عندما نتأمل اليوم ما يدور من أحداث في تركيا، ونحللها بعيون المؤيدين والمعارضين نجد سؤالا يطرح نفسه علينا وهو: إلى أي مدى يمكن لما نراه بأعيننا أن يعبر عما يحدث بالفعل؟! لا سيما أننا في عصر وسائل التواصل التي يحل الواقع الافتراضي فيها محل الواقع الحقيقي.

ما مدى الإنصاف في تكوين وجهة نظر أو تصور معين بناء على ما نراه من وقائع -أو ما يُرادُ لنا- أن نراه ونقبله باعتباره حقيقة صادقة؟

لقد ظهر في تركيا في الآونة الأخيرة تصورات مضللة ووجهات نظر لا أساس لها من الحقيقة.

لكنها تبقى -حسب رأيي- ألاعيب لا تنطلي على تركيا دولةً وأمة، وذلك رغم أن بعض الائتلافات ومراكز القوى لا تتوقف عن الترويج لهذه التصورات الملفقة على أنها الواقع الحقيقي. هذه التصورات الملفقة هي "القومية الصغرى ومعاداة العرب".

ولكي يكون الكلام واضحا هل يمكننا الحديث عن وجود عداوة تجاه العرب في تركيا؟ وإذا كان الأمر كذلك فما مدى صحة هذه الدعوى؟!

زيادة التعارف وتعزيز الروابط الثقافية والاجتماعية للأمم مع بعضها، والاستثمارات والمشاريع الجديدة التي ستنفذ في مجالات متعددة لا سيما في التعليم والسياحة؛ كفيلة بإظهار مدى تشابه دول المنطقة وتقاربها وعدم جدوى الانسياق وراء دعاوى الفُرقة وتأجيج نيران الفتنة.

من المعلوم أن ملايين السياح العرب يأتون إلى تركيا كل عام، بالإضافة إلى أن هناك أكثر من 3 ملايين ضيف عربي في تركيا. فحتى لو قبلنا جدلا أن مقاطع الفيديو والأخبار التي تتردد، صحيحة -مع أن كثيرا منها أكاذيب أو تشويهات- فإنها تظل في كل الأحوال حالات فردية تمثل واحدا في المليون أو واحدا في بضعة ملايين، وقد ثبت لنا أن العديد من تلك القصص والمقاطع المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي ليست إلا أكاذيب وافتراءات.

لا مانع من أن نطرح سؤالا آخر لنناقش القضية على أسس نظرية علمية، هل القومية شيء سيئ؟

الحقيقة أن من الطبيعي أن يحب الشخص أمته، وبعبارة أخرى لا يمكن إدانة شخص لمجرد حبه لشعبه وعاطفته تجاهه. لكن ما لا يجب أن نتغافل عنه أو أن نمرره كما لو كان سلوكا طبيعيا هو الادعاء بتفوق أمةٍ ما وتميُّزها، في تعبير صارخ عن الاستبداد والغطرسة العميقة. ولذلك فإن هناك فرقا وجوديا كبيرا بين القومية والفاشية التي رأينا أمثلتها الأولى في أوروبا.

وبينما تعني القومية رعاية قيم الأمة ومبادئها التي تربَّت عليها وتنتمي إليها، ثم المضي بها قُدما بين الأمم الأخرى، فإن الفاشية تعني ألا يُقدِّر الإنسان سوى عالمه الذي يخصه.

في حالة شعوب الشرق الأوسط، القومية مهمة للحفاظ على ثرواتها، لكن الفاشية تعد تدميرا لمستقبل هذه الثروات الثقافية والوجودية.

وبالنسبة للأمة التركية فإنها كما كان القدماء يقولون "زوَّجت بناتها من 7 قارات وتزوج شبابها من 7 قارات"، وبعبارة أخرى فإن للأمة التركية تجربة تاريخية وعلاقات مع كل الدول تقريبا. ولذلك فإن العرب لم يكونوا أبدا أجانب بالنسبة للأمة التركية، بل هم أنساب. "الآخر" بالنسبة لشعب الأناضول يرتبط مفهومه بالقسوة والظلم لا بالعرق، فالآخر يعني الظالم بغض النظر عن عِرقه.

لذلك فإن تصوير الأمم التي عملت جنبا إلى جنب لأكثر من ألف عام دعما للقيم والمثل العليا المشتركة؛ على أنها أمم متعادية، هو تصوير غير واقعي، ولو أحسنّا الظن فإنه تصوير لوضع مؤقت، لذلك فإن ألاعيب "القومية الصغرى" التي تجري في منطقتنا باتت معروفة جيدا، وقد أصبحت تمثل أعظم اختبار للأجيال القادمة.

الموقف الذي يجب اتخاذه والتمسك به ضد تلك "القومية الصغرى" هو أن تحافظ كل أمة على استقلالها وسماتها وتراثها وخصوصيتها، لكن لا ينبغي أن تتحول هذه الذاتية إلى حائل بينها وبين التواصل مع الآخرين والمضي قُدما معهم إلى المستقبل.

في كل مجتمع يوجد أولئك الذين يرتكبون أخطاء من أجل مصالحهم الشخصية وحساباتهم اليومية. وهناك أيضا جروح يريد بعض الناس خدشها، وخطوط صدع يريدون شَقَّها من أجل بقائهم على قيد الحياة ورفاهيتهم الشخصية. لكن نسبة من يفعلون ذلك ضئيلة ولا قيمة لها إذا تم وضع الأكثرية الغالبة من السكان في الاعتبار.

وهنا تظهر أهمية زيادة جسور التعارف لأنها الطريقة الوحيدة للقضاء على الألاعيب والتصورات الفاشية التي يسعى أولئك المغرضون لفرضها. فزيادة التعارف وتعزيز الروابط الثقافية والاجتماعية بين الأمم، والاستثمارات والمشاريع الجديدة المشتركة في مجالات متعددة -ولا سيما في التعليم والسياحة- كفيلة بإظهار مدى تشابه دول المنطقة وتقاربها وعدم جدوى الانسياق وراء دعاوى الفُرقة وتأجيج نيران الفتنة.

وكما قال الشاعر التركي يونس إمره "فلنتقارب ونتعارف ونجعل الأمر سهلا".

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی ترکیا

إقرأ أيضاً:

خبير يطالب بوضع تسعيرة جديدة للسياحة تتناسب مع القيمة التاريخية للمعالم.. فيديو

كشف الدكتور أحمد بدران، أستاذ الآثار بجامعة القاهرة، أن المتحف المصري الكبير هدية مصر للعالم، موضحًا أن مساحته تصل إلى 5 أضعاف مساحة المتحف البريطاني، وضعفين من متحف اللوفر في فرنسا.

إطلاق 6 عملات تذكارية فريدة احتفالًا بافتتاح المتحف المصري الكبير

وقال أحمد بدران، خلال لقائه مع الإعلامي أحمد موسى، مقدم برنامج «على مسئوليتي» المذاع عبر قناة «صدى البلد»، إن هناك نحو 50 ألف قطعة أثرية يتم ترميمها لإضافتها إلى المتحف المصري الكبير استعدادًا لافتتاحه.

وأشار بدران إلى أن أنظار العالم كلها تتجه إلى مصر، خاصة بعد حالة الانبهار التي صاحبت احتفاليتي المومياوات الملكية وطريق الكباش، متوقعًا أن يكون افتتاح المتحف المصري الكبير حدثًا فريدًا واستثنائيًا يتفوق على الاحتفالين السابقين.

وأوضح أستاذ الآثار نظام عرض القطع الأثرية داخل المتحف، والكنوز التي سيتم عرضها في أروقته، مؤكدًا أن مصر تسير بخطى ثابتة نحو استقبال أعداد كبيرة من السياح، قائلًا إن مصر قادرة على استقبال نحو 30 مليون سائح سنويًا.

وأردف: «المنتج المصري السياحي منخفض جدًا، فسعر التذكرة حاليًا للمتحف المصري الكبير نحو 25 دولار، ولكن لا يجب أن تقل عن 40 أو 50 دولار تكون للأجانب».  

طباعة شارك صدى البلد احمد موسي المتحف الكبير

مقالات مشابهة

  • بالفيديو.. الجزيرة نت ترصد قطف الزيتون بجنوب لبنان بعد عامين من الحرب
  • ترامب يغازل كيم: ملتزم بحل التوترات الأمنية في شبه الجزيرة الكورية
  • حكومة ولجنة أمن الجزيرة تعلن التعبئة العامة والإستنفار
  • محافظ القاهرة:تطوير سوق العتبة يأتي ضمن خطة الدولة لتطوير الأسواق التاريخية والعشوائية
  • جمعية قطر الخيرية تدعم ولاية الجزيرة ب 40 طن من الادوية
  • خبير يطالب بوضع تسعيرة جديدة للسياحة تتناسب مع القيمة التاريخية للمعالم.. فيديو
  • الرئيس الإيطالي: نقدر جهود شيخ الأزهر في نشر قيم السلام العالمي والأخوة الإنسانية
  • الجزيرة نت تكشف حقيقة نشر قسد عناصر من النظام السابق بالحسكة
  • مراسل الجزيرة يرصد التجهيزات لدفن 40 شهيدا مجهول الهوية في غزة
  • رئيس وزراء السودان في حوار مع الجزيرة نت بعد قليل