إيران بعد رئيسي.. هل تواصل سياستها الأفريقية؟
تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT
الاهتمام الإيراني بالقارة الأفريقية ليس وليد اللحظة، إذ قد يُرجعه البعض إلى مرحلة ما قبل الثورة عام 1979، في ظلّ حكم الشاه الذي كان يتماهى مع السياسة الأميركية، لذا كان اهتمامه بالقارة في إطار دعم جهودها لمواجهة النفوذ السوفياتي آنذاك.
لكن بعد الثورة وما رفعته من شعارات، مثل: فكرة الحكومة الإسلامية العالمية، ونصرة المظلومين، والعداء للغرب، وللشيطان الأكبر "الولايات المتحدة"، أخذ الاهتمام بالقارة منحى آخر، خاصة مع اصطباغ السياسة الخارجية بمشروعات ذات طابع ديني.
وقد لعبت القيادة السياسية سواء المحافظة أو الإصلاحيّة دورًا هامًا في زيادة الاهتمام بالقارّة، كما كانت العلاقة مع الغرب والولايات المتحدة، أحد أبرز المحددات الخارجية، إلا أن الاهتمام بها تراجع بصورة ملحوظة في عهد الرئيس الإصلاحي حسن روحاني (2013-2021) الذي لم يزر القارة خلال فترة حكمه، ما وضع مزيدًا من التحديات على خلفه الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، الذي أكد منذ بدء توليه الحكم أن أفريقيا "قارة الفرص"، وأنه سيسعى لزيادة حجم التجارة معها.
رئيسي وأفريقيابحسب الخارجية الإيرانية، فقد كان الهدف عند بداية وصول الرئيس إبراهيم رئيسي للحكم، هو زيادة التجارة مع أفريقيا لأكثر من ملياري دولار سنويًا، وكسر العزلة الدولية المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة بعد تخلّي الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب عن الاتفاق النووي عام 2018، وإعادة فرض العقوبات عليها، فضلًا عن تحسين الصورة الذهنية لبلاده لدى القارة بعد تجاهل سلفه حسن روحاني لها.
لذا ركزّت طهران على دول القرن الأفريقي بمعناه الضيق: "الصومال، إريتريا، إثيوبيا، جيبوتي" وبمعناه الواسع حيث السودان وكينيا. فضلًا عن الرغبة في استعادة العلاقات الدبلوماسية مع بعض الدول الأفريقية؛ مثل: السودان، وجيبوتي بعد قيامهما بقطعها دعمًا للسعودية في خلافها الشهير مع طهران عام 2016.
لذا قام الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي (يوليو/تموز 2023)، بأوّل جولة لرئيس إيراني للقارة منذ أكثر من 10 سنوات، شملت كينيا، أوغندا، وزيمبابوي، وهي زيارة وصفتها طهران بأنها "بداية جديدة" في العلاقات مع القارة، حيث تم توقيع عدة مذكرات تفاهم في مجالات، مثل: الطاقة، الزراعة، تكنولوجيا المعلومات، والصناعة، كما عهد إلى نائبه "الرئيس المؤقت الحالي" محمد مخبر، برئاسة فريق عمل خاص للترويج للصادرات الإيرانية في أفريقيا.
رئيسي والقرن الأفريقي الكبيركما سبق القول كانت كينيا المحطة الأولى لرئيسي، وهي دولة محورية للولايات المتحدة في شرق أفريقيا؛ لدورها في مواجهة الإرهاب، وتحقيق الاستقرار الإقليمي، خاصة في الصومال وإثيوبيا المجاورتَين.
كما نجحت طهران العام الماضي في استعادة العلاقات الدبلوماسية مع جيبوتي، وكان تحسّن العلاقات الإيرانية السعودية أحد المداخل لاستعادة هذه العلاقة، بعد توقيع الرياض وطهران اتفاق استعادة العلاقات الثنائية العام الماضي، بعد قطيعة استمرّت 7 سنوات.
كما سعت طهران لتوطيد علاقاتها مع السودان، سواء في عهد البشير، أو بعد الإطاحة به؛ لإيجاد منفذ لها على البحر الأحمر، "ميناء بورتسودان"، الذي يمكن من خلاله تزويد الحوثيين بالسلاح، خاصة بعد معركة "طوفان الأقصى"، وتصاعد هجماتهم في باب المندب ضد أية سفينة إسرائيلية، أو أخرى متجهة صوب تل أبيب.
واستغلت إيران الأحداث الأخيرة في السودان، لمحاولة استعادة العلاقات الدبلوماسية التي قطعها البشير عام 2016 في محاولة للتقارب مع السعودية، وفي نفس الوقت لرفع اسم بلاده من قائمة العقوبات الأميركية، وتحقق هذا الهدف العام الماضي.
وأشارت تقارير في فبراير/شباط الماضي، إلى قيام إيران بتزويد القوات المسلحة "التي تسيطر على بورتسودان" بطائرات مسيرة متطورة؛ لاستخدامها ضد قوات الدعم السريع، كما تردد قيامها بتزويد الحكومة الإثيوبية بطائرات مسيرة خلال حربها ضد جبهة التيغراي، ويقال إن هذه المسيرات لعبت مع نظيرتها التركية دورًا هامًا في ترجيح كفة الحكومة في الحرب.
دعم انقلابات الساحل الأفريقياستغلّ رئيسي رفض قادة الانقلاب في منطقة الساحل: "مالي، بوركينا فاسو، النيجر" للنفوذ الفرنسي والأميركي، وقدم بلاده كأحد الداعمين لهذه الأنظمة الرافضة للهيمنة الاستعمارية! في إشارة لباريس وواشنطن، لذا أشاد في سبتمبر/أيلول الماضي، وبعد انقلاب النيجر، "بمقاومة هذه الدول الأفريقية للسياسات الأوروبية المهيمنة والاستعمار".
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، وخلال لقاء الرئيس الإيراني المؤقت حاليًا محمد مخبر في طهران برئيس وزراء الانقلاب في النيجر، أكد مخبر إدانة بلاده لما وصفها "بالعقوبات القاسية التي يفرضها نظام الهيمنة".. مؤكدًا مشاركة بلاده: "الخبرات التي لدينا في هذا المجال مع إخواننا في النيجر".
ويتردد أن طهران تستهدف من هذا التقارب الحصول على حصة من يورانيوم النيجر "300 طن"، ومعروف أن النيجر هي أكبر مصدر لليورانيوم على مستوى القارة، والثالثة على مستوى العالم.
مواجهة الحركات الجهادية السنيةبعد اكتمال انسحاب القوات الفرنسية من مالي في أغسطس/آب 2022، والتي كان أحد أسباب تواجدها مواجهة الجماعات الجهادية في الشمال المتحالفة مع حركة الطوارق الراغبة في انفصال الشمال، قام وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين عبد اللهيان بزيارة مالي.
وتحدّث عبد اللهيان في الزيارة عن "مكانة مالي المهمة في سياسة طهران الخارجية" و"ثقته في فتح فصل جديد في العلاقات الجديدة بين الجانبين، واستعداد بلاده لتقديم الدعم لحكومة مالي لمواجهة هذه التنظيمات الجهادية "السنية المسلحة"، وهو ما أكد عليه أيضًا وزير الدفاع محمد رضا أشتياني، خلال لقائه نظيره المالي في مايو 2023.
توظيف المستجداتعمل رئيسي على استغلال المستجدات السياسية والعسكرية لصالح بلاده، وآخر وأبرز أمثلة ذلك استغلاله للرفض الأفريقي الرسمي والشعبي للعدوان الإسرائيلي على غزة بعد "طوفان الأقصى"، لصالح بلاده في القارة، حيث عمل على تقديم طهران كأحد أبرز الداعمين الأساسيين للمقاومة في غزة رفضًا للظلم والعدوان، وللمطالبة بحق تقرير المصير، وهو أحد المبادئ الأساسية التي قامت عليها منظمة الوحدة الأفريقية، ومن بعدها الاتحاد الأفريقي.
عمل أيضًا على استغلال التقارب الروسي الإيراني الأخير، خاصة في مجال الأمن وتوريد السلاح، كأحد المداخل في توطيد علاقاتها مع دول القارّة، مستغلًا تحالف بلاده المسبق مع موسكو في سوريا، وبعدها في حرب أوكرانيا. وهنا بدأت إيران تقدم نفسها كأحد بدائل موردي السلاح، خاصة ما يتعلق بالمسيرات التي أثبتت نجاعتها من قبلُ في أوكرانيا، وفي حرب إثيوبيا ضد التيغراي.
أفريقيا والرئيس الإيراني القادمبعد رحيل رئيسي، يبقى السؤال: هل ستستمر إيران في نفس نهجها بالنسبة لأفريقيا، أم ستكون هناك تغيرات، وهل هذه التغيرات ستكون جوهرية أم ماذا؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال ينبغي الإشارة إلى نقطة هامة، وهي أن الملامح العامة للسياسة الخارجية، يضعها المرشد الأعلى، وقد كان هناك تناغم بين المرشد ورئيسي الذي ينتمي للتيار المحافظ في العديد من الملفات الداخلية والخارجية. وبالتالي شهدنا هذا الانفتاح الكبير على القارّة.
ومن هنا يمكن القول؛ إن الرئيس القادم سواء أكان الرئيس المؤقت محمد مخبر أو غيره، سيسعى للحفاظ على المكاسب التي حققتها إيران في عهد رئيسي، لا سيما ما يتعلق بالعلاقة مع الدول التي تشهد تراجعًا في النفوذ الأميركي والفرنسي في وسط وغرب القارة، وذلك عبر مزيد من التنسيق مع روسيا التي يتنامى نفوذها بصورة كبيرة في القارة، كما سيكون مدخل تزويد هذه النظم بالأسلحة الإيرانية، فضلًا عن المساعدة في مواجهة الجماعات الإرهابية "السنية" أحد المداخل الهامة في هذا الشأن.
وفي المقابل، سيتمّ تكثيف التواجد الإيراني في منطقة القرن الأفريقي خاصة بعد النجاح الإيراني في استعادة العلاقات الدبلوماسية مع كل من السودان وجيبوتي، كما ستحرص طهران على توطيد دعائمها في السودان، مستغلة الأوضاع السيئة التي تشهدها البلاد حاليًا، وصعوبة إيجاد تسوية قريبة لها، ومن ثم قد يتوقع حصولها على موطئ قدم لها في بورتسودان.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
إيران تشغّل أجهزة طرد مركزي متطورة ردا على قرار الوكالة الذرية
قالت إيران الجمعة إنها ستضع في الخدمة مجموعة من أجهزة الطرد المركزي "الجديدة والمتطورة" ردا على قرار تبنته الوكالة الدولية للطاقة الذرية ينتقد طهران بسبب عدم تعاونها بما يكفي في ما يتعلق ببرنامجها النووي.
وجاء في بيان مشترك صادر عن المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية ووزارة الخارجية الإيرانية "أصدر رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية أمرا باتخاذ إجراءات فعالة، بما فيها وضع مجموعة كبيرة من أجهزة الطرد المركزي الجديدة والمتطورة وبأنواع مختلفة في الخدمة".
وقال دبلوماسيون إن مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي يضم 35 دولة، وافق على قرار يأمر طهران مجددا بتحسين التعاون مع المنظمة التابعة للأمم المتحدة، ويطلب من الوكالة إصدار تقرير “شامل” عن إيران بحلول ربيع العام المقبل،.
وتهدف الدول الغربية التي اقترحت النص، إلى الضغط على طهران من أجل الدخول في مفاوضات حول قيود جديدة على أنشطتها النووية، لكن هناك شكوكا حيال ما إذا كان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب سيدعم المحادثات بعد توليه الرئاسة في كانون الثاني/ يناير المقبل.
وفي وقت سابق، حذر وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، من أن إيران "سترد وفق ما يقتضيه الوضع" على قرار قدمته دول أوروبية والولايات المتحدة إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويدين عدم تعاون إيران في الملف النووي.
وأكد عراقجي خلال اتصال هاتفي مع رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافايل غروسي، أن هذه الدول "إذا تجاهلت حسن نية إيران... ووضعت إجراءات غير بناءة على جدول أعمال اجتماع مجلس المحافظين من خلال قرار، فإن إيران سترد وفق ما يقتضيه الوضع وعلى نحو مناسب"، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا).