الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.. المؤسّسة الثابتة على مبادئ المؤسّس (5)
تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT
جاء الشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله تعالى ليحقّق مع إخوانه، بإنشاء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، هدفاً سامياً وحلماً عالياً، بل مقصداً من مقاصد الشريعة بإقامة الدنيا على أساس الدين، وآية من آي القرآن الكريم، بتحقيق الوحدة على هدي التوحيد، وقد قال سبحانه: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾.
وكان من أهمّ ما سعى الاتحاد إلى تأصيله والدعوة إليه: الوحدة والدعوة، وتعزيز الوسطية ونبذ العنف، ونشر ثقافة التسامح وتعزيز المشترك الإنساني، على أساس الجمع بين الأصالة والمعاصرة، من خلال تنسيق جهود العلماء، وتوعية المسلمين بحقيقة دينهم، ليقوموا بواجبهم في عمارة الأرض والاستخلاف الحضاري.
وقد حضرتُ الجمعية العمومية للاتحاد في دروتها السادسة بالدوحة في السادس من كانون الثاني 2024، فرأيت إيمان علماء الأمّة باتحادهم، وتمسّكهم بوجوده ودوره ورسالته، والتفافهم حول قيادته، ما دعاني للكتابة عن الاتحاد بما يساهم في قوة قراره، وتوجيه بوصلته، وتثبيت صلابة مسيرته، التي أراها في الوحدة والدعوة والتجرّد والاستقلال وتعزيز الممارسات الشورية، إيماناً مني بدور الاتحاد ورسالته، ووعياً بحجم التحدّيات التي تعترضه في عالم يموج بالإسلاموفوبيا والعداء للإسلام والإصلاح.
كان من أهمّ ما سعى الاتحاد إلى تأصيله والدعوة إليه: الوحدة والدعوة، وتعزيز الوسطية ونبذ العنف، ونشر ثقافة التسامح وتعزيز المشترك الإنساني، على أساس الجمع بين الأصالة والمعاصرة، من خلال تنسيق جهود العلماء، وتوعية المسلمين بحقيقة دينهم، ليقوموا بواجبهم في عمارة الأرض والاستخلاف الحضاري.لم تكن نشأة اتحاد عالمي لعلماء المسلمين يرجو مؤسّسوه أن يساهم في النهضة العلمية والمجتمعية للمسلمين، وتوحيد كلمتهم وتوجيه جهودهم، وتقوية الروح الإسلامية في الشخصية الفردية والمجتمعية، لتمرّ دون تربّص الحاقدين وكيد المغرضين، لكنّ كلّ ذلك لم يمنع الشيخ القرضاوي رحمه الله ومن معه من الدعوة إلى لقاء علمائي دولي وإطلاق هذا الإطار العلمائي المرجعي الجامع من دبلن بإيرلندا في كانون الثاني 2004، متسلّحين بصدق التوكّل على الله، ونبل الهدف والمقصد، وإيمان الأعضاء بقدسية الرؤية والرسالة.
كان التحدّي كبيراً، لكنّ إرادة الإنجاز كانت أكبر، فتأسّس الاتحاد، وجمع تحت مظلّته من لم يجتمعوا عبر التاريخ، حيث كان فيهم السني والشيعي والأباضي، كما فيهم السلفي والصوفي والحركي، يجتمع هؤلاء من طنجة وجاكرتا، كما من بغداد والقاهرة ونيسابور وأصفهان، وهو أمر فيه من قوة الأمّة ما يخيف أعداءها، لكنّ الاتحاد مضى في مسيرته، يحكمه نظام تأسيسي جامع، وموجّهات فكرية ضابطة، وبوصلة شرعية هادية.
اعترضته المشكلات لكنّه تخطّاها، وواجه التحدّيات وتجاوزها، فحافظ على وحدته وهدفه، وبذل جهوداً جليلة لحفظ الهُويّة وحماية الحقوق، موائماً بين متطلّبات التأصيل الشرعي وموازنات الواقع السياسي، فواكب قضايا الأمّة ومشكلاتها، وعقد المؤتمرات ونظّم الدورات، وأصدر الفتاوى في النوازل، والبحوث المحكمة في المستجدّات، كما نشر عدداً كبيراً من الكتب، ووضع موسوعة المصطلحات الإسلامية، والميثاق الإسلامي، وساند الأقلّيات المسلمة التي تعاني من الظلم والتمييز لا سيّما مسلمي الروهينجا والإيغور، وبذل جهوداً كبيرة في حفظ هويّة الأمّة وتعزيز قيم الوحدة والتواصل، ونشر ثقافة التسامح وتعزيز المشترك الإنساني والحضاري.
وقد دفعني هذا الشعور بالإنجاز والاعتزاز، مع استشعار حجم المسؤولية والتحدّيات، إلى السعي للمساهمة في قوة الاتحاد وسداد مسيرته، فكتبت ما يسهم في تسديد المسار وتقوية اللحمة، وسرّني أن يتلقى العديد ممّن قرأ كلامي بالقبول، ونبّهني بعض الأحباب إلى أخطاء تاريخية وردت فيما كتبت، فاقتضت الأمانة العلمية تصحيحها، من مثل أنّ "رابطة علماء أهل السنة" التي جمعت علماء من الاتحاد وغيره إنّما تمّ تأسيسها قبل عام 2010 الذي انعقدت فيه الجمعية العمومية الثالثة للاتحاد، وكنت قد ذكرت أنّ تأسيسها جاء بعد هذا العام، علماً أنّ أعضاء الاتحاد الذين انضمّوا إلى هذه الرابطة حافظوا على عضويتهم في الاتحاد وفعالية حركتهم تحت مظلّـته، وعبّروا بشكلٍ علنيّ وواضح عن احترامهم لقيادته وتقديرهم لنظامه ورؤيته وأهدافه.
وكذلك فعل الأمين العام السابق فضيلة الدكتور محمد سليم العوّا الذي حافظ على عضويته في الاتحاد بعد خروجه من الأمانة العامّة نتيجة انتخابات الجمعية العمومية الثالثة عام 2010، خلافاً لما التبس عندي نتيجة ما روّجت له وسائل إعلامية، وكان حضوره اجتماع الجمعية العمومية السادسة بالدوحة في كانون الثاني 2024 أكبر دليل على التزامه مسيرة الاتحاد الذي ساهم في تأسيسه، فيما قابلت قيادة الاتحاد هذا الولاء بالوفاء حين كرّمته في هذا اللقاء مع عدد من أصحاب الفضل والسبق.
خطا الاتحاد في طريق حفظ هُويّة الأمّة خطوات ثابتة قويّة صلبة منذ تأسيسه، وما زالت أمامه تحديات جسام، وضعت لها الإدارة الجديدة هياكل إدارية وخطة استراتيجية ولجاناً انبثقت عن أمانتها العامّة، مبنيّة على رسالة الاتحاد التي لم تتغيّر، ورؤيته الطامحة إلى إقامة الوحدة على أساس التوحيد، ونشر الدّعوة والتّبشير بالدّين، وتقديم الإسلام كنموذج حضاري له دوره الفاعل في المساهمة بعمارة الأرض وإقامة العدل ورفاه الإنسان، ونسأل الله أن يوفّق الاتحاد والقائمين عليه إلى ما يحب ويرضى.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قطر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مؤسسات رأي مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجمعیة العمومیة على أساس الأم ة
إقرأ أيضاً:
كيف أقنع ترامب المسلمين بالتصويت له؟
لا شك أن الانتخابات الأميركية أسفرت عن نتائج مفاجئة للغاية، فقد استحوذ ترامب على السلطة في مجلس النواب ومجلس الشيوخ والرئاسة.
كيف أمكن له ذلك؟ سيظل هذا الأمر محل نقاش في أميركا وفي الأوساط السياسية لوقتٍ طويل لكن من وجهة نظري، هناك أمران غريبان في هذه الانتخابات:
لماذا صوّت المسلمون لترامب؟ لماذا اختار المهاجرون ترامب رغم أنه يعاديهم؟
قضية غزة كانت في مقدمة اهتمامات الانتخابات الأميركيةبينما تعيش غزة ولبنان أعنف دمار في تاريخهما، قلنا جميعًا إن أكبر داعم لهذا الدمار هو الولايات المتحدة. فالقنابل التي تقتل الأطفال والنساء والمدنيين تأتي جميعها من أميركا، وحاملات الطائرات الأميركية في البحر المتوسط تحمي إسرائيل وتمنع الأمم المتحدة من اتخاذ القرارات.
وكما شاهدنا كل ذلك، فقد شاهدته الجالية المسلمة المقيمة في الولايات المتحدة. لهذا السبب، خرجت مئات الاحتجاجات في الشوارع تنتقد السياسة الأميركية وتندد بإسرائيل. وفي هذه الأثناء، زاد غضبنا بسبب الدعم غير المشروط الذي قدمه ترامب لإسرائيل.
صرح ترامب قائلا "كنت سأطلب من نتنياهو الإسراع" بالأمر، وهو ما يعني تنفيذ المجازر بأسرع وقت، وقد شجّع ذلك إسرائيل.
لهذا السبب، أجّل نتنياهو محادثات السلام حتى انتخاب ترامب، وعمّت أجواء من الاحتفال على شاشات التلفزيون الإسرائيلية ليلة الانتخابات. هم يعتقدون أن إسرائيل ستتمكن من تنفيذ مخططاتها بسهولة أكبر بوجود ترامب. لهذا كانت قضية غزة من أكثر المواضيع تداولًا في الانتخابات الأميركية.
كان الجميع يظن أن مسلمي الولايات المتحدة لن يصوّتوا لترامب، ولكن ما حدث هو عكس ذلك تمامًا. وقد أثار ذلك دهشتي بشكل كبير.
لفهم هذا الأمر، تواصلتُ مع صحفيين يراقبون الانتخابات في الولايات المتحدة ويتابعون السياسة هناك. وبعد الاستماع إليهم، كوّنت تصورًا مختلفًا عن دوافع المسلمين. لكن قبل ذلك، سأروي ملاحظاتهم من قلب الانتخابات.
لنأخذ مثالًا من ميشيغان، إحدى الولايات المتأرجحة. في هذه الولاية، فازت رشيدة طليب، المدافعة القوية عن القضية الفلسطينية، بمقعد في الكونغرس بأغلبية ساحقة، بينما خسر مرشح حزبها الديمقراطي الانتخابات الرئاسية في هذه الولاية.
أحد الأسباب الرئيسة لذلك كان استياء المجتمع المسلم من تعامل إدارة بايدن مع قضية غزة. كان لإدارة بايدن دور كبير في المجازر التي وقعت في غزة، وتجاهلت احتجاجات المسلمين في الولايات المتحدة، ولم يصدر عنها أي تصريح يبعث على الأمل خلال الحملة الانتخابية.
إضافة إلى ذلك، تجاهل الديمقراطيون ولاية ميشيغان تمامًا خلال الحملة الانتخابية. ورغم أن المسلمين في الولاية أرادوا لقاء كامالا هاريس، لم تُعقد أي لقاءات، ولم تكن هناك زيارات أو تصريحات. لقد تجاهل الديمقراطيون المجتمع المسلم كليًا.
أما ترامب، ففاجأ الجميع بتكثيف حملته في ميشيغان. علّق لافتات باللغة العربية، وقام بتعليق بعضها بنفسه، والتقى بالأئمة وممثلي المجتمع المحلي، والتقط معهم الصور. كما كرر وعوده بـ"إنهاء الحروب"، دون تحديد أي حروب كان يعنيها. كان المجتمع المسلم على دراية تامة بموقف ترامب العدائي تجاه المسلمين ودعمه القوي لإسرائيل، لكنهم كرهوا حكم الديمقراطيين ورأوا في كامالا هاريس شخصية عاجزة، ولذلك قرروا المخاطرة.
هل أصبح "عدم اتزان" ترامب ميزة؟خلال فترة رئاسته الأولى، رأى الجميع مدى عدم استقرار ترامب وتذبذبه. لكن في هذه الانتخابات، تحولت هذه الصفة إلى ميزة. رأى المجتمع المسلم أن الديمقراطيين ونائبة الرئيس هاريس لن يفعلوا شيئًا وأنهم يفتقدون الكفاءة، واعتقدوا أن "ترامب قد يغير قراراته فجأة، وقد يتخذ خطوة غير متوقعة، وقد يُغير المعادلات. على الأقل، هو ليس عاجزًا مثل كامالا هاريس".
لهذا السبب، رأوا أن المخاطرة تستحق العناء، وفضلوا انتخاب رئيس جديد يبدو أقوى من هاريس. وفي الوقت نفسه، هناك أحاديث في الكواليس تشير إلى أن فريق ترامب قدّم وعودًا للمجتمع المسلم خلف الأبواب المغلقة.
المهاجرون خاطروا أيضًاتنطبق على المهاجرين مشاعر المخاطرة نفسها. فالمهاجرون من الطبقة الوسطى الذين أفقرتهم إدارة بايدن صوّتوا لترامب الذي وعد بطرد اللاجئين غير الشرعيين وبناء جدار على الحدود مع المكسيك. لقد وجدوا في الديمقراطيين نخبة غير مهتمة بهم، وكامالا هاريس غير كفؤة. لذلك اختاروا -كما فعل المسلمون- المخاطرة بانتخاب شخص قوي وطموح، على أمل أنه في أسوأ الحالات لن يهدد المهاجرين المقيمين بشكل قانوني. تمامًا مثل المسلمين، عوّلوا على طبيعة ترامب المتقلبة وغير التقليدية، وقرروا منحه أصواتهم. ويبقى السؤال، هل سيتخذ ترامب قرارات تُرضي هاتين الفئتين حقًا؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية