق ليس غريبا على وظيفة الإيواء، فقد استخدم سابقا خلال جائحة كورونا (كوفيد-19) كمقر للحجر الصحي بعد انتشار الوباء. واليوم، يتبع الفندق لجنة إدارة الكوارث في اتحاد بلديات ساحل الزهراني، حيث يوفر مكانا آمنا وغرفا مجهزة بالكامل للنازحين.
ومع استمرار المواجهة العسكرية الدائرة في جنوب لبنان منذ أكثر من 7 أشهر، ومع طول أمدها أضافت نمطا جديدا لأماكن النزوح، وتحولت بعض الفنادق إلى ملاذ آمن للنازحين بدلا من المدارس.
فندق مونتانا في المروانية جنوب صيدا فتح أبوابه للنازحين من الجنوب (الجزيرة) خدمات متكاملةوقال رئيس لجنة إدارة الكوارث في اتحاد بلديات ساحل الزهراني سلام بدر الدين "افتتحنا الفندق كمركز إيواء في ديسمبر/كانون الأول 2023 نتيجة زيادة الطلب على مراكز الإيواء لاستقبال النازحين من القرى الحدودية، فقررنا كلجنة افتتاح فندق "مونتانا" للإيواء بمبادرة من مالكه ومفتي صور وجبل عامل".
وأضاف في حديث للجزيرة نت "حتى اليوم، استقبلنا أكثر من 135 عائلة، ويضم الفندق حاليا 65 عائلة"، واستدرك أن "الفندق كان بحاجة لإعادة تأهيل وتوفير بعض المستلزمات الضرورية لاستقبال النازحين. وسعينا بالتعاون مع الجمعيات والمنظمات المختصة في هذا المجال لإعادة تأهيله وترميمه ليكون صالحا للسكن".
ووفق بدر الدين، يعمل الفندق والجمعيات والمنظمات ذات العلاقة باستمرار لتأمين الاحتياجات الأساسية من غذاء ونظافة وتعليم وبرامج صحية وترفيهية ودعم نفسي.
وعلى عكس مراكز الإيواء الأخرى، يشعر النازحون بالراحة خلال إقامتهم في الفندق. يمارسون حياتهم بشكل شبه عادي كما كانت قبل العدوان، على الرغم من بعدهم عن منازلهم وتعرضها للتضرر.
وتقول النازحة فداء حيدر، وهي من منطقة الخيام للجزيرة نت "نزحت مع عائلتي إلى الفندق منذ 5 أشهر، والوضع مريح هنا. يقدم المركز لنا كافة الخدمات التي تسهل حياتنا، منها الطعام والشراب ومواد التنظيف".
وتضيف "نعيش حياة شبه عادية، نجلس مع الجيران، ونتحدث سواء في الصباح أو في المساء. ونتكيف مع الوضع الحالي".
فندق بلدة المروانية يقدم للنازحين خدمات متكاملة (الجزيرة) حكايات النزوحفي الغرفة المجاورة، تقيم النازحة ميرفت رسلان، من العديسة منذ سبعة أشهر، وتقول للجزيرة نت "هنا متوفر لنا كل شيء، نحن محظوظون بأننا جئنا إلى هنا بدلا من المدارس. أصبح هذا المكان كمنزلنا، ونعيش الآن مع الجيران كأصدقاء".
في ساحة الفندق، يجتمع النازحون ليتبادلوا الحديث ويتشاركوا حكاياتهم وتجاربهم في رحلة النزوح. يأتي كل شخص منهم من بلدة حدودية مختلفة، مثل كفر كلا، العديسة، الخيام، عيترون، عيتا الشعب، الطيبة، وغيرها.
لا يخفي أكرم شامي من كفر كلا حنينه إلى بلدته وعمله، برغم توفر سبل الراحة في الفندق. وخلال حديثه للجزيرة نت، يشارك تفاصيل نزوحه قائلا "نزحت عائلتي في نهاية شهر أكتوبر، وانضممت إليهم في اليوم الأخير من عام 2023. منذ ذلك الحين، زرت منزلي في كفر كلا مرة واحدة فقط لتفقده وجلب الضروريات".
يُثني شامي على الخدمات المقدمة في المركز، مثل الغرف الخاصة والدعم النفسي من الجمعيات. ويصف الحياة فيه بأنها تقتصر على الجلوس والحديث، ويؤكد صعوبة البقاء بدون العمل، ويضيف "الآن، نحن بحاجة إلى العمل والإنتاج لتوفير المال وضمان قدرتنا على العيش".
أما محمود رسلان من العديسة، فقد اتخذ قرار النزوح إلى الفندق نتيجة لتدهور الأوضاع في بلدته الحدودية. خلال حديثه للجزيرة نت، يوضح أن رحلة نزوحهم كانت تدريجية، حيث بدؤوا بالانتقال إلى بيروت، وبعد ذلك انتقلوا بين مدينتي صور والنبطية، حتى عثروا على مأوى في الفندق الذي يقيمون فيه منذ 6 أشهر.
ويضيف رسلان "تتوفر في الفندق جميع مقومات الحياة، مما جعلنا نشعر بالاستقرار والراحة كما لو أننا في منازلنا. وأصبحت متطوعا، وأساعدهم في توزيع الطعام للقادمين إلى الفندق، حيث يشعر كل من يصل بالاستقرار والأمان كما لو لم ينزح من مكانه أبدا".
استقبل فندق مونتانا أكثر من 135 عائلة ويؤوي حاليا 65 عائلة (الجزيرة) ظاهرة تتكررفي منطقة عين قنيا بحاصبيا، تم تحويل فندق "الصنوبر" أيضا إلى مركز إيواء للنازحين من منطقة العرقوب. ويضم النازحين من بلدات الهبارية، كفر شوبا، كفر حمام، راشيا الفخار، الماري، والفرديس.
ويقول رئيس بلدية حاصبيا لبيب الحمرا للجزيرة نت "البلدية بالتعاون مع أنور الخليل نائب منطقة حاصبيا-مرجعيون حولت فندق "الصنوبر" إلى مركز للحجر الصحي في عام 2020 خلال فترة تفشي وباء كورونا".
منذ ذلك الحين، بقي الفندق مهجورا حتى تعرضت مناطق العرقوب للقصف الإسرائيلي، مما دفع الناس هناك إلى اللجوء إلى حاصبيا.
وفي الوقت الحالي، يضم الفندق حوالي 35 عائلة، حيث الغرف جميعها ممتلئة والإقامة مجانية. ويضيف لبيب الحمرا "البلدية هي المسؤولة عن إدارة المركز وتوفير المياه والكهرباء على مدار الساعة، بالإضافة إلى تقديم المساعدات العينية والطبية من قبل الجهات المانحة. كما تقدم وزارة الصحة الاستشارات الطبية والأدوية".
وفي أحدث المعطيات عن النازحين من مناطق الجنوب اللبناني، أفاد الباحث محمد شمس الدين، من "الشركة الدولية للمعلومات" في بيروت، للجزيرة نت، أنه تم تسجيل نزوح 90 ألفا و500 شخص من المناطق الحدودية، يوجد منهم 1350 شخصا موزعين على 18 مركز إيواء جماعي، والباقي في فنادق أو بيوت مستأجرة أو لجأت أعداد كبيرة منهم للسكن عند الأقارب خارج مناطق الاشتباك.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات للجزیرة نت فی الفندق
إقرأ أيضاً:
تدمير المنازل في جنوب لبنان: استراتيجية إسرائيلية ممنهجة أم تداعيات حرب؟
في أعقاب الحرب العدوانية التي عصفت بجنوب لبنان، ومع إعلان وقف إطلاق النار، تظل ظاهرة تدمير إسرائيل للمنازل واحدة من أبرز نتائج هذه الحرب، مما يثير تساؤلات عديدة حول أسباب هذا التدمير وأهدافه. هل كان التدمير جزءا من استراتيجية إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى تغيير الواقع الديموغرافي والسياسي في المنطقة، أم أنه نتيجة حتمية للاشتباكات العسكرية؟ وكيف سيتعامل المجتمع الدولي مع هذه الممارسات بعد توقف الحرب؟ وهل ستتمكن الأسر النازحة من العودة إلى منازلها المدمرة في ظل الجهود الدولية لإعادة الإعمار وضمان حقوق السكان المتضررين؟
هذا المقال يسلط الضوء على هذه القضية من زوايا متعددة، مستعرضا معطيات وأرقام ميدانية تعكس حجم الكارثة الإنسانية، ويحلل خلفيات هذا التدمير وأهدافه. كما يناقش رؤى الأطراف المختلفة حول إعادة الإعمار، بين التصور اللبناني الذي يهدف إلى تعزيز صمود السكان، والتصور الإسرائيلي الذي يسعى إلى فرض شروط تعيد تشكيل المنطقة الحدودية وفق مصالحه.
أرقام ومعطيات:
تشير التقارير الميدانية الحديثة إلى أن الحرب الأخيرة في جنوب لبنان خلفت دمارا هائلا في المنازل والبنية التحتية، حيث بلغ عدد المنازل المدمرة كليا حوالي 45,000 منزل، وتضرر 30,000 منزل بشكل جزئي، بالإضافة إلى تضرر أكثر من 125,000 منزل بأضرار طفيفة. تضم المنطقة الجنوبية حوالي 129 قرية، منها 82 قرية جنوب نهر الليطاني و26 قرية بين نهري الليطاني والأولي، وهي مناطق تعرضت بشكل متكرر للاستهداف، مما أدى إلى نزوح أكثر من 886,000 شخص داخليا وفرار 540,000 شخص إلى سوريا.
تدمير المنازل في جنوب لبنان يحمل سمات منهجية واضحة تتجاوز كونه نتيجة عرضية لاشتباكات مسلحة. يتم ذلك من خلال اختيار الأهداف بعناية، حيث تُستهدف منازل تقع في مناطق استراتيجية، ما يشير إلى خطة مدروسة تهدف إلى تفريغ المناطق الحدودية من سكانها وإضعاف البنية المجتمعية والديموغرافية. كما يتسم التدمير باستخدام قوة عسكرية مفرطة، وهو ما يتجاوز الضرورات العسكرية التكتيكية، ما يعكس نية متعمدة للإبادة المادية
أما البنية التحتية، فقد تضررت 35 منشأة مياه، مما أثر على إمدادات المياه لأكثر من 400,000 شخص، وتعرضت 80 مدرسة للتدمير، مما حرم حوالي 25,000 طفل من التعليم. وعلى الصعيد الاقتصادي، قُدرت الخسائر الإجمالية بحوالي 10.5 مليار دولار، منها 3.2 مليار دولار تخص قطاع السكن، مع توقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.7 في المئة لعام 2024.
وتشير التقديرات إلى أن النساء والأطفال يمثلون 40 في المئة من إجمالي النازحين، في حين ارتفعت معدلات الفقر في المناطق المتضررة إلى 48 في المئة، والبطالة إلى 36 في المئة. تعكس هذه الأرقام مدى الكارثة الإنسانية والاجتماعية التي يعيشها لبنان، مما يؤكد الحاجة إلى تدخل عاجل لإعادة الإعمار ودعم السكان المتضررين. ومن المفيد ذكره أن هذه الأرقام والإحصاءات تم جمعها من تقارير الأمم المتحدة، ووكالات الإغاثة الدولية، والمؤسسات الإعلامية الموثوقة، والبيانات اللبنانية الرسمية.
أشكال تدمير المنازل في الحرب الحالية على جنوب لبنان:
تشير الشهادات والتقارير الميدانية الحديثة إلى أن تدمير المنازل في جنوب لبنان خلال الحرب كان يتم عبر أساليب متعددة وممنهجة؛ تعكس استراتيجية واضحة تهدف إلى إخلاء المنطقة الحدودية من سكانها. القصف الجوي والمدفعي المباشر هو أبرز أشكال التدمير، حيث تستهدف القوات الإسرائيلية المنازل بشكل دقيق، مما يؤدي إلى تسويتها بالأرض، كما حدث في بلدة رامية. إلى جانب ذلك، تُستخدم أساليب التفجير الممنهج عبر تفخيخ المنازل وتفجيرها، خاصة في القرى الحدودية مثل العديسة وميس الجبل وكفركلا، بغية خلق مناطق عازلة خالية من السكان. كما توظف القوات الإسرائيلية الجرافات العسكرية لتجريف المنازل وتسويتها بالأرض، في أسلوب يهدف إلى محو أي بنية تحتية قد تُستخدم مستقبلا.
حق العودة إلى المنازل: رؤية قانونية
وفقا للقانون الدولي الإنساني، تُصنَّف المنازل ضمن الممتلكات المدنية التي تحظى بحماية كاملة خلال النزاعات المسلحة. تنص اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 على حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، وتحظر استهداف الممتلكات المدنية إلا إذا استُخدمت لأغراض عسكرية. كما يُعزِّز البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 هذه الحماية، مؤكدا على ضرورة التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية وتجنب استهداف المدنيين وممتلكاتهم.
بالإضافة إلى ذلك، يضمن القانون الدولي لحقوق الإنسان حق الأفراد في العودة إلى منازلهم بعد انتهاء الأعمال العدائية. تنص المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "لكل فرد حق في حرية التنقل وفي اختيار محل إقامته داخل حدود الدولة"، و"لكل فرد حق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إلى بلده".
كما تؤكد المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على حق الأفراد في حرية التنقل واختيار محل إقامتهم، والحق في مغادرة أي بلد والعودة إليه.
بناء على هذه النصوص القانونية، فإن تدمير المنازل بشكل متعمد أو منع سكانها من العودة إليها يُعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. يُلزم المجتمع الدولي باتخاذ التدابير اللازمة لضمان احترام هذه القوانين، ومحاسبة الجهات المسؤولة عن أي انتهاكات، وتقديم الدعم اللازم للمتضررين لضمان عودتهم الآمنة إلى منازلهم.
هل التدمير منهجي أم نتيجة اشتباك مسلح؟
تشير التقارير والشهادات الميدانية إلى أن تدمير المنازل في جنوب لبنان يحمل سمات منهجية واضحة تتجاوز كونه نتيجة عرضية لاشتباكات مسلحة. يتم ذلك من خلال اختيار الأهداف بعناية، حيث تُستهدف منازل تقع في مناطق استراتيجية، ما يشير إلى خطة مدروسة تهدف إلى تفريغ المناطق الحدودية من سكانها وإضعاف البنية المجتمعية والديموغرافية. كما يتسم التدمير باستخدام قوة عسكرية مفرطة، وهو ما يتجاوز الضرورات العسكرية التكتيكية، ما يعكس نية متعمدة للإبادة المادية وزعزعة استقرار المنطقة على المدى الطويل.
إضافة إلى ذلك، يشمل اتساع نطاق التدمير مناطق متعددة، مما يعزز فرضية السياسة الممنهجة بدلا من الردود العشوائية. هذا التدمير لا يستهدف فقط المواقع ذات الأهمية العسكرية بل يمتد ليشمل ممتلكات المدنيين والبنى التحتية الأساسية، ما يزيد من الضغط النفسي على السكان المحليين ويدفعهم إلى التهجير القسري، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.
كل هذه المعطيات تُظهر نمطا متعمدا للتدمير يهدف إلى تحقيق أهداف عسكرية وسياسية واسعة النطاق، مثل زعزعة الاستقرار الديموغرافي، وتعطيل البيئة الحاضنة للمقاومة، وتكريس سياسات الإخضاع الجماعي في المناطق الحدودية. هذا النهج يثبت أن التدمير ليس نتيجة عرضية لاشتباكات، بل استراتيجية منظمة تخدم رؤية طويلة الأمد لتغيير الواقع الجيوسياسي والاجتماعي في جنوب لبنان.
تشكل قضية عودة النازحين وإعادة إعمار المنازل المدمرة في جنوب لبنان اختبارا حقيقيا للتصورات المتناقضة
عودة النازحين وإعادة الإعمار: بين التصور اللبناني والإسرائيلي
تشكل قضية عودة النازحين وإعادة إعمار المنازل المدمرة في جنوب لبنان اختبارا حقيقيا للتصورات المتناقضة. تاريخيا، كشفت الوقائع في مناطق أخرى مثل مخيم جنين في عام 2002 عن استراتيجيات إسرائيلية تسعى لإعادة الإعمار وفق شروط أمنية صارمة، حيث سمحت بإعادة بناء المخيم تحت قيود مشددة، بهدف التحكم في الحركة السكانية وضمان خلو المناطق من أي بنية تحتية قد تُستخدم في أنشطة مقاومة. في جنوب لبنان، قد يتكرر المشهد، حيث تظهر رؤيتان متناقضتان لإعادة الإعمار:
1- التصور اللبناني:
تسعى الحكومة اللبنانية، بدعم من منظمات محلية ودولية، إلى إعادة بناء المنازل والبنية التحتية كما كانت قبل الحرب، بهدف تعزيز صمود السكان وتأمين عودتهم إلى أراضيهم. وقد تمثل ذلك في أعقاب حرب 2006، عندما أطلقت الحكومة اللبنانية بدعم من المجتمع الدولي مشاريع واسعة لإعادة الإعمار، كما أطلق حزب الله مشروع "وعد"، الذي أعاد بناء آلاف المنازل في الضاحية الجنوبية وكثير من المناطق المتضررة.
2- التصور الإسرائيلي:
تميل إسرائيل إلى فرض شروط على إعادة الإعمار لضمان خلو المناطق الحدودية من أي نشاط مقاوم. تشير التقارير إلى أن إسرائيل تسعى إلى منع عودة السكان إلى المناطق الحدودية عبر تدمير شامل للبنية التحتية، كما فعلت في بلدة بنت جبيل بعد حرب 2006، حيث تعمدت تدمير المباني السكنية والمرافق الحيوية بشكل ممنهج. في بعض الحالات، تترك إسرائيل المناطق مدمرة تماما، مراهنة على أن ذلك سيؤدي إلى نزوح دائم للسكان، ما يخلق "مناطق عازلة" تخدم أهدافها الأمنية. على الرغم من الأضرار الجسيمة التي خلفها التدمير، يُظهر التاريخ أن هذه الاستراتيجية لا تحقق نجاحا مستداما. يعود السكان إلى منازلهم رغم الدمار، ويعملون على إعادة بنائها كجزء من مقاومتهم للسياسات الإسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي تدمير المنازل إلى زيادة التعاطف الدولي مع الضحايا، مما يضع إسرائيل تحت ضغوط سياسية وقانونية.
إعادة الإعمار في جنوب لبنان ليست مجرد عملية تقنية لإعادة بناء المنازل والبنية التحتية، بل هي جزء من صراع أعمق على الهوية والسيادة. يسعى لبنان من خلال إعادة البناء إلى تعزيز صمود سكانه وربطهم بأرضهم، في حين تستخدم إسرائيل التدمير كوسيلة لترسيخ سيطرتها وفرض واقع ديموغرافي يخدم مصالحها الاستراتيجية
تشير التقارير إلى أن إسرائيل ترفض بشكل قاطع السماح بعودة النازحين إلا في ظل ترتيبات أمنية صارمة، وهو ما يُظهر توجهها نحو خلق واقع ديموغرافي جديد. ويعكس ذلك استراتيجيتها في مناطق أخرى مثل قطاع غزة، حيث استخدمت تدمير المنازل كوسيلة لإجبار السكان على النزوح، مع فرض قيود على دخول مواد البناء والمساعدات الدولية.
إن إعادة الإعمار في جنوب لبنان ليست مجرد عملية تقنية لإعادة بناء المنازل والبنية التحتية، بل هي جزء من صراع أعمق على الهوية والسيادة. يسعى لبنان من خلال إعادة البناء إلى تعزيز صمود سكانه وربطهم بأرضهم، في حين تستخدم إسرائيل التدمير كوسيلة لترسيخ سيطرتها وفرض واقع ديموغرافي يخدم مصالحها الاستراتيجية. ورغم أن القانون الدولي الإنساني يضمن للسكان المدنيين حق العودة إلى منازلهم، إلا أن التطبيق العملي لهذا الحق يظل مرهونا بالتوازن بين إرادة المجتمع اللبناني والدعم الدولي من جهة، والسياسات الإسرائيلية الممنهجة التي تسعى لتحقيق أهدافها الأمنية والسياسية طويلة الأمد من جهة أخرى. هل تنجح إسرائيل في تحقيق أهدافها؟
إن تدمير المنازل في جنوب لبنان، بما في ذلك النمط الممنهج الذي يستهدف البنية التحتية والممتلكات المدنية بشكل متعمد، يتطلب استجابة عاجلة تتجاوز الوصف والتحليل إلى خطوات عملية ملموسة. تتحمل الدول الكبرى والمنظمات الدولية مسؤولية أخلاقية وقانونية تجاه دعم المدنيين المتضررين ومساءلة إسرائيل على انتهاكها للقانون الدولي الإنساني عن هذه الجرائم الممنهجة. إن الصمت الدولي أمام هذه الكارثة لا يساهم إلا في تعميق معاناة السكان، وترسيخ آثار التدمير المنهجي، وفتح المجال أمام المزيد الجرائم الإسرائيلية. وهي جرائم لن تبقى آثارها محصورة في جنوب لبنان أو قطاع غزة كما كان متوقعا أن تبقى فقط في قطاع غزة!