كلام الناس
نورالدين مدني
تطاردني في المنام
تعبر الأحلام في كثير من الأحيان عن إهتمامات الإنسان وهمومه وتطلعاته وأشواقه ومخاوفه لذلك لا أستغرب حينما أرى نفسي في المنام وكأنني في الصحيفة أتابع العمل التحريري أو انني أشارك في منشط سياسي أوثقافي او فني في السودان.
قبل أيام رأيت في المنام من يحرضني على الاهتمام بالموروثات الثقافية والمجتمعية وضرورة تشجبع الأجيال الصاعدة من الأبناء والأحفاد على التمسك بهذه الموروثات دون إنكفاء على الذات أو إنعزال عن المحيط العام حولهم في هذه القارة المتعددة الثقافات والأعراق.
أمس الاول رأيت في المنام كابوساً مزعجاً عن الوضع في منزلنا بالفيحاء حيث مازالت إبنتي تقيم وأسرتها رغم كل ما بذلناه لإقناعهم بالمغادرة لكنهم ظلوا هناك، لكن بحمد الله وتوفيقه اتصلت بنا وطمأنتا على أحوالهم وأحوال الحي من حولهم.
أمس رأيت في المنام من يهددني بالتوقف عن كتاباتي وإلا فإنهم سيزجون بي في بيت من بيوت الأشباح كما حدث من قبل، وفي كل الحالات لم أعد أنزعج من هذه الأحلام لأنني سرعان ماأصحوا لأجد نفسي في هذه القارة الرحيبة التي إحتضنتنا ووفرت لنا حياة حرة كريمة بلا من ولا أذى.
إلا أن قلقي لم ينقطع وأنا أتابع مجريات الأخبار في السودان في ظل استمرار الحرب العبثية التي مازالت تلقي بظلالها المأساوية على السودانيين بعد أن قتلت من قتلت وشردت من شردت من عشرات المئات من الأسر مابين نازحين في الداخل ومهاجرين للخارج وسط مزيد من المهددات والمخاطر الصحية والأمنية والمجتمعية.
لذلك لن أمل الكتابة ما استطعت للمساهمة مع غيري من الناشطين وسط القوى المدنية الديمقراطية لدفع الحراك الإيجابي في الداخل والخارج بالتنسيق مع المساعي الإقليمية والدولية لوقف هذه الحرب واسترداد الديمقراطية وقيام الحكم المدني المنشود لتحقيق تطلعات الشعب السوداني في السلام بكل ربوع السودان وبسط العدالة والعدالة الانتقالية وتأمين الحياة الحرة الكريمة لكل المواطنين.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی المنام
إقرأ أيضاً:
السودان بين خيار الفيدرالية وإكراهات التقسيم: مأزق الحرب الحالية
د. هشام عثمان
يعيش السودان في الوقت الراهن على وقع حرب دامية تشتعل بين الجيش وقوات الدعم السريع، حرب أعادت إلى الواجهة كافة التناقضات السياسية والاجتماعية والعرقية التي ظلت تعصف بالبلاد لعقود. هذه الحرب، التي بدأت كمواجهة عسكرية، سرعان ما اتخذت أبعادًا أعمق، حيث باتت تهدد بتفكيك نسيج البلاد وإدخالها في دوامة من الانقسامات التي يصعب احتواؤها. في ظل هذا المأزق الدموي، تبرز من جديد خيارات الفيدرالية والتقسيم كبدائل سياسية للمستقبل، لكنها تأتي اليوم في سياق أكثر تعقيدًا، حيث يمكن للحرب أن تدفع بالسودانيين نحو أحد هذين الخيارين بشكل حاسم.
الحرب: تعميق التهميش وتهديد الوحدة
منذ اندلاع النزاع الحالي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، شهدت البلاد تصاعدًا في الفوضى وانهيارًا شبه كامل لمؤسسات الدولة. المناطق التي كانت تاريخيًا تعاني من التهميش، مثل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، باتت ساحات رئيسية للصراع، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية والسياسية فيها. في ظل هذه الظروف، بات الحديث عن إمكانية بناء دولة مركزية قوية يبدو بعيد المنال. فالمركز، الذي كان مصدر السلطة، بات اليوم هشًا وغير قادر على فرض سيطرته بشكل كامل، مما فتح الباب أمام تصاعد الدعوات للحكم الذاتي والفيدرالية كسبيل لإنقاذ الأقاليم من ويلات الصراع.
الحرب الحالية لم تقتصر على التدمير المادي والبشري فقط، بل أظهرت بوضوح مدى عمق التباينات بين المناطق المختلفة في السودان. ففي الوقت الذي يعاني فيه المركز من حالة انهيار، تحاول بعض الأقاليم تنظيم شؤونها بشكل مستقل، مما يعزز من فكرة أن الفيدرالية قد تكون السبيل الوحيد لضمان بقاء السودان موحدًا.
الفيدرالية كخيار للحل في ظل الحرب
في ظل الفوضى التي خلفتها الحرب، بات خيار الفيدرالية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. الفيدرالية، كآلية لتوزيع السلطة بين المركز والأقاليم، يمكن أن تكون حلاً عمليًا لإنهاء النزاعات المسلحة وتخفيف التوترات التي تعمقها الحرب. إذ تتيح لكل إقليم حكم نفسه بشكل شبه مستقل، مع الحفاظ على وحدة الدولة على المستوى السيادي.
في الوقت الراهن، تزداد الدعوات من قبل بعض القوى السياسية والحركات المسلحة نحو تطبيق نموذج فيدرالي يضمن حقوق الأقاليم في إدارة شؤونها، ويعالج الاختلالات البنيوية التي تفاقمت بسبب الحرب. الفيدرالية يمكن أن تكون آلية فعالة لوقف النزيف المستمر، إذا ما تم تطبيقها ضمن إطار إصلاح سياسي شامل يعيد توزيع الثروة والسلطة بشكل عادل.
لكن في الوقت نفسه، يواجه خيار الفيدرالية تحديات كبرى في ظل انعدام الثقة بين الأطراف المتصارعة. الحرب لم تترك مجالاً للتفاهم السياسي، بل زادت من تعقيد المشهد، حيث باتت كل قوة تسعى لتعزيز نفوذها على حساب الأخرى. لذلك، فإن تبني الفيدرالية كخيار سياسي في هذا التوقيت يتطلب أولاً وقف النزاع المسلح وبناء آليات حوار وطنية تضمن مشاركة جميع الأطراف في صنع القرار.
إكراهات التقسيم: خطر الحرب المفتوحة
على الجانب الآخر، تأتي مخاوف التقسيم كإحدى الإكراهات الكبرى التي تفرضها الحرب الحالية. النزاع المسلح أظهر هشاشة الدولة السودانية، حيث باتت بعض الأقاليم، مثل دارفور، مهددة بالانفصال الفعلي في ظل الانهيار التام للسلطة المركزية. تجربة انفصال جنوب السودان عام 2011 ما زالت حاضرة في الأذهان، وهي تذكر السودانيين بأن النزاعات المسلحة يمكن أن تكون مقدمة لتفكك الدولة.
التقسيم لا يعني فقط انفصال الأقاليم عن السودان الأم، بل يعني أيضًا انزلاق البلاد إلى حالة من الفوضى المستمرة، حيث يمكن لكل إقليم أن يتحول إلى دويلة صغيرة متصارعة على الموارد والسلطة. الحرب الحالية تؤجج هذه المخاوف، حيث تسعى بعض القوى المحلية لتعزيز نفوذها في الأقاليم التي تسيطر عليها، مما يزيد من احتمالية تفكك السودان إذا لم يتم التوصل إلى حلول جذرية.
مأزق الحرب: نحو أي اتجاه يدفع السودانيين؟
الحرب الحالية وضعت السودانيين أمام خيارين مصيريين: إما تبني الفيدرالية كحل سياسي لإنقاذ ما تبقى من الدولة السودانية، أو الانزلاق نحو التقسيم والتفكك. كلا الخيارين ليس سهلاً، ولكن الواقع المأساوي الذي تعيشه البلاد يجعل من الفيدرالية خيارًا أكثر منطقية وواقعية.
ففي ظل حالة الانقسام الحالية، قد تكون الفيدرالية وسيلة لاحتواء الصراع وإعادة بناء الثقة بين الأقاليم والمركز. إذا ما تم تبني هذا النموذج بشكل حكيم ومدروس، يمكن للسودانيين أن يحققوا نوعًا من التوازن بين الحكم الذاتي للأقاليم ووحدة الدولة على المستوى السيادي.
لكن الحرب نفسها تمثل أكبر عائق أمام تبني هذا الخيار. استمرار النزاع المسلح وتغذية الانقسامات المحلية يعمقان من خطر التقسيم، ويجعلان من الصعب تحقيق أي تقدم نحو حل سياسي مستدام. إذا استمرت الحرب، فإن خيار التقسيم سيصبح حتميًا، حيث لن تجد الأطراف الثائرة علي مركزية السلطة سوى طريق الانفصال كوسيلة للبقاء.
السودان يقف اليوم في مفترق طرق تاريخي، حيث يدفعه مأزق الحرب نحو اتخاذ قرارات مصيرية بشأن مستقبله. الفيدرالية، رغم التحديات التي تواجهها، تبدو كخيار يمكن أن يساهم في إعادة بناء السودان وضمان استقراره، إذا ما تم تبنيها ضمن رؤية سياسية شاملة. أما التقسيم، فهو الخطر الذي يهدد البلاد، وقد تدفعه الحرب إلى أن يصبح واقعًا مأساويًا.
في النهاية، يظل السودان بحاجة إلى قيادة حكيمة تستطيع أن تتجاوز مأزق الحرب، وتبني توافقًا سياسيًا يجمع بين الفيدرالية كآلية لتوزيع السلطة، وبين الحفاظ على وحدة الدولة ومنعها من الانهيار.
hishamosman315@gmail.com