التنزيل السليم لمسطرة سندات الطلب بين تصور المرسوم الجديد و آلية رقمنتها عبر قرار وزير المالية
تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT
أسالت مسطرة إبرام الطلبيات العمومية عبر سندات الطلب الكثير من المداد، و كانت نقطة سوداء في معظم تقارير الافتحاص المالي، و قضايا جرائم الأموال، إذ لا تخلو أي متابعة من مؤاخذة في هذا الباب، سواء همت أساسا المنافسة الصورية للمقاولين بتواطؤ مع الإدارة، أو ارتبطت بارتفاع ملحوظ في أثمنة الشراء عبر هذا الاستثناء التعاقدي.
لذلك كان لزاما إعادة النظر في طرق تدبير سندات الطلب، بالتأكيد على كونها استثناء لا قاعدة، و لهذا خصصت لها المادة 91 من مرسوم 08 مارس 2023 كمادة فريدة ، لا أقل و لا أكثر ، فجعلتها ترتقي إلى الطرق العادية من حيث ضمها لمصاف المساطر المجردة من الصفة المادية.
في ظل هذا المستجد، هل يمكننا الحديث عن ضبط مثالي لهذه المسطرة ؟
و هل أخذت السلطة التنظيمية بعين الاعتبار المخاطر الواقعية لتقيد الإدارة بالرقمنة في الشراء بسند الطلب ؟
و هل ساهمت وزارة المالية بصفتها الراعي لهذا الورش في تجويد الشراء عبر سندات الطلب من خلال تجريدها من الصفة المادية ؟
وقبل تحليل ومناقشة المستجد الذي عرفته مسطرة سندات الطلب، ينبغي الإشادة بالثورة الرقمية التي شهدتها بلادنا في ميدان تفويت الطلبيات العمومية، و مساهمتها الفعالة في محاربة جزء من الفساد المالي، فضلا عن مساهمتها في تجويد وتسريع سد الثغرات القانونية قصد تدبير أمثل للموارد.
عموما، إن الأعمال المبنية على سندات طلب مؤطرة بأحكام المادة 91 من مرسوم 08 مارس 2023 المتعلق بالصفقات العمومية على غرار المرسوم السابق لسنة 2013، وقد نصت نفس المادة على ضرورة نشر إعلان الشراء بواسطة سندات الطلب في بوابة الصفقات العمومية.
في الإطار نفسه، صدر قرار للوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد و المالية المكلف بالميزانية رقم 1692.23 بتاريخ 4 ذي الحجة 1444 الموافق ل 23 يونيو 2023 يتعلق بتجريد المساطر و الوثائق و المستندات المتعلقة بالصفقات العمومية من الصفة المادية تم نشره بالجريدة الرسمية بتاريخ 30 محرم 1445 الموافق ل 17 أغسطس 2023 تحت عدد 7222.
وقد جاء في مضمون هذا القرار ما يلي:
كيفيات تدبير بوابة الصفقات العمومية من لدن الخزينة العامة للمملكة كيفيات نشر المعلومات و الوثائق في بوابة الصفقات العمومية شروط و كيفيات إيداع أظرفة المتنافسين و عروضهم و سحبها بطريقة إلكترونية كيفيات تجريد الضمانات المالية من الصفة المادية شروط و كيفيات فتح الأظرفة و تقييم عروض المتنافسين بطريقة الكترونية شروط و كيفيات اللجوء الى المناقصات الالكترونية و إجرائها شروط و كيفيات الشراء بواسطة سندات الطلب بطريقة الكترونية شروط و كيفيات تجريد رهن الصفقات العمومية من الصفة المادية شروط و كيفيات تبادل المعلومات مع أنظمة الأغيار شروط و كيفيات تجريد الوثائق و المستندات من الصفة المادية كيفيات نزع الصفة المادية عن الدراسة القبلية لمشاريع ملفات الاستشارة كيفيات مسك و استغلال قاعدة معطيات أصحاب الأعمال.وبيت القصيد، يمكن اعتبار أن ما ورد من شرح و تفصيل لشروط و كيفيات الشراء بواسطة سندات الطلب بطريقة الكترونية في هذا القرار من أهم ما تداوله مختلف المتداخلين، و قد أثار فعلا الكثير من التساؤلات التي سنحاول تجميعها و تحليلها.
في نفس السياق، أصدرت البوابة الوطنية للصفقات العمومية دليلا للمشتري العمومي يوضح سبل تنزيل المادة 91 من المرسوم و أيضا القرار السالف الذكر.
من هذا المنطلق، نود التطرق حصرا لبعض الإكراهات التي قد تعترض الفاعل الاقتصادي، سواء إدارة أو مقاولة أثناء تنزيل مقتضيات المواد الواردة بالقرار ذات الصلة، لتحلي وفهم التوجه العام في سلوكيات الادارة و المقاولة ….
وبالرجوع للباب الثامن من القرار أعلاه رقم 1692.23 نجده قد خصص المواد 43 و 44 و 45 لتوضيح سبل تطبيق أحكام الماة 91 من المرسوم رقم 2.22.431 التي جاء فيها ما يلي:
الرفع من قيمة سند الطلب مئاتي ألف درهم مع احتساب الضريبة على القيمة المضافة إلى خمسمائة درهم مع احتساب الضريبة على القيمة المضافة نشر اعلان الشراء عبر سند الطلب من طرف الادارة في بوابة الصفقات العمومية خلال مدة لا تقل عن ثمانية و أربعين ساعة تسجيل الأظرفة المودعة في سجل مخصص لسندات الطلب من لدن صاحب المشروع إمكانية أيضا ايداع الأظرفة المتضمنة لبيانات الأثمان بطريقة الكترونية وفق الشروط و حسب الكيفيات المحددة بالقرار موضوع مناقشتنا قيام صاحب المشروع بفحص الأثمان و ترتيبها تصاعديا بعد تصحيح الأخطاء الحسابية عند الأقتضاء في حالة تساوي العروض تمنح الأفضلية لعرض المتنافس الذي يزاول نشاطه في مكان تنفيذ العمل قيام صاحب المشروع بنشر نتائج فحص بيانات المتنافسين لكل سند طلب و كذا نشر قائمة عدد سندات الطلب بحسب طبيعتها عبر بوابة الصفقات العمومية.وبعد توضيح الإطار القانوني لسندات الطلب بمستجداته، يمكن القول أن القرار رقم 1692.23 و الدليل العملي للبوابة، جاءا ليوضحا شروط و كيفية إيداع الأظرفة المتضمنة لبيانات الأثمان بطريقة الكترونية.
وفي نظرنا قد خرجا عن سياق التنزيل السليم في عدة مناسبات عمليا:
فبالرجوع الى المرسوم أكد في معرض سرده للمنافسة أنه في حالة تعذرها أو أنها إذا كانت غير متلائمة مع طبيعة الأعمال يتعين حينها على صاحب المشروع أن يعد شهادة ادارية تبرر هذه الاستحالة أو عدم الملاءمة، إلا أن القرار المذكور قد استطال في شرح هذه الحالة الشادة خارج الإطار المطلوب منه بحسب المادة 91 من المرسوم والمتعلق حصرا بتوضيح المشاركة الإلكترونية. في نفس السياق أوضح القرار مفهوم الاستحالة أو عدم الملاءمة و خصها في حالة الاستعجال أو حاجات الأمن العام أو وقوع حادث خارج عن إرادة صاحب المشروع، أو عندما يتعلق الأمر بأشياء يختص بصنعها حصريا حاملو براءات الاختراع.فهذا التعليل مجانب للصواب، اذ أن الشكل الوحيد للتعاقد – بحسب المرسوم- عند إثارة حالة الاستعجال هي الصفقات التفاوضية، و هذا أمر منطقي و هو ما أكدته اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية غير ما مرة عبر قولها أن سند الطلب هو فقط وسيلة تيسيرية لا تبررها حالة الاستعجال.
يقوم المتنافس بملء بيانات الأثمان و يشير الى تسميته أو هويته و عنوانه و رقم التقييد في الضريبة المهنية و بيان الهوية البنكية و عند الإقتضاء رقم الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو ما يعادله. في هذا السياق و من باب الممارسة فانه لا سبيل للإدارة للتأكد من صحة المعلومات المدلى بها، فلماذا جعلت الادلاء بالرقم الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي غير الزامي. من خلال قراءة مقتضيات المادة 45 من نفس القرار و في معرض سرده لترتيب المتنافسن نجد أنه لم يحدد مآل و مصير المشاركين ورقيا و التي أجازتها المادة 91 من المرسوم بل و جعلت المشاركة الإلكترونية هي طريقة ثانوية و ليست الأصل. هذا الإشكال أحرج كثيرا مدبري المال العام خصوصا عند بداية العمل بالمرسوم الجديد و دفعت بهم -دون سند قانوني- إلى اقصاء المشاركين ورقيا بشكل تلقائي. نفس المادة من القرار حصرت المنافسة في العروض الخمسة الأقل ثمنا، و أوقفت مسطرة سند الطلب عند هذا العدد، مما طرح معه إشكالا عمليا حقيقيا، بخصوص الأثمنة الهزيلة التي يتقدم بها المتنافسون، و عند اختيارهم على أساس العرض الأقل ثمنا قلما يحترمون تعاقدهم مع الإدارة. يشير كلا من المرسوم و القرار أن صاحب المشروع يقوم بترتيب العروض تصاعديا، إلا أنه، ورد في الدليل العملي فإن البوابة هي من تقوم مقام صاحب المشروع و ترتب العروض تلقائيا. و هذا أمر إيجابي لكن الإشكال يكمن في حالة تساوي العروض و عكس ما ورد في المرسوم فإن الأولوية تعطى تلقائيا للمتنافس الذي قدم عرضه عبر البوابة أولا . الى جانب ما سلف ذكره فان اعتماد العرض الأقل ثمنا في سندات الطلب هو أمر غير عملي ،خاصة في غياب ضمانات حول جدية العرض المقدم ، و لفظ الضمانات كما ورد في المادة 91 من المرسوم أخذ طابعا عاما و مبهما يصعب تنزيله ناهيك عن كونه خارح سياق روح المرسوم الحديد و الذي يعتمد مبدأ الثمن المرجعي. غياب تحديد و وصف طبيعة لجان فتح الأظرفة و كذا الأجال الممنوحة للإدارة و حصر حالات الإقصاء و مدة صلاحية العروض المقدمة في نفس السياق ألزم المشرع الإدارة بنشر إعلان الشراء عبر سند الطلب في بوابة الصفقات العمومية خلال مدة لا تقل عن ثمانية و أربعين ساعة، سعيا منه إلى ضمان فعالية الشراء العمومي، و لكن في نفس الوقت طرح إشكالا جديدا يتعلق بضرورة تجاوز مفهوم ساعات العمل القانونية و إكراهات أيام العطل و الأعياد.من خلال ما سلف، يستشف أن الاتجاه العام لسلوك الادارة -و في ظل الظروف الراهنة و عدم استدراك الهفوات الملاحظة من طرف المشرع- سيتجه لا محالة الى الاستغناء التام عن طريقة الشراء عبر سندات الطلب، لتجاوز الإكراهات العملية المرتبطة به.
وغالبا ما سيتم تعويضها بطلب العروض المبسط لما يتوفر عليه من ضمانات أوسع مع سرعة في مسطرتها.
هذا التغيير سيؤثر على الأثمان المقترحة سلبا من جهة لكنه سيضمن بالمقابل جودة في المشترى العمومي.
المصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: بطریقة الکترونیة صاحب المشروع سندات الطلب فی حالة فی نفس
إقرأ أيضاً:
المحس كترانج
منطقة المحس كترانج التي تقع في جنوب شرق ولاية الخرطوم – إدارية الحاج يوسف. وهي قنطرة ربط بين ولايتي: الخرطوم والجزيرة. كانت عند الموعد لتاريخ حرب جنجاتقزم الحالية. حيث سار بذكر مآثرها الركبان. كيف لا يسير الركبان بذلك؟. وهم الذين ردوا على المرجفين بالمدينة الذين قالوا لهم: (إن – الدعامة – قد جمعوا لكم فاخشوهم)، فكانت الحسبلة هي الجواب (حسبنا الله ونعم الوكيل). عاشت مخضرمة في (جاهلية) حميدتي، إذ لم يدنس أرضها وعرضها أي مرتزق. وكذلك في (إسلامية) البرهان، إذ مثلت الأنموذج الأمثل لتلك البقعة الطاهرة النقية التي يحتذى بها في لملمة الجراحات مبكرًا والتوجه صوب إعادة حياتها لسيرتها الأُولى بعد تلقينها للباغي دروس في الدفاع عن الأرض والتاريخ والشرف والأمانة والوطنية، وقبل كل ذلك الدين. ربما نكون مبالغين إذا قلنا: (لم يخرج أحدٌ من أهل المنطقة – رجلًا كان أو امرأة – بالرغم من تربص الموت بالجميع في كل اللحظات، إلا في حالات ضرورة المرض القصوى. وكان شعارهم: (يحزمنا حبل ويقطعنا سيف). وقد ضرب الجندي المجهول، وإن جاز التعبير الغائب الحاضر “المغترب” أروع أمثلة التضحية، حيث نسّق المغترب مع لجنة طواريء المنطقة في إيجار منزل بشندي لعلاج الجرحى، وكذلك دفع فاتورة العلاج، وفوق كل ذلك سداد الديات للدعامة فداءً للمختطفين. تصور بفضل الله ومن ثم عزيمة الكل (إدارة أهلية وشباب وشيوخ وأطفال والمغتربين والمرأة) صمدت هذه المنطقة صمود الراسيات. تعرضت للوحشية بكل أنواعها. وروت أرضها دماء شهداء منها. وآخر تلك الهمجية قبل وصول الجيش بأيام لها. حيث تعرضت لقذف غاشم في صباحٍ باكرٍ بخمس دانات. ثم أعقبه هجوم من (٧٠) مرتزق جنوبي. وقد تمكن الأسود من قتل (٢٠) منهم. وفي تقديرنا إدارة تلك الأزمة بهذه الاحترافية والجسارة. لم يكن وليد الصدفة، بل هناك تخطيط متقن، ووجد ذلك التخطيط الحاضنة الأساسية (الشجاعة) من أهل القرية. وأجزم بأن هناك نسبًا بينهم والموت. وكأني بهم الذين عناهم شاعرنا أبو قطاطي (مافي وسطنا واحدًا ما إنكرب زندو). بربكم بأي مداد يكتب التاريخ عن هؤلاء؟. وفي أي صفحة من سفره يحفظ تلك التضحيات؟. وخلاصة الأمر ربما يكون شاعرنا إسماعيل حسن الذي كتب ((تصور كيف يكون الحال لو ما كنت سوداني، وأهل الحارة ديل اهلي) كان يقصد هؤلاء القوم بالذات، ولكن لشيء في نفس يعقوب أخفى ذلك، حتى يرى الشعب بأم عينه حقيقة الأبطال الذين عناهم في هذا الزمن بالمحس كترانج.
د. أحمد عيسى محمود
عيساوي
الخميس ٢٠٢٥/٢/٦
نشر المقال… يعني دخول المحس كترانج موسوعة البرهان لأرقام الفروسية والتضحية.