الاعتراف الثلاثي بفلسطين.. صفعة لإسرائيل وأخرى للاتحاد الأوروبي
تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT
لم يكن مفاجئًا لأحدٍ داخل إسبانيا أن تصدر الحكومة اعترافًا بالدولة الفلسطينيّة، فدعم الحقّ الفلسطينيّ كان من ثوابت سياستها الخارجيّة لعقود، ولكن كان لصدور القرار في هذا التوقيت وقعه المؤثّر داخل أروقة الاتحاد الأوروبي، بما يحمله من رفض لتلكُّئِه بشأن هذه القضية، وانحياز بعض دوله الكبرى لإسرائيل، وقد لا يكون من المبالغة أن نصف ما حدث بأنه كان ضربة للاتحاد أيضًا.
وكما ذكرت، كان الوصول لهذه المحطة مجرد مسألة وقت، فالاعتراف بدولة فلسطين كان جزءًا من اتفاق الائتلاف الحكومي الذي يضمّ الحزب الاشتراكي، وحزب "سومار" اليساري، كما يتّفق مع السياسة الخارجية الإسبانية تجاه القضية الفلسطينية في العقود الأخيرة، بل إن البرلمان الإسباني صوَّت بجميع طيفه السياسيّ عام 2014 على مشروع قانون غير ملزم بشأن هذا الاعتراف.
الرأي العام الإسبانيّ، بغالبيته يدعم أيضًا هذه الخطوة، فاستطلاع الرأي الذي أجراه "معهد إلكانو الملكي"، أشار إلى دعم نحو 78% لهذا القرار، وأكّد أيضًا أن 71% من الإسبان يعتبرون أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعيّة في قطاع غزة.
بينما تتردّد معظم الدول الأوروبية بشأن بادرة رمزية مثل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لا يوجد لديها أدنى حرج في منح معاملة تفضيلية لحكومة متهمة بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية
ما الذي دفع إسبانيا إذن لاتخاذ هذا القرار الآن بالذات؟يمكن اعتبار هذا القرار، هو إعلان لفقدان الرجاء في جهتَين؛ الأولى: هي حكومة بنيامين نتنياهو، الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، والتي تؤكّد بوضوح مرة بعد أخرى أنها لن تقبل أبدًا بإقامة دولة فلسطينية على أراضي الضفة الغربية، وغزة، والقدس الشرقية، المحتلّة منذ عام 1967.
ليس ذلك فحسب، بل إن أعلى أولويات هذه الحكومة، هو فرض السيادة الإسرائيليّة على مجمل الأراضي الواقعة بين نهر الأردن، والبحر الأبيض المتوسط، وهو ما يعادل الضمّ الفعلي للأراضي المحتلة.
وهكذا فقد أصبح واضحًا للعيان، بعد ثلاثين عامًا من التوقيع على اتفاقيات أوسلو، أن إقامة دولة فلسطينية لن تأتي "نتيجة للمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين"، تلك الحجّة التي تستخدمها العديد من الدول الأوروبيّة؛ لتبرير رفضها القيام بهذه الخطوة التي تبنّتها إسبانيا، وأيرلندا، والنّرويج، الآن.
حمل القرار كذلك رسالة بفقدان الرجاء في الاتّحاد الأوروبيّ، حيال هذه القضيّة، إذ لم يعد يبدو منطقيًّا تأجيل هذا الاعتراف إلى أجل غير مسمّى؛ انتظارًا للوصول إلى إجماع نهائي داخل الأسرة الأوروبيّة، فالعديد من أعضائها يبدون صراحةً معارضتهم لهذه المبادرة، كما هو حال ألمانيا، وفرنسا، وجمهورية التشيك، التي تواصل دعمها لإسرائيل مهما كانت الصعاب، على الرغم من سياساتها الاستعمارية والمتّسمة بالفصل العنصري.
وفي مواجهة هذا الواقع القاسي لم يبقَ سوى خيارين:
إما الاستمرار في ترديد الشعارات الجوفاء حول المطالبة بحل الدولتين. أو كسر هذه الدائرة المفرغة بقرار حاسم لصالح إقامة الدولة الفلسطينية.
كان الخيار الثاني، هو ما انحازت له في النهاية حكومات: إسبانيا، وأيرلندا، والنرويج، وبها يرتفع عدد الدول التي تعترف بالدولة الفلسطينية إلى 146 دولة تمثل 75% من أعضاء الأمم المتحدة.
وتنتمي غالبية الدول التي اعترفت بفلسطين إلى ما يسمى بالجنوب العالمي في قارات: أفريقيا، وآسيا، وأميركا الجنوبية، أما الاتحاد الأوروبي، فإن 11 فقط من أعضائه السبعة والعشرين يعترفون بها، وقسم كبير من هذه الدول فعلت ذلك في إطار إعلان الجزائر عام 1988، عندما كانت تمثل جزءًا من الكتلة السوفياتية، ولهذا كان لقرار هذه الدول التي تنتمي إلى أوروبا الغربية وقعه المؤثر.
كان الأمر يحتاج إلى ذلك الاحتجاج الإسباني القوي، لأن أحدًا من أعضاء الاتحاد الأوروبي لم يطرح على نفسه حتى هذه اللحظة فكرة إعادة النظر في علاقاته مع إسرائيل، أو فرض عقوبات عليها؛ ردًا على هجومها على قطاع غزة الذي تسبّب في سقوط أكثر من 36 ألف قتيل، غالبيتهم العظمى من المدنيّين.
وبينما تتردّد معظم الدول الأوروبية بشأن بادرة رمزية مثل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لا يوجد لديها أدنى حرج في منح معاملة تفضيلية لحكومة متهمة بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية، وأصدر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، أوامر اعتقال بحقّ رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف غالانت، وهو ما يوضّح تمامًا أن الاتحاد الأوروبي فقد بشكل نهائي أية مصداقيّة على المستوى الدولي.
حرّكت إسبانيا والنرويج وأيرلندا الماء الراكد، فمن الآن فصاعدًا لن يكون من السهل على الاتحاد الأوروبي تبرير المعاملة التفضيلية التي يمنحها لإسرائيل، ولن يكون بإمكانه أن يشيح بالنظر إلى جهة أخرى متظاهرًا بجهله بالمجازر المتكررة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي.
إذا استمرّت الدول الأوروبية في بيع الأسلحة إلى إسرائيل لتستخدمها في تدمير كامل قطاع غزة، فمن الممكن مستقبلًا أن يتم اتهامها بالتواطؤ في الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك جرائم الإبادة، أو القتل العمد للمدنيين، أو استخدام التجويع كسلاح حرب، التي تتحقّق منها المحكمة الجنائية الدولية.
لهذا كله، يكتسب قرار الحكومة الإسبانية أهمية خاصة، بما يتضمنه من تأكيد على ضرورة أن تقوم الدولة الفلسطينية المستقبلية على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، وتكون عاصمتها القدس الشرقيّة، وبما يسجّله كذلك من رفض قاطع لسياسة الأمر الواقع التي اتبعتها الحكومات الإسرائيلية المختلفة منذ عام 1967، وحتى يومنا هذا.
صحيح أنّ هذا القرار لن يغير الوضع في الأراضي المحتلة على المدى القصير، ولن تكون له نتائج عملية بالنسبة للشعب الفلسطيني، ولكن الصحيح أيضًا أن الاعتراف الإسباني بالدولة الفلسطينية يكشف العزلة الصارخة التي تعانيها إسرائيل على الساحة الدولية، ويضرب قلعة الانحياز الأوروبيّ لها في مقتل.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات بالدولة الفلسطینیة الاتحاد الأوروبی الدول الأوروبی هذا القرار ة التی
إقرأ أيضاً:
الاتحاد الأوروبي يسمي سبع دول آمنة ضمن خطة لتسريع عودة المهاجرين
أبريل 16, 2025آخر تحديث: أبريل 16, 2025
المستقلة/- حدد الاتحاد الأوروبي سبع دول يعتبرها دول منشأ آمنة، كجزء من مقترحات لتسريع إجراءات طلبات اللجوء، وخاصةً من الدول المعنية.
سيتم تسريع إجراءات طلبات مواطني كوسوفو وبنغلاديش وكولومبيا ومصر والهند والمغرب وتونس في غضون ثلاثة أشهر، بافتراض احتمالية رفضها.
صرح ماركوس لاميرت، من المفوضية الأوروبية، بأن القائمة ستكون “قائمة ديناميكية” قابلة للتوسيع أو المراجعة، مع تعليق عضوية الدول أو إزالتها إذا لم تعد تُعتبر آمنة.
منذ أن شهدت دول الاتحاد الأوروبي تدفقًا للمهاجرين غير النظاميين في الفترة 2015-2016، سعت إلى إصلاح قواعد اللجوء.
تم الاتفاق على اتفاقية بشأن الهجرة واللجوء العام الماضي، لكن الاتحاد الأوروبي يقول إنه، بما أنه لن يدخل حيز النفاذ حتى يونيو 2026، فإنه يريد تمرير قاعدتين رئيسيتين لتسريع إجراءات معالجة الطلبات.
دعا قادة الاتحاد الأوروبي المفوضية العام الماضي إلى وضع خطط لتسريع عودة المهاجرين، حيث أشارت أرقام الاتحاد الأوروبي إلى أن أقل من 20% من الأشخاص الذين صدرت بحقهم أوامر بالمغادرة أُعيدوا إلى بلدانهم الأصلية. بموجب هذه الخطط، ستتمكن دول الاتحاد الأوروبي من تسريع إجراءات استقبال الأشخاص القادمين إما من دول آمنة أو دول يُمنح فيها واحد من كل خمسة متقدمين كحد أقصى الحماية.
ستُعتبر الدول الأوروبية المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي آمنة تلقائيًا، مع إمكانية وجود استثناءات، على سبيل المثال للدول التي تشهد حربًا مثل أوكرانيا.
من بين الدول التي تضغط من أجل الإصلاح إيطاليا، التي شهدت تدفقًا كبيرًا للمهاجرين منذ عام 2015. وفرضت دول أخرى، منها ألمانيا، ضوابط حدودية في محاولة للحد من الهجرة غير النظامية.
على الرغم من أن إيطاليا من بين العديد من الدول الأعضاء التي حددت بالفعل دولًا آمنة، إلا أنه يُعتقد أن الاتفاق على قائمة الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يردع طالبي اللجوء عن استهداف الدول ذات اللوائح الأكثر مرونة.
شهدت المغرب وتونس ومصر مغادرة أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين شواطئها لعبور البحر الأبيض المتوسط في السنوات الأخيرة.
رحبت حكومة جورجيا ميلوني اليمينية بالقائمة. وأشاد وزير الداخلية ماتيو بيانتيدوسي بإدراج بنغلاديش ومصر وتونس على القائمة، معتبرًا إياه نجاحًا لروما، في مواجهة “معارضة سياسية أيديولوجية بحتة”.
عرقل قضاة إيطاليون محاولة ميلوني إرسال مهاجرين مصريين وبنغلاديشيين إلى مراكز احتجاز في ألبانيا، لأنه بينما اعتبرت الحكومة في روما أن بلديهما آمنان، قالت محكمة العدل الأوروبية إنه لا يمكن اعتبارهما آمنين إذا لم تكن جميع مناطقهما وأقلياتهما كذلك.
ستحتاج المقترحات الجديدة الآن إلى موافقة كل من البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وقد أعربت بعض منظمات حقوق الإنسان عن قلقها إزاء هذه الخطط.
حذرت شبكة يوروميد للحقوق – وهي شبكة من منظمات حقوق الإنسان – من أن وصف الدول السبع بأنها آمنة أمرٌ مضلل وخطير، لأنها تشمل “دولًا ذات انتهاكات موثقة لحقوق الإنسان وحماية محدودة لمواطنيها ومهاجريها على حد سواء”.
وقال ماركوس لاميرت، المتحدث باسم المفوضية الأوروبية: “نحن لا ننتقص من الحقوق الأساسية وحقوق الإنسان. بموجب قانون الاتحاد الأوروبي، يتعين على الدول الأعضاء إجراء تقييمات فردية لكل طلب لجوء في كل حالة على حدة”.